أمَا ومَواضي مُقلتَيْها الفواصِلِ
أمَا ومَواضي مُقلتَيْها الفواصِلِ / لَتَشبيهُها بالبدرِ تَحصيلُ حاصِلِ
وياقوتِ فِيها إنّ جوهرَ جِسمِها / لَكَالماءِ إلّا أنّه غيرُ سائلِ
ووَردِ مُحيّاها النّضيرِ لقدّها / هو الرُمحُ إلّا أنّه غيرُ ذابلِ
من العِين إلّا أنّها في كِناسِها / تُظلّلُها أُسْدُ الشّرى بالمَناصِلِ
كَعابٌ تمدّ الحَتفَ في أيّ ناظرٍ / منَ الغُنْجِ إذ ترنو لمُقلةِ خاذِلِ
ذكاءٌ حمَتْها الشمسُ وهْي أسنّةٌ / وقامت لديْها نَيّراتُ المَشاعِلِ
تظنّ رُغاءَ الرّعدِ زفرَة مُدنَفٍ / فترشُقُه حُرّاسُها بالمَعاسِلِ
وتحرُسُ عن مرِّ النّسيم توهّماً / بأنّ الصَّبا تُهدي إليها رَسائلي
بروحيَ منها حاجباً غُنجُ قوسِه / تسلَّمَه من طَرْفِها أيُّ نابِلِ
وقُضبانَ بلّورٍ بدَتْ في خَواتِم / وأعمدةً من فضّةٍ في خَلاخِلِ
وزَنْدَينِ لو لم يُمسَكا في دَمالجٍ / لَسالا من الأكمامِ سَيلَ الجَداوِلِ
فَما اِختالَ ظبيٌ قبلَها في مَدارِعٍ / ولا مالَ غُصنٌ يانعٌ في غَلائِلِ
أحنّ لمرأى خدِّها وهْو مصرَعي / وأعشَقُ منها الطَّرْفَ والطّرفُ قاتِلي
فوَا عجَبا أشقى بها وهْي جنّتي / ولم أقتنِصْها والظُّبى من حَبائِلي
وليلٍ غُرابيّ الخِضابِ كفَرْعِها / طويل كحَظّي لونُه غيرُ ناصِلِ
كأنّ الدّياجي منهُ سودٌ عَوابسٌ / وأنجمُه بيضُ الحِسانِ الثّواكلِ
قضى فجرُه نحباً فأحيَتْهُ فِكرَتي / وتَرمي الحَصى باليَعْملاتِ الذّوابلِ
وبتُّ وصَحبي كالقِسيّ من السُّرى / تجافَى الكَرى ميلُ الطُّلى والكَواهِلِ
وظِلْنا نُساقي في زُجاجاتِ ذِكرِها / حُميّا هَواها في نديِّ الرّواحِلِ
فمنْ مُدنفٍ صاح بنا مثل شارِبٍ / ومن معشرٍ منّا له زيُّ ذاهِلِ
فلَولا هَواها ما صبَوْتُ إلى الصّبا / ولا رحِمَتْ دَمعي رُعاةُ المَنازلِ
ولا قنَصَتْ أختُ الغَزالِ جوارِحي / ولا هيّجَتْ وُرْقُ الحَمامِ بَلابِلي
ولَولا رُقى السِحرِ المُبينِ بلَفظِها / لَما اِلتَذّ سَمْعي في أحادِيث بابِلِ
أيَلحَقُني في حُبِّها نقصُ سَلْوةٍ / إذاً فارَقَتْني نِسبَتي للفَضائِلِ
ولا صافَح الخطّيُّ منّي يَدَ النّدى / ولا عانَقَتْ جِيدَ المَعالي حَمائِلي
ولا نصَبَ البيضُ الجَوازِمُ رُتْبَتي / ولا رفعَتْها هِمّتي بالعَوامِلِ
وإنّي لظَمآنٌ إلى عذبِ منهَلٍ / حمَتْ شهدَهُ نُجْلُ الرِماحِ النّواهلِ
بحيثُ تَحوطُ الأُسْدُ مربَضَ باغِمٍ / وتوقِظُ طرْفَ المَوتِ دعوَةُ صاهِلِ
وما مَوْرِدي عذْبٌ إذا لم أرَ الظُّبى / تَشوبُ نُضاراً في لُجَينِ المَناهِلِ
سقى اللّه قوماً خيّموا أيمنَ الحِمى / وحيّا بشَرقيِّ الغَضا كُلَّ وابِلِ
وللّهِ أيّامُ السُرورِ وحبّذا / مَواسِمُ لذّاتِ الليالي الأوائِلِ
أمَا آنَ أن تَدنوا الديارُ فينجَلي / ظلامُ التّنائي في صباحِ التّواصُلِ
فحتّام تستَجْدي النّوى يمَّ مُقلَتي / فيرفِدُها دُرُّ الدُموعِ الهَوامِلِ
أكانَتْ جُفوني كلّما اِعترَض النّوى / بَنانَ عليٍّ والنّوى كفَّ سائِلِ
جَوادٌ إذا ضنّ الغَمامُ على الوَرى / تَوالَتْ يَداهُ بالغُيوثِ الهَواطِلِ
شريفٌ مُحلّى التّاجِ في حَلْي فضلِهِ / تُزانُ صُدورُ المَكْرُماتِ العَواطِلِ
له راحةٌ لو تَرضَع المُزنُ دَرَّها / سمَتْ باللآلي مُعْصِراتُ الحَوامِلِ
أحاطَتْ بأوساط الدُهورِ ووشّحَتْ / حُظوظَ الوَرى منها خُطوطُ الأنامِلِ
تلَذُّذُه بالبأسِ والعَفْو والتُقى / وبَذْلِ العَطايا لا بطِيبِ المآكِلِ
يهزّ اِفعُوانَ الرُمحِ في كفِّ ضيغَمٍ / ويُمسِكُ هزَّ السيفِ في بحرِ نائِلِ
يُقلِّبُ فيه الدّهْرُ أجفانَ حائِرٍ / ويرنو إليه الغيثُ في طَرْفِ آمِلِ
هُمامٌ يَصيدُ الأُسْدَ ثعلبُ رُمحِه / إذا الرُّبْدُ زُفَّتْ في بِرازِ الجحافِلِ
فما صارَ شيءٌ من عِداهُ بأرضِه / سِوى ما سَرى من لحمِهم في الحَواصِلِ
لطاعَتِه قامَتْ على ساقِها الوَغى / ونكّسَ ذُلّاً رأسَه كلُّ باسِلِ
وشُدّت على الأوساطِ من خدَمِ القَنا / لدَيْهِ زنانِيرُ الكُعوبِ العَوامِلِ
وليس اِضطِرابُ الريحِ خُلْقاً وإنّما / رمَتْها دَواعي ذُعْرِه بالأفاكِلِ
يرى زَورَة العافي ألَذَّ منَ الصَّبا / وأحسنَ من وَصْلِ الحبيبِ المُماطِلِ
هو المِصقَعُ اللَّسْنُ الّذي لبَيانِه / بنَظْمِ القَوافي مُعجِزاتُ الفَواصِلِ
وموضوعُ علمِ الفضلِ والعَلَمُ الّذي / عليهِ وُجوباً صحّ حملُ الفَواضِلِ
يُعدّي فِعالَ المَكرُمات بنَفسِها / إلى آملِيه لا بجَرِّ الوَسائلِ
مضى فعلُه المُشتَقُّ من مصدَر العُلا / فصحّ له منهُ اِشتِقاقُ اِسمُ فاعِلِ
تكادُ القَنا قَسراً بغيرِ تثقّفٍ / يقوّمُ منها عدلُه كلَّ مائِلِ
وإنْ تنحَني حَنيَ الأساوِر قُضبُه / لِما أثقلَتْها من دُخولِ القَبائِلِ
فلا تطلبوا يا حاسِدِيه اِغتيالَه / فتخطفكُم غُولُ الخُطوبِ الغَوائِلِ
ولا تنزِلوا أرضاً بها حلّ سُخطُه / فتنزِلَ فيكم صاعِقاتُ النّوازِلِ
تولّى بلادَ الحَوْزِ فلْيَخْلُ بالُها / وتفْرَغَ من بعدِ الهُمومِ الشّواغِلِ
لقد قرّ طُورُ المَجدِ فيها مكانَهُ / وقد كان دكّاً قبلَهُ بالمَنازِلِ
وفكّ عن المُلْكِ الوِثاقَ فأصبحَتْ / شَياطينُه من قَهرِه في سَلاسِلِ
وزال ظلامُ الغَيّ عن نيّر الهُدى / وحُكّمَ سيفُ الحقِّ في كلّ باطِلِ
فحسبُك يا بِكْرَ العُلا مَفخراً فقدْ / تزوّجْتَ منه بالكِرامِ الحلائِلِ
فَيا اِبْنَ حُسام المَجد والعامِلِ الّذي / به اِنصرفَتْ قَسْراً جميعُ القَبائِلِ
لقد فُقْتَ آباءَ الكِرامِ بوالِدٍ / به خُتِمَتْ غُرُّ الكِرامِ الأفاضِلِ
محلُّ سِماكِ الفَضْلِ مركزُ شمسِهِ / مقرُّ دَراري غامِضاتِ المَسائِلِ
صَفوحٌ صَدوقٌ حاكمٌ متشرّعٌ / عَفيفٌ شريفٌ ما له من مُماثِلِ
فقيهٌ حكيمٌ عالمٌ متكلّمٌ / ينصُّ على أحكامِه بالدّلائِلِ
مَناقِبُ فخرٍ حُزْتَها يا اِبنَهُ / وحسبُكَ فخراً ما به من شَمائِلِ
فلا زِلْتَ قُطباً ثابتاً في العلا ولا / برِحْتَ هِلالاً كاملاً غيرَ آفِلِ