المجموع : 7
شَفتْه تَحيّاتُ العيونِ العلائلِ
شَفتْه تَحيّاتُ العيونِ العلائلِ / وأحيَتْه ألحاظُ الحسانِ القواتلِ
وأسْعدَهُ أيّامُ شَرْخِ شَبيبةٍ / صَقيلةِ أطرافِ الضُّحَى والأصائل
فقَصِّر مَلامي فهْي جِدُّ قَصيرةٍ / وأقْلِلْ عتابي فهْيَ جِدُّ قلائل
ودَعْني أُغالِطْ في الحقائقِ ناظري / فما النّدْبُ غيرُ العاقلِ المُتَجاهل
خَليليَّ هل أَثْني إلى الحَيِّ نظرةً / فأَشْفي بها قلباً طويلَ البلابل
ومِن نَظَري أُدهَي فما أنا صانعٌ / ويُحْيِينيَ الشّيْءُ الّذي هو قاتلي
ومَحْجوبةٍ تُهدي إليَّ خيالَها / على خَوْفِ أحراسٍ وبُعْدِ مَراحل
رأى النّاسُ إطْلاعَ المُقنَّع بَدْرُه / فظَنُّوه أقصَى الحِذْقِ في سِحْرِ بابل
وتَسْري بلَيلٍ وهْي بَدْرٌ خَفيَّةً / وكتمانُ حَقٍّ فوقَ إعلانِ باطل
صِلي حبْلَنا يا ظبيةَ القاعِ أوْقفي / قليلاً ولا تَخْشَيْ تَعرُّضَ نابل
فما يَطمعُ القَنّاصُ فيكِ وإنّما / تَعلّمَ من عينَيكِ رَمْيَ المَقاتل
وإنّي لأرعاكُمْ على القُرْبِ والنَّوى / وأذْكُرُكمْ بينَ القَنا والقنابل
وأقْري بما تَحْوي جُفوني نَزيلَكمْ / إذا قَلَّ ما تَحْوي جِفاني لِنازل
رُزِقْتُ منَ الدُّنيا نَباهةَ مُقْترٍ / وما العَيْشُ إلاّ في كِفايةِ خامل
وإنّي لأُخْفي عن صَديقيَ خَلّتي / وإن كنتُ أُصْفي للعَدوِّ شَمائلي
وأعلَمُ ما في نَفْس دَهريَ كُلِّه / فما أنا عن أسرارِه بمُسائل
وهل ضائري أن كنتُ في العَصْرِ آخِراً / إذا كان نُطْقي فوق نُطْق الأوائل
وما عابَ راجٍ راحةَ ابْنِ مُحمّدٍ / بأنْ خُلقَتْ بعدَ الغُيوثِ الهَواطل
وعَهْدُ الورَى بالبَدْرِ والبحرِ قَبْله / وقد فاق كُلاًّ في فُنونِ الفَضائل
فما البَحرُ في كُلِّ البلادِ بفائضٍ / وما البَدْرُ في كُلِّ الخصالِ بكامل
هُمامٌ تَراهُ في بني الدّهرِ غُرّةً / كذِكْرِ حَبيبٍ في مَقالةِ عاذل
يَزورُ العدا بالبيضِ تَدْمَى شِفارُها / وبالخَيْلِ تَجلو من ظَلامِ القَساطل
بذائبةٍ فوقَ الحَوامي جَوامدٍ / عليها ومن تحتِ النَّواصي سَوائل
إذا ما أَثَرْنَ النّقْعَ والصُّبْحُ طالعٌ / أعَدْنَ على صِبْغٍ من اللّيلِ ناصل
بَقِيتَ نصيرَ الدّينِ في ظلّ دولةٍ / وجَدٍّ لأقصَى كُلِّ ما رُمتَ نائل
تُصيبُ رماةُ السَّوْءِ عنك نُفوسَهمْ / كأنّك مِرآةٌ لعَيْنِ المُقاتل
فلم يَرَ في الدُّنيا ولم يَرْوِ مُخْبِرٌ / عليمٌ بآثارِ المُلوكِ الأفاضل
كبِكْرَينِ من فَتْحِ وسَدٍّ تَرادَفا / وكانا مكانَ النَّجْمِ للمُتناول
خطبتَهُما حتَّى أجابَ كِلاهما / ولا مَهْرَ إلاّ فضلُ بأْسٍ ونائل
وأفْكَرْتَ في حِصْنٍ تَمنَّعَ مُشْكِلٍ / وَثيقٍ له في الاِمتناعِ مُشاكِل
فألقيتَ ذا من فوقِ أقْودَ شامخٍ / وأعلَيتَ ذا من قَعْرِ أخضرَ هائل
فأقبَلْنَ أيدٍ للنُّضارِ هَوائلٌ / لأيدٍ عليها بالتُّرابِ هَوائل
إلى أن رفَوْنَ الأرضَ وهْي كثيفةٌ / برِفْقٍ كما تُرفَا رِقاقُ الغَلائل
كأنَّ انتساجَ الطِّينِ بالقصَب الّذي / نُظِمْنَ أكُفٌّ شابكَتْ بأنامل
كأنَّ الشَّواقيلَ العظامَ ورَمْيَها / إذا القومُ حَطُّوها مُنيخو جَمائل
كأنّ عَصِيَّ الماءِ طِرْفٌ عنَنْتَهُ / فأصعَدْتَه في مُرتقىً مُتَطاوِل
كأنّ عُيونَ النّاسِ أضحَتْ نواظراً / إلى بَرزَخٍ ما بَيْنَ بَحْرَيْنِ حائل
فإن يَكُ مُوسَى شَقَّ بحراً لأُمّةٍ / بضَرْبِ عَصاً حتّى نَجْوا مِن غَوائل
فبالقلَمِ العالي أشَرْتَ إشارةً / فأنشأْتَ في بَحْرٍ طريقَ السَّوابل
وإن يك ذو القَرنَيْنِ أحكمَ سَدَّهُ / بما شاع من تَمكينِه المُتكامل
فأنت الّذي وازَنْتَ بالتِّبْر قِطْرَه / على السِّكْرِ إنفاقَ امرئٍ غَيْرِ باخل
رأينا مَعادَ النّاسِ من قبلِ حَشْرِهمْ / بمَحْيا نواحي المَسْرُقانِ العواطل
وطالَتْ يدُ النَّهْرِ العظيمِ على القُرَى / فسَلَّتْ على كُلٍّ سُيوفَ الجَداول
فما بَرِحَتْ إلاّ وفي كُلِّ غَلْوةٍ / تَسوُّقُ عُمّالٍ وسَوْقُ عَوامل
كذا اللهُ يُحيي الأرضَ من بعدِ مَوْتها / ويُنتجُ مَكْنونَ اللّيالي الحَوامل
ولمّا عصَى الحِصْنُ الجَلاليُّ رَبَّهُ / وآوى من الأعداء أهْلَ الغَوائل
وصارتْ دماءُ المسلمينَ على الظّما / إلى القومِ أشْهَى من نِطافِ المَناهل
وعُوّدْنَ أن يَلْقَوْهُ لا بِمكائدٍ / يُطاقُ له ثَلْمٌ ولا بِجَحافل
تَمُرُّ عليهِ الحادثاتُ وصَرْفُها / كما مَرَّ بالمَبنيِّ فِعْلُ العوامل
سَموْتَ إليها بالجِيادِ كأنّها / وقد طَلَعَتْ خُزْراً خِفافُ أجادل
فما أصبحَتْ إلاّ منَ الجيشِ حالياً / لها الجِيدُ في يومٍ منَ الشَّمْسِ عاطل
وأنشأْتَ سُحباً للمَجانيقِ تحتها / فظلّتْ تَهامَى فوقها بالجَنادل
وأمطَرْتَهم منها بطَلٍّ منَ الرَّدى / ولو ثَبتوا أمطَرْتَ أيضاً بوابل
وحَرَّمتَ فَضْلَ الزّادِ بُخْلاً عليهِمُ / وكَفُّك بالدُّنيا تَجودُ لسائل
فلمّا جعَلْتَ الأرضَ وهْي فسيحةٌ / على شِيعةِ الإلحادِ كِفّةَ حابل
وأشْبهَ حَرْفَ الرّاءِ مأْمَنُ مُلْحدٍ / وأشبهَ وجهُ الأرضِ خُطْبةَ واصل
أذاعوا أماناً فيه عاجِلُ مَخْلَصٍ / وفي الدّهرِ ما يَقْضي عليهم بآجِل
ولو لَمْ يَلُوذوا بالنُّزولِ ورُمتَهمْ / لَحطَّهُمُ منها صُروفُ النّوازل
سَمَوا كطُغاةِ الجنِّ حتّى تَسَنَّموا / مَكانَ استراقِ السّمْعِ أعلَى مَنازل
فأَتْبَعْتَهُمْ قَذْفاً بشُهْبٍ ثَواقبٍ / منَ الرّأيِ رَدَّتْهُمْ لأسفَلِ سافل
قَلعْتَ بتلكَ القلعةِ اليومَ شَوكةً / بها المُلْكُ دهراً كان دامي الشَّواكل
وكانتْ كقلْبٍ أُودِعَ الغِشَّ منهمُ / فشُقَّ عن الدّاءِ القديمِ المُماطل
ولم تك إلاّ للقلاعِ كبيرةً / ففي كُلّها اليومَ احْتراقُ الثَّواكل
يَوَدّونَ في الأحداقِ لو حَلّ منهمُ / ويَسلَمُ منها وَقْعُ تلك المَعاول
هلِ المجدُ إلاّ ما بنَيتَ بهَدْمِها / وأمّنْتَ دينَ اللهِ من كُلِّ غائل
وقد كان لا يَخْشَى منَ الكَيدِ حُصْنُها / سليماً على طولِ المَدى من غَوائل
فمنْكَ على الإسلامِ مَنٌّ ولو أبَوْا / وأبقَوا أصابوا قلْبَه بطَوائل
وللهِ عينا مَنْ رأى مثْلَ يَومِها / ذَخيرةَ أعقابِ الدُّهورِ الأطاول
كأنّ ديارَ المُمطَرينَ حجارةٌ / جَعلْتَ أعاليها مَكانَ الأسافل
كأنّ شَظايا الصَّخْرِ في كُلِّ نُقْرَةٍ / تَطايَرُ من لاتٍ وعُزَّى ونائل
كأنّ نداءَ اليومَ أكملتُ دينَكُمْ / تِلاوةُ ذِكْرٍ يومَ فَتْحِكَ نازل
يُقدِّرُ قومٌ أنّه فَتْحُ مَعْقِلٍ / وما هو إلاّ فَتْحُ كُلِّ المَعاقل
شَهِدْتُ لقد أُوتيتَ بَسْطةَ قُدْرةٍ / وَعزْمٍ بتَذْليلِ المَصاعبِ كافل
فكيف إذا حاوَلْتَ أمراً وطالمَا / أتاحَ لك الإقبالُ ما لم تُحاول
وهل فَلكٌ يُبدي خِلافَك بَعدَما / قضَى لك مُجريهِ بعِزٍّ مُواصل
ودونَ قِرانِ العاليَيْنِ وحُكْمِه / قَرينا عَلاءٍ في الأمورِ الجّلائل
تَملُّكُ ماضٍ في السّياسةِ قاهرٍ / وتَدْبيرُ كافٍ في الوِزارةِ عادل
إذا اقْتَرنا كانا على الأمنِ والغنى / ونَيْلِ المُنَى واليُمْنِ أقْوَى الدَّلائل
ألا أيُّها المَلْكُ الّذي أُفْقُ عَدْله / حَقيقٌ بإطْلاعِ الحقوقِ الأوافل
أعِدْ نَظراً في حالِ عَسكَرِ مُكْرَمٍ / تَجدْ عالَماً ألوىَ بهمْ ظُلْمُ عامل
ويُزْهَى بما يأتي وكم رأسِ عاملٍ / من العَدْلِ أن يُجْلَى على رأسِ عامل
فإن تُحْظِ من نُعماكَ قوماً شَفاعتي / فعُنوانُ عِزّ السّيفِ حَلْيُ الحَمائل
وإنْ نِلْتُ حَظّي عند مَن أنا آملٌ / فلم أنْسَ يَوماً حَظَّ مَنْ هو آملي
وأحسَنُ ما في الدّهرِ همّةُ مُفْضِلٍ / يُميّزُ بالإحسانِ خدمةَ فاضل
مَنَنْتَ ابْتداءً باصطناعي ولم أكنْ / لنَفْسي أرَى اسْتحقاقَ تلكَ الفواضل
ولكن يَرى قَومٌ على النّاسِ واجباً / إذا شَرَعوا إتمامَهمْ للنَّوافل
أَحِنُّ إلى تلك الضُّحَى والأصائلِ
أَحِنُّ إلى تلك الضُّحَى والأصائلِ / وما مَرَّ في أيّامِهنَّ القلائلِ
قَصُرنَ وكانتْ أوّلَ العُمْرِ لَذّةً / كما قَصُرَتْ ذَرعاً كُعوبُ العَوامل
لَيالٍ كجِلْبابِ الشَّبابِ لَبسْتُها / أُجَرِّرُ منها الذَّيْلَ تَجريرَ رافل
سَوالِفُ بيضٌ من زمان كأنّها / سَوالفُ بيضٍ من حسانٍ عَقائل
وقد مُلِئَتْ من كُلِّ حِلْىٍ لناظرٍ / فَيا حُسْنَها لو كُنَّ غيرَ زوائل
فللّهِ أيّامٌ قِصارٌ تتَابَعَت / فلمّا تقَضّتْ أعقَبتْ بأطاول
كأنّ اللّيالي حاسبَتْنا فأرسلَتْ / أواخرَ فاستَوفَتْ بقايا الأوائل
ألا فسقَى اللهُ الحِمَى وزمانَه / مُجاجةَ أخْلافِ الغَوادي الحَوافل
فكم صِدْتُ في تلكَ الدِّيارِ وصادَني / على عِزِّ قَوْمي من غَزالٍ مُغازل
ومِنْ أحوَرِ العَينَيْنِ في القُرْب سائفٍ / بألحاظِهِ سِحْراً وفي البُعْدِ نابل
يَصُدُّ دَلالاً ثُمَّ يأتْي خَيالُه / فأكرِمْ به من قاطعٍ مُتَواصِل
أأسماءُ قد حالَ النّوى دونَ وَصلِكُمْ / وما القلبُ عمّا قد عَهدْتُمْ بحائل
فإنْ أغشَ قوماً بعدكُمْ مُتعَلِّلاً / على أنّ حُبيّكمْ عنِ الخَلْقِ شاغلي
ففي ناظري منكْم مِثالٌ وإنّما / أرَى وَجْهَه في عَيْنِ كُلِّ مُقابل
أقولُ وأنفاسُ الرّياحِ عَوائدي / لِسُقْمٍ يُرَى في مُضْمَرِ القَلْبِ داخل
إذا اجْتمَعتْ نَفْسي وعَينُكِ والصَّبا / تَنازعتِ الشّكْوى ثَلاثُ علائل
مَريضانِ من حُزْنٍ وحُسْنٍ وثالثٌ / على النّأْيِ يَسْعَى بَيْنَنا بالرَّسائل
وهل يَستعينُ المَرْءُ يومَ حفيظةٍ / منَ الدَّهْرِ إلا بابْنِ جِنْسٍ مُشاكل
فإنْ أكُ ودَّعتُ الغَداةَ غِوَايتي / وأصبحَ سَيْفي وهْو في يَدِ صاقل
فكم ليلةٍ جادَتْ علَيَّ فأَبدعَتْ / بإدْناءِ بَدْرٍ من يَدِ المُتَناول
يُجاوِرُ منه الثّغْرَ خَطُّ عِذارِه / كما لاح حَولَ الشُّهْدِ تَدخينُ عاسل
وطافَ بِراحٍ للنّدامَى فلم يَزَلْ / تَهاداهُ راحٌ من خَضيبٍ وناصل
فلمّا تَخالَيْنا تَعاطَتْ شِفاهُنا / كُؤوساً أُجلَّتْ عن تَعاطي الأنامل
مُعارٌ منَ العَيشِ اقْتَضاني مُعيرُه / على عَجَلٍ والدَّهْرُ شَرُّ مُعامل
نَزلْتُ على حُكْمِ الزَّمانِ ورَيْبِه / وينزِلُ طَوعَ الحُكْمِ مَن لم يُنازل
وخَلّفْتُ في أرضي فؤاديَ ضِلّةً / فأصبَحْتُ منها راحلاً غيرَ راحِل
وقَوماً على نَأيِ الدّيارِ أعِزَّةً / أتَى دُونهَمْ بُعدُ المَدى المُتَطاول
إذا قُلتُ هذا مَوْعِدٌ من لقائِهمْ / تَمادَى به صَرْفُ الزَّمان المُماطل
ومن حُرَقي يا صاحِ أنّيَ ناهلٌ / ولا أرتَضي للوِرْدِ كُلَّ المَناهل
أُلاحِظُ أحوالَ الأنامِ بمُقْلةٍ / تَغُضُّ جُفونَ العارِفِ المُتَجاهل
ولمّا رأَيتُ العِزَّ عَزَّ مرَامُه / مِنَ البُعْدِ إلاّ بالمَطِيِّ الذَّوامل
زَجَرتُ إليه اليَعْمَلاتِ فَخوَّدَتْ / بصَحْبيَ أمثالَ النَّعامِ الجَوافل
وجاءتْ بنا أعلامَ جَيٍّ فلم أزَلْ / بها ذاكراً عَهْدَ الخليطِ المُزايل
أُقلِّبُ طَرْفي يَمنةً ثُمَّ يَسْرةً / على إثْرِ أحوالِ الزّمانِ الحوائل
وقالوا حِصارٌ قد أظَلَّ وعنْدَه / يُخافُ عنِ السُّبْل انْقِطاعُ السَّوابل
فقلتُ وأنْضاءُ الرِّكابِ مُناخَةٌ / وقد طَرقَتْ إحدَى الخُطوبِ الجلائل
خَليليَّ حُلاّ العُقْلَ للعيسِ وارْحَلا / فما أصفهانُ اليومَ مَثوىً لِعاقِل
وما الرَّأْيُ إلاّ قَصْدُنا الرَّيَّ دُونَها / فَعُوجا إليها من صُدورِ الرَّواحِل
نَزُرْ مِن مُعينِ الدّينِ مَولىً يُعينُنا / على الدَّهرِ إن راعَ الفَتى بالنَّوازل
ففي ظِلِّهِ أمْنُ المَروعِ وسَلْوَةُ ال / جَزوعِ وإفْضالٌ على كُلِّ فاضل
فتىً عَمّ أهْلَ الشّرقِ والغَرْبِ جُودُه / فما منْهُ خَلْقٌ غَيرُ نائِلِ نائل
بَقيّةُ أمجادِ الأنامِ وأنجُمِ ال / كِرامِ وأفْرادِ المُلوكِ الأماثل
سَرَيْنا إليه والبلادُ مُضِلّةٌ / نُطوِّفُ منها في الفيافي المَجاهل
فما زال يَهْدِينا إليهِ مَعَ النَّوى / إلى أنْ بلَغْناهُ سَناءُ القَوافل
ونحنُ على بُزْلٍ مُخدَّمةِ الشَّوى / يُطرِّبُها وَهْناً غِناءُ الجَلاجل
مُقلَّدةً منها الهوادي إذا سَرَتْ / قَدَحْنَ الحصَى واللّيلُ مُلقَى الكَلاكل
فأعناقُها قامَتْ مَقامَ حُداتِها / وأخفافُها نابَتْ مَنابَ المَشاعل
وقد عَجِبَتْ خُوصُ الرِّكابِ أنِ انْتَهتْ / إليكَ فقد ضَجّتْ لبُعْدِ المَراحل
فما كَرَعَتْ في غَيرِ مَاءٍ أَساحَهُ / نَداكَ لها في كُلِّ أغبَرَ ماحل
ولا رَتَعَتْ إلاّ معَ الأَمْنِ في الفَلا / بأكنافِ ما أَنشأْتَه مِن خَمائل
لقد ملأَتْ آثارُكَ الأرضَ كُلَّها / فما مِن حُلاها جِيدُ أرضٍ بعاطل
وزادك إخراجُ المَظالمِ مِن تُقىً / تَضاعُفَ جُودٍ بالعطايا الجَزائل
وما أُدِّيَتْ حَقَّ الأداء فَرائِضٌ / إذا لَمْ يُقارِنْها الفتَى بِنَوافل
كَرُمْتَ فَكَمْ أَغنَيْتَ من طالبٍ غِنىً / وَسائلَ رِفْدٍ لم يكُنْ ذا وَسائل
فآمَنْتَ حتّى عَزَّ وِجْدانُ خائفٍ / وأَعطَيْتَ حتّى عَزَّ وِجْدانُ سائل
مَواهِبُ مَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ ماجِدٍ / وإقْدامُ مَشْبوحِ الذِّراعَيْنِ باسل
منَ القومِ لا تُعزَى إليهمْ أَكُفُّهمْ / إذا لم تكُنْ مَبْسوطةً بالفَواضل
إذا قبَض الأيمانُ منهمْ أعِنّةً / غدا الفَضْلُ منهُمْ عندَها للشَّمائل
وما أحمدُ بنُ الفَضْلِ بالمُقْتِني سِوَى / مَحامِدَ من أيّامهِ وفَضائل
أخو عزَمات فاعِلٌ غَيْرُ قائِل / إذا ذُمَّ يوماً قائلٌ غيرُ فاعل
ندىً وردىً يُجْريهِما الدَّهرَ في الوَرى / له سُودُ أقلامٍ وَبيضُ مَناصل
أباً ماجِداً يأْوي الورَى منه عِزّةً / إلى صاحبٍ حامي الحقيقةِ عادل
حمَى الدِّينَ والدُّنيا لنا فَضْلُ جِدِّه / وليس أخو جِدٍّ كآخَرَ هازل
وأغضَى عنِ الجانينَ صَفْحاً لِحِلْمه / وما عاقلُ الأقوامِ كالمُتَعاقل
بَقيتَ لآفاقِ المكارمِ في الوَرى / سَماءَ عُلاً فيها نُجومُ شَمائل
وبُورِكْتَ من غَيْثٍ مدَى الدَّهْرِ ماطرٍ / تَجودُ بما تَحْوِي وبالعِرْضِ باخل
أرَى رائدَ الآمالِ فيكَ مُبَشِّراً / بأَمْرٍ إليه الدَّهْرُ كالمُتَطاول
وما هو إلاّ عَزْمةً منك تُنْتَضَى / لإعزازِ حَقٍّ أو لإذْلالِ باطل
ليَرْجِعَ عَدْلٌ يَشْمَلُ الخَلْقَ مِثْلَما / هُمُ اليومَ في جَوْرٍ وحاشاكَ شامل
إذا ما رعاكَ اللهُ فارْعَ عِبادَهُ / وحُطْهُمْ يَحُطْكَ اللهُ من كُلِّ هائل
كَبُرْتَ عنِ الشّيْءِ الّذي يَكْبُرُ الورَى / بهِ أبداً والنّاسُ شَتّى المَنازل
ويَطْلُبُك الشُّغْلُ الّذي يَطلُبونَه / فنَلْ منه فَخْراً ما سِواكَ بِنائل
وقد عَلِمَ الأقوامُ صِدْقَ مَقالتي / وما عالِمٌ في حَظِّه مِثْلَ جاهل
أحلَّك سُلطانُ السَّلاطينِ رُتبةً / يَضيقُ بها ذَرْعُ الحَسودِ المُساجل
وجاءتْك منه خِلْعةٌ خُلِعَتْ لها / قُلوبُ العدا من كُلِّ باغٍ مُناضل
كساك وبَيتُ اللهِ تَكسوه لم تَزَلْ / على النّاسِ من عِزٍّ مُلوكُ القَبائل
وما ذلك التَّشْريفُ والمَجدُ شامخٌ / سوى مَخْفَرٍ في جَنْبِه مُتَضائل
ولكنّه للمُلْكِ والدّارُ غُربةٌ / على صِدْقِ وُدٍّ منه إحدَى الدَّلائل
لِيَهْنِ الورَى أن قد وُقيتَ مِنَ الرَّدى / وأنْ قد رمَى الدَّهرُ العِدا في المَقاتل
وليس يَضيرُ الخَلْقَ واللهُ ناقِدٌ / إذا عاشَ عالٍ للوَرى فَقْدُ سافل
تَهاوَى نُجومُ القَذْفِ في كُلِّ لَيلةٍ / وتَلبَثُ أنوارُ البُدورِ الكَوامل
وما أنت في حالٍ منَ اللهِ خائباً / لأنّكَ لا تَرضَى بتَخْييبِ آمِل
مُعينُك مَن أنت المُعينُ لدينه / وكافيكَ في الدُّنْيا صُروفَ الغَوائل
ومَن كان عَوْناً للعبادِ وناصراً / فليس له رَبُّ العِبادِ بخاذل
بكلِّ يَمينٍ للوَرى وشِمالِ
بكلِّ يَمينٍ للوَرى وشِمالِ / يَداكَ إذا ما ارتاحَتا لنَوالِ
غَمامانِ لا يَستَمْسكانِ منَ النَّدَى / سِجالاً على العافينَ أيَّ سِجال
وما الغَيثُ أدنَى منك غَوْثاً لآملٍ / وأسخَى بماءٍ من يَدَيْكَ بِمال
وليستْ عطايا وَحْدَها ما تُنيلُه / ولكنْ عَطايا حَشْوَهُنّ مَعال
لأهَلْتَني للمَدْحِ ثُمّ أَثَبْتَني / فعُدْتُ بتشْريفَيْنِ قد جُمِعا لي
ووالَيْتَ إحساناً فوالَيتُ شُكْرَه / كِلانا مُوالٍ مُتحَفٌ بِمُوال
وما أنا إلاّ رَوْضُ حَمْدٍ فكلّما / سَقاها فَعالٌ أزهرَتْ بِمَقال
بدائعُ يُزْهَى الطِّرسُ فيها كما زهَتْ / خُدودُ غَوانٍ من خُطوطِ غَوال
وتَظْهرُ في زِيِّ السّوادِ حُروفُها / شِعاراً وإلاّ فهْي بيضُ لآل
وإن نحن لم نَهزُزْكَ حُسنَ مقالةٍ / أبَيْتَ ابتداءً غيرَ حُسْنِ فِعال
وما الشَّمسُ يَغْشَى ضَوؤها بوسيلةٍ / ولا السُّحْبُ تُعطي دَرَّها بسُؤال
لئنْ ردَّ أيّامي قِصاراً فإنّني / سَموْتُ بآمالٍ إليهِ طِوال
إلى مَلِكٍ يَغْدو الملوكُ بهامِهمْ / مُثولاً لديه عندَ كُلِّ مِثال
جَناحُ علاءٍ كلّما طارَ صاعداً / وحَلّق مَجداً زادَ مَدَّ ظِلال
يُرجّي سَنا الأقمارِ جُودَ يَمينه / فَينْمى رَجاءً ضَوءُ كُلِّ هلال
ويَحْسُدُ مهما تَمّ غُرّةَ وجهه / فيُدرِكُه النُّقْصانُ بعدَ كَمال
فَمنْ يكُ هذا بالبُدورِ فعالُه / فأنَّى بكَيْدِ الحاسدِينَ يُبالي
فشِمْ للعدا حَدَّ الحُسامِ فإنّما / عَدُوُّك مَقْتولٌ بغَيْرِ قتال
رأيتُ قياسي شَعْرةً منك بالورَى / قياسَ امرئٍ بَحْراً بكاذِب آل
إذا ما جَوادُ الفِكْرِ زاد تأَمُّلاً / صفاتِك زادَتْه اتّساعَ مَجال
لَياليكَ أيّامٌ على النّاسِ بَهْجةً / وأيّامُ قومٍ آخَرينَ لَيال
فأصبحَ من دونِ الخِلافةِ صارماً / ليومِ جلادٍ أو ليَوم جدال
أصَحُّ عيونِ البابلّيةِ ما اعْتَلاّ
أصَحُّ عيونِ البابلّيةِ ما اعْتَلاّ / وأمضَى سُيوفِ اللّحْظِ في القَلْبِ ما كلا
ولا غَرْوَ أن تُمسي الرّياحُ عليلةً / إذا ما جعَلْناهُنَّ ما بَيْننا رُسْلا
لقد شَهِدَتْ أنفاسُها إذْ تَردَّدَتْ / بأن لَقِيتْ عنّا بألحاظِها شُغْلا
أيَنْجو صَحيحٌ وهْو سالِكُ مَنْزِلٍ / تُديرُ المَها في جَوّه الحَدَقَ النُّجْلا
ألا خَلِّياني يا خَليليَّ واعْلَما / إذا لُمْتُما أنْ ليس عَذْلُكما عَدْلا
دَعاها وقلبي المُستهامَ وطَرْفَها / فما مِثْلُه يَسلو ولا مِثْلُها يُسْلَى
لقد عَذُبَ التّعْذيبُ منها لمُهْجَتي / كَذاكَ من الخَمْرِ المَرارةُ تُسْتَحْلَى
يَبُلُّ البُكا خَدِّي وفي القلبِ غُلّتي / وكم مُطِرَتْ أرضٌ شَكتْ غيرُها المَحْلا
سأبعُدُ عن قلبي وآمَنُ لَحْظَها / وذو الحَزْمِ مَن خَلّي معَ الهدَفِ النَّبْلا
وأهْجُر أيدي الغانياتِ نواعِماً / وأعتاضُ عنها أذْرُعَ النُّجُبِ الفُتْلا
فكمْ غايةٍ للمجدِ مُمْتدَّةِ المدَى / مَلكْتُ إليها للجَديليَّة الجُدْلا
وحاجةُ نَفْسٍ ماطَل الدَّهْرُ دُونَها / فباتَتْ تُقاضِيها المَطِيّةَ والرَّحْلا
جَمعْتَ لها شَمْلَ السُّرَى بشِمِلَّةٍ / تَظَلُّ إذا كفكَفْتُها تَسبِقُ الظِّلاّ
إذا ما خطَتْ خَطّتْ يداها بجَمْرةٍ / لِما طالعَتْ من كُلّ مُشْكلةٍ شَكْلا
وليلٍ كأنّ الصُّبْحَ هامَ بحُبِّه / فقبَّل منه الوجهَ واليدَ والرِّجْلا
إذا شئْتَ رَدَّ اليومَ في مثلِ لَونِه / وغادَر حَزْنَ الأرضِ يَلْقَى السّما سَهْلا
وإن وقَعتْ في صَدْرِهِ شُهُبُ القَنا / تَملَّس من أطرافِها وحبَتْ عَجْلى
وشَمسٌ قُبَيْلَ الصُّبْحِ أطلعْتُ طَلْعةً / إذا اكتحَلَ الحادي بلأْلائها ضَلاّ
إذا حَلّتِ الأيدي تَسرَّعَ نَشْرُها / فَحلَّ المُنى في القلب واعْتقَلَ العَقْلا
فإن لَبِسَتْ عِقْدَ الحَبابِ حَسِبْتَها / شَقيقةَ رَوْضٍ في الضُّحَى مُلِئَتْ طلاّ
دَعوْتُ أُصَيْحابي إليها فأسرَعوا / وأُقدمُ وَحْدي يومَ أُدْعَى إلى الجُلّى
على أنّني أرعَى ذِمامَ مَعاشرٍ / يَوَدّونَ لو سَدُّوا على نَفْسيَ السُّبْلا
أَباعِدُ في زِيِّ الأقاربِ لم يَزَلْ / لها السُّخْطُ منّي نِيّةً والرِّضا فِعْلا
إذا قطعوا في القُرْبِ واصَلْتُ في النّوى / وجازيْتُ قَومي عن قَطيعتِهم وصْلا
ولم أغتربْ إلاّ لأكتسبَ الغِنَى / فأسِقيَ منهمْ كُلَّ ذي ظَمأٍ سَجْلا
ويَعْلو الغمامُ الأرضَ من أجْلِ أنّه / يَسوقُ إليها وهْي لن تَبرحَ الوَبْلا
إذا ما قضَتْ نَفْسي من العِزِّ حاجةً / فلستُ أُبالي الدَّهرَ أمْلَى لها أمْ لا
وقاتَلْتُ أحداثَ اللّيالي تَجارِياً / فَقتَّلْتُها عِلْماً وقَتّلْنني جَهْلا
وما زِلتُ قِرْنَ الهمِّ في طاعة النُّهَى / فَجرَّد من شَيْبي على مَفْرِقي نَصْلا
ولو غيرُ مَنْصورٍ غدا وهْو ناصِري / لأضحَى دَمي في حَرْبِ دهري وقد طُلاّ
ولكنْ نفَى هَمّي بغُرّة وَجْهِه / فتىً صُقِلَتْ للمجدِ أخلاقُهُ صَقْلا
حكَى الغَيثَ للعافي نَدىً وأيادياً / فأنّى تَلقّاهُ تَهلّلَ وانْهَلاّ
إذا سأَلوه مالَه لم يَقُلْ إلى / وإن سأَلوهُ كُلَّه لم يَقُلْ إلاّ
بَليغٌ إذا أَرخَى عِنانَ كلامِه / فأكملُنا مَن ظَلّ يَكتُبُ ما أمْلَى
مُعوِّدَةٌ أن تَنْثُرَ الدُّرَّ كَفُّه / لنا الكَلِمُ الأعلَى منَ القلَمِ الأعلى
بناتُ عقولٍ تُجتلَى من لسانه / خلَصْنَ لأسماعٍ تَمُرُّ بها عُقْلا
بهَرْنَ فُلولاً ما بهِ من دِيانةٍ / لَخِلْناهُ قد أَوحَى بها سُوَراً تُتْلَى
وما الدُّرُّ إلاّ ما حوَى وحوَت له / يَدٌ وفَمٌ مِمّن رَواها أو استَمْلا
ولولا سَجايا طَبْعِهِ السّمْحِ لم نَجِدْ / لأَعوزِنا في القَصْدِ أنْ يَجْتني الفَضْلا
وما الرّوضُ مُلْتفّاً من الزّهْرِ حالياً / نُصادِفُهُ إلاّ معَ الغيثِ مُنْهَلاّ
لئن تَطْلُب الأيّامُ منه بثَأْرِها / لقد قتَل الأيّامَ من عِلْمِه قَتْلا
ومثْلُ وجيهِ المُلْكِ في عُظْمِ قَدْرِه / وما قُلْتُها من حيثُ أنّ له مِثْلا
أرَتْهُ من الأيّامِ عزّةُ نَفْسِه / سَواءً بعَيْنَيهِ الوِلايةَ والعَزْلا
ولم يَبْقَ في هذا الزّمانِ تَفاخُرٌ / بتَقليدِ أعمالٍ كما عُهِدَتْ قَبْلا
لقد غَدَتِ الأعمالُ أطواقَ أهلِها / فأحسَنُ حَلْيٍ أن يُرَى في الوَرى عُطَلا
فعِشْ أبداً للمكرماتِ مُسلَّماً / تَهبْ لِلّيالي كُلَّ ذَنْبٍ وإنْ جَلاّ
ولستُ أرَى دَهْري وإن ساء صَرْفُه / لِذمٍّ وقد أمسَيْتُ من أهلِه أَهْلا
أبا طاهرٍ يا أطهرَ النّاسِ شيمةً / وأطهرَهُمْ نَفْساً وأطهرَهمْ أَصْلا
أتَتْني ابنةُ الفكْرِ التي قد هدَيْتَها / إليّ على بُعْدٍ فقلتُ لها أَهْلا
وقبّلْتُ منها موضعَ الأنمُلِ الّتي / تَعلَّم منها هذه الدِّيَمُ الهَطْلا
وأنزَلْتُها منّي بأكرمِ مَنزِلٍ / وآثَرتُها لو آثَرتْ بالهوَى البَعْلا
وتُوشِكُ أن تُبدِي من الهَجْرِ والقِلَى / فأطرقْتُ منّي كسا ولا شَكْلا
لقد أصبحَتْ من بَحْرِ كَفِّكَ دُرّةً / بذَلْتَ وما زالتْ سَجِيَّتُك البَذْلا
وإنْ طالَ تأخيرُ الجَوابِ لِعائقٍ / إلى حينَ ضَمَّ الاتّفاقُ لها الشَّمْلا
فما أنا بينَ النّاسِ أوّلَ مَنْ غَدا / وقد طلَعتْ شَمسُ النّهارِ وما صَلّى
وهل هو إلاّ فائتٌ قد قَضَيْتُه / فلستُ بنارِ العَتْبِ أَهْلاً لأَنْ أُصْلَى
وكانتْ كضَوء الصُّبْحِ قَدَّمْتَ وَفْدَه / وجئْتَ وأنت الشّمْسُ في إثْره تُجْلى
رمَيْتَ فؤادي نازِحاً فأصبْتَهُ / وبادَرْتَ باللُّقْيا فأحرزْتَه كُلاّ
كما يَتْبَعُ الرّامي إلى الصَّيْدِ سَهْمَه / لِيَلْحَقَه حتّى إذا جاءه ولّى
فهذا اعْتذاري عن تَقدُّمِ هَفْوةٍ / ورأْيُك في تجْريبِ ما بَعْدَه أعْلَى
ألم تَر أنّ الدّهرَ يَكْتبُ ما تُمْلِي
ألم تَر أنّ الدّهرَ يَكْتبُ ما تُمْلِي / ويَتْبَعُ ما تَأتي من العَقْدِ والحَلِّ
وأنّ بني الآمالِ حَلْيُ بني العُلا / وأنّ ذوي الإفضال ذُخْرُ ذوي الفَضل
مُحيَّاكَ للسّارِينَ كالبَدْرِ في السَّنا / ويُمناكَ للعافينَ كالقَطْرِ في المَحْل
فيا شَمْسُ بل يا وَبْلُ هل أنت مُنقذي / ومُنقِذُ صَحْبي من يَدِ الشّمسِ والوَبْل
بحَدْباءَ إن نَوّخْتُ خرَّتْ لدى الفتى / صَريعاً وإن ثَوّرْتُ قامتْ على رِجْل
وليستْ بفَتْلاء اليدَيْنِ لدى السُّرى / ولكنَّها من نَسْجِ مُسْتَحكم الفَتل
من البُلْقِ يَعلو ظَهرُها هامَ أهلِها / وفي السَّيرِ تَعلو أظهُرَ الخيلِ والإبل
وتَصلُح عند النّاس للضَّرْبِ وَحدَه / فتُضرَبُ ما تَنفكُّ في الحَزْن والسّهْل
ومن عجَبٍ أنْ لم تَقُمْ قَطُّ قَوْمةً / إذا هيَ لم تُربَطْ بشَيءٍ من الشَّكْل
وأَعجَبُ من ذا الحالِ أنّ لرِجْلِها / مَفاصلَ أضحَتْ سهلةَ الفَصلِ والوصْل
ولا غَرو أن يَسخو بظِلٍّ نَحُلُّه / فتىّ جُودُه فَوقَ الورى سابِغُ الظِّلّ
ونحن أُناسٌ فرَّقَ الدّهرُ شَمْلَنا / وأنت امْرؤ معروفُه جامِعُ الشَّمْل
وهل عن سديدِ الحَضْرةِ اليومَ مَعْدِلٌ / لِمُلتَمِسِ الإحسانِ منا أو العَدْل
فلا تَحْدُو إلاّ إليه مَطِيَّتي / ولا تُلْقيا إلاّ بأبوابِه رَحْلي
فليس سَبيلُ الحَمدِ إلاّ إلى الّذي / يَحُلُّ من الآمال في مَجْمَع السُّبْل
فَداكَ امْرؤٌ إن زَلَّ منه لسانُه / بخَيرٍ تَلافَى زَلّةَ الوَعْدِ بالمُطْل
وكُلُّ بخيلٍ حالفَ البُخْلُ كفَّه / ولم يَدْرِ أنّ المالَ يُخْلَفُ بالبَذْل
رأيتُكَ تَشْري الحَمْدَ بالوَفْرِ جاهداً / وتَحْمي مَكانَ الجِدِّ في زَمنِ الهَزل
وتَستأثِرُ المُثْري وتُؤثِرُ مُقْوِياً / فيَهزُل في خِصْبٍ ويَسمَنُ في مَحْل
فلا سلَب الأيّامُ منك بَهاءها / فما أنت إلاّ حِليةُ الزَّمنِ العُطْل
أبا طاهرٍ يا نجمَ أُفْقِ مكارمٍ
أبا طاهرٍ يا نجمَ أُفْقِ مكارمٍ / بدا وهْوَ سامٍ للنّواظرِ عالِ
بمالكَ حَمْدي إن شَرَيْتَ مُغالياً / رَبِحْتَ وَقاكَ المجدُ ما هو غال
فهل لك عُذْرٌ أن تَبِيتَ مُسوِّفاً / إذا كان حَمْدي تَشْتَريه بِمالي
مُقامُك مَجدٌ والمَسيرُ مَعالِ
مُقامُك مَجدٌ والمَسيرُ مَعالِ / ويَوماكَ يوما رِفعةٍ وجَلالِ
تُقيمُ كبحرٍ أو تَسيرُ كمُزْنَةٍ / فما المَرءُ يوماً من نَداكُ بخال
سَماءُ سُمُوٍّ أنت تَعْلو على الورَى / وقد طلَعتْ فيها نُجومُ خِصال
أيا ماجِداً يُحْيي كريمُ طِباعِه / وقد ملأَ الدُّنيا جَميلَ فَعال
وسارَ ولم تَخْلُ الدِّيارُ جَلالةً / وكم مَن تَراهُ والدِّيارُ خَوال
له شَرَفا نَفْسٍ وأَصْلٍ تَقارنَا / فما اكتحلَتْ عَيْنٌ له بمِثال
يَزينُ فَضاءً بيتُه بعِمارةٍ / وكلُّ يمينٍ حُسْنُها بشِمال
وما نِعمةُ الأقوامِ إلاّ مُناخةٌ / وما الشُّكْرُ إلاّ شَدُّها بِعِقال
فشَا عَدْلُ والٍ لم يدَعْ ظُلْمَ ظالمٍ / وسُحْبُ ربيعٍ قَطْرُها مُتَوال
حَياً وحياةٌ للخلائقِ شامِلٌ / كما لَذَّ بعدَ الهَجْرِ طَعْمُ وِصال
أيا مُنْعِماً ما زال يُتْحَفُ سَمعُه / بقُرطَيْنِ من شُكْرٍ له وسُؤال
أَعِنّي على عَيْنٍ قِصارٍ جُفونُها / بحَمْلِ هُمومٍ في الفؤادِ طِوال
غدا زمَني لَيْلاً من الهَمِّ مُظلِماً / ومِن كرَمٍ ما فيه طَيْفُ خَيال
إلى أن رأيتُ اليومَ بعدَ تَحفُّظٍ / خِلالَ الورَى فرداً كريمَ خِلال
لِقَصْدي أبا سَعْدٍ تَفاءلْتُ راحلاً / فأصبحَ مَرْآه يُصدِّقُ فالي
وقد صَدِئَتْ نَفْسي بناشئةِ الورَى / فلمّا رأَتْه حُودِثَتْ بصِقال
ونَشْرُ ثناءٍ كالرّياضِ إذا غدَتْ / يُنَبِّهُها صُبْحاً نَسيمُ شَمال
أَراني وِداداً كي يُواليَ أَنعُماً / كِلانا مُوالٍ دَهْرَه لِمُوال
ودونَكَ عِقْداً من ثناءٍ مُنظَّماً / وبعضُ القوافي الشارداتِ لآل