المجموع : 8
لقد جَمع الكانونُ نورا وظلمة
لقد جَمع الكانونُ نورا وظلمة / وجالَسنا في هيئة الرجلِ الحُكْل
ودَبَّت سُلافُ النارِ في قارِ فحمِه / كمادَبَّ نورُ الشمسِ في طَرف الظِّلِّ
وكنا نُفَدِّيه وفيه شبيبةٌ / ونَخْتصُّه بالقُربِ منا وبالوصل
إلى أنْ عَلا شيبُ الرمادِ قَذاله / وأصبح شيخا في المزاج وفي الفُكْلِ
هَجَرْناه هجرَ الغانياتِ ضرورةً / فصار لدينا لا يُمِرُّ ولا يُحْلى
وبادرةٍ للشيبِ بادرتُ قَصَّها
وبادرةٍ للشيبِ بادرتُ قَصَّها / لآرفعَ بادِى خَيْطِها وهْو ينزلُ
فقالت لئن قَصَّرتَ مني تَخوُّفا / فأَيدِي الليالي من ورائىَ تَغْزِل
وهل أنا إلا سَقْطةُ الزَّنْدِ صادفتْ / مواضع طُعْمٍ فهْي تُذْكَى وتُشْعَل
فسالمتُها لما تيقنتُ أنها / وما خَلْفَها جيشٌ من الله مُرْسَل
شبابٌ تَولَّى ما إليه سبيلٌ
شبابٌ تَولَّى ما إليه سبيلٌ / وشيبٌ تَبدَّى ليس منه مقيلُ
فهذا كليلِ الوصلِ لونا ومُدَّةً / وذا كنهارِ الهجر فهْو طويل
فأطيبُ عيشِ المرءِ عصرُ شبابِه / ومِنْ سَعْدِه لو مات حين يزول
فلا تحسبنَّ العمرَ بعد شَبيبةٍ / فكلُّ حياةٍ بعد ذاك فُضول
إذا الشيخُ أَثْرَى فهْو أفقرُ مُعْدِمٍ / وإنْ صَحَّ بعد الشيبِ فهْو عَليل
بكى الناسُ أيامَ الشَّبيبة قبلنَا / بكاءً أطالوا فيه وهْو قليل
إذا شَرُفتْ نفسُ الفتى عافتِ الذُّلاّ
إذا شَرُفتْ نفسُ الفتى عافتِ الذُّلاّ / ولو كابدتْ من فَرْطِ ضِيقتِها غُلاّ
ولو حاز مُلكَ الأرضِ والعيشَ خالدا / بذلَّةِ يومٍ واحد ترك الكُلاّ
له سيفُ صبر مُغَمدٌ في قَناعةٍ / إذا ثار جيشٌ من مَطامعِه سَلا
أكثبانَ رملِ الظاهرية هل إلى
أكثبانَ رملِ الظاهرية هل إلى / عَشِيّاتِك المستحسَناتِ سَبيلُ
وهل يَتلقّاني نسيمُك سُحْرةً / وقد صافح الأزهار وهْو عليل
الطَّلِّ يسحب ذيله / على قُلَل الأهداف وهْو بليل
ويُطرِبني في جانبيك حَمائم / لها بين أوراق الغصون عَوِيل
وتبهجني تلك القصور التي بها / بياض يرد الطرف وهْو كليل
إذا قلتُ قد رَقَّ الزمانُ وَصَرَّفَتْ
إذا قلتُ قد رَقَّ الزمانُ وَصَرَّفَتْ / صُروفُ الليالي ضَيقَتي وخُمولي
أَحال علىَّ النائباتِ كأنما / يُطالبني عن سالفٍ بذُحُول
عجبتُ لشُكرِي كيف يرجو بجهدِه
عجبتُ لشُكرِي كيف يرجو بجهدِه / مُكافاةَ ما يُولى الحسينُ من الفَضْلِ
وإني وإياه لَكالأرضِ حاولتْ / مجازاةَ ما تُولى السماءُ من الوَبْل
أرى الناس قد أغْروا ببَغْىٍ وغِيبةٍ
أرى الناس قد أغْروا ببَغْىٍ وغِيبةٍ / وقَدْحٍ ما مَيَّزَ الأمر عاقلُ
وقد لزموا مني الخلاف فكلُّهم / إلى كل من عادَى الخلائقَ مائل
إذا ما رأوا خيرا تعَامَوا وأُخرِسوا / وإن عايَنوا شرا فكلٌّ مناضل
فليس امرؤ منهم بناجٍ عن الأذى / ولا منهمُ عن ثَلْبِهِ متغافل
إذا كان ذا دينٍ رَمَوْهُ بِبدعة / وسَمَّوه زِنْديقا وقالوا مُجادل
وإنْ كان ذا زهدٍ يقولون أبلهٌ / وليس له حَزْم وما فيه طائل
وإن كان ذا صمت يقولون صورة / مُمثِّلة للعيِّ بل هو جاهل
وإن كان شريرا فويلٌ لأمه / لما عنه يحكي من تضم المحافل
وإن كان من بيت يقولون إنما / يُفاخر بالموتى ومن هو زائل
وإن كان مجهولا فذلك عندهم / كبيض دُمَيلٍ ليس يُعْرَف خامل
وإن قال قالوا فقُهه العلم قد أتى / كأنْ لم يكن من قبله قطُّ قائل
وإن كان مِقداما يقولون أَهْوَجٌ / وإِن كان ذا جُبْن يقولون نأكل
وإن كان ذا مالٍ يقولون مالُه / من السُّحْت قد أَرْبَى وبئس المآكل
وإن كان ذا فقر فذلك عندهم / حقير مَهين يزدريه الأراذل
وإِن يكتسب مالا يقولوا بهميةٌ / أتاه من المقدور حظ وطائل
وإن جاد قالوا أحمقٌ ومبذِّر / وإِن لم يَجُد قالوا شحيح وباخل
وإِن يَقْنع المسكينُ قالوا لعلةٍ / وذلة نفس قد حوتْها الرذائل
وإِن يَهْو للنسوان سمَّوه عاصيا / وإِن عفَّ قالوا ذاك خبث وباطل
وإن تاب قالوا لم يتب لزَهادةٍ / ولكنه خَبٌّ لعينٌ مُخاتل
وإن كان بالشِّطْرَنْج والنَّرْد لاعبا / ولاعَبَ ذا الألباب قالوا يُداخل
وإن واصَل الإخوان بالأكل عندهم / فذاك طفيليٌّ وللشرِّ واغِل
وإن رغِب المسكين عنهم بزهده / يقولون غَثٌّ بارد متثاقل
وإن رام شَرّا جَسَّروه لفعله / وإن كان فيه تُستباح المَقاتل
وإن ساد قالوا دأبنا وثراؤنا / وإن لم يَسُد وافاه خصم وخاذل
وإن يعتللْ يوما يقولوا عقوبة / لسيء ما يأتي وما هو فاعل
وإن صحَّ قالوا ليس لله حاجةٌ / بمن يَتحاماه الردى والنوازل
وإن مات قالوا لم يمت حتفَ أنفه / ولكنْ لتخليطٍ لما كان يأكل
فليس يُنجِّيه من القول عاجلٌ / وليس ينجيه من الويل آجل
وما الناس إلا شامتٌ ومُعاند / ذوو حسدٍ قد بان منه التحامل
فلا تتركنْ أمرا مخافةَ قائلٍ / فإن الذي تخشى وتَحْذَر حاصل