القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أُسامَة بنُ مُنْقِذ الكل
المجموع : 19
يَلُومُونَنِي في حبِّ لَيلى وإنَّنِي
يَلُومُونَنِي في حبِّ لَيلى وإنَّنِي / لأُكْرِمُها عن عُرضَةِ اللّوْمِ والعَذْلِ
وقالُوا هَواها خابِلٌ لَكَ فاسلُها / ومن لومِهم لا مِنْ هَوايَ لها خَبَلي
هي الشمسُ تَبدُوا في رداءٍ من الدُّجَى / على خُوطِ بانٍ في كَثيبٍ من الرّملِ
تَهادَى تهادي الظّلِّ هَوناً كأَنَّما / تَخَافُ عِثارَ الحَزْنِ في الدّهَسِ السّهلِ
وتنظُر من عَيْنَيْ مَهاةٍ كفَاهُما / وأغناهُما كُحُلُ المَلاحَةِ عن كُحلِ
بِنَفْسِي عذولٌ لامَ فيكُمْ فردَّ لي
بِنَفْسِي عذولٌ لامَ فيكُمْ فردَّ لي / بذكرِكُم رَوْحَ الحَياةِ عَذُولُ
لَحَى نَاصِحاً فيكُم فأذكَى صَبَابتي / وتُذكِي الرّياحُ النّارَ وهيَ بَليلُ
أسُوفُ صَعِيدَ الأرضِ إذ وافق اسمُه / صعيداً به أهلُ الحبيب نُزُولُ
وأغْدُو على أُسْوانَ أَسوانَ في الحَشَا / لِبْعديَ عَنها لوعَةٌ وغَليلُ
أبا حَسَنٍ قَد رَانَ بعد بِعَادِكم
أبا حَسَنٍ قَد رَانَ بعد بِعَادِكم / على القلبِ همٌّ ما أراه يَزولُ
أعلّلُ نفسِي أنّني سأَبثّه / إذا ما التقينَا والرّجاءُ مَطُولُ
إذا قلتُ في أعقابِ ذَا العامِ نَلتقي / تَمادَى وأيّامُ الهُمومِ تَطُولُ
وأقتَلُ أدْوائِي بِعادُ أحبّتِي / وداءُ التّنائِي ما علمتَ قَتُولُ
وقد ساءَني أنّ اللّيالِيَ غَيّرتْ / أخِلاَّي حتّى ما يدُومُ خَليلُ
وجفوةُ مجدِ الدّين أَعدَلُ شاهِدٍ / على أنّ أهواءَ القلوبِ تَحُولُ
أساءَ التّنائي ظنَّه بي وإنّنِي / لأَعهَدُهُ في القُربِ وهو جَميلُ
جفَاني زماناً لا مَلاَلاً وإنّما / نَهَتْهُ حُزُونٌ بَينَنَا وسُهولُ
مَفاوِزُ لا يَسْطِيعُ قطعَ فِجاجِها / رسولٌ ولو أنّ الخيالَ رسولُ
ولا ذَنبَ إلاّ للبِعادِ فما لَنا / دَنوْنَا وحَظّي في الدُّنُوِّ قليلُ
أبا حَسَنٍ في طيِّ كلِّ مساءةٍ
أبا حَسَنٍ في طيِّ كلِّ مساءةٍ / من اللهِ صنعٌ للعبادِ جميلُ
كرهتُ لَكَ التِّرحالَ أمسِ وربَّما / أفادَ الفتي طولَ المُقامِ رَحيلُ
وقد يكرَهُ الشيءَ الفتى وهو خَيرُهُ / لَه ويحبُّ الشَّيءَ وهو وَبِيلُ
ولو لَم تُفِد إلاّ الجِهَادَ فإنّه / ثوابٌ كما نصَّ الكتابُ جزيلُ
فكيف وقد أصبحتَ جاراً لماجدٍ / يجودُ على عِلاّتِه ويُنيلُ
كريمٍ كليلِ الطّرْفِ عن عيبِ جارِه / وما طَرْفُه عِند السّؤالِ كلَيلُ
شرى الحمدَ بالأموالِ لا يَستقيلُ في / شِراهُ ولا عندَ البِيَاعِ يُقيلُ
ومَنْ كمُعينِ الدِّين أمّا جَنابُه / فرحبٌ وأمّا ظِلُّه فَظَليلُ
إذا وَرَدَت آمالُنا بَحرَ جُودِه / صَدَرنَ روَاءً ما بِهنِّ غَليلُ
فكُنْ واثِقاً باللهِ ثم بِجُودِه / فإنِّي بما أمَّلتُ مِنهُ كَفيلُ
يُجَهِّلُ في الإقدَامِ رأْيي مَعَاشِرٌ
يُجَهِّلُ في الإقدَامِ رأْيي مَعَاشِرٌ / أراهُم إذا فَرّوا من الموتِ أجهَلاَ
أيَرجُو الفتَى عند انقضاءِ حَياتِه / وإن فَرَّ عن وِرد المنِيّةِ مَزْحَلاَ
إذا أنَا هِبتُ الموتَ فِي حُومةِ الوغَى / فلا وجَدَتْ نفسي من الموتِ مَوئِلا
وإنّي إذا نازلتُ كَبشَ كَتيبةٍ / فلستُ أُبالِي أيُّنا ماتَ أوَّلاَ
وإنّي لعصَّاءُ العواذلِ لا أُرَى
وإنّي لعصَّاءُ العواذلِ لا أُرَى / على شَعَثِ الخُلاّن مستبدلاً خِلاّ
ضنينٌ بمن صاحبتُ أحسَبُ أنَّه / إذا بانَ لا ألقى له أبداً مِثْلا
أئِن غَضَّ دهرٌ من جِماحيَ أو ثَنَى
أئِن غَضَّ دهرٌ من جِماحيَ أو ثَنَى / عِنانيَ أو زَلَّت بأَخْمَصِيَ النَّعْلُ
تَظاهَر قومٌ بالشَّماتِ جهالةً / وكم إحْنَةٍ في الصَّدرِ أبرزَها الجهلُ
وهل أنا إلاّ السّيفُ فلَّلَ حدَّهُ / قِراعُ الأعادي ثم أرْهفَه الصَّقلُ
تَوالى إليَّ السّائلونَ وإنَّني
تَوالى إليَّ السّائلونَ وإنَّني / لآنفُ ألا يُدرِكَ السُّؤْلَ سائِلي
ولكنَّ مَستوري كظاهِرِ حالِهِم / فما حيلتي والحظُّ حربُ الفضائلِ
ولو بَسطَتْ أيدي الحوادِثِ مِن يدي / تلقتْهُمُ قبلَ السُّؤال بِنائِلي
علَامَ أخضعُ في الدُّنيا لِمَن رَفَعَتْ / وما بأيديهِمُ رِزْقي ولا أجَلي
ما قَدَّر اللهُ لا أسطيعُ أدفَعهُ / وما لَهم في سوى المَقدورِ من عَمَلِ
إذا ما عَرا خطبٌ من الدَّهرِ فاصطَبرْ
إذا ما عَرا خطبٌ من الدَّهرِ فاصطَبرْ / فإنَّ اللّيالِي بالخطوبِ حَوامِلُ
فكلُّ الذي يأتي بِه الدَّهرُ زائلٌ / سرَيعا فلا تَجزَعْ لما هو زَائلُ
كُلُّ شِيءٍ تَراهُ في هَذهِ الدُّن / يَا خَيالٌ إِذا اُنتَبَهْتَ يَزولُ
ما يدُومُ النّعيمُ فيها ولا البُؤْ / سُ متاعُ الدّنيا متاعٌ قَليلُ
والذي يَصرِفُ الهمومَ إذا ما / ضِقتَ ذَرعاً بِهنَّ صَبرٌ جميلُ
إلى كم أجوبُ الأرضَ مالِي مُعَرَّسٌ
إلى كم أجوبُ الأرضَ مالِي مُعَرَّسٌ / ولا لِمسِيري في البلادِ قُفُولُ
كأَنّيَ في الدّنيا قَذَاةٌ بِمُقْلَةٍ / تَرَدَّدُ في أرجائِها وتَجولُ
أشِيمُ بها برقَ الحيَا وهْو خُلَّبٌ / وأرتادُ أرضَ الروضِ وهْي مَحولُ
وما مِن تكالِيف الحياةِ وبُؤسِها / خَلاصٌ بغيرِ الموتِ وهْو مَهُولُ
أَرى الموتَ يستقري النُّفوسَ ولا أَرى
أَرى الموتَ يستقري النُّفوسَ ولا أَرى / سِوى مانِعٍ ما في يَدَيْهِ بخيلِ
فيا عَجَباً للباخلينَ وإنَّما / قليلُهُمُ للإرثِ بعدَ قليلِ
لعمرُكَ ما يُنْسينيَ الدّهرُ روعَتي
لعمرُكَ ما يُنْسينيَ الدّهرُ روعَتي / بِفَقد أبي بكرٍ حَياتي ولا يُسلي
خَشيتُ عليه اليُتم بعدي فَليتَني / رُميتُ بما أَخْشى ولم أُرْمَ بالثَّكلِ
فكلُّ بعيدٍ يُرتَجى جَمعُ شَملِهِ / وبُعدُ المنايا غيرُ مُجتمِعِ الشَّمْلِ
أسائقَها للبينِ وهوَ عَجولُ
أسائقَها للبينِ وهوَ عَجولُ /
تَأَنَّ فَما هَذا المسيرُ قُفولُ /
وقل لي فإنَّ المُستهامَ سَئُولُ /
لِمَنْ طالعاتٌ في السّرابِ أُفولُ / يقوِّمُها الحادونَ وَهْيَ تَميلُ
تَجانَفْنَ عَنْ وَعْثِ الطّريقِ وسَهْلِهِ /
وأَعْرَضْنَ عن خِصْبِ المَرادِ ومَحْلِهِ /
فَهُنَّ على جَوْر الغَرامِ وعَدْلِهِ /
نَواصلُ من جَوٍّ خَوائضُ مثلِهِ / صُعودٌ على حكمِ الطّريقِ نُزولُ
إذا أجْفَلَتْ في البيدِ جُفْلَ نَعامِها /
كأنَّ أفاعي الرّمْلِ ثِنْيُ زِمامِها /
ثَنَتْ لِيتَها نَحو الصَّبا وانتسامِها /
هَواها وَراها والسُّرى عَن أَمامِها / فهنَّ صَحيحاتُ النَّواظر حُولُ
بِها مثلُ ما بالظاعِنينَ كآبةٌ /
وصبرُهُما بعدَ الفراق خِلابةٌ /
وللشّوقِ منها ما دعاها إِجابةٌ /
تَضاغى وفي فَرْطِ التّضاغي صَبابةٌ / وتَرغو وفي طولِ الرُّغاءِ غَليلُ
أَهلّةُ بيدٍ والأَهِلَّةُ فَوْقَها /
إذا لَمَحَتْ أجْبالَ سَلمى ورَوْقَها /
كفى شوقُها شلَّ الحُداة وسَوْقَها /
تُرادُ على نجدٍ ويَجْذِبُ شَوْقَها / مَظَلٌّ عِراقيُّ الثَّرى ومَقيلُ
أَلا قَلَّما تصفو مع البينِ عيشةٌ /
وفي الشّوْقِ للنّائي هُمومٌ مُطيشةٌ /
ولو أنّ أوطانَ المُفارِقِ بِيشَةٌ /
وما جَهِلَتْ أن العراقَ معيشةٌ / وروضٌ تُربِّيهِ صَباً وقَبولُ
وفي الرَّكبِ مسلوبُ العزاءِ فقيدُهُ /
يزيدُ إذا هبَّ النَّسيمُ وَقُودُهُ /
وما كلُّ أسبابِ الغَرامِ تقودُهُ /
ولكنَّ سِحراً بابِليّاً عُقودُهُ / تُحَلَّلُ ألبابٌ بهِ وعُقولُ
وقد حَمَلَتْ لَدْنَ القوامِ رشيقَهُ /
حكى المسكُ فاهُ والمُدامةُ ريقَهُ /
فأضحى بها نائِي المحلِّ سحيقَهُ /
نجائبُ إنْ ضلَّ الحِمامُ طريقَهُ / إلى أَنْفُسِ العُشّاقِ فَهْيَ دَليلُ
وإنّي لأَشْكو مِنْ فراقِكَ هَزّةً /
ورَوْعَةَ شَوْقٍ للحَشا مُسْتَفِزّةً /
وقَدْ وَقَرَتْ في القلبِ عيسُكَ حَزّةً /
حملْنَ وُجوهاً في الخدورِ أَعزَّةً / وكلُّ عزيزٍ يومَ رُحْنَ ذَليلُ
كَتَمْتُ هَوى ظَمياءَ كِتمانَ مُعْلِنِ /
ونَهْنَهْتُ دمعاً عاصياً غير مُذْعِنِ /
وقَدْ قالت الأظعانُ للسَّلوةِ اظعَني /
قسَمْنَ العُقولَ في السُّتورِ بأعينِ / قواتلَ لا يُودى لَهُنَّ قَتيلُ
محبٌّ إذا ما اللّيلُ غارَت نجومُهُ /
تأوَّبَه بثُّ الهَوى وهمومُهُ /
وفي الخِدرِ بدرٌ آفِلٌ لا يَريمُهُ /
وفيهنَّ حاجاتٌ ودَيْنٌ غريمُهُ / مَليٌّ ولكنَّ الملولَ مَطُولُ
لُبَانةُ نفسٍ مستمرٍّ عناؤُها /
عياءٌ على مرِّ الليالي دواؤُها /
قَضى حبُّها ألاّ يصابَ شِفاؤُها /
يَخِفُّ على أهلِ القِبابِ قضاؤُها / لَنا وهيَ مَنٌّ في الرِّقابِ ثقيلُ
وَقَفْتُ على ربعٍ لظمياءَ أقفرا /
سقتْهُ دُموعي ما أراضَ ونوَّرا /
فقلتُ لخدنَيَّ الخلِيّيْنِ أَعْذِرا /
أبى الرّكبُ بالبيضاءِ إلاّ تنَكُّرا / وقد تُعْرَفُ الآثارُ وهي مُحولُ
سَأَلْتُ سَيالات الحمى فَتَمايَلَت /
كمُوحَدَةٍ من جيرَةٍ قد تَزايَلَتْ /
ففاضَتْ دموعٌ كالغُروبِ تَساجَلَتْ /
ولمَّا وقَفْنا بالدّيارِ تَشاكَلَتْ / جُسومٌ بَراهُنَّ البِلَى وطُلُولُ
دعانا الهَوى واستوقَفَتْنا المَعارِفُ /
وأَدَمى الحَشا والشَّوقُ للكَلْمِ قارِفُ /
حمائمُ وُرُقٍ في الغصونِ هواتفُ /
فباكٍ بداءٍ بينَ جَنْبيهِ عارفُ / وباكٍ بما جرَّ الفِراقُ جَهولُ
فإنْ كان سؤلاً للنّفوسِ بلاؤُها / فإنّكِ للْبَلْوَى وإنَّك سُولُ
تَوَهمٌ ما أراني الدَّهرُ أمْ حُلُمُ /
وصَبْوَةٌ كلُّ هذا الوجدِ أمْ لَمَمُ /
أحببتُ قوماً وإفراطُ الهَوى نَدَمُ /
ولَّوُا فَلَما رجوْنا عدلَهم ظلموا / فليتَهم حكموا فينا بِما علِموا
ساوَى حُضورَهُمُ عِندي مغيبهُمُ /
وصنتُهم فيهما عَمّا يَعيبُهمُ /
ومُنذُ قالَ الوَرى هذا حبيبُهمُ /
ما مرَّ يوماً بفكري ما يَريبُهمُ / ولا سَعَتْ بي إلى ما ساءَهُمْ قَدَمُ
كَمْ رُضْتُ نفسيَ بالسُّلوانِ فامتَنَعَتْ /
وكَمْ أضاعوا مواثيقَ الهَوى ورعَتْ /
فما نقمتُ عليهمْ غَدَرةً فَضَعَتْ /
ولا أضَعْتُ لهم عهداً ولا اطَّلَعَتْ / على وَدائِعِهِمْ في صَدْريَ التُّهَمُ
مِنْ فَرْطِ وجدي بِهمْ أحبَبْتُ غَدْرَهُمُ /
واللّومُ فيهم لسَمْعي مِنهُ ذِكْرهُمُ /
وصنْتُ حتّى عن الأوْهامِ سِرَّهُمُ /
فليتَ شِعري بِما استَوْجَبْتُ هَجْرَهُمُ / مَلّوا فَصَدّهُمُ عن وَصْلَيَ السّأَمُ
ما صَرَّحوا لي بأسبابِ القِلى وكَنَوْا /
إلاّ وَقال الهَوى مَهْلاً سواكَ عَنَوْا /
وكُلّما أَهْمَلوا حِفْظَ الهَوى وَوَنَوا /
حَفِظْتُ ما ضيّعوا أَغْضَيْتُ حين جنَوْا / وَفَيْتُ إذ غَدَرُوا واصَلْتُ إذ صَرَموا
كَمْ قَدْ سَعَيْتُ حريصاً في مُرادِهِمُ /
وكَمْ رَعَيْتُ هَواهُمْ في بِعادِهِمُ /
فَحينَ أصبَحْتُ طَوْعاً في قِيادِهمُ /
حُرِمْتُ ما كنْتُ أرْجو من وِدادِهِمُ / ما الرِّزقُ إلاّ الذي تجري بهِ القِسَمُ
أوْطَنْتُهم خِلْبَ قَلبي دونَ مَوْطِنِهِم /
فأحْرَجوا بِالتَجنّي رَحْبَ مَسْكَنِهِم /
حَتّى لعنْد مُسيئيهِم ومُحسنهِم /
مَحاسِني مُنْذُ مَلّوني بِأعيُنِهِمِ / قَذىً وذكْري في آذانِهِم صَمَمُ
هُم أباحوا الضَّنى جِسْمي وكانَ حِمى /
وأمْطروا مُقْلَتِي بعدَ الدُّموعِ دَمَا /
ومَا رَعَوا في الهَوى عَهْداً ولا ذِمَمَا /
وبعدُ لو قيلَ لي ماذا تُحِبُّ وما / مُناكَ من زينةِ الدّنيا لَقُلْتُ هُمُ
راعُوا فُؤادي بالهِجرانِ حينَ أمِنْ /
وكانَ بالوصْلِ منهُم لَوْ رَعَوْه قَمِنْ /
ولَوْ تعوَّضَ عنهُم بالشّباب غُبِنْ /
هُمُ مجالُ الكَرى من مُقْلَتَيَّ ومِنْ / قَلبي محلُّ المُنى جاروا أو اجْتَرَموا
لَمْ يَتْرُكِ الوَجْدُ لي في غيرِهمْ أَمَلا /
ولَم أُطِعْ فيهِمْ نُصْحاً ولا عَذَلا /
وبعدَ ما أشعروني في الهَوى خَبَلا /
تبدّلوا بي ولا أبغي بِهم بَدَلا / حَسْبي بهم أَنصفوا في الحُكمِ أوْ ظَلَموا
فَقُلْ لساري الدُّجى تهديه ظُلْمَتُهُ /
واللّيلُ كالبحرِ تعلو الأرضَ جُمّتُهُ /
تُغْري الفَلا والدُّجى والهولَ عزْمَتُهُ /
يا راكِباً تقطَعُ البيداءَ هِمُّتُهُ / والعيسُ تعجِزُ عمَّا تدركُ الهِممُ
إذا وصلتَ وقاكَ اللهُ مَهلكَةً /
وذادَ عنكَ الرَّدى إن خُضتَ مَعركةً /
فَما سلمتَ فقدْ مُلِّكْتَ مملكَةً /
بلّغْ أَميري معينَ الدّين مَأْلُكَةً / منْ نازحِ الدّار لكنْ وُدُّهُ أَمَمُ
لَمّا وَليتَ الرّعايا سُرَّ كلُّ ولي /
وسُسْتَهُم بالتُّقى في القولِ والعَملِ /
تُمْضي القضايا بِلا حَيْفٍ ولا زَلَلِ /
وأنتَ أعدلُ من يُشكى إليهِ ولي / شَكِيَّةٌ أنتَ فيها الخصْمُ والحَكَمُ
فاسمَعْ قضيّةَ مَأخوٍذ بخُلَّتِهِ /
وفاؤُه لكَ أرْداهُ بغُلَّتِهِ /
ولَمْ يكُن عالماً في طِبِّ عِلَّتِهِ /
هَلْ في القضيّةِ يا مَنْ فضلُ دولتِهِ / وعدلُ سيرتِهِ بينَ الوَرى عَلَمُ
أمْ في كريمِ السَّجايا وهيَ قَدْ فُقِدَتْ /
أمْ في العُلا وهي بالعُدوانِ قد عُدمَتْ /
وساءَها فَلَحتْ من بعد ما حَمِدَتْ /
تَضييعُ واجِب حقِّي بعد ما شهِدتْ / به النّصيحةُ والإخلاصُ والخِدَمُ
يا لهفَ نفسي ولهفٌ طالَما شَفَتِ /
لم تُغنِ عنّي تجاريبي ومعرِفَتي /
حتى اغتررْتُ بآمالٍ مزَخْرَفَةِ /
وما ظننتُكَ تنسى حقَّ معرفتي / إنّ المعارِفَ في أهلِ النُّهى ذِمَمُ
يا مَنْ إذا استأذَنَ السّاعي عَلَيه أَذِنْ /
إِذا الغَديرُ أقامَ الماءُ فيهِ أجِنْ /
وَلَمْ يطلُ مكثُ ميثاقي فكيف أَسِنْ /
ولا اعتقدتُ الذي بيني وبينَك مِنْ / وُدٍّ وإنْ أجلبَ الأعداءُ يَنْصَرِمُ
وكم رَماني العِدا بَغياً بِإفكِهِمُ /
فلَمْ أَرقَّ ولم أفرَقْ لبَغْيِهِمُ /
وكم سَعَوْا بي فلَمْ أحفِل بسعْيِهِمُ /
لكنْ ثِقاتُكُ ما زالوا بغشِّهِمُ / حتّى استوتْ عندكَ الأنوارُ والظُّلَمُ
ما كان أبعَدَهُم فهماً وأجهَلَهُمْ /
مالوا ومالَوْا عَلى من كانَ مَوَّلَهُمْ /
وقبلَهُ خَوَلا كانوا فخَوَّلَهُم /
باعوكَ بالبَخسِ يرجون الغنى ولَهُمْ / لو أنَّهم عَدِموكَ الويلُ والعَدَمُ
كيفَ اغتررتَ بِهِمْ فيما أَمَرْتَهُمُ /
حتى كأنَّك يوماً ما خبرتَهُمُ /
وغورُهمْ كان يبدو لو سَبَرتَهُمُ /
واللهِ ما نصحوا لمَّا استشرتَهُمُ / وكلُّهم ذو هوىً في الرأيِ متَّهَمُ
كان التحاملُ منهمْ في إشارَتِهِم /
والنّقصُ في دينِهم أو في عِبارتِهِم /
وكلُّ ذلكَ نوعٌ من تجارتِهِم /
كم حرَّفوا من مقالٍ في سِفارتِهم / وكم سَعَوْا بفسادٍ ضلُّ سعيُهُمُ
قالوا الأميرُ وفيٌّ بالعهودِ فلُذْ /
بِذي الحميَّةِ إن خَطْبٌ ألمَ وعُذْ /
والوصفُ في السمعِ قبلَ الامتحانِ يَلَذّ /
أين الحميّةُ والنّفسُ الأبيّةُ إذْ / ساموكَ خُطَّةَ خسفٍ عارُها يصِمُ
لمَّا رأيتَ لصَرفِ الدّهرِ واعِظةً /
للخيرِ والشَّرِّ ما تَنفكُّ حافظةً /
حتى تَشيعَ سماعاً أو ملاحظَةً /
هلاّ أنِفْتَ حياءً أو محافظةً / من فعلِ ما أنكرَتْهُ العُربُ والعجمُ
أتيتَ فينا وما اقتادتْكَ مَوجِدةٌ /
إساءةً هي للإحسانِ مُفسِدَةٌ /
أغربْتَ فيها فجاءَت وهي مُفردةٌ /
أسلمتَنا وسيوفُ الهند مغمَدةٌ / ولم يُروِّ سِنانَ السمهرِيِّ دَمُ
ما شُبتُ حُسنَ ظُنوني فيكَ بالتُّهَمِ /
ولم تَمُرَّ بِفِكْري خَجلةُ النَّدمِ /
وأنَّ إفك الأَعادي مُخْفِرٌ ذمَمي /
وكنتُ أَحسَبُ مَن والاكَ في حَرمٍ / لا يَعتريه به شَيْبٌ ولا هَرَمُ
يأوي إلى حُسن عهدٍ مِنكَ ما ابتُذِلا /
ولا ابْتَغى بصديقٍ صادِقٍ بَدَلا /
ولا رأَى الخِلُّ منه ساعةً مَلَلا /
وأَنَّ جارَك جارٌ للسموءَلِ لا / يَخشى الأعادي ولا تَغتالُه النِّقَمُ
إساءةً جئتَها واللهُ يغفُرهَا /
يُذيعُها الدَّهرُ في الدّنيا وينشُرُها /
والخلقُ أجمعُ يأباها ويُنْكِرها /
هبنا جَنَينا ذُنوباً لا يُكَفِّرُها / عُذْرٌ فماذا جَنى الأطفالُ والحُرُمُ
ما زلتَ في كلِّ حالٍ مُحسناً وَرِعَا /
ترى الإساءةَ في وجهِ العُلا طَبَعا /
لكنَّ فِعلَك فيهم جاءَ مُبتَدَعا /
ألقَيتَهم في يدِ الإفرنج مُتَّبِعا / رضا عِداً يُسخِطُ الرحمنَ فِعلُهُمُ
أَخفى الهوى عَنك بعد الكشفِ أمرَهُمُ /
حتّى لأنكرتَ يا مَخدوعُ مكرَهُمُ /
وسوفَ تَعرِفُ بعد الفَوتِ غَدرهُمُ /
همُ الأعادي وقاكَ اللهُ شرَّهُمُ / وهُم بزعمِهِمُ الأعوانُ والخدَمُ
ما أنصفوكَ أتَوْا ما لستَ تَجهلَهُ /
وما استَقَلّوا بعبءٍ أنت تحمِلُهُ /
وخالفوا كلَّ خيرٍ كنتَ تَفعلُهُ /
إذا نهضتَ إلى مجدٍ تُؤثِّلُهُ / تَقاعدوا فإذا شيَّدتَهُ هَدَموا
صَدَّقْتَهمْ وعهودُ القومِ كاذبةٌ /
وكلّ أحلامِهم في الغدرِ عازِبةٌ /
لغيرِ دولتِكَ الغرّاءِ طالِبَةٌ /
وإن عَرَتكَ من الأيّامِ نائبةٌ / فكلُّهم للَّذي يُبكيكَ مُبتَسِمُ
ضَلالَةٌ قد أظلّتهُم غَوايتُها /
ودولَةٌ رُفعت بِالغدْرِ رايَتُها /
دَنت لِكُفرانِها النُّعمى نِهايَتُها /
حتى إذا ما انجلَت عَنهُمْ غَيابَتُها / بِحِدِّ عَزمكَ وهو الصَّارِمُ الخَذِمُ
وأصبحوا في نعيمٍ ما له خَطرُ /
ما يعتري عَيشَهم بؤسٌ ولا ضَررُ /
ولم يَرُعَ سَرحَهُم خوفٌ ولا حَذَرُ /
رَشفتَ آجنَ عيشٍ كلُّه كدَرٌ / وَوِرْدُهم من نداك السلسَلُ الشَّبِمُ
أحلَتَهُمْ غَلطاً أعلى ذرى الأُفُقِ /
فلم يَرَوْا حقَّ تلكَ الأنعُمِ الدُّفُقِ /
وعامَلوكَ بِغِشِّ الغِلِّ والمَلَقِ /
وإن أتاهُم بقَولٍ عنكَ مُختَلَقِ / واشٍ فَذاك الذي يُحبى ويُحتَرَمُ
أَخفَوْا من الغِلِّ ما أخفَوْهُ ثمَّ عَلَنْ /
وأضمَروا مِحناً مِن غِشِّهم وإحَنْ /
وأنكروا نِعَماً طوَّقْتَهُم ومِنَنْ /
وكلُّ مَن مِلْتَ عنهُ قرَّبوهُ مَنْ / والاك فَهو الذي يُقصى ويُهْتَضَمُ
ما زلتَ في وُدِّهم تَجري على سَنَنِ /
وهمْ عِداك فيا لله للغَبنِ /
أعوانُ عادِيةِ الأيّامِ والزّمنِ /
بغياً وكُفراً لِمَا أوليتَ من مِنَنِ / ومَرتَعُ البغيِ لولا جَهلُهم وِخِمُ
أَخفيتَ بادي مَساويهم لِتَسْتُرَهُمْ /
ولو كشفتَهُمُ لم ترض مَكسِرَهُمْ /
فاكشِفْ ببحثِك ما أخفَوْا لتُنكرَهُمْ /
جرِّبهُمُ مثل تجريبي لتَخْبُرَهُمْ / فلِلرّجالِ إذا ما جُرّبوا قِيَمُ
ما زلتُ مُذْ كنتُ في عينِ العَدوِّ قَذى /
يَرى محلِّيَ فَوق النَّجمِ مُنتَبِذا /
فسلهمُ بي تَزِدهُم مِن جَوىً وأَذى /
هل فيهِمُ رجلٌ يُغني غَنايَ إِذا / جلَّى الحوادِثَ حدُّ السَّيف والقَلَمُ
أم فيهِمُ من يُجلِّي حِندِسَ الشَّبَهِ /
بِعَزمِ أروعَ مِدراكٍ لِمَطْلَبِهِ /
ماضٍ على الهَولِ مُستوطٍ لمَركَبِهِ /
أم فيهمُ مَن لَه في الخَطبِ ضاق به / ذَرعُ الرجالِ يدٌ يسطو بها وفَمُ
عرفتَ غِشَّهُمُ في السِّرِّ والعَلَنِ /
وأنَّ نِيَّاتِهم ملأى مِن الدَّرَنِ /
ولم تَزل عاكِفاً منهم على وَثَنِ /
لكنَّ رأيَكَ أدناهُم وأبعَدني / فليتَ أَنَّا بِقدرِ الحُبِّ نَقْتَسِمُ
لمَّا خَلَطْتَ يَقينَ الوُدِّ بالشَّبَهِ /
رَعيتَ عَهدي بطَرفٍ غَيرِ مُنتَبِهِ /
ومِلتَ بالوُدِّ عن مَلْحوبِ مَذْهَبِهِ /
وما سَخِطتُ بِعادي إذْ رضيتَ بِه / ولا لجُرحٍ إذا أرضاكُمُ أَلَمُ
لا تَحسبَنَّ الرّزايا ضَعْضَعَتْ جَلَدي /
ولا النّوى عن دمشقٍ فَتَّ في عَضُدي /
أنَّى ثَوى اللَّيْثُ فَهو الخِيْسُ للأسَدِ /
ولستُ آسَى على التَّرحالِ عن بَلد / شُهْبُ البُزاةِ سواءٌ فيه والرَّخَمُ
أقولُ إذ فاتَ حَزمي عزَمَةُ الرّشَدِ /
وقد بَدا ليَ ما لم يَجرِ في خَلَدي /
لله درُّكَ لولا الغَبْنُ من بَلَدِ /
تعلَّقَتْ بِحبالِ الشَمسِ مِنهُ يَدي / ثَمَّ انثَنَتْ وهي صِفرٌ مِلْؤُها نَدَمُ
كم عَزَّني أمَلي فيه وسوَّفَني /
وكَم وثِقتُ بميعادٍ فأخْلَفَني /
حتى تَلاشى رجائِي فيهِ ثمَّ فَنِي /
لَكِنْ فِراقُكَ آسانِي وآسفَنِي / فَفي الجوانِح نارٌ منه تَضْطَرِمُ
ومثلَ وجدِي لبُعدِي عنكَ لم أَجِدِ /
وكَم شَجِيتُ بتَرحَالٍ ومُفْتَقَدِ /
فَما تنكّر لِي صبْرِي ولا جَلَدِي /
فاسلَم فما عِشتَ لي فالدَّهرُ طَوْعُ يَدِي / وكلُّ ما نَالَنِي من بُؤسِهِ نِعَمُ
سقى دارهم هامي الغمام وهامله
سقى دارهم هامي الغمام وهامله / ونور ذاوي الروض فيها وذابله
وعاد بها طيب الليالي التي خلت / وغبطة عيش قد تقضت غياطله
منى يتمناها على بعد نيلها / كذوب الأماني ذاهب القلب ذاهله
وبعض الأماني ضلة وإذا انقضت / أواخر دهر كيف تثنى أوائله
ديار بها صاحبت شرخ شبيبتي / أجادده طورا وطورا أهازله
أروح إلى لهو الصبا ونعيمه / وأغدو على ليث كمي أنازله
عهدت بها عين المها دون حجبها / أسود الشرى يلقى لأردى من تصاوله
وسرب ظباء تحجب الشمي دونه / وتحجب عن طيف الخيال عقائله
وكل أخي بأس كريم تخاله / إذا ما انتفى سيفا جلته صياقله
فلم يبقى مما كان إلا ادكاره / وحسرة قلب لا تقر بلابله
وكنت أرى ما سرني غير زائل / ويخطئ نهج الحزم من هو جاهله
فما كان إلا الطيف يحسب في الكرى / يينا فإن بان الكرى بان باطله
يعنفني في الدار صحبي على البكا
يعنفني في الدار صحبي على البكا / فيا ويح قلبي من خلي وجاهل
وقالوا أتبكي للمنازل قلت لا / ولكنما أبكي لأهل المنازل
إلى الله أشكو روعتي لمنازل
إلى الله أشكو روعتي لمنازل / خلت وجوى قلبي لأهل المنازل
سيوفي إذا ما نازلتني ملمة / حصوني إذا خفت الردى ومعاقلي
مضوا سلفا قبلي فلم أحظ بعدهم / من العيش والعمر الطويل بطائل
أريد عصا من أبنوس تقلني
أريد عصا من أبنوس تقلني / فإن الثمانين استعادت قوى رجلي
ولو بعصا موسى اتقيت لآدها / على ما بها من قوة حمل ثقلي
ولكن تمنينا الرجاء بباطل / ولكم قدر ما ترجى المنايا ولم تمل
إذا بلغ المرء الثمانين فالردى / يناجيه بالترحال من جانب الرحل
أراني نهار الشيب قصدي وطالما
أراني نهار الشيب قصدي وطالما / تجاوز بي ليل الشباب سبيلي
وقد كان عذري أن أضلني الدجى / فهل لي عذر والنهار دليلي
يقولون قد أعولت في الدار ما كفى
يقولون قد أعولت في الدار ما كفى / وليس على ربع عفا بمعول
وكم قدر ما تبقي الدّموع إذا جرت / على كل ربع أو على كل منزل
فقلت نعم هذي ديار عهدتها / عرين أسود في الخطوب ومعقلي
فقد أصبحت قفرا وفرق شملهم / حوادث دهر بالفراق موكل
سأبكيهم أو يمزج الدم أدمعي / فهل سمطا كالجمان المفصل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025