خليلي دعوى برحتَ بخفاءِ
خليلي دعوى برحتَ بخفاءِ / ألا انزلا رحل الأسى بفنائي
وهدا من الصبرِ الجميلِ بنائي / قفا ساعداني لات حينَ عزائي
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ /
أيتركُ ربعٌ للرسالةِ سبسبُ / تجيءُ به هوجُ الرياحِ وتذهبُ
ولا تنهمي فيه العيونُ وتسكبُ / وتظلعُ أعناقَ الذنوب وتنهب
بسقء اللوى بين الدخولِ فحومَلِ /
دِيارُ الهدى بالخيفِ والحجراتِ / إلى ملتقى جمعٍ إلى عرفاتِ
مجاري سيولِ الغيمِ والعبرات / معارفُ هدي أصبحت نكراتِ
لما نسجتها من جنوبٍ وشمألِ /
عذيري من رزءٍ بصبريَ يعبثُ / ومن شانيء في عقدةِ الصبرِ ينفثُ
وأي مصابٍ عهدُهُ ليسَ ينكثُ / كأني إذا ما القومُ عنهُ تحدثُوا
لدى سمُراتِ الحيِّ ناقفُ حَنظَلِ /
ألا يا رسولَ اللَهِ صدري توهَّجا / لمصرعِ سبطٍ في الدماءِ تضرجا
فعطلت جيدَ اليأسِ من حيلةِ الرَّجا / فتعساً لأقوامٍ يُريُدونَ لي نَجا
يقولونَ لا تهلك أسى وتجملِ /
على مثلِ ما أمسي من الحبِّ أصبحُ / زنادُ فؤادي باللواعجِ تقدحُ
ولو أن قلبي للتجلدِ يجنحُ / لفاضت جفوني بالسواكب تطفحُ
على النحرِ حتى بل دمعي محملي /
عهودُ مصابي امنت يد فاسخِ / ومحكمُهُ لا يتقي حكم ناسخِ
فلو أشتكيه للنجومِ البواذخِ / لعالت بنعي السبط صرخةُ صارِخِ
فقالت لك الويلاتُ إنكَ مُرجلي /
أقول لحزنٍ في الحسين تأكدا / تملك فُؤادي متهماً فيه منجدا
ولو غيرُ هذا الرزءِ راحَ أو اغتدى / لناديتهُ قبلَ الوُصولِ مُرَدِّدا
عَقَرت بعيري يامرأ القيسِ فانزلِ /
سهامُ الأسى هذا فؤادي فانفذي / في ألمي بعدَ الحُسينِ تلذذي
ومن عبرتي والثكلِ أروى وأغتذي / ويا مقلتي من أن تشحي تعوذي
ولا تبعديني من جناكِ المُعَلَّلِ /
وركب إذا جاراهم البرقُ يعثرُ / تذكرت فيهم كربلاء فأجأر
وغيداء لا تدي الأسى كيف يخطُرُ / بثتت لها ما كنت بالطفِّ أضمرُ
فألهيتها عن ذي تمائم محولِ /
مجلي الأسى في ملعب الصدرِ برزا / وماطِلُ ذاك الدمعِ وفي وأنجزا
وحل الأسى من قلبي الصبِّ مركزا / فغايةُ هذا الحزنِ أن يتحيزا
بشقٍّ وشقٍّ عندنا لم يحولِ /
عزائي في عشواء ثكلي خابطُ / وسهدي إلى وردِ المدامعِ فارِطُ
وللقلبِ في مهوى الوجيبِ مساقِطُ / تعدَّت شجونٌ في القضايا قواسِطُ
عليَّ وآلت حَلفَةً لم تحلَّلِ /
أما لعُهودِ الهاشميينَ حافِظُ / فبالطفِّ يومٌ للرسالةِ غائِظُ
على ثكلِهِ قلبُ الكريمِ مُحافِظُ / فيا مهجتي إني على السبطِ فائِظُ
فسلي ثيابي من ثيابك تنسلِ /
نجيعُ حفيدِ المصطفى كيفَ يُسفَكُ / ورِقُّ بنيهِ بعدَهُ كيفَ يُملَكُ
فيا كربلا والكَربُ لي ممتلك / ليكفيكِ مني أن ذكركِ مُهلِكُ
وأنكِ مهما تأمري القلبَ يَفعلِ /
أيا حسرتي يوم أنتأوا وتحملوا / إلى كربلا مأوى القُلُوبِ تنقلوا
ليسبوا على حكم الضلالِ ويقتلوا / فيا رزءهم صمم ومثلكَ يَفعَلُ
بسهميكَ في أعشارِ قلبٍ مُقتَّلِ /
أيا فاسِقاً قاد الغُرورُ شكائمه / فأورد في صدر الحسينِ صوارِمَه
تهيأ ليومِ الحشر تجرع علاقِمَه / فمالكَ منجىً من خصومةِ فاطِمَه
وما إن أرى عنكَ العماية تنجلي /
تبرأ من قلبٍ بلذتهِ اعتنى / وآلُ رسولِ اللَهِ في شرِّ مجتنى
إذا ما اقتضوا ورداً أحيلوا على القنا / وعترةُ حربٍ في جنى روضَةِ المنى
غذاها نميرُ الماءِ غيرِ المُحللِ /
عصوا في احتمال الرأس يا ويح من عصى / وخلوا حسيناً في الثرى متقصما
لكي يدركوا عند ابن حربٍ تخلصا / كأن سنا رأسِ الحُسينِ على العصا
منارةُ ممسى راهِبٍ متبتلِ /
فؤادي صرح بالجوى لا تعرِّض / ويا دمعُ ذهب وجتنتي لا تفضضِ
ويا سهري من طيبِ نومي تعوَّضِ / فما عُمرُ أحزاني عليهِ بِمُنقَصِ
وليسَ فؤادي عن هواها بِمُنسَلِ /
مُصابُ حسينٍ رأسُ مالِ الفجائع / فلاتكُ في سلوانِ قلبي بطامِعِ
وقَرطِس بسهمِ العتبِ غيرَ مسامعي / ثكلتكَ من ناهٍ عن الحزنِ وازعِ
نصيحٍ على تعذالِهِ غيرِ مُؤتلِ /
إلى اللَه من عبدٍ على سيّدٍ بغى / فغادره تحت العجاج ممرغا
يُنادي رسولَ اللَه في أزمة الوغى / أجرني من باغٍ بِعُدوانِهِ طَغَى
عليَّ بأنواعِ الهُمُومِ ليبتلي /
ألا أنه يومٌ على الطفِّ آزِفُ / بهِ نُكِّرَت لابنِ الرَسُولِ معارِفُ
وساعَدَه قلبٌ هنالكَ واجِفُ / فنادى ظلامَ الظلمِ والنحرُ راعِفُ
ألا أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انجلِ /
أيا حاديَ المُختارِ جلدِي يُمَزَّقُ / بِعُدوانِ قومٍ غيُّهم يَتَفَرَّقُ
وكيفَ تحنُّ اليومَ أو كيفَ تُشفِقُ / قُلُوبُ عِداً عن مَوقِفِ الوَعظِ تُزهِقُ
كَجُلمُودِ صخرٍ حَطَّهُ السيلُ من عَلِ /
أيا أمَّةَ الطُغيانِ ما لَكُمُ حِسُّ / علامَ بناءُ الدارِ إن هُدِّمَ الأُسُّ
أترجونَ إصباحاً وقد غابتِ الشمسُ / وزَلَّ بكُم عن دينكم ذلكَ الرجسُ
كما زلتِ الصفواءُ بالمتنزلِ /
رويتم وضجَّ السبطُ فيكُم تعطشا / فسقيتموه ظالمينَ دم الحشا
ألا رُبَّ حقدٍ في صدورِكُم فشا / فأغريتمُ للصارِمِ العضبِ أرقشا
بجيدِ مُعَمٍّ في العشيرةِ مُخوَلِ /
قضى اللَه أن يقضي على القَمَرِ السُّها / فراشةُ سَوءٍ زَلزَلَت عُصبَةَ النُّهى
فشعرُ الحسينِ بالنجيعِ تموَّها / ترى الدمَ في تلكَ الذوائِبِ مُشبِها
عُصارةَ حَنَّاءٍ بِشَيبٍ مُرَجَّلِ /
بقايا ضُلُوعي فوقَ جمرِ الغَضى تُطوى / ودمعيَ يَسقي حرَّ صدري فلا يُروى
لرزءٍ أن يغلبَ الأضعفُ الأقوى / وينزلَ أهلُ الفِسقِ في أربُعِ التَّقوى
نُزولَ اليَماني ذي العِيابِ المُحَمَّلِ /
فَرُمتُ بهِ قلباً عن الصبرِ أجفلا / تحملَ من برحِ الجَوَى ما تحمَّلا
ولا ناصِرٌ يُعدي على جَور كَربلا / على أنَّ لي دمعاً إذا ما تسبَّلا
يَكُبُّ على الأذقانِ دَوحَ الكنهبلِ /
لمثلِكَ من رزءٍ عصيتُ عزائيا / وأعطيتُ أشجان قيادَ بُكائيا
فلو أنني ناجيتُ طوداً يمانيا / لأذرفَ دمعاً أفضح الغيمَ هاميا
فأنزلَ منهُ العُصمَ من كُلِّ مَنزِلِ /
لأنتحلنَّ الدهرَ حبَّ بني علي / وأتلُوا مراثيهم على كُلِّ محفلِ
عسى جدهُم يومَ الجزا أن يمدَّ لي / بغفرِ ذنوبي راحةَ المتفضلِ
فأظفَرَ بالرحمى من الملكِ العلي /
أياسا معي هذا الرثاء ترحموا / على مسرفٍ قد طال منه التجرمُ
مؤخرّ سعيٍ حُبُّهُ متقدِّمُ / عسى يتلقاهُ النبيُ المُكرَّمُ
بوجهٍ يُرَقيهِ لكلِّ مؤمّلِ /