قَضَى عمرَهُ في الهجرِ شوقاً إلى الوصلِ
قَضَى عمرَهُ في الهجرِ شوقاً إلى الوصلِ / وأَبلاهُ من ذكرى الأَحبَّةِ ما يبلي
وكان خلِّي القلبِ من لوعةِ الهوى / فأَصبحَ من بَرْحِ الصّبابةِ في شغلِ
وأَطربَهُ اللاحي بذكرِ حبيبهِ / فآلى عليهِ أَن يَزيدَ من العذلِ
وإنّ مريرَ العيشِ يحلو بذكركمْ / وهل لمريرِ العيشِ غيريَ مُسْتَحْلِ
وصالكم الدُّنيا وهجركم الرَّدى / وقربكُمُ عزِّي وبُعدكمُ ذُلِّي
ومستحسنٌ حفظ الودادِ فراقبوا / لأَجلِ اقتناء الحمدِ عهديَ لا أَجْلي
نَفى الصَّبرَ من قلبِ المتيَّمِ خبلُهُ / وكيف ثباتُ القلبِ في مسكنِ الخبلِ
فقلبيَ بينَ الشّوقِ والصبرِ واقفٌ / على جَدَدٍ بينَ الولايةِ والعزلِ
إذا ما بقاءٌ المرءِ كان بوصلِ مَنْ / يحبُّ فإنَّ الهجرَ نوعٌ من القتلِ
وهل نافعي عذلٌ ونصحٌ على الهوى / وعذليَ يُغري بي ونصحيَ لا يسلي
وما كنتُ مفتونَ الفؤادِ وإنَّما / عليَّ فتوني دلَّه فاتنُ اللِ
نحولي ممَّن شدَّ عَقْدَ نطاقهِ / على ناحلٍ واهٍ من الخصر منحل
إذا رامَ للصدِّ القيامَ أَبتْ له / روادفه إلاَّ القيامَ على وصلي
وكيف تجلّى في هَزيعٍ من الدُّجى / وغصنٍ تثنّى فوق حقْفٍ من الرَّمل
وناظرُهُ نشوانُ لا من سلافةٍ / سقيمٌ بلا سقمٍ كحيلُ بلا كحلِ
وأَشهدُ أنَّ الحسنَ ما خطَّ خطّهُ / بعارضهِ والسِّحرُ ما طرفه يُملي
وما لحظُهُ إلاّ عُقارٌ فإنَّني / وجدتُ هوى عينيهِ يذهبُ بالعقلِ
سقى اللّهُ بالزَّوراءِ قصرَ استقامتي / لإنجازهِ الوعدَ المصونَ من المَطلِ
غداةَ نضوتُ الجد أَبلى جديده / ولا عيشَ إلا هزَّ عطفي إلى الهزلِ
أُنامُ غرَّاً من أَفاضلِ أَهلها / كراماً وكلُّ حليةُ الزَّمنِ العطلِ
وإخوانُ صدقٍ للصداقةِ بيننا / صفاءُ صدورٍ طهَّروها من الغلِّ
ندارسُ آي العقلِ من سورةِ الهوى / ونفهمُ معنى العلمِ من صورةِ الجهلِ
وها أنَا قد أًصبحتُ بالشّامِ شائماً / سنا بارقٍ من غيرِ وَبْلٍ ولا كلِّ
يُؤهِّلُني للبعدِ من كلِّ حظوة / ويحرمني اللذاتِ بُعدي من الأَهلِ
ولا صاحبٌ عندي أُحاولُ نصرَهُ / بتخفيفِ ما يعروهُ من فادح الثُّقلِ
وإنِّي أَرى عينَ الخصاصةِ ثروتي / إذا عجزتْ عن سَدِّها خَلّةُ الخلِّ
أُلاينُ حُسّادي الأَشدّاءَ رقبةً / لهم وأُعاني الصّعبَ بالخُلُقِ السّهلِ
وأُبقي مداراةَ اللئيمِ لعلّهُ / يبيتُ ولا يطوي الضَّميرَ على دغلِ
سوى السُّوءِ لا تجدي مداراة حاسدي / كما يستفادُ السُّمُّ من صلةِ الصِّلِّ
ومن نقصِ هري قصد فضلي بصرفهِ / ليرخصَ منه ما من الحقِّ أَن يغلي
وإنّي من العلياءِ في الكنفِ الذي / به حظُّ فضلي كلَّما انحطَّ يستعلي
وماذا بأَرضِ الشّامِ أَبغي تَعسفاً / ولا ناقتي فيها تُرامُ ولا رحلي
ولي حرمٌ منه الأَفاضلُ في حمى / من الصّونِ بالمعروفِ بالبذلِ في حِلِّ
أَبى الفضلَ فيه أَن يكونَ كمالُهُ / لغيرِ كمال الدِّينِ أَعني أَبا الفضلِ
رحيبُ النّوادي والنّدى واسعُ الذَّرا / رفيعُ الذُّرا عالي السّنا وافرُ الظِّلِّ
نداه حيا المعروف قد شمل الورى / عموماً وغيثُ الخصبِ شُرِّدَ بالمحلِ
إذا خفيت سُبْلُ الكرام فإنّه / كريمُ المساعي بينهم واضحُ السُّبلِ
وفي الجدب إنْ جادتْ سماهُ سماحةً / بدا زَهَرُ الإسعافِ في الأَمل العقلِ
تساوى له الإعلانُ والسرُّ في العلى / فخلوتُهُ ملء المهابةِ كالحفلِ
فتى السنّ إلاّ أَنَّ للملكِ قوةً / بما هو يستهديهِ من رأْيهِ الكهلِ
من القوم أَمّا المالُ منهم فعرضةُ ال / سّماحِ وأَمّا العِرضُ منهم فللبخلِ
أَضاءَ زَمان المستضيء إمامنا / بآرائهِ الميمونةِ العقدِ والحلِّ
فمن رأيه ما يطلعُ السعدُ من سنا / ومن عزمهِ ما يطبعُ النّصر من نصلِ
وما روضةٌ غناء مرهوبة الثّرى / مُضَوَّعة الأَسحارِ طَيِّبة الفصل
شمائلُها طابتْ وطابَ شمالُها / سقتها شَمُولاً عند مجتمعِ الشّملِ
تُردَّدُ أَنفاسَ النَّسيمِ عليلةً / عليها فيشفي مرُّها كلَّ معتلِّ
تهبُّ الصِّبا فيها بليلٍ بليلةً / على زهر من عبرة الطلِّ مبتلِّ
لها من ثغورِ الأُقحوانِ تبسّمٌ / وتنظرُ عن أَحداقِ نرجسها النُّجلِ
كأَنَّ نُعاماها تبلّغُ نحونا / تحايا قرأَناها على أَلسنِ الرُّسلِ
تُؤرِّجَ أَرجاءَ الرضاءِ كأَنّما / تجاملُ في حملِ التّحيةِ عن جُمْلِ
مرجعةٌ فوقَ الغصونِ حمامُها / فنونَ هديلٍ بينَ أَفنانها الهُدلِ
تنوحُ بها الورقاءُ شجواً كأَنّها / مفجَّعةٌ بينَ الحمائمِ بالشكلِ
مطوَّقةٌ أَبلتْ سوادَ حدادِها / ففي الجيدِ باقٍ منه طوق له كُحْلي
بأحسنَ من أَخلاقكَ الزُّهرِ بهجة / وأَذكى وأَزكى من سجيتك الرِّسلِ
إليكَ سرتْ منّي مطايا مدائحٍ / من الشُّكرِ والإحمادِ موقرةَ الحملِ
سوائرُ في الآفاقِ وهي مطيفةٌ / ببابكَ دون الخلقِ مخلوفة العُقلِ
تهذَّبَ معناها بصقليَ لفظَها / كما بانَ إثر المشرفيِّ لدى الصقلِ
وإنْ يجل شعري في مديحك رونقاً / وحسناً فإنَّ الشَّهدَ من نَحلِ النَّحلِ
سلمتُ ولا لاقتْ عداكَ سلامةً / ورهطكَ في كُثرٍ وشانيكَ في فَلِّ
ودمتَ ولا زالتْ بسطوكَ ديمةُ ال / وبالِ على الأَعداءِ دائمةَ الوبل
ودرَّتْ لكَ النُّعمى على كلِّ آملٍ / بقيتَ بقاءَ الذرِّ والحرثِ والنّسلِ