المجموع : 6
يميناً لقد بالغتَ يا خِلَّ في العذلِ
يميناً لقد بالغتَ يا خِلَّ في العذلِ / وما هكذا فِعْلَ الأخلاءِ بالخِلَّ
اِذا أنتَ لم تُسعِدْ خليلكَ في الهوى / فَذَرْهُ لقد أمسى عنِ العَذْلِ في شُغْلِ
فلا تحسبنَّ العذلَ يُذهِبُ وجدَه / فلومُكَ بالمحبوبِ يُغري ولا يُسلي
وما كنتُ مِمَّنْ يُذهِبُ الوجدُ حزمَه / لعمرُكَ لولا أسهُم الأعينِ النُّجلِ
ولا كنتُ مِمَّنْ يشتكي جُمْلَةَ الهوى / وتفصيلَهُ لولا أليمُ هوى جُمْلِ
فمَنْ لمشوقٍ دمعُهُ بعدَما نأتْ / مُذالٌ على الأطلالِ يسفحُ كالوَبْلِ
يُسَقّي دياراً طالما عرصاتُها / تشكَّتْ اليه ما تُعانيهِ مِن مَحْلِ
تناءَى بهِ عن أربُعِ الجِزعِ أهوجٌ / يُباري الرياحَ الهوجَ في الحَزْنِ والسهلِ
يخوضُ الدجى والقفرَ لا يعرفُ الوَجا / اِذا ما اشتكاه العيسُ في لاحبِ السُّبلِ
وينصاعُ في ثِني الزمامِ كأنَّه / يحاذِرُ صلاً منه أو نهشةَ الصَّلِ
واِنْ أسدلَ الليلُ البهيمُ ستورَه / سَرَى عَنَقاً في البيدِ يَعْسِلُ كالطَّملِ
اِذا رامتِ البزلُ الصَّعابُ لحاقَه / وقد ذرعَ الموماةَ أعيا على البزلِ
فترجِعُ دونَ القصدِ وهي طلائحٌ / سواهمَ مثلَ الجِذْلِ تنفخُ في الجُدْلِ
فهل يُبْلِغَنَّي دار هندٍ واِنْ نأتْ / وأصبحَ منها الوصلُ منصرِمَ الحبلِ
لئن جئتُها مِن بَعْدِ بُعْدٍ فظهرُه / حرامٌ على الكُورِ المبرَّحِ والرَّحْلِ
فما ذكرتْها النفسُ إلا تحدَّرتْ / مدامعُ تُغني الأرضَ عن ساجمِ الهَطْلِ
تجودُ عليها بالعشيَّ وبالضحى / فتزهو بمخضرًّ مِنَ النبتِ مُخضلَّ
أرى العيشَ بعدَ المالكيَّةِ لا يحلو
أرى العيشَ بعدَ المالكيَّةِ لا يحلو / وقلبي مِنَ الشوقِ المبرَّحِ لا يَخْلو
ومَنْ عرفَ الأحبابَ والوصلَ والهوى / فهيهاتَ أن ينسى على النأي أو يَسْلو
جزى اللهُ حينَ الوصلِ خيراً وعصرَهُ / وجادَ دياراً فارقوا أرضَها الوَبْلُ
منازلُ كانتْ بالغواني حوالياً / فمذْ بِنَّ عنها فهي مِن أُنسِها عُطْلُ
وحيّا ثراها مِن دموعي مواطرٌ / على عَرَصاتِ الدارِ سحّاحةٌ هُطْلُ
يوشَّعُ أقطارَ الخمائِل ماؤها / اِذا ما مضى سَجْلٌ تلا اِثْرَهُ سَجْلُ
وما الدمعُ مِن الحبائبِ سُبَّةً / وقد باعدتْهنَّ المخزَّمَةِ البُزلُ
نأينَ فلي عندَ الخدورِ لبانةٌ / تذكَّرُنيها دونَها الحَدَقُ النُّجْلُ
سأطلبُها بالعيسِ تَنتهِبُ الفلا / سِراعاً إذا ما هابتِ المهمةَ الاِبْلُ
نواحلُ أنضاها الوجيفُ إذا انبرتْ / تَراقَلُ في ارسانِها خَجِلَ الهِقْلُ
نمتْها كما اختار الرَّكابُ جوانحاً / على مضضِ السيرِ الغريريَّةُ الهُدْلُ
نجائبُ مِن نسلِ الجَديلِ وشَدْقَمٍ / تَطيرُ بنا لولا الأزِمَّةُ والجُدْلُ
اِذا ما رأتْ برقاً وقد عَسْعَسَ الدُّجى / يلوحُ على بُعدٍ كما لمعَ النَّصْلُ
تُراعُ كأنَّ البرقَ جرَّدَ سيفَه / عليها إذا امتدَّتْ بركبانِها السُّبْلُ
فتعسِلُ تحتَ الليلِ والليلُ عاتمٌ / الى الغرضِ النائي كما يَعْسِلُ الطَّمْلُ
تَغُذُّ بركبانِ الغرامِ إلى الحِمى / وقد شاقَها مِن دونِه الضَّالُ والأثْلُ
الى أن وصلتُ الحيَّ مِن دونِ سربهِ / محامونَ قد أحمى صدورَهمُ الغَلُّ
مساعيرُ قد أنضجتُ غيظاً كبودَهمْ / فكلُّ فتًى منهمْ يضرَّمُهُ الذَّحْلُ
يغضُّونَ دوني الطرفَ وهو مردَّدٌ / اليَّ اختلاساً مثلما نظرَ الصَّلُّ
صغيرُهمُ يُدمي عليَّ بنانَه / فكيفَ تراه يصنعُ الرَّجُلُ الكَهْلُ
فكشَّفْتُ أستارَ الحِجابِ كأنَّني / لِمَنْ دونَها بَعْلٌ واِن كَرِهَ البَعْلُ
بعزمٍ يعيدُ اليومَ أسودَ قاتماً / يخوضونَهُ الخيلُ الكرائمُ والرَّجْلُ
وجَدًّ إذا أضحتْ كتائبُ خيلِهم / كثيراً ولاقيناهمُ في الوغى قلُّوا
واِن هيَ أمستْ في الديارِ عزيزةً / غزونا مغانيها فحلَّ بها الذُّلُّ
فلا ظلَّ إلا ما تظلَّلُه القنا / أو النقعُ أن الموتَ تحتَهما فَضْلُ
وما روضةٌ سقَّى الغمامُ نباتَها / وبدَّدَ فيها عِقْدَ أدمعِه الطَّلُ
غدا النَّوْرُ في أرجائها متبسَّماً / اِذا ما اعترى أرضاً سوى أرضِها المَحْلُ
تفتَّحُ عن مِثِل الثغورِ أقاحُها / فأصبحَ لي فيها بأشباهِها شُغْلُ
كسعدي وقد أبدتْ شتيتاً مؤشَّراً / غداةَ التقينا بعدَما افترقَ الشَّمْلُ
وما المزنُ أرخى وبلَهُ فسقَى الرُّبى / كدمعي عُقَيْبَ البينِ أن النوى ثُكْلُ
فيا عاذليَّ الآمِرَىَّ على الهوى / بما لستُ أرضاهُ لقد برَّحَ العّدْلُ
أأسلو وقد جادَتْ بطيبِ وصالِها / لقد شابَ مِن امر ترومانِه الطَّفْلُ
فأين التذاذي بالتداني وطيبِه / ثَكِلْتُكُما أم أين ما أتقنَ الرُّسْلُ
وأين الشُّعورُ السودُ تبدو كأنَّها / أساوِدُ يُبديها لي الشَّعَرُ الجَثْلُ
اِذا كنتُ لا ارعى العهودَ فخانني / نَسيبي على الأحبابِ والمنطقُ الجَزْلُ
يسائلُها والبينُ ترغو رواحِلُهْ
يسائلُها والبينُ ترغو رواحِلُهْ / أيرجِعُ مِن عهدِ الكثيبِ أوائلُهْ
اِذا مرَّ يومٌ لا أراكِ فاِنَّهُ / هو الموتُ أو أسبابُهُ أو دلائلُهْ
يسائلُ ربعاً بعدَ بينكِ كلَّما / ألمَّ يُحييَّهِ شجتْهُ منازلُهْ
وماذا عسى يُجدي عليه سؤالُهُ / وقد كادتِ الأطلالُ شوقاً تسائلُه
يزورُ مِنَ الوجدِ الديارَ واِنَّها / لتضرِمُ نارَ الشوقِ والشوقُ قاتلُه
واِنْ لمعتْ في الليلِ مِن نحوِ ارضِها / بوارقُ مزنٍ فالتصبُّرُ خاذلُه
واِنْ هبَّ عن دارٍ تَحُلُّ ربوعَها / نسيمٌ أبتْ أن تستقرَّ بلابلُه
أليس عجيباً أن يفارقَ اِلفَهُ / وتقوى على نَيْلِ الفراقِ مقاتلُه
اِذا ما اقتضى وعدَ الزمانِ بقربِها / ويا بعده أضحى الزمانُ يماطلُه
تُؤرَّقُه تحتَ الظلامِ حمامةٌ / يُهَيَّجها بانُ الحمى وخمائلُه
لها فيه لمّا أن نأتْ عن جَنابِهِ / هَدِيلٌ تُرَجَّي قُرْبَهُ وتُحاولُه
صبتْ نحوَه والدهرُ قهراً يعوقُها / وأحداثُه عن قصدِهِ وغوائلُه
تُردَّدُ في أعلى الاراكة نوحها / فتقلقه والليل تدجو غياطله
فيبكي على اِلْفٍ رَمتْهُ يدُ النوى / بفائضِ دمعٍ لا تَغُبُّ هواملُه
ويُذْكِرُه البانُ القدودَ إذا انثنتْ / تَرنَّحُ مِن مَرَّ النَّسيمِ موائلُه
كأنَّ النوى والهجرَ قد خُلِقا لهُ / اِذا زالَ ذا عنه فذا لا يُزايلُه
ويكفيهِ شُغلاً بعدَ فُرقةِ بينهِ / سَقامٌ عَنِ العذّالِ واللَّومِ شاغلُهْ
بَرى جسمَه فرطُ الغرامِ وزادَه / غراماً لواحيهِ به وعواذلُه
سقى دمعُه ربعاً لاْسماءَ مُقْفِراً / وروَّى ثرى تلكَ المرابعِ هاطلُه
فاِنَّ بها رسماً يكادُ لأُنسِهِ / به كلَّما حيّاهُ حيّاهُ ماحلُه
اِذا ما أتاهُ بعدَ لاْيٍ وقد عَفا / بكَى عهدَهُ فيه فرقَّتْ جنادِلُه
مرابعُ كم راقتْ بها غَدَواتُهُ / على غِرَّةِ الواشي ورقَّتْ أصائلُه
يعوجُ عليها وهي قفرٌ وما بها / سوى طللٍ بادٍ لعينيهِ ماثلُه
تقضَّى بها الوصلُ القليلُ وزادَه / بها شغفاً والوصلُ تُصبي قلائلُه
أأحبابَهُ غبتمْ فأوحشَ ربعُكمْ / مُحِبَّكمْ والربعُ يُؤْنِسُ آهلُه
وقد كنتمُ هدَّدتُموه ببينِكمْ / مُزاحاً إلى أن حُقَّ لاحُقَّ باطلُه
فعوَّضتُموهُ عن تداني مزارِكمْ / بِعاداً لقد خابَ الذي كانَ يأمُلُه
وكدَّرتُم صفَو الوصالِ فهل تُرى / تعودُ كما كانتْ عِذاباً مناهلُه
ويَرجِعُ عصرُ القربِ يبسِمُ ثغرُهُ / وتُبدي له بُشرى التداني مخايلُه
لئن عُدْنَ أيامُ الأُثيلِ وطيبُها / كميدانِها الماضي فهنَّ وسائلُه
يغازلُ في ظلَّ الكِناسِ غزالَهُ / وترنوا اليه بالعشيَّ مطافلُهْ
ومُنْخَرَقٍ تبقى الرَّكابُ بعَرضِه / مطلَّحةً مما تَمُدُّ مجاهلُه
سرى فيه مغلوبُ التجلُّدِ والِهٌ / يؤمُّ النقا واليومُ تَغلي مراجلُه
على ضامرٍ أودى الكَلالُ بِنَيَّهِ / يَصِرُّ مِنَ الاِعياءِ والجَهدِ بازلُه
يزيدُ على بعدِ المسافةِ وَخْدُهُ / نشاطاً متى شطَّتْ لديهِ مراحلُه
يناحلُ مِن فرطِ الهزالِ زِمامَه / وراكبُه نَصْلُ الحُسامِ يناحلُه
له عزماتٌ في الأمورِ كأنمَّا / حكتْه مُضَاءً وانصلاتاً مناصِلُه
تبيتُ نِهالاً مِن دماءِ عُداتِه / اِذا ما دعتْهُ بالنزالِ ذوابلُه
ولولا تلظَّي البأسِ منه لأورقتْ / وقد لمستْها كفُّه وأناملُه
اِذا خاضَ بالسيفِ العجاجَ حسبتَهُ / أخا لِبَدٍ نيطتْ عليه حمائلُه
لِمَنْ دِمَنٌ بالرقمتينِ وأطلالُ
لِمَنْ دِمَنٌ بالرقمتينِ وأطلالُ / سقاهنَّ سْحاحٌ مِنَ المزنِ هطّالُ
ديارٌ أمحَّ الدهرُ عنها رسومَها / فهنَّ وماعندى مِنَ الصبر أسمالُ
فماليوقد خفَّ القطينُ بأهلِها / ولاللمغاني من جوى البينِ اِبلالُ
وقفتُ بها أبكي ومِن نَفَسي ومِن / دموعيَ مَنهلُّ عليها ومِنهالُ
وأسألهُا عن أهلِها وأخو الهوى / لماثلِ أطلالُِ المنازلِ سآلُ
وقد كانتِ الأوطانُ يصبيكَ أنُسها / زمانَ التداني وهي بالغيدِ مِحلالُ
فماطالَ في تلكَ الديارِ بوجرَةٍ / وآجالِها للوصلِ منهنَّ آحالُ
سقى الغيثُ منها كلَّ عافٍ وان مضتْ / عليه مِنَ الأيامِ والدهرِ أحوالُ
وسَّقى دياراً تُنبتُ الأثلَ أرضُها / واِنْ شاقني مِن دونهِ الطلحُ والضالُ
وأسمرَ مامالَ الدلالُ بقدِّهِ / مِنَ التيهِ اِلاّغار أسمرُعسّالُُ
يروقكَ منه أويروعكَ كلَّما / نأى أوتداني طيبُ قربٍ وترَحالُ
ففي الثغرِ نَبّاذٌ تضُّوعَ خمرُه / عُقَيبَ الكرى طيباً وفي الجفنِ نبّالُ
وفي حالَتَيْ هجرانهِ ووصالهِ / أُراعُ فقلْ لي فيهما كيفَ أحتالُ
وعيسٍ يُناحِلْنَ الأزمَّةَ في البرُى / براهنَّ تخويدٌ ووخد واِرقالُ
سفائرُليلٍ بل سفائنُ مهمهِ / يُرَفِّعُها طوراً يَخفضُها الآلُ
تمدُّ إلى لمعِ السرابِ رقابَها / وقد غرّها فيه مِنَ الماءِ تمِثالُ
وهيهاتَ أن يَروي الهُيامَ زلالُه / وقد صفَّقَتْهُ الريحُ أزرقُ سلسالُ
ولماّ رأيتُ السَّربَ تعطو ظباوءه / وفي السَّربِ مِعطارٌ مِنَ الحَلْيِ معطالُ
رميتُ بطرفي نحوَ وردةِ خدِّها / وأسودِ في الخالِ فانطبعَ الخالُ
فيا نظرةً أهدتْ إلى القلبِ لوعةً / وقد ناسَ مِن تلكَ الغدائرِ أصلالُ
ومُنطمِسٍ للعيسٍ والركبِ عندَه / حنينٌ على بالي الرسومِ واِعوالُ
اِذا نحنُ ملنا نحوهَ وهوداثرٌ / شَجْتنا أمانيُّ تعفَّتْ وآمالُ
وقيدَّنا فيها الحنينُ فلم نُطِقْ / بَراحاً وللذكرى قيودٌ وأغلالُ
ولما تبارى الغيثُ في عرصاتِها / ودمعي فتَهماعٌ ألثَّ وتهمالُ
قضى الشوقُ للغيثينِ أن مدامعي / سيولٌ وأمواه السحائبِ أوشالُ
فواخجلاً للسُّحبِ لمّا تقوَّضتْ / وجفني ودمعي لم تَحُلْ بهما الحالُ
اِذ هبَّ معتلُّ النسيمِ عنِ الحمى / وشاقتكَ أسحارٌ وراقتكَ آصالُ
وميَّلَ أعطافَ الغصونِ هبوبَهُ / كما ماس ميّادُ المهرَّه ميّالُ
فحِّي الحمى عنّي ومَنْ حلَّ بالِحمى / غراماً واِنْ ملُّوا هوايَ واِنْ مالوا
فهمْ موضُع الأهواءِ لم يَثنِ عنهمُ / وعيدُُ كما ظنَّ الوشاةُ وأهوالُ
ومِن عَجَبٍ أن الفراقَ تسوؤني / تصاريفُهُ والقومُ في القلبِ نُزّالُ
فليت جميعَ الناسِ لي في هواهمُ / اِذا ذُكروا عندي وشاةٌ وعذّالُ
وما جالَ ذكرُ البينِ والوصلُ مكثبٌ / حِذارَ النوى إلا عرتنَي أوجالُ
وصالٌ أخافُ البينِ فيه واِنْ غدتْ / تُفطَّعُ منه بالقطيعةِ أوصالُ
لِسرِّي ونارِ الشوقِ ما هبتِ الصَّبا / على الدهرِ اِشعالُ يزيدُ واِشغالُ
وللشِّعرِ منَّي أن أحوكَ بديعَهُ / لتُوصَفَ غِزلانٌ وتُنشَدُ أغزالُ
وقد زعموا أن المحبَّةَ رشدُها / ضلالٌ وهم عندَ المحبينَ ضُلاّلُ
هو الوجدُ ما بالي أنؤُ بحملِه
هو الوجدُ ما بالي أنؤُ بحملِه / ضلالاً كأنَّي ما مُنيتُ بمثلِهِ
هوًى يقتضي كلَّ يومٍ برحلةٍ / على ظهرِ نضوٍ يشتكي ثِقْلَ رحلِهِ
يجاذبُني فضلَ الزمامِ كأنَّه / يحاذِرُ خوفاً منه نهشةَ صِلَّهِ
اِذا ما عداهُ الوِردُ سارَ ميمَّماً / على ثقةٍ مِن وبلِ دمعي وطَلَّهِ
يسابقُ ظِلمانُ النعامِ فكلَّما / عَجَزْنَ انبرى يختالُ في سَبْقِ ظِلَّهِ
خليليَّ ما لي لا أرى غيرَ صاحبٍ / اِذا ما رأى وجدي رماني بعذلِهِ
غدا وهو مشغولٌ بعذْلي فليتَهُ / رثى لي مِنَ الداءَينِ شُغلي وشُغلِهِ
اِذا لم يكن خِلُّ يرجَّى لحادثٍ / يُلِمُّ على مَرَّ الزمانِ فخلَّهِ
وذي عَيَنٍ أبدى نصالَ جفونهِ / فأغنتْهُ يومَ الجِزْعِ عن رَشْقِ نَبْلهِ
غزالٌ غدا قلبي له دونَ حاجرٍ / كِناساً وأين القلبُ مِن قُضبِ أثلِهِ
يَهُزُّ قناةَ القدَّ في مَعْرَكِ النوى / فأُمسي طعيناً بين كُثبانِ رملهِ
وما شاءَ فليزددْ دلالاً فاِنَّني / صبورٌ على حُكْمِ التجنَّي لأجلهِ
فوا عجباً ما لي أهيمُ بكلَّهِ / وتُعجرُني الأسقامُ عن حملِ كَلَّهِ
وكنتُ بِعِدَّ الدمعِ ألقى فراقَهُ / فكيف تراني صانعاً بأقلهِ
رثى لي أناسٌ لا رَثَوا لي مِنَ الجوى / غداةَ النوى مِن فيضِ دمعي وفِعْلِهِ
اِذا هبَّتِ الريحُ الشَّمالُ وجَدْتُني / أسائلُها عن جمعِ شملي بشملِهِ
كأنَّ لهذا البعدِ عندي كما أرى / ذُحولاً فما ينفكُّ طالبَ ذَحلِهِ
إِذا لم يكن في الحبَّ قلبي معذَّباً / فما أنا مِن ركبِ الغرامِ وأهلِهِ
ومرَّ نسيمٌ بتُّ أسألُ نفحَهُ وقد كانَ / لولا الهجرُ مِن بعضِ رُسْلِهِ
تلقَّيتُه أبغي الشفاءَ كعهدِنا / به عند اِهداءِ السلامِ ونقلِهِ
فلم أرَ فيه غيرَ ما يبعثُ الجوى / لقلبي ويكفيهِ تعذُّرُ وصلِهِ
غرامٌ يريني كلَّ يومٍ أدلَّةً / بأنَّ المنايا بينَ ذُلَّي ودَلَّهِ
وقد كانَ قبلَ البينِ بالوصلِ ماطلاً / ومَنْ لي بعصرِ القربِ منه ومطلِهِ
ومَنْ لي بأنْ تدنوا الديارُ وأنْ أرى / يدَ الجَوْرِ قد شُلَّتْ بسلطانِ عدلِهِ
مقالةُ ذي شوقٍ يذوبُ صبابةً / الى شهدِ فيه لا إلى شهدِ نحِلهِ
ومنْ لي بأيامِ النُخَيلِ وطيبِها / حنيناً إلى مَنْ حلَّ أفياءَ نخِلهِ
همُ كلَّفوني جوبَ كلِّ تنوفةٍ / تَشُقُّ على قُبِّ الفريقِ وبُزلِهِ
يُروِّعها منه أعالي هضابِهِ / ويَذعِرُها فيه تباعدُ هَجْلِهِ
يميناً بمجدولِ الذراعينِ تامك / يَرَى غَبنَاً أن يُستضامَ بجَدْلِهِ
اِذا ما سرى والليلُ في لونِ حِلْسهِ / أرتني عيونُ الشوقِ آثارَ سُبلِهِ
وما الشوقُ إلا في فؤادِ علمتُه / وكلُّ سرورٍ عادهُ لم يُسَلِّهِ
حِفاظاً وأيُّ الناسِ تبقى عهودُه / على غدرِ أبناءِ الزمانِ وخَتْلِهِ
أرى البرقَ خفّاقَ الوميضِ كأنَّه / فؤادي وقد عانيتُ هِزَّةَ نصلِهِ
وما حلَّ مِن خيطِ الغمامِ فأدمعي / تُخَجِّلُ ماجادَ الغمامُ بحلِّهِ
وما زالَ دمعي عندما يَبْخَلُ الحيا / جواداً على بالي الديارِ بهطلِهِ
ومُسخبرِ الرُّكبانِ عَجَّرَهُ الهوى / وناهيكَ عن ثِقْلِ القميص وثِقْلِهِ
تعرَّضَ يبغي في النسيمِ مِنَ الحِمى / سلاماً فما مرَّ النسيمُ بحملِهِ
يشبِّبُ مِن فرطِ الولوعِ بهندِه / وَينسُبُ مِن حرِّ الفراقِ بجُملِهِ
صبورٌ على حكمِ التفرُّقِ والقِلى / شكورٌ لتقليدِ الوصالِ وعزلِهِ
لأفلحُ مَنْ لم يعرفِ الشوقَ دهرَهُ / ولا سارَ في حَزْنِ الغرامِ وسهلِهِ
ولستُ على أزْمِ الفراقِ بآيسٍ / بِانَّ دنواَّ الدارِ يودي بأزلِهِ
فأين رجالُ النقدِ دونهمُ الذي / أنضِّدُ مِن جِدِّ القريضِ وهَزلِهِ
فِانْ لم يكنْ في حَلْبةِ النَّظمِ سابقاً / فما فازَ قدْحي في الَّرهانِ بخَصْلِهِ
وما الشِّعرُ إلا ما يكونُ بديعُه / حبيساً على دِقِّ الكلام وجِلَّهِ
ولولا الهوى أو رتبةُ الفهمِ لم ارُضْ / قرائحَ فكرٍ جَدَّ عفواً بجزلِهِ
وان كنتُ لا أرضى ولم يرضَ أنِّه / يُرى ومحلُّ النجمِ دونَ مَحَلِّهِ
وما الفضلُ إلا مَن يُعبِّرُ شِعرُهُ / بكلِّ لسانٍ عن نباهةِ فضلِهِ
فما بالهمْ عندَ الحقيقةِ أفحِموا / وقد فُزْتُ مِن حرِّ الكلامِ بفصلِهِ
اليهمْ ففكري صيقلُ الشِّعرِ مثلما / يروقكَ متنُ المَشرَفيِّ بصقلِهِ
وما السيفُ إلا فيه للمرءِ روعةٌ / وأعظمُ ما يخشاه ساعةَ سَلِّهِ
أبثُّكَ ما بي أم كفاكَ نحولي
أبثُّكَ ما بي أم كفاكَ نحولي / ففيه على وجدي أتَمُّ دليلِ
يُخبَّرُ عما في الضمائرِ صادقاً / بغيرِ كلامٍ لا يُفيدُ طويلِ
ومذ نَمَّ فرطُ السُّقمِ عنه بحالهِ / تَرَفَّعَ عن واشٍ به وعذولِ
فيا أهلَ ودَّي كيفَ حلَّلتمُ النوى / أمِنْ خوفِ مالٍ في الغرامِ وقيلِ
مللتُمْ هوًى ما أن مللتُ عذابَهُ / على أن ما في الغيدِ غيرُ ملولِ
وخلَّفتموني في الديارِ وبنتمُ / بطرفٍ على بالي الديارِ هَمولِ
وتندو دموعي والدموعُ بواعثٌ / دواعي الأسى مِن زفرةٍ وعويلِ
وألفى شجاعُ البينِ منّي تجلداً / بصبرٍ على حكمِ الغرامِ ذليلِ
فما حيلتي ما في الأحبَّةِ راحمٌ / ولا في رجالِ الوجدِ غيرُ جهولِ
وكم لهم في كلَّ ربعٍ ومنزلٍ / حليفَيْ هوًى مِن قاتلٍ وقتيلِ
ولمّا جَزَعنا الجِزعَ قلتُ لناقتي / الى دارِ ليلى بالأجارعِ ميلي
تُراحَيْ مِن الاراقلِ في كلَّ مهمهٍ / وهَجْلٍ إلى سكانِها وذميلِ
مِنَ الهوجِ لم تغلْ واِنْ كظَّها السُّرى / الى كلَّ حيًّ نازحٍ وقبيلِ
اِذا هالَها الاِدلاجُ والخرقُ لم تُرَعْ / واِنْ سمعتْ للموتِ كلَّ أليلِ
تَغُذُّ بذي وجدٍ براهُ على النوى / نوازعُ شوقٍ في الفؤادِ دخيلِ
فمَنْ لأخِ الوجدِ العليلِ على النوى / بقربِ مزارٍ أو بِبَلَّ غليلِ
معنًّى بأغصانِ القدودِ رشيقةً / كبانِ الحِمى في دِقَّةٍ وذبولِ
يُرنَّحُها سكرُ الصَّبا فيُميلُها / دلالاً على العلاّتِ كلَّ مَمِيلِ
ولمّا وقفنا للوَداعِ اِشارةً / بطرفٍ مِنَ السَّجفِ الخفيَّ كحيلِ
وقد عنَّ مِن سربِ الغواني ربابٌ / سنحنَ لنا في مَرْبَعٍ ومَقيلِ
وقفتُ فلم أملِكْ بوادرَ عبرةٍ / تَسُحُّ على ربعٍ لهنَّ مَحيلِ
وما الدمعُ إلا للفراقِ فيها بأهلِها / وعهدَ الصَّبا في بُكْرَةٍ وأصيلِ
اِذا بَعُدَ الأحبابُ عنّي ولم أجدْ / رسولاً اليهمْ فالنسيمُ رسولي
أسائلُ عنهمْ كلَّ ريحٍ تنسَّمتْ / عليَّ ضُحًى مِن شمأَلٍ وقَبُولِ
فيا حبذا ذاكَ الزمانُ الذي مضى / حميداً باِلْفٍ يُرتضى وخليلِ
زماناً تقضَّى ما رأيناهُ سامنا / على ولَعٍ في الدهرِ غيرَ جميلِ
صَحِبْنا به تلكَ الغواني أوانساً / الى ظِلَّ عيشٍ للشبابِ ظليلِ
سأمدحُ ذيّاكَ الزمانَ بمِقْولٍ / يُريكَ لسانَ الشعرِ غيرَ كليلِ
بمدحٍ إذا فاهَ الرواةُ به غداً / قليلٌ مديحي وهو غيرُ قليلِ
على أن أهلَ الشَّعرِ امْسَوا وأصبحوا / كثيراً وما في الأكثرينَ عديلي