المجموع : 6
لَكَ اللهُ بِالنَّصْرِ العزيزِ كَفيلُ
لَكَ اللهُ بِالنَّصْرِ العزيزِ كَفيلُ / أَجَدَّ مُقامٌ أَم أَجدَّ رَحيلُ
هوَ الفتحُ أَمَّا يَومُهُ فَمُعَجَّلٌ / إليكَ وَأَمَّا صُنعُهُ فَجزِيلُ
وآياتُ نصرٍ مَا تزالُ وَلَمْ تزَلْ / بهنَّ عماياتُ الضَّلالِ تَزولُ
سيوفٌ تنيرُ الحقَّ أنَّى انْتَضَيْتَها / وخيلٌ يجولُ النصرُ حَيْثُ تَجولُ
أَلا فِي سبيلِ اللهِ غزوُكَ من غَوى / وَضلَّ بِهِ فِي النَّاكثينَ سَبِيلُ
لئِنْ صَدِئَتْ أَلبابُ قومٍ بمكرِهِمْ / فسيفُ الهدى فِي راحَتَيْكَ صَقيلُ
فَإِنْ يَحْيَ فيهم بَغْيُ جالُوتَ جَدِّهِمْ / فَأَحجارُ دَاودٍ لَديْكَ مُثُولُ
هُدىً وَتُقىً يُودِي الظلامُ لَدَيْهِما / وحقٌّ بدفعِ المُبْطِلينَ كَفيلُ
بجمعٍ لَهُ من قائدِ النصرِ عاجِلٌ / إِلَيْهِ ومن حَقِّ اليقينِ دَليلُ
تحمَّلَ منه البحرُ بحراً من القَنَا / يروعُ بِهَا أَمواجَهُ وَيَهُولُ
بِكُلِّ مَعَالاةِ الشِّرَاعِ كَأَنَّها / وَقَدْ حملَتْ أُسْدَ الحَقائِقِ غِيلُ
إِذا سَابَقَتْ شَأْوَ الرِّيَاحِ تخَيَّلَتْ / خيولاً مدى فُرْسَانِهِنَّ خُيُولُ
سحائبُ تزجيها الرياح فإِنْ وَفَتْ / أَنافَتْ بِأَجْيَادِ النعامِ فُيُولُ
ظباءُ سِمَامٍ مَا لَهُنَّ مَفَاحِصٌ / وزُرْقُ حَمامٍ مَا لَهُنَّ هَدِيلُ
سَوَاكِنُ فِي أَوْطانهنَّ كَأَنْ سَمَا / بِهَا الموجُ حَيْثُ الرَّاسِيَاتُ تَزُولُ
كما رفع الآلُ الهوادجَ بالضُّحى / غَداةَ استَقَلَّتْ بالخليطِ حُمُولُ
أَراقِمُ تَقْرِي ناقعَ السّمِّ مَا لَهَا / بما حَملت دون الغواة مقيلُ
إِذا نَفَثَتْ فِي زوْرِ زِيري حُماتَها / فَوَيْلٌ لَهُ من نَكْزِها وأَليلُ
هنالك يَبْلُو مرتعَ المكْرِ أَنَّهُ / وخِيمٌ عَلَى نفس الكَفُورِ وَبِيلُ
كَتائبُ تعتامُ النفاقَ كَأَنَّها / شآبيبُ فِي أَوطانه وَسُيُولُ
بكُلِّ فتىً عارِي الأَشَاجِع مَا لَهُ / سِوَى الموت فِي حَمْيِ الوطيسِ مَثِيلُ
خفيفٌ عَلَى ظهرِ الجواد إِذَا عدا / ولكن عَلَى صَدْرِ الكَمِيِّ ثقيلُ
وجرداءَ لَمْ تبخل يداها بغايةٍ / ولا كَرُّها نحو الطعان بخيلُ
لها من خوافي لَقْوَةِ الجَوِّ أَرْبَعٌ / وَكَشحانِ من ظبي الفَلا وَتَلِيلُ
وَبيضٍ تَرَكْنَ الشِّرْكَ فِي كل مُنْتَأىً / فُلُولاً وَمَا أَزرى بهنَّ فُلُولُ
تمورُ دماءُ الكُفرِ فِي شَفَراتِها / ويرجعُ عنها الطرفُ وهوَ كليلُ
وأَسمرَ ظمآنِ الكعوبِ كَأَنَّما / بِهِنَّ إِلَى شُرْبِ الدماءِ غليلُ
إِذا مَا هوى للطعنِ أَيقنتَ أَنه / لصرف الرَّدَى نحو النفوس رسولُ
وَحنَّانَةِ الأَوتَارِ فِي كلِّ مهجةٍ / لعاصيكَ أَوْتَارٌ لَهَا وَذُحُولُ
إِذا نَبْعُها عنها أَرَنَّ فإنما / صداه نحيبٌ فِي العدى وعويلُ
كَتائبُ عِزُّ النصرِ فِي جَنَبَاتِها / فكلُّ عزيزٍ يمَّمَتْهُ ذليلُ
يُسَيِّرُها فِي البرِّ والبحر قائدٌ / يسيرٌ عَلَيْهِ الخطبُ وَهْوَ جليلُ
جوادٌ لَهُ من بهجة العزِّ غُرَّةٌ / ومن شِيَمِ الفضلِ المبينِ حُجولُ
به أَمِنَ الإسلامُ شرقاً ومغرباً / وغالت غواياتِ الضلالةِ غُولُ
يَصُولُ بسيفِ اللهِ عَنَّا وإنما / بِهِ السيف فِي ضَنْكِ المقام يصولُ
حُسامٌ لداءِ المكر والغدر حاسمٌ / وظلٌّ عَلَى الدين الحنيف ظليلُ
إِذا انْشَقَّ ليلُ الحربِ عن صُبحِ وجههِ / فقد آن من يوم الضلالِ أَصيلُ
كَريمُ التأَنِّي فِي عِقَابِ جُنَاتِهِ / وَلَكِنْ إِلَى صوت الصَّرِيخ عَجُولُ
لِيَزْهُ بِهِ بحرٌ كَأَنَّ مُدُودَدُ / نوافلُ من معروفه وفضُولُ
ويا رُبَّ نجمٍ في الدُّجى وَدَّ أَنَّه / من المركَبِ الحاوي سناه بديلُ
تهادت بِهِ أَنفاسُ رَوْحٍ من الصَّبا / وَخَدٌّ من البحر الخِضَمِّ أَسيلُ
وقد أَوْمَتِ الأَعلامُ نحوَ حُلُولِهِ / وحنَّ من الغُرِّ الجياد صهيلُ
فجلّى سناه العدْوَتَيْنِ وَبَشَّرَتْ / خوافقُ راياتٍ لَهُ وَطبولُ
وأَيقنَ باغِي حتفِه أَنَّ أُمَّه / وَقَدْ أَمَّهُ الليثُ الهصورُ هَبُولُ
فواتحُ عِزٍّ مَا لَهَا دونَ زمزمٍ / وَلا دُونَ سَعْي المروتَيْنِ قُفُولُ
وهل عائقٌ عنها وكلّ سَنِيَّةٍ / إليك تَسَامى أَوْ إليكَ تَؤولُ
سيوفٌ عَلَى الجُرْدِ العِتاقِ عَزِيزَةٌ / وَأَرْضٌ إِلَى البَيْتِ العَتيقِ ذَلُولُ
فقد أَذِنتْ تِلْكَ الفِجَاجُ وَدُمِّثَتْ / حُزونٌ لِمَهوَى مَرِّهَا وسُهولُ
وقامَ بِهَا عند المقامِ مُبَشِّرٌ / وشَامَ سناها شَامَةٌ و طَفِيلُ
فيَهنيك يَا منصورُ مبدأُ أَنْعُمٍ / عَوائدُه صنعٌ لديكَ جَمِيلُ
وفرعان من دوح الثناء نمتهما / من المجد فِي التُّرْبِ الزَّكِيِّ أُصولُ
عقيبان بَيْنَ الحربِ وَالمُلْكِ دولة / وعزٌّ مُدَالٌ منهما ومُديلُ
مليكانِ عَمَّ السّلمَ والحربَ منهما / غِنىً وَغَنَاءٌ مُبْرَمٌ وَسحيلُ
وَيَهْنِيكَ شَهْرٌ عند ذي العرش شاهِدٌ / بأَنك بَرٌّ بالصيام وَصُولُ
فَوُفِّيتَ أَجرَ الصابرين ولا عَدَا / مساعِيكَ فَوزٌ عاجلٌ وَقَبُولُ
محلُّك بالدنيا وبالدينِ آهِلُ
محلُّك بالدنيا وبالدينِ آهِلُ / فعِيدٌ وأَعيادٌ وعامٌ وقابلُ
وسعدٌ وإِقْبَالٌ ويمنٌ وغبطةٌ / ونصرٌ وفتحٌ عاجلٌ ثُمَّ آجلُ
وصومٌ كريمٌ بالمَبَرَّةِ رِاحِلٌ / وفِطرٌ عزيزٌ بالمَسَرَّةِ نازِلُ
ورَفْعُ لواءٍ شَدَّدَ اللهُ عَقْدَهُ / ليعلُوَ حَقٌّ أَوْ ليَسْفُلَ باِطلُ
أَلا فِي سبيلِ اللهِ عَزْمَتُكَ الَّتِي / عَلَى الدينِ والإِسلامِ منها دلائلُ
فقد نَطَقَتْ بالنصرِ فِيهَا شواهدٌ / وَقَدْ وَضَحَتْ للفتح منها مَخَائِلُ
فأَبْشِرْ فنجمُ الدين بالسَّعْدِ طالِعٌ / وأَيْقِنْ فنجم الشِّرْكِ بالخزيِ آفِلُ
وقد أُصحِبَ التسديد مَا أَنت قائلٌ / وَأُيِّدَ بالتوفيقِ مَا أَنتَ فاعِلُ
وساعَدَ صُنْعُ اللهِ مَا أَنت طالبٌ / وَأَسْعَدَ جُودُ الله مَا أنتَ سائلُ
فما تَصِلُ الأَيامُ من أَنت قاطِعٌ / ولا تقطع الأَيامُ من أنت واصلُ
وهل خَيَّبَتْ يمناك مَنْ جاءَ آمِلاً / فيُكْذِبَ ربُّ العرش مَا أَنت آملُ
وقد أفطر الإسلامُ والسيف صائِمٌ / وَعَلَّتْ ظِمَاءٌ والرماحُ نواهلُ
فأَوْرِدْ صواديها فقد طاب مَشرَعٌ / وَقَدْ حان مأْكُولٌ وَقَدْ حَنَّ آكِلُ
فما أَنتَ إِلَّا الشمسُ تطلع للعِدَى / فظِلُّهُمُ حَتْماً بِنُورك زائِلُ
كَرُمْتَ فما يَعْيَا بِحَمْدِكَ مُفْحَمٌ / وسُدْتَ فما يَغبَى بِقَدْرِكَ جاهلُ
وجودُك فِي سلْمٍ وبأَسُك فِي وَغىً / بُحُورٌ طوامٍ مَا لَهُنَّ سواحلُ
فَلا خَذْلَ الرحمنُ مَنْ أَنت ناصرٌ / ولا نصر الرحمنُ من أنت خاذلُ
أَفي مثلِها تنبو أَياديك عن مثلي
أَفي مثلِها تنبو أَياديك عن مثلي / وهذِي الأماني فيك جامِعةُ الشَّمْلِ
وقد أَوفتِ الدُّنيا بعهدِكَ واقْتَضَتْ / وفاءَك أَلا زِلْتَ تُعْلي وتَسْتَعْلِي
وَقَدْ أَمَّنَ المقدارُ مَا كنتُ أَتَّقِي / وأَرخَصَتِ الأَيَّامُ مَا كنتُ أَسْتَعْلِي
وأَذعَنَ صرفُ الدَّهْرِ سمعاً وطاعةً / لما فُهْتَ من قولٍ وأَمضَيْتَ من فعلِ
وناديتَ بالإنْعَامِ فِي الأرضِ فالْتَقَتْ / بيمناك أَشتاتُ الطَّرَائِقِ والسُّبْلِ
وَحَلَّتْ بِكَ الآمالُ فِي عَدَدِ الدَّبى / فوافَت أَيادٍ منكَ فِي عَدَدِ الرَّمْلِ
وهذا مُقامي منذُ تِسْعٍ وأَرْبَعٍ / رجائِيَ فِي قيدٍ وَحَظِّيَ فِي غُلِّ
كأَنِّيَ لَمْ أَحْلُلْ ذَرَاكَ وَلَمْ أُقِمْ / مُناخَ العطايا فيك مُرْتَهَنَ الرَّحْلِ
وأُغْضِ عن البرق الَّذِي شِيمَ لِلحيا / وأَعقِدْ بِحَبْلٍ منكَ بَيْنَ الورى حَبْلي
ولم أدَّخِرْ من راحَتَيْكَ وسائلاً / رضيتُ بِهَا كُفءاً عن المالِ والأَهْلِ
ولم تُصْفِني خُلقاً أَرَقَّ من الهوى / وَلَمْ تُولِني نُعْمى أَلَذَّ من الوَصْلِ
ولم تَثْنِ عنِّي فِي مواطِنَ جَمَّةٍ / سُيوفاً حِدَاداً قَدْ سُلِلْنَ عَلَى قَتْلي
ولم أَطْوِ سِنَّ الاكْتِهَالِ مُحاكِماً / إليك خُطُوباً شَيَّبَتْ مَفْرِقَ الطفلِ
وكُنتَ ومِفْتاحُ الرغائبِ ضائِعٌ / ملاذي فهذا بابُها ضائعُ القُفْلِ
وكم مُرْتَقىً وعرٍ جَذَبْتَ بساعِدي / إِلَيْهِ فقد أَفْسَحْتَ بالأَفْيَحِ السَّهْلِ
وأَنهارِ راحٍ فِي رياضٍ أَنِيقَةٍ / مُوَطَّأَةِ الأَكْنَافِ للنَّهْلِ والعَلِّ
حَرَامٍ عَلَى وِرْدِي حِمىً دونَ مَرتَعي / وَقَدْ بَرَّحَتْ فِي الناس بالطَّيِّبِ الحِلِّ
وقد شَفَّني رَشْفُ الثِّمارِ أَوَاجِناً / وأَنْضى رِكابي مجْذِبُ المرتَع المَحْلِ
وإِنَّ عَجيباً أَنَّ عِزَّكَ مَوْئِلِي / وأَكْظِمُ أَنْفاسي عَلَى غُصَصِ الذُّلِّ
وأَنِّيَ من ظُلمِي بِعَدْلِكَ عَائِدٌ / وكم مطلبٍ أَسلمتَهُ فِي يَديْ عَدْلِ
وأَنِّيَ فِي أَفياءِ ظِلِّكَ أَشْتَكِي / شَكِيَّةَ مُوسى إِذْ تولَّى إِلَى الظِّلِّ
ففي حُكمِكَ الماضي وَسُلْطَانِكَ العَدْلِ / تُمِرُّ لِيَ الدنيا وطَعْمِي لَهَا مُحْلِ
وتقلِبُ لي ظهرَ المِجَنِّ تَجَنِّياً / فَمَوْتِي بما يُحيي ومَوْتِي بما يُسْلِي
أَلَمْ تَرَنِي يومَ الرِّهَانِ مُبَرِّزاً / أَمامَ الأُلى جاؤوا إِلَى الحَظِّ مِنْ قَبْلِي
فكَمْ باتَ هَذَا الملكُ منّي مُعرِّساً / بِفَتّاَنَةٍ بكْرٍ وبتُّ عَلَى الثُّكْلِ
وأَثقَلْتُ أوتارَ الرِّكابِ جَوَاهِراً / عَلَى ثَمنٍ يَعْدُو بِهِ مُحْوِلُ النَّمْلِ
وها أَنذَا مَا إِنْ أَموت من الأسى / بوَقْرٍ عَلَى وَقْرِ وثِقْلٍ عَلَى ثقْلِ
وَليَّ النَّدى أَصْبَحتُ فِي دَوْلَةِ النَّدى / كَأَنِّي عَدُوُّ البخل فِي دَوْلَةِ البُخْلِ
يُقَتِّلُ أَخْفى اليَأْسِ أَحْيى مَطالِبي / لَيَالِيَ جلَّ الْوَعْدُ عن ريبةِ المَطْلِ
وأُبْدي لِلَسْعِ الدَّبْر وَجْهي مُنازعاً / وَقَدْ فازَ غيري سالِماً بجنى النَّحْلِ
ومَولىً يَجِرُّ البأْسُ والحَمْدُ ساجداً / إِلَى سيفِهِ الماضي ونائلِهِ الجَزْلِ
سَريع إِلَى داعي النَّدى وشَفِيعِهِ / وبَحْرُ عطاياهُ أَصمُّ عن العَذْلِ
تَذكَّرني فِي ساعة العلم والنُّهى / وأُنْسِيَني فِي ساعة الجود والبَذْلِ
وَبَوَّأَنِي فِي قَصْرِهِ أَعْلَ مَنْزِلٍ / وَحَظِّيَ مُلقىً يسْتغيثُ من السُّفْلِ
فَأَكْسُو لَهُ الأَيَّامَ مِنْ حُرِّ مَا أَشِي / وَأَمْلأُ سَمْعَ الدهرِ من سِحْرِ مَا أُملِي
أُوَاصِلُ آناءَ الأَصائِلِ بالضُّحى / وزادِيَ من جُهدِي وراحِلَتي رِجْلي
إِذا أَحْفَتِ الفُرْسانُ غُرَّ جِيادِهِ / خَصَفْتُ بوجهي مَا تَمزَّقَ من نَعْلِي
وإِنْ أَقْبَلُوا والمِسْكُ يندى عَلَيْهِمُ / أَتَيْتُ وَقَدْ ضُمِّخْتُ مِسْكاً من الوحْلِ
وإِنْ شُغِلوا لَهْواً بأَنْعُمِ كفِّهِ / فخِدْمَتُه لَهْوي وطَاعَتُهُ شُغْلي
أُقِرُّ عيونَ الشامِتينَ ولَيتَنِي / أُبَرِّدُ مَا تطوي الضلوع من الغِلِّ
أَمُرُّ بِهِمْ أَلقى الثَّرى وكأنَّمَا / فؤادِيَ من أحداقِهِمْ غَرَضُ النَّبلِ
إِذا الأَسد الضِّرغامُ أَنْفَذَ مقتَلي / فما فَزَعِي إِلّا إِلَى الأَرْقَمِ الصّلِّ
وإِن ذابَ حُرُّ الوجْهِ من حَرِّ نارِهِمْ / فما مُسْتَغَاثِي منهُ إِلّا إِلَى المُهْلِ
ومن شيمة الماء القراح وإن صفا / إذا اضطرمت من تحته النار أن يغلي
ولا وَزَرٌ إِلّا وزيرٌ لَهُ يدٌ / تُمِلُّ عَلَى أَيْدِي الربيع فيَسْتَمْلِي
أَبا الأصبَغ المَعْنيَّ هل أَنت مُصْرِخِي / وهلْ أَنتَ لي مُغْنٍ وهل أَنتَ لي مُعْلِ
وهل مَلِكُ الإِنعامِ والجودِ عائدٌ / بإِحسانِ مَا يُولي عَلَى حُسْنِ مَا أُبْلي
وهل لرياض الملك في نفحة الصبا / وهل لسماء المجد في كوكب النُّبلِ
وحتَّى مَتى أُعْطِي الزمانَ مقادَتِي / وَقَدْ قَبَضَتْ كَفّي عَلَى قائِمِ النَّصلِ
ونادَيْتُ من عُلْيا الوزارَةِ ناصِراً / يَرى خاطفاتِ الشُّهْبِ تمشي عَلَى رِسْلِ
فلا يَغْبِطِ الأَعداءَ مَا طُلَّ من دَمي / ولا يَهْنئِ الأَيَّامَ مَا فاتَ من ذَحْلي
عسى مجدُ عيسى أَن ينوءَ ببارِقٍ / يُسِحُّ حَيا الإِفضالِ فِي روضةِ الفَضْلِ
فيا ابْنَ سعيدٍ هل لِسَعْدِكَ كَرَّةٌ / عَلَى الهِمَّةِ العَلْياءِ فِي الأُفُقِ الغُفْلِ
طَوَتْ زَفَراتِ البَثِّ حَتَّى لقد أَنى / لذات مَخاضٍ أَن تُطَرِّقَ بالحَمْلِ
مطالبُ أبقى الدهرُ منها مَظالِماً / تُنادِيكَ بالشكْوى وتدعُوك للفَضْلِ
وكُلٌّ عليها شاهِدٌ غيرُ شاهِدٍ / وَلَيْسَ لَهَا حاشاكَ من حَكَمٍ عَدْلِ
أَيَحْتَقِبُ الركبانُ شرقاً ومغرِباً / غرائِبَ أَنفاسي وأَلقاكَ فِي الرَّجْلِ
ويَنْتَقِلُ الشَّرْبُ الندامى بدائِعي / وهَيهَاتَ لي من لَذَّةِ الشُّرْبِ والنُّقْلِ
وضَيفٌ بحيثُ الطَّيْرُ تُدْعى إِلَى القِرى / يضيقُ بِهِ رَحْبُ المَباءةِ والنُّزْلِ
طَوٍ وَوُجُوهُ الأَرْضِ خِصْبٌ ومَطْعَمٌ / وعيمانُ والجُلمُودُ يَفَهَقُ بالرِّسْلِ
وحَرَّانُ أَوْفى ظِمءَ تِسْعٍ وأَرْبعٍ / بحيثُ تَلاقى دافِقُ البحرِ والوَبْلِ
وسَيفٌ يقُدُّ البَيْضَ والزَّغْف مقدِماً / يروحُ بلا غِمْدٍ ويغدُو بلا صَقلِ
وذُو غُرَّةٍ معروفَةِ السبق فِي المدى / وَقَدْ قَرِحَ التَّحجيلُ من حَلَقِ الشُّكْلِ
ودَوحَةُ عِلمٍ فِي السماءِ غُصُونُها / تَرفُّ بلا سُقْيا سوى بَغَش الطَّلِّ
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها
أَخَفْضاً نَوَتْ فِينا النَّوى ولَعَلَّها / أَجَدَّ بِهَا طُولُ السُّرى فأَمَلَّها
وَحاشَ لأَصْدَاءِ الفَلا أن تَصُدَّها / بِنا أَوْ أَضَالِيلِ الدُّجى أَنْ تُضِلَّها
وأَحْقِرْ بِهَوْلِ البَحْرِ أَنْ يَسْتَكِفَّها / وأَهْوِنْ بِغَوْلِ القَفْرِ أَنْ يَسْتَزِلَّها
ولكِنْ أَيادِي مُنْذِرٍ نَذَرَتْ بِهَا / فكانَتْ لَنَا مِنْها قَذىً وشَجاً لَهَا
فحازَتْ إِلَى عِزِّ الحَياةِ رِحالَنا / وَزَمَّتْ عَلَى خِزْيِ المَتالِفِ رَحْلَها
نَحاها مُقِيلُ العاثِرِينَ بِعَثْرَةٍ / لَعاً لِيَ مِنْها والنَّوى لا لَعاً لَهَا
فكَمْ أَقْفَرَتْ مِنَّا مَحَلّاً وغَرَّبَتْ / وُجُوهاً أَجَدَّتْ فِي الفُؤادِ مَحَلَّها
ويا رُبَّ بَلْهاءِ الصَّبا عن جَوى الهوى / لَبِسْتُ بِهَا عَيْشَ الصَّبابَةِ أَبلَها
كَشَفْتُ لِسَهْمَيْ طَرْفِها عن مَقاتِلِي / مِجَنَّ تُقىً لَمْ يَمْنَعِ النَّفْسَ قَتْلَها
وشَكَّكَني وَجْدِي بِهَا وَصَبابَتِي / أَنَفْسِيَ لِي إِنْ أَخْطَأَ الحَيْنُ أمْ لَهَا
وَحَسْبِي بِهَا عَذْلاً عَلَى سَلْوَةِ الهَوى / وعُذْراً كفانِي العاذِلاتِ وعَذْلَها
بِقَدٍّ إِلَى مُسْتَوْدَعِ القَلْبِ قادَها / ودَلٍّ عَلَى مُسْتَوْطَنِ النَّفْسِ دَلَّها
ولِلْخَفَرِ السَّحَّارِ فِي وَجَناتِها / خَوَاتِيمُ لا يَخْفِرْنَ مِنِّيَ وَصْلَها
وما خَفَرَتْ بِيضُ الصَّوارِمِ والقَنا / مَحاسِنَها مِمَّا أَصابَ فَأوْلَها
فَلِلَّهِ مِنْ بَيْنٍ تَقَسَّمَ طُرْقَهُ / طَوَارِقُ لا يُلْهِينَ عَنْ لَهْوِ مَنْ لَهَا
عَلاقَةُ حُبٍّ شَدَّ مَا عَلِقَتْ بِهَا / حَبائِلُ بَيْنٍ بَتَّ مِنِّيَ وَصْلَها
وَصَفْوَ هَوىً مَا قَرَّ حَتَّى هَوَتْ بِهِ / حوادِثُ تفريقِ القُلُوبِ هَوىً لَهَا
فكُنَّا لَهَا نَبْلاً أَصَابَتْ بِنا الصَّبا / وَمَا عَدَلَتْ عَنْ رَمْيِ قَلْبِيَ نَبْلَها
جُسُوماً أَقَلَّتْها الرِّياحُ فَلَمْ تَدَعْ / لَهُنَّ مِنَ الأَرواحِ إِلّا أَقَلَّها
نَجائِبُ وَصَّاها الجَدِيلُ وشَدْقَمٌ / بأَلّا تَمَلَّ اللَّيلَ حَتَّى يَمَلَّهَا
فَتُخْلِقُ بالإِرْقَالِ ثَوْبَ شَبابِهِ / وتَتْرُكُهُ بالأُفْقِ أَشيَبَ أَجْلَها
تُرَاوِحُهُ مِنْ خِلْفَةِ الفَجْرِ طُرَّةٌ / كَمُعْتَرَضِ الشَّقْرَاءِ تَنفُضُ جُلَّها
فكَمْ حَمَلَتْ مِنْ حُرِّ قَلْبٍ مُولَّهٍ / يُبَلِّغُ عَنْهُ النَّجْمُ قَلْباً مُوَلَّها
وكم ضَمَّ ذَاكَ اللَّيْلُ مِنْ أُمِّ شادِنٍ / أَضَلَّتْهُ فِي جَوْفِ الفَلا وأَضَلَّها
وَقَدْ بَلَّغَ الجَهْدُ القُلُوبَ حَناجِراً / تُبَشِّرُها أَنَّ التَّناهِي مَدىً لَهَا
فَوَشْكانَ يَا مَنْصُورُ مَا نُصِرَ الأَسى / بِرَدِّ أَقاصي الأَرْضِ نَحْوَكَ سُبْلَها
ونادى نَدَاكَ الرَّكْبَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / أَلا بَلِّغُوا هَدْيَ الرِّكابِ مَحِلَّها
فَلَبَّتْكَ مِنْ غَوْرِ الجَلاءِ أَهِلَّةٌ / أَهَلَّ بِهَا مَأْوَاكَ حَتَّى أَهَلَّها
كَأَنَّا نَذَرْنا مَطْلَعَ الشَّمْسِ مَنْزِلاً / أَلِيَّةَ حَلْفٍ كَانَ وَجْهُكَ حِلَّها
فآوَيْتَ فَلَّ النَّائِبَاتِ وَطَالَما / أَبَرْتَ العِدى قَتْلاً وآوَيْتَ فَلَّها
ونادَيْتَها أَهْلاً وسَهْلاً وَلَمْ تَزَلْ / أَحَقَّ بِهَا فِي النَّازِلِينَ وأَهْلَها
فَظَلَّلْتَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ اللَّيْلُ ظِلَّهُ / وأَغْدَقْتَ مَنْ لَمْ تُلْحِقِ المزْنُ طَلَّها
وعَوَّضْتَنا من رَاحَةِ المَوْتِ رَاحَةً / سَكَنَّا بِهَا بَرْدَ الحياةِ وَظِلَّها
وأَعْمَرْتَ مِنَّا فِي ذَرَاكَ منازِلاً / تَفَقَّدْتَ مَثْواها وأَرْغَدْتَ نُزْلَها
وَلَمْ تَبْدَ مِنْ نُعْمَاكَ إِلّا بِبَعْضِها / وَلَكِنَّهُ عَمَّ الرَّغائِبَ كُلَّها
فَرُحْنا شُرُوباً قَدْ تَأَنَّقَ رَوْضُها / وأَنْهَلَها كَأْسُ السُّرُورِ وَعَلَّها
نَدَامَى ولكِنْ مِنْ عَطايَاكَ راحُها / وَقَدْ جَعَلَتْ من طِيبِ ذِكْرِكَ نُقْلَها
وَخَفَّتْ عَلَى يُمْناكَ مِنَّا مطالِبٌ / تَشَكَّى إِلينا البَرُّ والبَحْرُ ثِقْلَها
وما تَوَّجَتْ هَذِي الرِّياسَةُ سَيِّداً / أَكالِيلَها حَتَّى تَحَمَّلَ كَلَّها
هِيَ البِكْرُ مَجْلاهَا حَرَامٌ مُحَرَّمٌ / فَيا مَنْ بِمَهْرِ المَكْرُماتِ اسْتَحَلَّها
فَتاةٌ دَعَتْ مَنْ للحروبِ وللنَّدى / فما وَجَدَتْ إِلّا ابْنَ يَحْيَى فَتىً لَهَا
مَنِ اخْتَرَقَ الدُّنْيَا لأَوَّلِ دَعْوَةٍ / إِلَى دَعْوَةِ الإِسلامِ فافْتَكَّ غُلَّها
وشَرَّدَ أَحْزابَ العِدى عَنْ حَرِيمِها / وأَدْرَكَ منْ مُسْتَأْسِدِ الكُفْرِ ذَحْلَها
ودَوَّحَ فِي جَوِّ السَّماءِ غُصُونَها / وأَثْبَتَ فِي بَحْبُوحَةِ العِزِّ أَصْلَها
ومَدَّ هوادِي الخَيْلِ فِي طَلَبِ العِدى / فأَوْطَأَها حَزْنَ البِلادِ وسَهْلَها
وكَمْ قَدْ فَدى أَدنى النُّفُوسِ مِنَ القَنا / بِنَفْسٍ نُفُوسُ العالَمِينَ فِدىً لَهَا
فَلَوْ كَانَ للشَّمْسِ المنيرَةِ دُولَةٌ / بأُخْرى لَقِيلَ اصْعَدْ فَحِلَّ مَحَلَّها
ولَوْ لَحِقَتْ مَجْرى الكواكِبِ خَلَّةٌ / لَقِيلَ لَهُ سُسْتَ العُلا فَتَوَلَّها
ولَوْ قِيلَ زِدْها فِي هِباتِكَ واسْتَزِدْ / بِهَا الحَمْدَ من هَذَا الوَرى لاسْتَقَلَّها
ولَوْ كَانَ يَرْضاها نِظاماً لِزِينَةٍ / لَقِيلَ تَتَوَّجْ زُهْرَها وتَحَلَّها
وأَغْنِ بِهِ عنها وَفِي مَنْطِقِي لَهُ / قلائِدُ لا يَرْضى الكَوَاكِبَ بَدْلَها
جواهرُ لَمْ يَذْخَرْ لَهَا الدَّهْرُ مِثْلَهُ / مَلِيكاً ولا أَهْدى لَهُ البَحْرُ مِثْلَها
أُخَلِّدُ فِيهَا مِنْ نداهُ وبَأْسِهِ / خلائِقَ تَسْتَمْلِي الخلائِقُ فَضْلَها
فتُحْبي لَهَا حُسْنَ الأَحادِيثِ بَعْدَها / بإِحْيائِها أَيَّامَ مَنْ كَانَ قَبْلَها
وأُمْلي عَلَى الأَيَّامِ آثارَ مُنْعِمٍ / عَلَيَّ بِعَيْنِ المَكْرُمَاتِ أَمَلَّها
قضى اللهُ لي منها وسائِلَ نِسْبَةٍ / فَأَلَّفَ فِي الأَحْقابِ قَوْلي وفِعْلَها
ثنائي وعَلْياها ومَدْحِي وفَخْرَها / وشُكْرِي ونُعْماها وحَمْدي وبَذْلَهَا
ويَا عِيدَ أَعْيادٍ توافَتْ فأَشْرَقَتْ / عَلَى الدِّينِ والدُّنيا وكُنتَ أَجَلَّها
تُخَبِّرُ عن جَمْعِ المُنى فَتَهَنَّها / وعن عَوْدِ أَعْيادٍ بِهَا فَتَمَلَّها
وبِرُّكَ للأَضْيافِ قَرَّبَ بُعْدَها / وبِشْرُكَ بالزُّوَّارِ أَلَّفَ شَمْلَها
سلامٌ عَلَى الأَيَّامِ تسليمَ إِقْبالِ
سلامٌ عَلَى الأَيَّامِ تسليمَ إِقْبالِ / بآمالِ تحقيقٍ وتحقيقِ آمالِ
بمَقْدَمِ فتحٍ من مليكٍ مُظَفَّرٍ / وأَوْبَةِ نَصْرٍ فِي تباشِيرِ إِقْبالِ
وشاهدِ مُلْكٍ لاحَ فِي تاجِ مَفْرِقٍ / مُحَيَّاً بإِعظامٍ مُحَلَّىً بإِجلالِ
ذخيرةُ أَملاكٍ وعِلْقُ تَبابِعٍ / وصفوةُ أَذْواءٍ وميراثُ أَقْيالِ
فبُشْرَاكِ يَا دُنيا سَمِيُّ الَّذِي بِهِ / عَلا صوتُ جِبْرِيلٍ بَشيراً ومِيكالِ
وبشراكِ باستقبالِ أَرضٍ حَياتُها / بما فِي اسمِهِ من صادِقِ الظَّنِّ والفالِ
فَهَذِي رِياضُ الأَمنِ تُزْهِرُ بالمُنى / وهذِي سماءُ الفضلِ تَهْمِي بإِفْضالِ
وهذا سناءُ الفخرِ يُشْرِقُ بالسَّنا / وهذا جمالُ الدهرِ يُزْهى بإِجْمالِ
بِمَنْ كَشَفَ الخَطْبَ الَّذِي أَظْلَمَ الضُّحى / وأَلقى عَلَى الأَلبابِ حَيْرَةَ إِضْلالِ
ومن رَتَقَ الفتْقَ الَّذِي أَعْجَزَ الورى / وأعْدَمَ فِيهِ الدَّهْرُ حِيلَةَ مُحْتالِ
ومن رَدَّ فِي جسمِ المكارِمِ رُوحَهُ / فلا عُذْرَ للباكِي ولا ذَنْبَ للسَّالي
ومَنْ وَسِعَ الإسلامَ رَأْفَةَ مُنْعِمٍ / وهيَّأَ للإِشراكِ عَدْوَةَ رِئْبَالِ
ومن ركِبَ الفُلْكَ السَّوابِحَ فِي الوغَى / إِلَى كلِّ هَوْلٍ ينتحيهِ بأَهوالِ
ورفَّعَ أَعلاماً كَأَنَّ خفوقَها / عَلَى عَلَمِ الإِشراكِ إِرجافُ زِلْزَالِ
وسامَرَ بالشِّعْرى خيولاً كَأَنَّما / تَمَشَّى بِهِنَّ الأَرضُ مِشْيَةَ مُختالِ
سرى ليلَ كانُونَيْنِ والدَّجْنُ ذائِبٌ / عَلَيْهِ بحمدٍ فِي دُجى الليلِ مُنْهَالِ
وَلَيْسَ سِوى نارِ الطِّعانِ لَهُ صِلىً / ولا غَيْرُهُ فِي حَرِّ أَوَّلِها صالِ
بجمعٍ كَأَنَّ الجَوَّ مرآةُ عَيْنِهِ / إِذَا مَا سَرى أَوْ بالغُدُوِّ والآصالِ
فَتِمْثالُ أَطرافِ العوالي نُجُومُهُ / وشَمْسُ ضحاهُ منكَ أَبْيَنُ تِمْثَالِ
كَأَنَّكَ عَوَّضْتَ الأَباطِحَ والرُّبى / وشيجَ القنا من مَنْبِتِ السِّدْرِ والضَّالِ
كما عَمَّها جَدْوى يَدَيْكَ فوصَّلَتْ / مساءً بإِصباحٍ وسَهْلاً بأَجْبالِ
فكَمْ أَلبَسَتْ شُمَّ الرُّبى من عمائِمٍ / وجَرَّتْ عَلَى البيداءِ من فَضْلِ أَذْيالِ
حدائِقُ ماذِيٍّ يُضاحِكُ فِي الدُّجى / حبيكاً كَلَمْعِ الشمسِ فِي رَيِّق الآلِ
إِذَا هَبَّ ريحُ النصرِ فِيهَا تَفَتَّحَتْ / بأَبْيَضَ قَضَّابٍ وأَسْمَرَ عَسَّالِ
وطاقَةِ نَبعٍ في بنانِ مُوَتِّرٍ / وَزَهْرَةِ نَوْرٍ فِي كِنانَةِ نَبَّالِ
تجارَةُ غَزْوٍ نَقْدُها البِيضُ والقنا / قضاءَ حُقوقٍ واقتِضاءً لآجالِ
فلِلَّهِ كم أَغلَيْتَ من دَمِ مُسْلِمٍ / وأَرخَصْتَ فِي أَعدائِهِ من دَمٍ غالِ
وأَسلَمْتَ للإِسلامِ فِيهَا بضاعَةً / تعود بأَضعافٍ وتوفي بأَمثالِ
وحسبُكَ فِيهَا بِابْنِ شَنْجٍ وجُنْدِهِ / من السَّبْيِ أَبْدالاً وأَيَّةُ أَبدالِ
مليكاً وَمَا يحوي شَرَيْتَ بِبَعْضِهِ / وأَرْبِحْ بِقِنطارٍ يُباعُ بمثقالِ
فما حازَ غازٍ مثلَهُ فَيْءَ مَغْنَمٍ / ولا نالَ سابٍ مثلَها سَبْيَ أَنفالِ
وما بعتَ رِقَّ المُلكِ مِنْهُمْ نَسِيئَةً / ولا مُستجِيزَاً كالِئَ الدَّيْنِ بالكَالي
ولكنَّ نقداً ناجِزاً فِي رِقابِهِمْ / بإِذْعانِ تَمْلِيكٍ وإِذْعانِ إِذلالِ
وإِقرارِ من لا يبتغي عنكَ مَوْئِلاً / وَلَيْسَ لَهُ من دونِ سيفِكَ مِنْ والِ
فَعُدْ بمفاتِيحِ الفتوحِ الَّتِي شَفَتْ / عَلَى غَلَقٍ من غَدْرَةٍ تحتَ أَقفالِ
بمَنْ لَمْ يُسِغْهُ كَرُّهُ بَعْدَ فَرِّهِ / ولا رَدَّ من عَيْنَيْهِ نَظْرَةَ إِجفالِ
غداةَ تقاضى منه أَكفالَ خيلِهِ / بأَجيادِ خيلٍ لا تَقَرُّ بأَكفالِ
وأُلقِحَ منهُ بَطْنُ أُمٍّ طَوَتْ بِهِ / مَشِيمَةُ شُومٍ جَالَ فِي سُخْدِ أَوْجالِ
إِذَا أَسْقَطَتْهُ رَوْعَةٌ منكَ راعَهُ / هشيمُ رياضٍ فِي دوارِسِ أَطلالِ
شَفا جَنَّةٍ لَمْ تُجْنَ حَتَّى جَنى لَهَا / حروباً جَناها من جحيمٍ وأَنْكالِ
يقلِّبُ كفَّيْهِ بحَسْرَةِ حاسِرٍ / عَلَيْها وعيْنَيْهِ بعبرةِ إِعْوالِ
مصانِعُ رَوْضاتٍ رَعى البَغْيُ نَبْتَها / فعَوَّضَهُ منها شواهِقَ أَوْعالِ
فأَيَّةُ أَسوارٍ ونُصْحُكَ سِرُّها / إِلَى أَن طوى غِلّاً فأَيَّةُ أَغلالِ
وأَيَّةُ أَشجارٍ وسَلْمُكَ سَقْيُها / إِلَى أَنْ بَغى فِيهَا فأَيَّةُ أَجْذالِ
حَماها فأَعْلاها بِناءً وَمَا رأى / مكانَكَ يَعْلُو كُلَّ ذي شَرَفٍ عالِ
وشيَّدَها عُجْباً ويا رُبَّ مِثْلِهِ / عَلَى مِثلِها أَبكيْتَ من طلَلٍ بالِ
وعَطَّلَها من حَلْيِ نُصْحِكَ باغِياً / فيا عَجَبَ الأَيامِ للعاطِلِ الحالي
يُتَوِّجُها بالنَّقْعِ نَظْمُكَ حولَها / مجالَ عُقُودٍ من خيولٍ وأَبطالِ
فيُمْسي لَهَا منهُ لِحافٌ ومِلْحَفٌ / وتُصْبِحُ منه بَيْنَ دِرْعٍ وسِرْبالِ
كما وَصَفَ الكِنْدِيُّ بَعْلَ فَتاتِهِ / عَلَيْهِ القَتامُ سَيِّءَ الظَّنِّ والبالِ
فأَبْقِ لَهَا بأْسَ ابْنِ باقٍ ونُصْحَهُ / فما لَمَسَ الجَرْباءَ مِثْلُ يَدِ الطَّالِي
ولا أَحْصَنَ الحربَ العوانَ كَبَعْلِها / ولا راعَ آساداً كغاصِبٍ أَشْبَالِ
ولاسِيَّما حُرٌّ جَلا لَكَ غَيْمُهُ / نصيحةَ لا وانٍ وإِشفاقَ لا آلِ
وشِيعِيَّةٌ لا مُقْصِراً عن غُلُوِّها / ولا مُشْكِلاً بَيْنَ المقصِّرِ والغالي
وطائرُ يُمْنٍ لا تَزَالُ تَرِيشُهُ / قوادِمَ إِقدامٍ ونَهْضَةَ إِعجالِ
بِهَا رَدَّ خيلَ البغيِ تَدْمى كُلُومُها / وَقَدْ يَئِسَتْ من نُصْرَةِ العَمِّ والخالِ
وأَمَّنَ من عُدوانِها كُلَّ خائِفٍ / وأَثكلَها مُسْتَوْدَعَ الأَهلِ والمالِ
وإِنَّ هلالاً لاح من حَدِّ سيفِهِ / لمضمونُ إِتمامٍ عَلَيْهِ وإِكمالِ
فهاكَ نجومَ السَّعْدِ من كُلِّ مطلعٍ / تُوالي بتكبيرٍ إِلَيْكَ وإِهلالِ
فلا عَرِيَتْ منكَ الجيادُ إِلَى الوغى / ولا العيسُ من حِلٍّ إِلَيْكَ وتَرْحالِ
وأيُّ زنادَيْ فتنةٍ أوْرَيا لَهَا
وأيُّ زنادَيْ فتنةٍ أوْرَيا لَهَا / سَنا صُبْحِ حَقٍّ فِي دُجى ليلِ باطِلِ
وسيفَيْنِ رَدَّ اللهُ غَرْبَ شَباهُما / تَلاَقٍ بصَفْحَيْ واصِلٍ لمُواصِلِ
حليفَيْنِ شَدَّا عقدَ مَا احْتلَفا لَهُ / ورَدَّا عليهِ عاطِفاتِ الوَسائِلِ