المجموع : 9
أتَعلَمُ ما هاجَتْ بقلبي من الشُغْلِ
أتَعلَمُ ما هاجَتْ بقلبي من الشُغْلِ / مُخدَّرةٌ تَسبِي بأهدابِها الكُحْلِ
غَزالةُ إنسٍ لا غَزالةُ رَبرَبٍ / رَعتْ حَبَّةً للقلبِ لا عَرْفَجَ الرَملِ
اتتني من الزَواراء تَسحَبُ ذَيلَها / دَلالاً فزادَتْ غُلَّةَ الشَوقِ بالوَصلِ
بذَلتُ لها مَهْرَ العَرُوسِ من الحِلَى / فعافتهُ إجلالاً فأمهَرتُها عَقلي
رَبيبةُ حُسنٍ صَيَّرتْني ربيبها / ويا حبّذا ما نِلتُ من شَرَفِ المِثْلِ
ظَفِرنا بها من جُودِ أكرَمِ مُرسِلٍ / علينا فكانَتْ عِندنا أكرَمَ الرُسْلِ
هو الجوهرُ الفردُ المعرَّفُ شخصُهُ / بنَوعِ السجايا ليسَ بالجنِسِ والفَصلِ
نتيجةُ دَهرٍ لا يقاسُ بفضلهِ / صحيحُ القضايا صادِقُ الوَضْعِ والحَمْلِ
هو العُمَريُّ السَيّدُ الماجدُ الذي / لهُ الشَرَفُ المحفوظُ فَرعاً عنِ الأصلِ
لئن لم يكُ الفاروقُ أخلَفَ غيرَهُ / منَ النَسلِ أغنَى القومَ عن كثرةِ النسلِ
تَسامَى إلى أنْ صارَ أعلى من السُهَى / وفاضَ إلى أنْ صارَ أجرَى من الوَبْلِ
أشدُّ جِلاءً في الخُطوبِ من الضُّحَى / وأمضَى يَداً في المُشكلاتِ منَ النَصْلِ
تخِرُّ له الأقلامُ وهيَ نَواكِسٌ / فيُكسبُها فخراً على أنفَذِ النَبْلِ
تصيد المعاني سانحاً بعد بارحٍ / كما وقف القانص في ملتقى السبل
لهُ مِنَّةٌ طَالتْ عليّ ونعمةٌ / عَلَتْ فوقَ رأسي كالسَّحُوقِ من النَخلِ
إذا رُمتُ شكر الفضلِ أنَهضتُ همَّتي / فأقعَدها وِقرٌ جديدٌ من الفَضلِ
رمى البعضَ من شعري الضعيفِ بطَرفِهِ / فأولاهُ تقريظاً فسادَ على الكُلِّ
رأى كلُّ بيتٍ نفسَهُ كقَصيدةٍ / فضاقَ بهِ ما كانَ يَحْويه من قبلِ
بك افتَخَرتْ يا كَعبةَ الفخرِ نُبذَةٌ / قَدِ انتبَذَتْ أقصَى مكانٍ من الجَهل
تَقولُ كَفاني شاهدٌ مِثلُهُ فإنْ / جَسَرْتَ فقُلْ ما ذاكَ بالشاهدِ العَدْلِ
قضى اللهُ بالبُعدِ الذي حالَ بيننا / وهل يُرتَجى من غيرهِ صِلَةُ الحَبلِ
أرَى بينَنا شُمَّ الجِبالِ وفوقَها / جبالٌ منَ الأشوَاقِ سابغةُ الظِلِّ
تَصوغُ لنا شَكوَى النَّوَى بيدِ الهَوَى / فأقلامُنا تجري وأشواقُنا تُملي
أجارَتَنا هل للنَّسيمِ وُصولُ
أجارَتَنا هل للنَّسيمِ وُصولُ / إليكِ فلي منهُ الغَداةَ رَسولُ
مَضَى وأراهُ لم يَعُدْ فلَعلَّهُ / قَضَى نَحْبَهُ إذ راحَ وَهْوَ عليلُ
تمنَّعتِ بينَ الشُّوسِ والبِيضِ والقَنا / وكُلٌّ بمنعِ الطارِقينَ كفيلُ
وما كانَ يُجدِي لو بَرَزتِ من الحِمَى / وأنتِ على عَهدِ النِفارِ جَفُولُ
أيا دارَها بالوَادِيَينِ قَريبةً / نَراكِ ولكنْ ما إليكِ سَبيلُ
لئن عَمرَت منكِ البُيوتُ فإنَّما / لَديكِ قُلوبُ العاشِقينَ طُلولُ
لَنا فيكِ خَوْدٌ تَحسُدُ السُمْرُ عِطْفَها / فيبدو على أعطافِهِنَّ ذُبولُ
عزيزةُ قومٍ حُبُّها قد أذلَّني / نَعَمْ كلُّ من يَهوَى الجمالَ ذليلُ
أقامَتْ عُبيدَ الخالِ في الخَدِّ حارساً / على الوَرْدِ أنْ يَسطُو عليهِ جَهُولُ
وأحرَزَتِ الدِّرياقَ في الثَغْرِ إذ رأتْ / أفاعيَ ذاك الشَعْرِ وَهْيَ تَجُولُ
تَذَكَّرتُ ما لم أنْسَ من وَقفةٍ لنا / خِلالَ الثَنايا حِينَ جَدَّ رَحِيلُ
بَكَتْ فاستَهَلَّ الكُحلُ في صَحنِ خَدِّها / فحاكى صَدا الصَمْصامِ وَهْوَ صقيلُ
تقولُ نِساءُ الحيِّ إنِّي خليلُها / كَذَبنَ فما للغانياتِ خليلُ
لئن كانَ بعدَ البَينِ قد حال عهدُها / فعهدُ الهَوَى في القلبِ ليسَ يَحُولُ
خليليَّ إن الخِلَّ في كلِّ بَلدةٍ / كثيرٌ ولكنَّ الوفِيَّ قليلُ
إذا لم يكُنْ منكما اليومَ مُسعِدٌ / فإنَّ تَحِيَّاتِ الصِّحابِ فُضولُ
تُريدُ رِجالٌ نَجدةً ليَ بالمَنى / وتِلكَ سِهامٌ ما لَهُنَّ نُصولُ
وكم قائلٍ في الناس ليسَ بفاعلٍ / وكم فاعلٍ في الناس ليسَ يقولُ
وأحسَنُ من نُطقِ الغَبيِّ سُكوتُهُ / وأحسَنُ من مجدِ السَفيهِ خمولُ
ومَن رامَ مجداً فليكُن كابن هاشمٍ / وإلاّ فلا كي لا يُقالَ دَخيلُ
منَ السادةِ الأشرافِ أمَّا بَنانُهُ / فسُحْبٌ وأمَّا جُودُهُ فسيُولُ
يُلبّي دُعاءَ المُستجِيرِ وبَينَهُ / وبينَ المنادي في المسَافةِ ميلُ
لهُ الكَرَمُ الجَمُّ الذي شَنَّ غارَةً / على الفَقرِ حتى خَرَّ وَهْوَ قتيلُ
مديدٌ بسيطٌ وافرٌ متَقارِبٌ / سريعٌ خفيفٌ كاملٌ وطويلُ
أتيناهُ كُلُّ الرَكْبِ منَّا رَبيعةٌ / وكلُّ المطايا شَدْقَمٌ وجَدِيلُ
فكانَ كرَيْعان الضُّحى كُلَّما دَنا / يَزِيد علينا بَسطةً ويَطولُ
لئن فاتَ نجداً رِيفُ مِصرَ ونِيلُها / ففي نجدَ رِيفٌ من نَداهُ ونِيلُ
يلوحُ إذا جَنَّ الدُجَى ضَوءُ نارهِ / فذلكَ داعٍ للقِرَى ودَليلُ
كريمُ السجايا وَجهُهُ وثَناؤُهُ / وصُنْعُ يديهِ كلُّهنَّ جميلُ
تَرَحَّلُ عنهُ في الصَّباحِ كتيبةٌ / وتَعشُو إليهِ هَجْمةٌ ورَعيلُ
إذا افتَخَرَتْ عُرْبُ البوادي ففخرُها / لهُ غُرَرٌ من تَغلِبٍ وحُجُولُ
وهل كَعدِيٍّ في مَشارِفِ تُبَّعٍ / وهل لكُلَيبٍ في الحِجازِ عديلُ
أعادَ حِمَى عَمروٍ حِمَى وائلٍ لهم / وأضرَمَ تلكَ النارَ وَهْيَ تَهُولُ
أشَمُّ يَهابُ السَّيفُ مَسَّ أدِيمهِ / ويَرتَدُّ عنهُ الطَرْفُ وَهْوَ كليلُ
ألذُّ شَرابٍ عِندَهُ دَمُ فاتكٍ / وأطرَبُ صَوتٍ رَنَّةٌ وصليلُ
وأحمى دُرُوعِ القارعيهِ هَزيمةٌ / وأفضَلُ غُنْمِ الطَّالبيهِ قُفولُ
خَزائنهُ بِيضٌ وسُمْرٌ وأدرُعٌ / ونَبْلٌ وتُرسٌ مانعٌ وخُيولُ
وأعجَبُ منهُ أنهُ بنُضارِهِ / كريمٌ ولكن بالحديدِ بخيلُ
كريمُ يدٍ لا يَبْزُلُ البَكْرُ عِندَهُ / ولا يَقتَضي حَقَّ الرَضاعِ فَصيلُ
إذا نَزَلَ العافي حِماهُ فإنَّما النْ / نَزِيلُ أميرٌ والأميرُ نزيلُ
تقومُ الرُدَينِيَّاتُ حولَ قِبابِهِ / كما قامَ في الرَّبْعِ الخَصيبِ نَخيلُ
وقومٌ إذا الدَّاعي دَعا يا لَتَغْلِبٍ / تَسابَقَ منهُم فِتْيةٌ وكُهُولُ
زَجونا إليهِ كالمَطايا قَرائِحاً / عليهنَّ من نَسْجِ القريضِ حُمولُ
لَئن قامَ عن تقصيرِنا منهُ عاذرٌ / فمِنَّا عليهِ ناصحٌ وعَذُولُ
أرَى الشِّعرَ مِثلَ الماء يَجرِي فبعضهُ / أجاجٌ وبعضٌ بالزُلالِ يَسيلُ
وأعذَبُهُ ما في مَعانيهِ عظمةٌ / وفي اللَفظِ منهُ رِقةٌ وقَبُولُ
وفي الشِّعرِ لَفظٌ دُونَ مَعنىً كأنَّهُ / فَعُولٌ مَفَاعيلٌ فَعُولُ فَعولُ
تَناهَبَهُ أهلُ الزَّمانِ الذي مَضَى / فلم يَبْقَ إلاّ أرسُمٌ وفُضولُ
وماذا تَفِي تِلكَ الثُمالةُ حَقَّ مَن / لهُ كلُّ صَعبٍ في القَرِيضِ ذَلولُ
يَكادُ يَذوبُ الشِّعرُ من خَجَلٍ بهِ / لَدَيهِ فيُمحَى خَطُّهُ ويَزولُ
تقولُ لقلبي رَبّةُ الأعينِ النُجْلِ
تقولُ لقلبي رَبّةُ الأعينِ النُجْلِ / أفِقْ لا تَقِفْ بينَ الصَوارِمِ والنَبْلِ
قدِ استَعْبَدَتْهُ عينُها وَهْيَ عبدةٌ / فيا ويلَ عبدِ العبدِ ذُلٌّ على ذُلِّ
فَتاةٌ يَغارُ العِقدُ من حُسنِ جيدها / وتَضحَكُ عُجباً مُقلتاها على الكُحلِ
بَكَيتُ وقد أرْختْ سُدولَ قِناعِها / فقالَتْ جَرَتْ هذي السَحابةُ بالوَبلِ
مُهفهَفةُ الأعطاف تَخطِرُ كالقَنا / بمُعتدلٍ لا شَيءَ فيهِ من العَدْلِ
تَكادُ لهَضْمِ الكَشْحِ تجعلُ عِقدَها / نِطاقاً كما يُستبدَلُ المِثْلُ بالمِثلِ
أسالَتْ على وَردِ الخُدودِ ذُؤابةً / لخَوْفِ ذُبولٍ قد تلَّقتْهُ بالظِلِّ
وخَطَّتْ لخَوفِ العَينِ بالوَشم رُقْيةً / على مِعصَمَيها كالفِرِندِ على النَصْلِ
تَبدَّتْ وما أعمامُها من قَضاعةٍ / تُعَدُّ ولا أخوَالُها من بني ذُهلِ
وما رَفَضتْ منهم سِوَى الجود والوَفا / ولا حَفِظتْ منهم سِوَى النَّهبِ والقتلِ
يلومونَني أن أحملَ الذُلَّ في الهَوَى / كأنهُمُ لم ينظُروا عاشِقاً قَبْلي
إذا لُمتَ من لا تَكسِرُ القَيدَ رِجلُهُ / فإنك أولى بالمَلامةِ والعَذلِ
إلى الله أشكو جَوْرَ فاتنتي التي / لئِنْ رَضِيَتْ قلبي فقد زِدْتُها عقلي
واشكرُ مَولانا الكريمَ الذي بهِ / غَدَت مُهجتي عن كلِّ ذلكَ في شُغلِ
إمامٌ من الأفرادِ قُطبُ زَمانِهِ / ومالكُ رِقِّ العلمِ في العَقلِ والنَقلِ
عليهِ من الهادي الذي هُوَ عبدُهُ / سَلامٌ عِدادَ القَطرِ أو عَدَدَ الرَّملِ
هو العالمُ العلاّمةُ العاملُ الذي / لدى رَبِّهِ قد قامَ بالفَرْضِ والنَفْلِ
إذا ما رَقِي مَتْنَ المَنابرِ خاطباً / تقولُ رَسولٌ جاءَ في فَتْرةِ الرُسْلِ
أتاني كِتابٌ منهُ أحيا بوَفدِهِ / فُؤادي كفيضِ النِّيل في البَلدِ المَحْلِ
أحَبُّ إلى الأسماعِ من لحْن مَعبدٍ / وأعذَبُ في الأفواهِ من عَسَلِ النَحلِ
تَفضَّلَ بالمدحِ الذي هُوَ أهلُهُ / فلم أستَطعْ شُكراً على ذلك الفَضلِ
لئنْ لَم يصِبْ ذاك الثَّناءُ فحبَّذا / تكلُّفُ مثلِ الشَّيخِ ذلكَ من أجلي
لكَ اللهُ يا مَن جَلَّ ذِكراً ومِنّةً / فحُقَّ لهُ التَفضيلُ في الاسمِ والفعلِ
ويا من تُلبِّيهِ القوافي مغيرةً / بأخفَى على الأبصارِ من مَدرَج النَمْلِ
إليكَ عَرُوساً تَستحي منكَ هَيْبةً / لِذَاكَ قد التَفَّتْ وسارتْ على مَهْلِ
قد استُودِعَتْ قلبي الكليمَ وما دَرَتْ / فكان كذاك الصَّاع في ذلك الرَحلِ
أتُوقُ إلى تلكَ الديارِ وأهلِها / جميعاً كما تاقَ الغَرِيبُ إلى الأهلِ
وإني لأرضَى بالكِتابِ على النَّوَى / إذا لم يكُنْ لي من سبيلٍ إلى الوَصلِ
خُذُوا حِذرَكم من طَرْفِهِ فَهْوَ قَتَّالُ
خُذُوا حِذرَكم من طَرْفِهِ فَهْوَ قَتَّالُ / ولا تَطمَعوا في عِطفِهِ فَهْوَ مَيَّالُ
ولا تَعجَبُوا للنَدِّ في صَحْنِ خَدِّهِ / فمِن فَوقِهِ نُونٌ ومن حَولِهِ دالُ
مَليحٌ تُباعُ الرُّوحُ في سُوقِ حُبِّهِ / وليسَ سِوَى تِلكَ اللّواحظِ دَلاّلُ
منَ الغِيدِ بَرْدٌ لا سَلامٌ بِثَغْرِهِ / فأصبَحَ فيهِ يُجمَعُ الماءُ والآلُ
جَرَى عَرَقٌ في خَدِّهِ لالْتهابِهِ / فذلكَ ماءُ الوَردِ في الخَدِّ سَيَّالُ
وقد قَطَرَتْ إذ حَظَّتِ السِّحرَ عينُهُ / منَ الحِبرِ فيهِ نُقطةٌ اسمُها الخالُ
غَزالٌ تَغزَّلْنا بغازلِ طَرْفهِ / فغازَلَنا منهُ غزَالٌ وغزَّالُ
طمِعنا على جهلٍ بعسَّالِ ثغرِهِ / وكم دُونَ عَسَّالِ المَراشِفِ عَسَّالُ
يَقولونَ لي ما أنتَ والغَزَلَ الذي / عليكَ بهِ أهلُ الشَهامةِ عُذَّالُ
عَليكَ حُقوقٌ للأميرِ فقُمْ بها / ودَعْ عنكَ هذا اللَغْوَ يا نِعْمَ ما قالوا
سَلامٌ على وَجهِ الأميرِ مُحمَّدٍ / يُحَيَّا بهِ من أجلِهِ الصَحْبُ والآلُ
عزيزٌ علينا كلُّ ما يَنتمِي إلى / عزيزٍ فَدَتْهُ النَّفسُ والأهلُ والمالُ
أتُوقُ إلى تِلكَ الدِّيارِ كأنَّني / غريبٌ عليهِ طالَ في الدَّهرِ تَرْحالُ
وأطرَبُ لليومِ الذي نلتقي بهِ / كمجهودِ شَهرِ الصَّومِ إذْ هَلَّ شَوَّالُ
تَغرَّبتُ عن غَرْبٍ هُوَ الشَّرقُ عِندَنا / فما الشَّرقُ إلاّ حيثُ للصُبْحِ إقبالُ
هُنالِكَ صُبحٌ لا ظَلامَ وراءَهُ / يَلوحُ بهِ وجهُ وقَوْلٌ وأعمالُ
فيا وَطني إنْ فاتَني بكَ سابقٌ / مِن الدَّهرِ فليَنْعَمْ لساكِنِكَ البالُ
ويا دارَهُ بالغَرْبِ إنَّ مَزارَها / بعيدٌ ولكن دُونَهُ ليسَ أهوالُ
لنا من أبيهِ نِعمةٌ طالَ ذَيلُها / فما بَرِحَتْ منهُ تُجرَّرُ أذيالُ
ظَنَنَّا الليالي لا تَجودُ بمثلِهِ / فجادَتْ بمِثْلٍ لا تُدانيهِ أمثالُ
أصَحُّ كَلامٍ مَدحُهُ فَهْوَ مذهبٌ / لنا فيهِ قولٌ واحدٌ ليسَ أقوالُ
وأشهَرُ شيءٍ أنَّه فَرْدُ عَصرِهِ / فذلكَ تَدريهِ شُيوخٌ وأطفالُ
يُخبِّرُ عن أيَّامِ عادٍ وجُرهُمٍ / كمَنْ مَرَّ أجيالٌ عليهِ وأجيالُ
ويحفَظُ ما يَبْقَى على لوحِ صَدرِهِ / كحِبرٍ بهِ في اللوحِ يُرسَمُ تِمثالُ
لهُ في أفانينِ الكلامِ تَصَرُّفٌ / وفي الشِّعرِ إحسانٌ وفي النَّثر إجمال
ونفعٌ وضَرٌّ عندهُ غيرَ أنَّهُ / إلى النَّفعِ معجالٌ عنِ الضَّرِّ مِكسالُ
نُهنيِّهِ بالعيدِ الخليقِ لهُ الهَنا / به فعليهِ منهُ للزَّهوِ سِربالُ
ولو كانَ هذا العيدُ يَملِكُ أمرَهُ / أتى كلَّ يومٍ زائراً وَهْوَ يخْتالُ
قَسَمْنا جميلَ القولِ والفِعلِ بَينَنا / فمِنّي لهُ قولٌ ولي منهُ أفعالُ
ولكن تقَاسمْنا فجارَ فكُلَّما / أتى دانَقٌ مِنِّي أتى منهُ مِثقالُ
سلامٌ على من لا نَمُرُّ ببالِهِ
سلامٌ على من لا نَمُرُّ ببالِهِ / فماذا تُرَى أطماعُنا في وِصالِهِ
ولم يكْفِهِ ما قد حَملْناهُ في الهَوى / منَ الذُلِّ حتَّى زادَ حِملَ خالِهِ
مليحٌ شَهِدنا أن ناراً بِخَدِّهِ / لأنَّا وجدنا بينها فَحْمَ خالهِ
أباحَ فُؤَادي للهَوى وهو باخلٌ / يَعِزُّ عليهِ نظرَةُ من جَمالِهِ
وكلُّ كريمُ النَّفسِ من مالِ غيرهِ / وقلَّ كريمُ النَّفسِ من نفسِ مالهِ
وما كان لم تَتْعَبْ عليهِ يمينُهُ / يهونُ عليهِ بذلُهُ بشمالِهِ
تكلَّفْتُ نظمَ الشِّعرِ كَهْلاً لأجلهِ / ويَكَهْلُ شعرُ المرْءِ عندَ اكتهالِهِ
فضاعَ كما ضاعَ الزَّمانُ وهكذا / نرى كلَّ أمرٍ لم يَجُلْ في مَجالِهِ
إذا ضلَّ عنكَ الشِّعرُ فاطلُبْهُ تلقَهُ / إلى غربِ لُبنانَ اهتَدَى من ضَلالِهِ
أمامَ بني رسلانَ طيبُ وقوفهِ / وعند بني رسلانَ حَطُّ رِحالهِ
تُصلِّي القوافي كلَّ يومٍ وليلةٍ / على وجهِ رسلانَ القديمِ وآلِهِ
على حيدرَ الشَّهمِ الكريمِ ومُلحِمٍ / وما حولَهُ من سَهْلِهِ وجبالِهِ
أبٌ ماجدٌ وابنٌ كريمٌ كخاتَمٍ / أتى نقشُهُ في طبعِهِ بمثالِه
إلى عملِ الإحسانِ أسبَقُ أهلِهِ / وفي خدمِةِ السُّلطانِ أمضى رِجالهِ
إذا مسَّتْ الحاجاتُ قام كلاهُما / إليهما كَجمر النَّار عندَ اشتعالِهِ
وإن جنَّ ديجورُ الخطوبِ تلقيَّا / دُجاهُ بصبحٍ شقَّ جيبَ ظِلالهِ
لكلِّ فتىً عيبٌ يشينُ بنفسهِ / سِوَى ملحمٍ سبحانَ معطي كَمالِهِ
وكلُّ ولاةِ الأمرِ تحتاجُ قاضياً / سِوى ملحمٍ عمِّ القضاءِ وخالِهِ
أغَرُّ خَصيبُ الرَّبع كلُّ زمانِهِ / زمانُ ربيعٍ في أوانِ اعتِدالهِ
ذكيُّ النُّهَى لولا رَصانةُ نفسهِ / لكانَ يجيبُ المرءَ قبلَ سُؤالِهِ
يقولونَ تهوَى آلَ رسلانَ قلتُ قد / تمتَّعْتُ من صافي الهَوَى بزُلالِهِ
هَوِيْتُ الأُلى يلقى الكرامةَ ضيفُهُم / وينسى غريبُ الدَّارِ ذِكرَ عيالِهِ
أرى الشِّعرَ يدعوني إلى نظمِ مدحِهم / فَيسمحُ مع ضَعفي بوَشْكِ ارتجالهِ
ولو لم أقلْ شِعراً بهم حالَ يقظةٍ / أتى هاتفاً في النَّوْمِ طيفُ خَيالهِ
منازِلَ عُسفانٍ فدتكِ المنازِلُ
منازِلَ عُسفانٍ فدتكِ المنازِلُ / أراجعةٌ تلكَ اللَّيالي الأوائِلُ
وهل ظَبَياتُ اُلبانِ أصبحنَ بعدنا / أوانِسَ أم كالعهدِ هُنَّ جَوافِلُ
سَقَى الطَّلُّ هاتِيكَ الرُّبوعَ وإِن يكن / سقاني بها من صَيِّبِ الدَّمعِ وابلُ
يُسلسِلُ دمعي بارقُ الحيِّ مَوهِناً / وتُضرِمُ أنفاسي الصَّبا والشَّمائلُ
إذا ملكَتْ أيدي الهَوى قلبَ عاشقٍ / فأهوَنُ شيءٍ ما تقولُ العَواذِلُ
وأعذَبُ شيءٍ في الزَّمانِ أحبَّةٌ / تزورُكُ أو تأتيكَ مِنها رَسائلُ
اتتني بلا وعدٍ رسالةُ فاضلٍ / لهُ ولها حقَّتْ عليَّ فَواصِلُ
بيوتٌ مِن الأشواقِ فيها مجامِرٌ / ولكنَّها للأُنسِ عندي مَناهِلُ
لَعِبْنَ بقلبي إذ حَلَلنَ بمِسمَعِي / كما لَعبت بالمُعرَباتِ العوامِلُ
ذكرتُ الحريريَّ الذي اليومَ عندنا / تلوحُ على الصوفيِّ منهُ شَمائِلُ
لهُ النَّظمُ والنَّثرُ الذي طابَ لفظُهُ / ومَعناهُ لُطفاً فهْو للحُسْنِ شامِلُ
حكمنا لهُ بالمَكرماتِ على هُدىً / من الحقِّ إذ قامت لَدينا الدَّلائلُ
سَبوقٌ إلى الغاياتِ قصَّرتُ دُونَهُ / وكيفَ يُباري فارسَ الخيلِ راجِلُ
تفضَّلَ بالمدحِ الذي هُوَ أهلُهُ / كريمٌ إلى أوجِ الكراماتِ واصِلُ
وأثنَى بما فيهِ فكانَ كأنَّهُ / بذاكَ يُناجي نفسَهُ وَهْوَ غافِلُ
ثناءٌ أراهُ باطِلاً غيرَ أنَّني / أرى سَوْءَةً لو قلتُ ذلكَ باطِلُ
فأسكُتُ عن هذا وذاك تأدُّباً / وكم من سكوتٍ قد تمنَّاهُ قائِلُ
أميرٌ أهامَ الفضلَ في ما بذاتهِ
أميرٌ أهامَ الفضلَ في ما بذاتهِ / مِن الفضلِ حُرٌّ اسمُهُ الفضلُ في المَلا
لهُ دُرُّ نظمي قد أتاهَ قريحتي / أغرُّ حكى نظمَ القلائدِ بالطُّلا
لقد رَحلَت عن بيتِ عودَةَ مريمٌ
لقد رَحلَت عن بيتِ عودَةَ مريمٌ / بلا عَودةٍ في الدَّهرِ يُرجَى مَنالُها
فمِن بيتِ إبراهيمَ أرَّختُ عاجِلاً / إلى حِضْنِ إبراهيمَ جَدَّ اُنتِقالُهُا
بها يُوسُفُ العبسيُّ أوصَى لَدَى القَضَا
بها يُوسُفُ العبسيُّ أوصَى لَدَى القَضَا / جمالاً لبيتِ الله قد رَاقَ شَكْلهُ
فتىً مِن كرامِ النَّاسِ قد شاعَ ذِكرُهُ / بحُسنِ سجاياهُ كما بانَ فضُلهُ
قَضَى عُمرَهُ في طاعةِ اللهِ سالِكاً / سبيلَ التُّقَى في مَسلَكٍ هُوَ أهلُهُ
بَنَى قُبَّةً بيضاءَ في الأرضِ أرِّخوا / وفي القُبِّةِ الزَّرقاءِ أضحَى مَحلُّهُ