المجموع : 7
همُ الحيُّ ما بين العُذَيبِ إِلى الرمْلِ
همُ الحيُّ ما بين العُذَيبِ إِلى الرمْلِ / حُلولاً على البطحاءِ من مُلتقَى السُّبْلِ
دعاهُمْ إِلى الجَرْعاءِ من أيمنِ الحِمَى / تخلُّجُ برقٍ مُخفِرٍ ذمّةَ المَحْلِ
غَدوا يبتغونَ القطرَ حتَّى تباشَرُوا / بمرتفعٍ بالخِصْبِ مغتبق النفلِ
ألثَّ عليه كلُّ جَوْنٍ ربَابَهُ / يُسِفُّ إِلى أن يَمْسَحَ الأرضَ بالخَمْلِ
فما انجابَ حتى استأصلَ العِرْقَ في الثَّرَى / وصار رضيعُ النبتِ يحبُو إِلى الكهلِ
وحتى تناصَى العُشْبُ فيه وأُرسختْ / عُروقُ الندى واستمجدتْ عَذَب الأثلِ
كأنكَ قد شاطرتَها الخِلَعَ التي / حَباكَ بها السُلطانُ عن قِسمةٍ عدلِ
غداةَ كساكَ الروضُ وهو منمنمٌ / وليس لهُ إلا سَماحُك من وَبْلِ
حباكَ بما تحبُو به كلَّ زائرٍ / غدا يمترِي أخلافَ نائِلِكَ الجَزْلِ
وما ذاكَ كي تزدادَ عِزَّاً وإنَّما / أبانَ به عن رأيكِ المُحكَمِ الجدلِ
بمرقومةٍ تُصْبِي العقولَ كأنَّما / تخايلتَ منها بين قولِكَ والفِعْلِ
رفَلْتَ بها في مثلِ أخلاقكَ التي / بها عادَ شِعْبُ المجدِ ملتئمَ الشَّمْلِ
ومستطعمٍ فضلَ العِنَانِ كأنما / يلاعبُ عِطْفيه سَحوقٌ من النخلِ
إِذا هزَّهُ حنُّ المراح توقرتْ / بِأطرافِه أعباءُ حلمِكَ والفضلِ
محلَّى بأوفاضِ النجوم معلَّقٌ / عليه هلالُ الأُفقِ في موطئِ النعلِ
أطافَ به صِيدُ الملوكِ نواكِسَاً / عيونُهُمُ يمشونَ هَوناً على رِسْلِ
يرومونَ تقبيلَ الركابِ ودُونَهُ / إباءُ مروحٍ يطرُدُ اليدَ بالرِّجلِ
تجودُ سماءُ النقعِ فوقَ رُؤوسِهمْ / بديمةِ تِبْرٍ غيرِ مقلعةِ الهَطْلِ
وأبيضَ طاغي الحدِّ يُرعِدُ متنُه / مخافةَ عزمٍ منك أمضَى من النصلِ
عليمٌ بأسرارِ المَنونِ كأنَّما / على مضربيه أُنزلتْ آيةُ القَتْلِ
تفيضُ نفوسُ الصِيدِ دونَ غِرارهِ / وتطفَحُ عن متنيهِ في مَدْرجِ النملِ
تراهُ إِذا ما امتاحَ كفُّكَ غِمدَهُ / تخايلَ ما بين القبيعةِ والغلِ
خلعتَ عليه نورَ وجهِكَ فارتدَى / بنورٍ كفاهُ أن يُحادثَ بالصقلِ
وضرةِ شمسٍ يجتليها إِذا بدَتْ / شُعاعاً رُكاماً وهي راجِحَةُ الثقلِ
هي التِبرُ إلّا أنَّها قد تفرَّدَتْ / ببدعةِ ضَنٍّ من يديكَ بلا مِثْلِ
تُصبِّحُها كَفٌّ إِذا مسَّها افتدتْ / بأضعافِها خوفاً عليها من البَذْلِ
تذمُّ عليها من يديكَ رعايةٌ / لأحكامِ مجدٍ لا تُعَدُّ من النجلِ
لها جَمَّةٌ يستغزرُ النزحُ فيضَها / وليس لها إلّا اليراعةَ من حَبْلِ
إِذا انتابها الوُرَّادُ هِيْماً تَزاوروا / على نَفَحاتٍ تُشْرِقُ الماءَ بالسَّجْلِ
ضمانٌ من الإقبال عندك لم تَزَلْ / عواقبُهُ عما تُسَرُّ به تُجْلي
بعزمٍ إِذا ما انسابَ في مدلَهِمَّةٍ / من الخطب لم يرتدَّ إلّا على فصلِ
خفيُّ مَدَبِّ الكَيْدِ يكتُمُ سُخْطَهُ / رضَاهُ ويُسقي السمَّ في مَجَّةِ النَّحْلِ
ضمومٌ على الهَمِّ البعيد جَنَانَهُ / وقورٌ إِذا القومُ استطيروا من الجهلِ
يقاربُ خطوَ النائباتِ بعقلهِ / وأنعمُه في الناس مستورةُ العقلِ
به اعتدلَ المُلكُ الذي مالَ ركنُه / ومادتْ غصونُ العيشِ موقَرةَ الحملِ
فقلْ للأعادي بعد ما قد تبيَّنُوا / رويدَكُمُ لا تُشمتوا الجهلَ بالعقلِ
خذوا بنصيبِ العفوِ منه وحاذِرُوا / عجارفَ مدلولٍ على طلبِ الذَّحْلِ
هَجوم على الأعداءِ من صوب أمنِهْم / متى ما يَشَأْ يُعْمِ النواظرَ بالكُحْلِ
لك الخيرُ فضلي سار شرقاً ومغرباً / وجَدّي ضعيفُ الخطو يَرْسُفُ في كبلِ
ولي قِبَلَ الأيامِ منذ صِحِبْتُها / مواعيدُ قد أعلقنَها شرَكَ المطلِ
لوينَ طويلاً ثم لما اقتضيتُها / أحلْنَ على من يخدعُ الجِدَّ بالهزلِ
وقد لفظتني الأرضُ حتى تراجعتْ / برحلي إِلى أكنافِ جانبكَ السَهْلِ
فلا تتركنِّي للنوائب مُضْغَةً / وقد كشَّرتْ عن حَدِّ أنيابِها العُصْلِ
بَقِيتَ ليبقى الدينُ والمُلْكُ إنَّما / يتمُّ بقاءُ النَّصْلِ والفُوق بالنَّبْلِ
وطاوعكَ المقدارُ فيما تُريدُه / يجدِّدُ ما تُبْلِي ويكتبُ ما تُمْلِي
إِذا لم يُعِنْ قولَ النصيحِ قَبولُ
إِذا لم يُعِنْ قولَ النصيحِ قَبولُ / فإنَّ معاريضَ الكلامِ فُضُولُ
أقِلَّا خِلافِي وهو مما يسوؤُني / وليس لمن يهوَى الخلافَ خليلُ
ومن شِيَمي رَدُّ النصيحِ بغيظِهِ / وتركي وعورَ القولِ وهي سُهولُ
خُذا في حديثٍ غيرِ لومي فإنَّهُ / وربِّ الهدايا المُشعَراتِ ثقيلُ
إِذا كان رأيي غيرَ ما تريانِهِ / فأضْيَعُ شيءٍ ما يقولُ عَذولُ
أيا أثلاتِ القاعِ أمّا عروقُها / فَريَّا وأمَّا ظِلُّها فبليلُ
لكِ اللّهُ هل مرَّتْ بقُربكِ رُفقةٌ / وأنضاءُ عِيسٍ سيرُهنَّ ذميلُ
إِذا هبَّ عُلويُّ الصَّبَا فرقابُهمْ / إليه وأعناقُ النواعجِ مِيْلُ
فمن كل نضوٍ حنَّةٌ وتشوّقٌ / ومن كلِ صَبٍّ رنَّةٌ وعويلُ
ويا نُغْبةً بالأجرع الفردِ عَذْبَةً / أراكِ ولكنْ ما إليكِ سبيلُ
ويا ليلُ حتى الشُّهبُ فيكَ مريضةٌ / وحتَّى نسيمُ الفجر فيكَ عليلُ
ويا جِيرتي بالجِزْعِ جسميَ بعدكُمْ / نحيلٌ وطرفي بالسُّهاد كحيلُ
عهِدتُ به غصنَ الشبيبةِ مورِقاً / فخانَ وخنتمْ والوفاءُ قليلُ
وأودعتُكم قلبي فلما طلبتُهُ / مَطلتمْ وشرُّ الغارمينَ مَطُولُ
فإنْ عُدْتمُ يوماً تُريدونَ مُهْجَتِي / تمنَّعتُ إلا أنْ يُقامَ كفيلُ
ويا أيُّها الغادي تحمَّلْ رسالةً / على ما بِها إنَّ الحديثَ طويلُ
وقلْ لِلأُلى حلُّوا الحِمى سقى الحِمَى / عزاكمْ فإنَّ العامريَّ قتيلُ
به غُلَّةٌ لا يملِكُ الماءُ بردَها / وشجوٌ سِوى ما تعلمونَ دخيلُ
ألا حبّذا شَدُّ الركائبِ ضَحْوةً / وللظِلِّ في أخفافهِنَّ مَقِيلُ
ومُذْقَةُ ظِلٍّ بين غُصْنَي أراكةٍ / وقد كادَ مِيزانُ النهارِ يميلُ
ومن شِيحِ نجدٍ نفحةٌ سَحَريةٌ / تساهَمَ فيها شَمْأَلٌ وقَبُولُ
ومرتجزٌ بالرعدِ يرضِعُ دَرُّهُ / نباتَ رياضٍ مسَّهُنَّ ذُبولُ
وعاجمةٍ عودي ولم تدرِ أنَّهُ / صليبٌ يرُدُّ النابَ وهو كليلُ
تُخوِّفُني ريبَ الزمانِ وأنَّهُ / شروبٌ لأشلاءِ الكِرامِ أكُولُ
وتأمرني بالمال أوكي عِيابَهُ / وهيهاتَ مني أن يقالَ بخيلُ
وكيف أخافُ الدهرَ يَحْرُقُ نابَهُ / ورأيُ عماد الدين فِيَّ جميلُ
إِذا امتَحْتُ يوماً جَمَّةً من نوالِه / سقانيَ سَجْلٌ من نَداهُ سجيلُ
رواءٌ كإيماضِ الغَمامةِ مونقٌ / وبِشرٌ كصدرِ المشرفيِّ صقيلُ
وعزمةُ مطرود الرُّقادِ يدُلُّهُ / على الغيب رأيٌ ما يكادُ يَفيلُ
إلى أن ينالَ المجدَ إلّا تغلُّباً / وبعضُهمُ عند الطِلابِ ذليلُ
وشاغبَ ريبَ الدهرِ وهو يَضيمُهُ / وكلُّ كريمٍ يُستَضامُ صَؤولُ
وغارَ على مُلكٍ مُضاعٍ وكاشحٍ / مطاعٍ يردُّ الأمرَ وهو سحيلُ
ورشَّحَ مشبوحَ الذارعينِ ضَيْغَماً / له في ظِلال السَّمْهريّةِ غِيْلُ
غلائِلُه أدراعُه وكؤوسُهُ / مخوف عِداهُ والنجيعُ شَمولُ
له هَيبةٌ تسري أمامَ جُنودِه / ورأيٌ بمُستنِّ الغُيوبِ يجولُ
وجُرْدٌ على أكتافِها المُرْدُ جُثَّمٌ / فُحولٌ على أكبادِهنَّ كُهولُ
وعوجٌ لها بين الضُّلوعِ أزاملٌ / وبيضٌ لها فوقَ الرُؤوسِ صَلِيلُ
ونقعٌ صفيقُ الطُّرَّتينِ كأنَّما / على صفحاتِ الشمس منه سُدُولُ
يَرُدُّ على وَجْهِ الصَّبَاحِ لِثَامَهُ / إِذا حانَ من صبغِ الظلام نُصُولُ
فقلْ للذين استعذبوا الغَدْرَ مشرَبَاً / رويداً فَرعْيُ الغادرينَ وبيلُ
أديروا كُؤوسَ الرَّاحِ إنَّ وراءَها / كُؤوساً من السمّ الذُعافِ يغُولُ
وجُرُّوا ذيولَ الخفضِ حتى تزورَكُمْ / مُشَمِّرةٌ ليست لهنَّ ذُيولُ
جنودٌ طلاع الأرضِ يحمي لواءَها / قَؤولٌ لما قال الكِرامُ فعولُ
فلا أرضَ إلا طبَّقَتْهَا حوافرٌ / ولا جوَّ إلا جَلَّلَتْهُ نُصولُ
ستغرى بأطرافِ البنان نواجِذُ / إِذا التفَّ يوماً بالرعيلِ رعيلُ
وتطفحُ أحناءُ الشِعابِ عليكمُ / بسَيْلٍ له هامُ الكُماةِ حميلُ
وكلُّ قَرارٍ بالجَماجمِ تلعةٌ / وكلُّ مَغيضٍ بالدِّماءِ مَسِيلُ
فإنْ سئِمتْ حملَ الرؤوسِ رقابُها / فبالبيضِ شوقٌ نحوَها وغليلُ
فلوذوا بحَقو العفوِ منه فإنَّه / جوادٌ به حتى يُقالَ غَفُولُ
وإنْ غلبتكم شِقْوةُ الجَدِّ فاعلموا / بأن ديارَ الناكثينَ طُلولُ
أحقّاً هممتمْ باللِّقاءِ لعلَّكُمْ / بدا لكُمُ أنَّ الطِباعَ تحولُ
فتُمسي البُغاثُ الكُدْرُ وهي جوارحٌ / وتُضحي اللّقاحُ الخُورُ وهي فحولُ
فعزماً غياثَ الدولةِ اليومَ إنَّهم / فرائسُ منهم مُقْعَصٌ وأكِيلُ
همُ جَلبُوا الخيلَ العِتاقَ وأجلبُوا / عليك فحَشْوُ الخافِقَيْنِ صَهِيلُ
ولاذُوا بأكراد البوادي وعُرْبهم / ومن كلِّ جيلٍ أمةٌ وقبيلُ
هُمُ ذخَرُوا الأعمارَ والمالُ عندَهمْ / لكفِّك تُفنِي ذخرَهمْ وتُنيلُ
هدايا لحدِّ المرهفاتِ مسوقةٌ / فهل عندَ حدِّ المرهفاتِ قَبولُ
عدوُّكَ بين العار والسيفِ واقفٌ / يميلُ مع الإِدبارِ حيثُ يميلُ
فإنْ فرَّ لم يَعْدَمْ شِفاءً وإن ثَوى / فأمُّ الذي يبغي الثَّواءَ ثكُولُ
كأنَّهمُ لم يشهدوا أمسِ مشهداً / تشابَه فيه مُقْصِرٌ ومُطِيلُ
يقاتلُ عنك الرأيُ لا الرمحُ بلَّهُ / نجيعٌ ولا بالباتراتِ فُلولُ
ولا بُرقِعَتْ بالقَسْطلِ الجَون غُرَّةٌ / ولا غُيِّبتْ بين الدِماء حُجولُ
سرى كيدُكَ اليقظانُ والنجمُ راقِدٌ / تُجابُ سهولٌ نحوَهمْ وهجولُ
وأدركتَ ثأرَ الدينِ من متمرِّدٍ / طغَى وهو شَخْتُ المنصبينِ ضئيلُ
تُقِرُّ وتمحو المُلْكَ حيث تُريدُهُ / وأنتَ مُديلٌ مرةً ومُذيلُ
تميلُ إِلى ذِي دولةٍ فتُعِزُّها / وتعدِلُ عن ذِي دولةٍ فتُزيلُ
أعِزَّة أملاكِ البلادِ أذِلَّةٌ / لديكَ وصعبُ الحادثات ذَلولُ
فما غرّهمْ واللّهُ ناصرُ حزبِهِ / بأبيضَ طاغي الحدِّ حينَ يصولُ
فإنْ أعجبتهمْ نوبة سلفتْ لهم / فأنتَ لأُخرى ضامنٌ ووكيلُ
إليكَ عِمادَ الدين غرّاءَ طلقةً / تنافَسُ فيها أعينٌ وعقولُ
إِذا أُنشدتْ حُلّ الحُبَى طَرباً لها / وأصغَى إليها عالمٌ وجَهُولُ
وما أبتغِي إلا رِضَاكَ ثوابَها / وذاك ثوابٌ لو علمتَ جَزيلُ
فأنتَ الذي جلَّلتني منكَ أنْعُماً / لها موقعٌ بين الأنامِ جَليلُ
منيلٌ إِذا ما كان منِّيَ خدمةٌ / وإن سبقتْ لي عثرةٌ فمُقِيلُ
وخبَّرني تقليبيَ الناسَ بُرهةً / بأنك فردٌ والأنامُ شُكُولُ
وما يستوي وُدُّ المقلّدِ والذي / له حُجَّةٌ في ودِّهِ ودليلُ
فعُدْ بي إِلى اللُّطفِ الذي كنتَ واصِلاً / جَناحي به إن الكريمَ وَصُولُ
وعِشْ سالماً في باعِ ملككَ بسطةٌ / تدومُ وفي أيامِ عمرِك طُولُ
لك الخيرُ قد عوَّدتَنِي منكَ عادةً
لك الخيرُ قد عوَّدتَنِي منكَ عادةً / نشأتُ عليها منذُ أوَّلِ حالي
سكوناً إِلى قُربي وأُنساً بخدمتي / وحُسنَ اعتقادٍ في تنعُّمِ بالي
وكنتُ أرَجِّي أنّ حالكَ ترتقي / فينمو له حالي نموَّ هِلالِ
وأسمو إِلى نيلِ الأماني واقتضِي / مواعيدَ دَهْرٍ مولَعٍ بمطالِ
وقد رابني منكَ الصدود وليتَهُ / صدودُ اشتغالٍ لا صدودُ كلالِ
فإن كان هذا منكَ دأباً تُديمُهُ / فإذنَكَ لي حتَّى أزمَّ جِمالي
وإلّا فعدْ لي بالجميل فقد عفَتْ / معالمُ آمالي وضاقَ مجالي
فمثليَ لا يرضَى مُقَاماً بذلةٍ / وصبراً على جاهٍ لديكَ مُدَالِ
ومثلُكَ لا يرضَى بتضييعِ خدمتي / وتخييب آمالٍ لديهِ طِوالِ
أقولُ لأحداثِ النوائب إذ عدتْ
أقولُ لأحداثِ النوائب إذ عدتْ / عليَّ وأبدتْ حدَّ أنيابِها العُصْلِ
إليك فإني لا أُبالي بضيقةٍ / يفرِّجُها رأيُ الأجلِّ أبي الفضلِ
تعودتُ منهُ أنْ أُلِمَّ ببابِه / شريداً وأغدو منه مجتمعَ الشملِ
تصدَّى وللحي الجميل رحيلُ
تصدَّى وللحي الجميل رحيلُ / غزالٌ أحمُّ المقلتينِ كحيلُ
تصدَّى وأمرُ البينِ قد جَدَّ جِدُّهُ / وزُمّتْ جِمالٌ واستقَلَّ حُمولُ
وفي الصدرِ من نار الصَّبَابةِ جاحِمٌ / وفي الخدِّ من ماءِ الجُفونِ مسيلُ
غزالٌ له مرعىً من القلب مخصبٌ / وظِلٌّ صفيقُ الجانبين ظليلُ
تناصفَ فيه الحُسْنُ أما قَوامُهُ / فشطبٌ وأما خَصْرُه ففتيلُ
قريبٌ من الرائينَ يُطْمِعُ قُربُه / وليس إليه للمحبِّ سبيلُ
إِذا سافرَ الألحاظُ في وجَناتِه / تضاءلَ عنه الطرفُ وهو كليلُ
وكالشمسِ تغشى الناظرينَ بنورِها / وليس إليها للأكُفِّ سَبيلُ
ولما استقلَّ الحيُّ وانصدعت بهم / نوىً عن وَداع الظاعنينَ عَجُولُ
تراءتْ لنا لمعَ الغمامةِ أوجهٌ / وِضَاءٌ علَتْها نَضْرةٌ وقَبُولُ
فصبراً معينَ المُلك إن عنَّ حادثٌ / فعاقبةُ الصبرِ الجميلِ جميلُ
ولا تيأسَنْ من صنْعِ ربِّكَ إنَّني / ضمينٌ بأنَّ اللّهَ سوف يُدِيلُ
فإن الليالي إذ يزولُ نعيمُها / تبشِّرُ أنَّ النائباتِ تزولُ
ألم ترَ أنَّ الليلَ بعدَ ظلامِه / عليه لإِسفارِ الصَّبَاحِ دليلُ
ألم ترَ أن الشمسَ بعد كُسوفِها / لها صفحةٌ تغشِي العُيونَ صقيلُ
وأنَّ الهلالَ النِضْوَ يقمرُ بعدَما / بَدا وهو شَخْتُ الجانبينِ ضَئِيلُ
ولا تحسبنَّ الدوح يُقلَعُ كلما / يَمُرُّ به نفحُ الصَّبَا فيميلُ
ولا تحسبنَّ السيفَ يُقْضَبُ كلَّما / تعاوَرهُ بعد المَضَاءِ كُلولُ
فقد يعطفُ الدهرُ الأبيُّ عِنانَهُ / فيُشفَى عليلٌ أو يُبَلُّ غليلُ
ويرتاشُ مقصوصُ الجَناحين بعدَما / تساقطَ رِيشٌ واستطارَ نَسِيلُ
ويستأنفُ الغصنُ الصليبُ نَضَارةً / فيورقُ ما لم يعتوِرْهُ ذُبُولُ
وللنجمِ من بعدِ الرجوعِ استقامةٌ / وللحظِّ من بعد الذِّهابِ قفُولُ
وبعضُ الرزايا يوجِبُ الشكرَ وقعُها / عليكَ وأحداثُ الزمانِ شُكولُ
ولا غروَ أن أخنتْ عليك فإنَّما / يُصادَمُ بالخطبِ الجليل جليلُ
وأيُّ قَناةٍ لم تُرنَّحْ كُعُوبُها / وأيُّ حُسامٍ لم يُصِبْهُ فُلولُ
وأيُّ هِلال لم يَشِنْهُ مَحَاقُهُ / وأيُ شهابٍ لم يَخُنْه أُفولُ
أساءتْ ليَ الأيامُ حتى وترتَها / فعندَك أضغانٌ لها وتُبولُ
وعارضتها فيما أرادتْ صروفُها / ولولاكَ كانت تنتَحِي وتصولُ
وحرّمتَ أشلاءَ الكِرامِ وإنَّها / شروبٌ لأشلاءِ الكرامِ أكولُ
وما أنتَ إلا السيفُ أُسكِنَ غِمْدَهُ / لتشقَى به يومَ النزالِ قَبيلُ
أما لكَ بالصِدِّيق يوسفَ أُسْوَةٌ / فتحملَ وطءَ الدهرِ وهو ثقيلُ
وما غضَّ منك الحبسُ والذِكرُ سائرٌ / طليقٌ له في الخافقينَ ذَمِيلُ
فلا تُذْعِنَنْ للخطبِ آدكَ ثِقلُهُ / فمِثلُكَ للأمرِ العظيم حَمُولُ
ولا تجزعَنْ للكَبْلِ مسَّكَ وقْعُهُ / فإنَّ خلاخيلَ الرِجالِ كُبُولُ
وصنعُ الليالي ما عدتكَ سِهامُها / وإنْ أجحفتْ بالعالمين جزيلُ
وإنَّ امرأً تعدو الحوادثُ عِرضَهُ / ويأسى لما يأخُذْنَهُ لبخيلُ
لك اللّهُ راعٍ حيثُ كنتَ ولا تزلْ / أياديهِ منها زائرٌ ونزيلُ
ولا شِينتِ الدّنيا بيومكَ إنَّما / بقاؤك فيها غُرَّةٌ وحُجُولُ
ولا متُّ أو ألقاكَ حظُّكُ دولةٌ / وحظُّ الأعادي رنَّةٌ وعويلُ
نعيمُ هجيرِ العمرِ فيه أصائِلٌ / وعزُّ حُزونِ العيشِ فيه سُهولُ
وحدَّثتُ نفسي بالأمانِيّ ضَلَّةً
وحدَّثتُ نفسي بالأمانِيّ ضَلَّةً / وليس حديثُ النفسِ غيرَ ضَلالِ
أواعِدُهَا قربَ اللقاءِ ودونَها / مواعيدُ دهرٍ مولعٍ بمَطالِ
يقَرُّ بعيني الركبُ من نحو أرضِكم / يَزِجُّونَ عِيساً قُيِّدَتْ بكلالِ
أطارحهُمْ جِدَّ الحديثِ وهزلَهُ / لأحبِسَهمْ عن سيرِهم بمقالي
أسائلُ عمَّنْ لا أُحبُّ وإنَّما / أريدُكمُ من بينهمْ بسؤالي
فيعثُرُ ما بينَ السؤالِ ورجعهِ / لساني بكم حتَّى ينُمَّ بحالي
وأطوي على ما تعلمونَ جوانحي / وأُظهرُ للعُذَّالِ أنيَ سَالي
ولا والذي عافاكمُ وابتلى بكمْ / فؤاديَ ما اجتازَ السُّلوُّ بِبالي
وواعدتُ بالسُّلوانِ قلبي وقد دَرى
وواعدتُ بالسُّلوانِ قلبي وقد دَرى / بأنيَ لا أسلُو وأنك لا تُسلى
فما هوَ حتى قادني نحوَك الهوى / على الرغم ما أحسنتُ هَجرا ولا وصلا
إِذا لم يكن لي منك بُدٌّ ولم يكنْ / سواك لدائي كان معتبتي فضلا