المجموع : 8
أرى الحُبَّ لا يَبلى ولكنَّه يُبلي
أرى الحُبَّ لا يَبلى ولكنَّه يُبلي / فلا قُربُه يشفي ولا بُعدُه يُسلي
حَلاوتُه ممزوجةٌ بمَرارةٍ / ففيه جَنى الدِّفلى وفيه جَنى النَّحل
أموت وأحيا بين سخطك والرضى / تُرى هكذا كان المحبُّونَ من قبلي
أعيش إذا أحييتَني بتعطُّفٍ / وتُقبض روحي بانقباضك عن وصلي
فإن شئتَ أن أحيا فجُد بتواصُلٍ / وإن شئتَ فاهجر إن عزمتَ على قتلي
أراك فأسعى ذاهلَ العقل شاخصاً / وأُبهَتُ حتى لا أُمِرَّ ولا أُحلي
فيا ويلتي هَبني غُلِبتُ على المنى / برغمي فمالي قد غُلِبتُ على عقلي
أرى لك في لُبس القَبَاء لَباقةً / كأنك قد أُفرِغتَ في قالب الشَّكلِ
بحقِّ المَلاحات التي فيك عُد بنا / إلى العادة الحسنى من القول والفعل
فإن كنتَ غضباناً فعندي لك الرضا / وإن كان لي ذنبٌ فجُد أنت بالفضلِ
بكم غفلةٌ عمّا بنا من هواكُمُ
بكم غفلةٌ عمّا بنا من هواكُمُ / فيا عَجباً من قاتلٍ وهو غافِلُ
ويا رُبَّ سهم قد أصابَ مَقاتِلاً / ولم يَدرِ ربُّ السَّهم ما السَّهمُ فاعِلُ
هويتُ بخيلاً ظالماً فاستقادَني
هويتُ بخيلاً ظالماً فاستقادَني / هوايَ له حتى اقتديتُ بفعلِهِ
فأحببتُ مَن يُدعى ظلوماً لظلمه / وأحببتُ مَن يُدعي بخيلاً لبخلِهِ
أرى ظلمَه عندي جميلاً كعدلِهِ / فألزمني في هجره شكرَ وصلِهِ
صنعتُ لكيلا يشمتوا بي قصيدة / إليه تعدُّ المنعَ إسرافَ بذلِهِ
بدأتَ بعتبٍ كان فرعاً بلا أصلِ
بدأتَ بعتبٍ كان فرعاً بلا أصلِ / ولم تنتظر عُذري فتقبض عن عَذلي
فلا تتسرع بالعتاب فمنكرٌ / تسرُّع خِلٍّ بالعتاب إلى خلّ
وكلُّ عتاب كانَ صعباً تضيَّقت / مسالكُه ألجا إلى الكَذِب السَّهلِ
وما حَسَنٌ في كلِّ يوم تعاتُبٌ / ولا يحسن التفنيد في الجدِّ والهَزلِ
تَعاتُبُنا يزري علينا وإنما / تعاتُبُ أهل العقل من أكمل العقلِ
وقد تُذعِن الأسيافُ وهي صديئةٌ / وما كلّ حينٍ يُبذَل السيف للصَّقلِ
وقد قيل يُبلي الثوبَ من قبل حِينه / مُقاساتُه قبل التدنُّسِ بالغسلِ
تَخالُفُنا عند الزِّيارات هَيِّنٌ / إذا ما اتَّفقنا في الإخاءِ على شكلِ
فإن قلتَ لي أين القيام بحقِّنا / فإنَّ جوابي أين أخذُكَ بالفضلِ
وتسألني ما الفرق بين تَواصُلٍ / وهجرٍ لتوكيد الحقائق والمطلِ
حفاظُ الفتى في غَيبه ووفاؤه / هو الفرق ما بين القطيعة والوصلِ
وما غائبٌ مَن غاب وهو محافظٌ / وما زائرٌ مَن زارَ وهو على رَحلِ
قيامي على رأسي بواجب إخوتي / يقلُّ لهم كيف القيام على رِجلي
فجسمك إن يَختلَّه الوَعكُ ساعةً / فما قدرُك العالي لدينا بمختلِّ
وما أنت بالمُعتلِّ وحدك إنما / نفوس ذوي الألباب في حال معتلِّ
وما بُرْؤُك المأمول برؤك وحده / ولكنَّه برء العلوم من الجهل
أذنت أبا بكر بِليلِ تفرُّقٍ / وما أنت إلا الشمس قاربْتَ للأفلِ
لأستوحِشَن إن غاب شخصك وحشةً / تحيِّر إن القول يكفي عن العزلِ
وهبني أكافي القولَ بالقول جاهداً / فمَن ذا يكافي الفعلَ عنّيَ بالفِعلِ
رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ
رحلتُ وما شوقي عن الإلف راحِلُ / وزلتُ وما عهد الرعاية زائلُ
يُمثِّل لي قلبي على البعد شخصَه / فتمثاله لي حيثُ ما كنتُ ماثلُ
رعى اللَه مَن روحي قرينة روحِهِ / وما بين جسمَينا تُعَدُّ المَراحلُ
وقد فَصَل التفريق بين أحبَّةٍ / وليس لأرواح الأحبَّة فاصلُ
سقى اللَهُ أياماً نعمنا بظلِّها / إذ العيشُ غَضٌّ والحبيب مُواصِلُ
تغازلني منه الإشارات عابثاً / فيصطادني ذاك الغزال المُغازِلُ
فحيث رمى منّي يصادف مقتلاً / كأني علي حين ترمى مَقاتلُ
وليلة وصلٍ ليلةُ القدر أُختُها / تجلَّت بها الظلماءُ والبدرُ آفلُ
وأبصرتُ وجهاً قلتُ لمّا رأيتُه / ألا ليت شعري ما تقول العواذلُ
وما صَبَغَت صِبغَ الخدود مدامةٌ / بها صُبِغَت قبل الخدود الأناملُ
وسكرانة سكرى دلالٍ وقوَّةٍ / إذا هي قامت لم تَخُنها المفاصلُ
تثنَّت بغصنٍ ذابلٍ عند سكرها / وذا عجبٌ غصنٌ من الريِّ ذابلُ
فإن لم أقُل ما كانَ في ضرِّه المنى / فواهاً له إنَّ الحَنينَ لقائلُ
ولم أطوِ سرّي عنكمُ لاتِّهامكم / ولكن لإفشاء الحديث غوائلُ
نُجاملُ مَن يُبقي على مَن نحبُّه / ولن تخلصَ البُقيا لمن لا يُجامِلُ
وحيثُ أرى إلفاً لإلفٍ مُصَافياً / فَثَمَّ حَسُودٌ لا ينام وعاذلُ
أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا
أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا / وأفحشُ جهلٍ أن يُرى الكهل جاهلا
أعاذل قد أمضيتُ في اللهو والصبا / طويلاً فلم يُكسبنيَ اللهوُ طائلا
أكلتُ ثمارَ الدهر والدهرُ آكِلٌ / حياتي وأغضبتُ الذي ليس غافلا
وما الوقت إلا كالمودع إنما / تراه بما فيه من الحال زائلا
كأن لم يكن غصنُ الشباب إذا انثنى / يُغازِل بالشكل الغزالَ المُغازِلا
كأنيَ لم أنفث رُقى السِّحر في التي / لواحظُها عَطّلنَ بالسحر بابلا
كأن لم أُجامِل في هوىً مَن جمالها / ليعلم مَن يُبلى بها أن يُجامِلا
لقد أقصرت فيها العواذلُ إذ بدت / مَحاسِنُ قد أخرَسنَ حتّى العواذِلا
فما جُرِّدَت إلا تسربلَ جسمُها / غلائلَ نورٍ حين تنضو الغلائلا
أعيش بها عن كلِّ عضوٍ بمسها / وتجعل أعضائي جميعاً مقاتلا
وفي العَين لاهُوتيّةٌ جوهريّةٌ / بها صار مَحيايَ وللنفس قاتلا
مَهابَتُها تَثني دموعي عن البكا / وتنسينيَ الشكوى فأبهَت ذاهِلا
ومَن يُحي نفساً بالذي فيه موتُها / قديرٌ على أن يجعل الحقَّ باطلا
لقد خذل السلوانُ قلبي لأنه / تأمّل خصراً للرَّوادف حامِلا
هنالك صار الصبرُ منفصمَ العُرا / كما فصمت ساقُ الحبيب الخَلاخِلا
فهذا نحولي شاهدٌ لي بأنَّ لي / فؤاداً من الشوق المبرِّح ناحلا
لأنَّ رياحَ الشوق هبّت شمائلاً / فغادَرنَ أغصانَ الحياة ذَوابِلا
إذا شاكل العشّاقُ وجدي بوجدهم / فقد يئسوا أن لا يروا لي مُشاكلا
كذا مَن تحلّى بالعلوم محقّقاً / تراه لدى القاضي التّنوخي عاطلا
رأيتُ رجالاً لا يُرَامُ كمالُهُم / ولم أرَ كالقاضي التنوخيِّ كاملا
إذا استنبط القومُ العلومَ تشاجَروا / وأوضح برهان العقول الدلائلا
أطلَّ على فصل الخطاب بمنطقٍ / إذا جَدَّ في المعنى أصاب المقاتلا
يُقيِّد ألفاظَ الألدِّ بلفظِهِ / ويفضُل بالحقِّ المبين المُفاضِلا
فيشفي قلوبَ السائلينَ مُجاوباً / كما يختم الأفواه إن كانَ سائلا
يخوض بلُجِّ العلم غيرَ مشمِّرٍ / عن السّاقِ حتّى يُحسَبَ اللُّجُّ شائلا
فلو شاجَرَته ألسنُ الناس كلهم / دِراكاً وعى فهماً وأفهَمَ قائلا
ويدرك ما قالوا جميعاً فُجاءَةً / ويبدؤهم بالمشكلات مُقابلا
إذا هو حاجى ذا الحِجا بَصَّرَ الهدى / وأنت تراه مُرشِداً لا مُخاتِلا
لذاك تُرى في الناس أيّامُ حكمِهِ / تُبيِّضُ من إشراقهنَّ الأصائلا
جلا ظلماتِ الظُّلم نورُ قضائه / فصيَّر شملَ العدل في الناس شاملا
إذا ما قضاياه تخللن ظلمةً / توقَّدن إذ قد كُنَّ فيها قنادلا
إذا ما أراد اللَهُ خيراً لمعشرٍ / يولِّي عليهم ثاقب الرأي عامِلا
لقد سرَّ أهلَ السرِّ تجديدُ عهده / كما سرَّ ميلادُ الغلام القَوابِلا
به أوضح السلطان يقظةَ رأيه / وإن كان عمّا غير ذلك غافلا
تَداركَ منهم أصلَ صر تحمَّلوا / على الضرِّ حتى لم يطيقوا التحامُلا
فأبدأهم بالطلِّ ميسور فضلهِ / وأتبعَهم في عُقبَةِ الطلِّ وابلا
به بسط الرحمنُ في الخلق رحمةً / وخصَّ اليتامى منهمُ والأرامِلا
عن العقل فاسأل لا عن العلم واتبع / فقد أكمل الخيرات من كان عاقلا
وذو العقل من يبغي النجاةَ لنفسه / ويخلص بالتفضيل من كان قابلا
فيا من أحلَّته تنوخُ بنجوةٍ / لأنَّ له فيها سناماً وكاهلا
لئن أنتَ جرَّدتَ العزيمةَ في العلا / لقد جردت فيها تنوخُ المعابلا
وإن تفضل الحكامَ علماً وسؤدداً / فقد فضلت قدماً تنوخُ القبائلا
قسمتَ العطايا إذ كُنيتَ بقاسمٍ / لأنك تُكنى بالذي ظلتَ فاعِلا
فلم أر ميلاً منك عن صدق كنية / كُنيتَ بها مما يقسّم مايلا
لعمري لئن سمَّوا أباك محمداً / وأنت عليّاً قد أصابوا الشواكلا
هما اسمان شُقَّا من علاً ومحامدٍ / رأوا فيكما منها قديماً مخائلا
فراسة أنجابٍ رأوها دقائقاً / فلما أتى التصديق صارت جلائلا
جواهر أصلٍ كُنَّ فيكم معادِناً / فهذَّبتها حتى يُرينَ شمائلا
كذي جوهرٍ راز المعادن كلَّها / بتهذيبها كي تستتمَّ الفضائلا
كذلك تأثير المغارس في الثرى / يزكِّي وينمي في الفُروع الأماثلا
كذا السيف من سنخ الحديد فرنده / وإن يُجتلى حتى يكدَّ الصياقلا
فيومُك بالحسنى يساجل أمسه / إذا لم تجد في المكرمات مساجلا
جمعت قلوبَ الناس فيك على الرضا / وحمَّلت بالذكر الجميل المحاملا
فلا زلتَ في شكر المزيد فلا يُرى / من الفضل والإحسان ربعُك حائلا
ولمّا بدا لي منك ميلٌ مع العِدا
ولمّا بدا لي منك ميلٌ مع العِدا / سواي ولم يحدث سواك بديلُ
صددتُ كما صدَّ الرَّذيُّ تطاولت / به مدة الأيام وهو قتيلُ
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهلُ
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهلُ / وكلُّ امرئٍ ما بين فكَّيه مقتلُ
إذا ما لسان المرءِ أكثر هذره / فذاك لسان بالبلاء موكَّلُ
وكم فاتحٍ أبواب شرٍّ لنفسه / إذا لم يكن قفلٌ على فيه مُقفَلُ
كذا من رمى يوماً شرارات لفظه / تلقَّته نيران الجوابات تشعلُ
ومن لم يقيِّد لفظه متجملاً / سيُطلَقُ فيه كلُّ ما ليس يجملُ
ومن لم يكن في فيه ماءُ صيانةٍ / فمن وجهه غصن المهابة يذبلُ
فلِم تحسبنَّ الفضل في الحلم وحدَه / بل الجهل في بعض الأحايين أفضلُ
ومن ينتصر ممن بغى فهو ما بغى / وشرُّ المُسِيئَينِ الذي هو أوَّلُ
وقد أوجب اللَه القِصاص بعدله / ولله حكم في العقوبات مُنزَلُ
فإن كان قولٌ قد أصاب مقاتلاً / فإن جواب القول أدهى وأقتلُ
وقد قيل في حفظ اللسان وخزنه / مسائل من كل الفضائل أكمَلُ
ومَن لم تُقَرِّبه سلامةُ غَيبِه / فقربانه في الوجه لا يُتَقَبَّلُ
ومَن يتَّخذ سوء التخلُّف عادةً / فليس لديه في عتابٍ مُعَوَّلُ
ومن كثرت منه الوقيعة طالباً / بها عزَّةً فهو المهين المذلَّلُ
وعدلٌ مكافاة المسيء بفعلِهِ / فماذا على مَن في القضية يعدل
ولا فضل في الحسنى إلى من يمنُّها / بلى عند مَن يزكو لديه التفضُّل
ومن جعل التعريض محصول مزحه / فذاك على المقت المصرِّح يحصلُ
ومن أمن الآفات عجباً برأيه / أحاطت به الآفات من حيث يجهلُ
أُعلِّمكم ما علَّمتني تجاربي / وقد قال قبلي قائلٌ متمثِّلُ
إذا قلتَ قولاً كنتَ رهن جوابه / فحاذر جواب السوء إن كنتَ تعقلُ
إذا شئتَ أن تحيا سعيداً مسلَّماً / فدبِّر وميِّز ما تقول وتفعلُ