القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 14
وساحبةٍ ليلاً من الشّعَرِ الجَثْلِ
وساحبةٍ ليلاً من الشّعَرِ الجَثْلِ / لها مَثَلٌ في الحسن جلّ عن المثلِ
تمجّ فتيتْ المسك منه أساودٌ / مُعَقْرَبَةٌ أَذنابُهُنَّ على النعلِ
تُديرُ الهوى مِن مُقْلَةٍ بابِلِيَّةٍ / لَها نَجَلٌ يغني الجفونَ عَنِ الكُحلِ
وتَمكُثُ بِينَ اللَّحظِ وَاللَّفظِ فِتنَةٌ / تحلّ عقالاً للتصابي عنِ العَقْلِ
وَما رَوضَةٌ يُهدي النسيمُ أَريجَها / مَحا عَن ثَراها القَطْرُ سَيِّئةَ المَحلِ
بِأَطيَبَ من فيها محادثَةً إِذا / حَلا النومُ عِندَ الفجرِ في الأَعيُنِ النجلِ
وَغَيدَاءَ لا تَرضى بِلَثمِيَ خدّها
وَغَيدَاءَ لا تَرضى بِلَثمِيَ خدّها / إذا لم أُلاطفْ عِزّهَا بتذَلّلِ
لَها حُمرَةُ الياقوتِ في خَدِّ مخْجَلٍ / وَقَسوَته منها بِقَلبِ مُدَلّلِ
كَأنِّي أَرى هاروتَ مِنها مُصَوَّراً / على صورتي في كلِّ طرْفٍ مكحَّلِ
وذاتِ دلالٍ لا يزالُ مُسَلَّطاً
وذاتِ دلالٍ لا يزالُ مُسَلَّطاً / لها خُلُقٌ وَعرٌ على خُلُقْي السّهْلِ
لَها بِقَضيبِ البانِ نَهْضٌ يَزِينُها / مُعينٌ ونهضٌ خاذلٌ بِنَقا الرَّملِ
إِذا ما تَمادَتْ في الصُّدودِ وَلَم تملْ / إِلى الوَصلِ إِشفاقاً تَماديتُ في الوصلِ
وَقُلتُ لَعَلَّ الهجرَ يُعْقِبُ عَطْفَةً / فيا رُبّ خصبٍ جاء في عَقِبِ المحلِ
أَمَن حَرَّمتْ نَومي وَمَن سَفَكَتْ دَمي / وَمَن صَرَمَتْ حبلي ومن حَلَّلَت قتلي
بِمُقلَتِكِ النَّجلاءِ عَمداً قَتَلتِني / ولا قَوَدٌ في القتل بالأعيُنِ النجلِ
أجمْلٌ على بُخْلِ الغواني وإجمالُ
أجمْلٌ على بُخْلِ الغواني وإجمالُ / تفاءلتُ باسمٍ لا يصحّ به الفالُ
وحَلّيْتُ نفسي بالأباطيلِ في الهوَى / ونفسٌ تُحَلّى بالأباطيل مِعْطالُ
وكنتُ كصادٍ خالَ رِيّاً بقفرةٍ / وقد غيضَ فيها الماءُ واطّرَد الآلُ
أيَشْكو بِحَرِّ الشوقِ مِنكَ الصّدى فَمٌ / وَماءُ المآقي فَوقَ خَدِّكَ هَطّالُ
وَتَغْرِسُ مِنكَ العينُ في القلبِ فتنةً / وَوَجْدٌ جَناها بِالضميرِ وبلبالُ
وَلا بُدَّ مِن أمنيَّةٍ تَخدَعُ الهوى / لِتُدْرَكَ منها بالتعلّلِ آمالُ
فَمَثِّلْ لِعَينَيكَ الكرى فَعَسى الكرى / يزورُكَ فيه من حَبيبِكِ تِمثالُ
وَسَلْ أَرَجَ الريحِ القبولَ لَعَلَّهُ / لِمعرِضَةٍ عَطْفٌ عَلَيكَ وَإِقبالُ
وَإِن لم تَفُزْ فوزَ المُحِبِّينَ بِالهَوى / فقد نِلْتَ من بَرْحِ الصّبابةِ ما نالوا
وليلٍ حكى للناظرين ظَلامُهُ / ظَليماً له من رَوْعَةِ الصبحِ إِجفالُ
كَأَنَّ لَهُ ثَوباً عَلى الأفقِ جَيبُه / وقد سُحِبَتْ مِنهُ على الأَرضِ أَذيالُ
عَجِبتُ لِطَودٍ مِن دُجاهُ تَهيلُهُ / لَطائفُ أَنفاسِ الصباحِ فَيَنهالُ
وقد نَشَرَتْ في جانبيه ليَ النّوى / قِفاراً طَواها بي طِمِرٌّ وَشملالُ
وَدونَ مَصُوناتِ المَها بَذلُ أَنفُسٍ / تُريكَ ولوعَ البيضِ فيهِنَّ أبطالُ
وَفي مُضمَرِ الظلماءِ كالِئُ ظَبيَةٍ / بِثَعلَبةٍ يُسقى بها المَوتَ رِئبالُ
فصيحٌ بأسماءِ الكماةِ مبارزاً / لِتُعْملَ فيها بالمهنَّدِ أَفعالُ
فيا بُعْدَ قُرْبٍ لم يبتْ فيه نافعاً / بسيرك بالبزلِ الرّواسمِ إيغالُ
وَيا بِأَبي مَن لَم يَزَلْ مِن حُلِيِّها / لَدى الغيدِ غَرثانانِ قَلبٌ وَخلخالُ
فَتاةٌ تداوي كلَّ حين بِصحَّتي / سقامَ جفونٍ ما لها منه إبلالُ
منعَّمةٌ سَكْرَى بصهباءِ ريقةٍ / لها في اللمى طعمٌ وفي الخدّ جريالُ
نَظرتُ إِلَيها نَظرَةً عَرَفَتْ بِها / إشارةَ لحظٍ بالصبابةِ عُذّالُ
فَقَالوا لَأدْمَى خَدَّها وَحْيُ طَرْفِهِ / فَقُلتُ لَعَمري فَتَّحَ الوردَ إِخجالُ
فَلَجُّوا وقَالوا جَنَّةٌ كَذَّبَتْ بِها / ظنونٌ ظنَنّاها ويا صِدْقَ ما قالوا
أَبِنتَ كريمِ الحيِّ هل من كرامةٍ / تُرَفّعُ مَخفوضاً بِهِ عِندكِ الحالُ
نَهَضتِ إِلى هَجْرِ الوصالِ نَشيطَةً / وَأَنتِ أَناةٌ في النواعِمِ مِكْسالُ
أَرى العِينَ مِن عَينَيكِ جانَسْنَ خِلْقةً / فَمِن أَجلِها حَوليكِ تَرتَعُ آجالُ
فَما لكِ عنّا تَنفُرينَ نِفَارَهَا / أَفي الخَلْقِ مِنَّا عِندَ شَكلِك إِشكالُ
متى نَتَلَقّى منكِ إنجازَ مَوْعِدٍ / وفِعلُكِ ذو بُخلٍ وقَولُكِ مِفضالُ
وفيكِ الرُّوَّاضِ إدلالُ صعبةٍ / ينالُ بها عزَّ امرئ القيس إذلالُ
ويُقْسمُ للتقبيلِ فوكِ مُصَدَّقاً / بِأَنَّ الَّتي تَحوي القَسيمَةَ مِتْفَالُ
وَلَو سُلَّ روحي مِن عُروقي لَرَدَّهُ / إِلَيَّ رُضابٌ مِن ثَناياكِ سِلسالُ
أَرى الوَقْفَ أضحى مِنكِ في الزندِ ثابِتاً / وَلَكِنْ وِشاحٌ منك في الخَصرِ جَوّالُ
وَأَنتِ كَعَذبِ الماءِ يُحْيي وَرُبَّما / غدا شَرَقٌ مِن شربه وهوَ قَتّالُ
أَيُؤمَن مِنك الحَتفُ وَالكَيدُ في الهَوى / وطرفُكِ مُغْتالٌ وعِطْفُك مُخْتالُ
حبيسٌ عليكِ العُجْبُ إذْ ما لبستِهِ / مِنَ الحُسْنِ نَعلاً عند غَيركِ سِربالُ
وَلابِسةٍ ظِلَّيْ دُجاها وَأَيْكِها / وللسجع منها في القلائد أَعمالُ
تَكَفّلَ في الوادي لها بنعيمها / رياضٌ كوَشيِ العبقريّ وأوشالُ
شَدَت فانثَنى رَقصاً بكلِّ سَميعةٍ / مِنَ الطيرِ مُهتزٌّ مِنَ القضب ميَّالُ
فهل علماءٌ في الشوادي مصيخةٌ / إليهنّ خُرْسٌ بالتّرنّم جُهّالُ
فورقاءُ لم تأرقْ بحزنٍ جفونُها / وبلبلةٌ لم يدرِ منها الأسى بالُ
وَأَذكَرتِني عَصْرَ الشبابِ الذي مضى / لِبرديَ فيه بالتَّنَعُّمِ إِسبالُ
ونضرةَ عيشٍ كان همّيَ جامداً / بِهِ حَيثُ تَبري في الزجاجَةِ سَيّالُ
وَدارٍ غَدَونا عَن حِماها وَلَم نَرُحْ / وَنَحنُ إِلَيها بِالعَزائِمِ قُفّالُ
بها كنتُ طفلاً في ترعرع شِرّتي / أُلاعبُ أيّام الصّبا وهي أطفالُ
كستني الخطوبُ السودُ بيضَ ذوائبٍ / ففي خلّتي منها لدى البيض إخلالُ
أبعد أنسياتِ الهوى أقطعُ الفلا / ويسنحُ لي منْ وحشها الجأبُ والرّالُ
وَمِن بَعدِ وَردٍ في مقيلي وَسَوْسَنٍ / أقيلُ ومشمومي بها الطّلْحُ والضالُ
أُخالفُ كُورَ الحرفِ من كلّ مهمهٍ / تَوَارَدَ فيه الماءَ أطْلَسُ عَسّالُ
له في حِجاجِ العين ناريّةٌ لها / إذا طُفِئَتْ ناريّةُ الشَّمسِ إِشعالُ
وَيَهديهِ هادٍ مِن دَلالَةِ مَعْطِسٍ / إلى ما عليه من ظلامِ الفلا خالُ
إِذا جاءَ في جنح الدجى نحو غيله / تَصَدّى له في القوس أسمَرُ مُغْتالُ
تطيرُ معَ الفولاذِ والعُودِ نحوَهُ / مِنَ الموتِ في الريشِ الخفائِفِ أثقالُ
وَلي عَزْمَةٌ لا يَطْبَعُ القَيْنُ مثلَها / وَلَو أَنَّهُ في الغمدِ لِلهامِ فَصّالُ
وَحَزمٌ يَبيتُ العَجزُ عَنهُ بمعزلٍ / ورأيٌ به في اللبس يُرْفَعُ إشكالُ
أُصَيِّرُ أَخفافَ النجيب مفاتحاً / لِهَمٍّ عليه للتنائف أقْفالُ
وَأَركَبُ إِذ لا أَرض إلّا غُطامِطٌ / مطيّةَ ماءٍ سَبْحُها فيه إرقالُ
حمامةَ أيْكٍ ما لها فوق غُصْنها / غِناءٌ له عند المعرِّيّ إِعوالُ
وأُقسمُ ما هوّمتُ إلّا وَزَارَني / عَلَى بُعْدِهِ الوادي الَّذي عِندَهُ الآلُ
بِأَرضٍ نَباتُ العزِّ فيها فَوارِسٌ / تَصولُ المنايا في الحروبِ إِذا صَالوا
تُظِلُّهمْ والرَوعُ يشوي أُوارهُ / ذوابلُ فيها للأسنّة ذُبّالُ
إذا أطفأ الدجنُ الكواكبَ أسرجوا / وجوهاً بها تُهْدَى المسالكَ ضُلّالُ
فَمِن كُلِّ قَرْمٍ في الندِيِّ هَديرُهُ / إِذا ما احتَبى قيلٌ مِنَ المجدِ أَو قالُ
شُجاعٌ يَصيدُ القِرْنَ حَتَّى كَأَنَّهُ / إِذا ما كَساهُ الرمحُ أحقبُ ذَيّالُ
وَمَوسومَةٌ بالبِيضِ وَالسمرِ هُلْهِلَتْ / عَلَيهِنَّ من نَسْجِ العجاجاتِ أجلالُ
فَقُرّحُهَا يوْمَ الوغى وَمِهَارُهَا / فوارسُها منهم ليوثٌ وأشبالُ
أَلا حَبّذا تِلكَ الدِّيارُ أواهلاً / ويا حبّذا منها رُسومٌ وأَطلالُ
وَيا حَبّذا مِنها تَنَسُّمُ نَفحَةٍ / تُؤَدّيهِ أَسحارٌ إِلَينا وَآصالُ
وَيا حَبّذا الأحياءُ مِنهُم وَحَبَّذا / مفاصلُ منهم في القبور وأوْصَالُ
وَيا حَبّذا ما بَينَهُمْ طولُ نَوْمَةٍ / تُنَبّهُني منها إلى الحشْرِ أهوالُ
وَلَيلٌ كَأَنّي أَجتَلي مِن نُجومِهِ
وَلَيلٌ كَأَنّي أَجتَلي مِن نُجومِهِ / حريقَ ذُبالٍ أوْ بريقَ نصال
أشيمُ الثريّا فيه طالعةً كما / ثَنَيْتَ نظاماً فيه سَبْعُ لآل
وناطقةٍ بالرّاءِ سَجْعاً مُرَدَّداً
وناطقةٍ بالرّاءِ سَجْعاً مُرَدَّداً / كحُسْنِ خريرٍ من تكَسّرِ جَدْوَلِ
مُغَرّدةٍ في القُضْبِ تحسَبُ جيدَها / مقلَّدَ طوْقٍ بالجمانِ المُفَصَّلِ
إذا ما امّحى كُحلُ الدجى من جفونها / دَعَتْكَ إِلى كَأسِ الغَزالِ المُكَحَّلِ
مَلَأتُ لها كَفَّ الصبوحِ زُجاجةً / مُذَهِّبَةً بالرّاح فضّةَ أَنمُلِ
كَأَنَّ بَياضَ الصّبْحِ حُجَّةُ مُؤمنٍ / عَلَتْ من سوَادِ الليل حُجّةَ مبطلِ
كأنّ شعاعَ الشمسِ في الأفقِ إذ جلتْ / به صدأ الإظلام مِدْوَس صَيْقَلِ
أَدِمْ لَذّةً ما مَتّعَتكَ بساعةٍ / وما دمتَ عن عرق بِغَيرِ تَرَحُّلِ
فَما عيشَةُ الإِنسانِ صَفوٌ جميعُها / ولا آخرٌ من عمره نِدّ أوّلِ
نَنامُ من الأيّامِ في غَرَضِ النَّبْلِ
نَنامُ من الأيّامِ في غَرَضِ النَّبْلِ / ونُغْذى بمُرّ الصّاب منها فنستحلي
وقد فَرَغَتْ للقَوْمِ في غَفَلاتهمْ / حتوفٌ بهم تُمسي وتُصبحُ في شُغْلِ
أَرى العالَمَ العلوِيَّ يَفْنى جَميعُهُ / إذا خَلَتِ الدُّنْيا مِنَ العالَمِ السفلي
ويبقى على ما كان من قبل خَلْقِهِ / إلهٌ هَدى أهلَ الضّلالةَ بالرُّسلِ
وَيَبْعَثُ مَنْ تحتَ التراب وفوقه / نشوراً إليه الفضل يا لك من فَضلِ
أَرى الموتَ في عيني تخيّلَ شَخْصُهُ / ولي عُمُرٌ في مثله يَتّقي مثلي
وكادتْ يدٌ منه تشدّ على يدي / ورجلٌ له بالقُرْبِ تمشْي على رجلي
وَفي مَدِّ أَنفاسي لَدَيَّ وجَزرِها / بقاءٌ لنفسٍ غَيرِ متُصّل الحبلِ
ثمانونَ عاماً عِشتُها وَوَجَدتُها / تهدّمُ ما تبني وتخفضُ مَنْ تُعلي
وإنّي لَحَيُّ القوْلِ في الأمل الَّذي / إذا رُمْتُهُ ألفيتُهُ مَيّتَ الفعْلِ
إِذا اللَّه لم يَمنَحكَ خَيراً مُنِعْتَهُ / على ما تعانيه من الحِذْقِ والنُّبلِ
فَيا سائلي عَن أَهلِ ذا العصرِ دعْهُمُ / فبالفَرْعِ منهم يُسْتَدَلّ على الأصْلِ
إذا خَلَلٌ في الحالِ منك وَجَدْتَهُ / فإيّاكَ والتعويلَ منهم على خِلِّ
تأمّلْتُ في عقلي وضعفي فقل إذا / سئلتَ رأيتُ الشيخ في عُمرُ الطفلِ
وَهَمٌّ له حِمْلٌ على الهَمِّ ثِقْلُهُ / فيا ليتَهُ مِنْهُ على كاهِلِ الكَهْلِ
رَجَعتُ إِلى ذِكرِ الحِمام فإنَّهُ / له زَمَنٌ ملآن بالغَدْرِ والخَتْلِ
وكَم لَقوَةٍ من قُلَّةِ النيقِ حَطّها / إلى حيثُ تُفْنيها الذبابَةُ بالأَكلِ
وقَسوَرةٍ أَفضى إِلى نَزعِ روحِهِ / وشقّ إليها بين أنيابه العُصْلِ
فَما لِلرّدى مِن مَنهَلٍ لا نُسِيغُهُ / وواردهُ يَغْنى عن العَلّ بالنّهلِ
فيا غرسةً للأجرِ كنتُ نقلتُها / إلى كَنَفَيْ صَوْني وألحَفتُها ظلِّي
وأنكحتُها من بعد صدقٍ حَمِدْتُهُ / كريماً فلم تَذْمُمْ مُعاشَرَةَ البعلِ
أتاني نعيٌّ عنكِ أذكى جوى الأسى / عليّ اشتعالَ النارِ في الحطبِ الجزلِ
وجاءكِ عنّي نعيُ حيّ فلم يُجِزْ / لك الكُحْلَ فيه ما لبستِ من الكحلِ
عَلى أَنّ أسْماعَ البلادِ تَسامَعَتْ / به وهو يجرْي بين ألْسِنَة السبُّلِ
فَنُحْتِ على حيٍّ أماتَ شبابَهُ / زمانُ مشيبٍ لا يُجدّدُ ما يُبْلي
فمتّ بما شاءَ الإلهُ ولم أمُتْ / لِيَكْتُبَ عمري من حياتي الذي يملي
وفارقت روحاً كان منكِ انْتزاعُهُ / أدقّ دبيباً في الجسومِ مِنَ النملِ
أَراني غَريباً قَد بَكيتُ غريبةً / كِلانا مشوقٌ للمَواطنِ والأهلِ
بكتني وظنّتْ أنّني متّ قبلها / فَعِشتُ وماتت وهيَ مَحزونَة قبلي
أقامتْ على موتي الذي قيل مأتماً / وأبكتْ عيونَ الناسِ بالطّلّ والوَبْلِ
وكُلٌّ على مِقدارِ حَسْرَتِهِ بَكى / عليّ ولاقَى ما اقتضاه مِنَ الشكلِ
أَساكِنَةَ القبرِ الَّذي ضُمَّ قُطْرُهُ / على البرِّ منها والديانة والفضلِ
أصابكِ حزنٌ من مُصَابيَ قاتلٌ / فهل أجلٌ لاقاكِ قد كان من أجلي
وخلّفْتِ في حِجْرِ الكآبةِ للبكا / بناتٍ لأمّ في مفارقةِ الشّمْلِ
يُرَيْنَ كأفْرَاخِ الحمامةِ صَادَها / أبُو ملحمٍ في وكرِهِ كَأَبي الشّبْلِ
بَكَتكِ قَوافي الشعرِ من غزر أدْمُعٍ / بُكاءَ الحَمامِ الوُرْقِ في قُضُبِ الأثْلِ
وكلّ مهاةٍ حَوْلَ قبركِ بالفلا / لما بين عينيها وعينيكِ من شكلِ
فَرَوَّى ضَريحاً من كفاحٍ عن الثرى / له وابلٌ بالخصب ما خُطّ بالمَحلِ
أَيا ربِّ إنَّ الخَلْقَ لا أرتجيهمُ / فكلّ ضعيف لا يُمِرّ ولا يُحلي
بحلمكَ تعفُو عن تَعَاظُمِ زَلّتي / وفضلك عن نقصي وحلمك عن جهلي
بِجُمْلٍ حَدا الغَيْرَانُ بُزْلَ جمائِلهْ
بِجُمْلٍ حَدا الغَيْرَانُ بُزْلَ جمائِلهْ / وأرْقصَ قامات القَنَا في قَنابِلِهْ
فلا عَصَفَتْ ريحُ الفراقِ الَّتي جرتْ / بها في خصمّ الجيش سُفْنُ رَواَحلِه
ودونَ مهاةِ الخدرِ إقدامُ خادرٍ / مبيد الشذا أظفارُهُ من معاقِلِه
حماليقُهُ حُمْرٌ كأنّ جفُونها / حُشِينَ بكحلٍ من نجيعِ عوِامِلِه
يقلّبُ أجفاناً وِراداً كأنّما / تَوَارَدَ يومَ الطعن مُشْرَعُ عامِلِه
وقالوا قِفوا كَي تَسمَعوا حَدوَ عيسِهم / بعاجلِ ما يُرْدي النفوس وآجِلِه
وَقَفْنَا نُرَامي بالهوَى مَقْتَلَ الهوَى / ونقْرأُ في الألحاظ وَحْيَ رسائِلِه
ونَرقبُ سِرْباً في الخدورِ عُقولنا / مبدّدةٌ للبين بين عقائِلِه
أَنيسُ الهوى لِلمَوْتِ حَوْلَيهِ وَحشَةٌ / فَأُسْدُ الشّرَى مَخذولَةٌ عَن خَواذِلِه
وَيَوْمَ صَلِينا فيه نارَ صبابةٍ / فَلا لَفَحَتْ إلّا وجوهَ أَصائِلِه
عَشِيَّةَ أبكى البَين مِن رَحمَةٍ لنا / بكاءَ قتيل الشوقْ في إِثرِ قاتِلِه
وفي صدفِ الأحداجِ مكنونُ لؤلؤٍ / تُكَفّ بأطرافِ الظُّبا كفُّ باذِلِه
طَمَى بِالمَنايا الحُمرِ لَجُّ سرابِهِ / فكم غائصٍ لهفان من دونِ ساحِلِه
فمَن لقتيلٍ بالقَتولِ وقد غدتْ / وسائلُهُ مصرومةً من وَسائلِه
ووقفةِ رودٍ بضّةِ الجسم غَضّةٍ / لتوديع صَبٍّ شاحبِ الجسمِ ناحِلِه
شَجٍ كانَ من قبلِ التفرّق يشتكي / نميمةَ واشيه وتأنيبَ عاذِلِه
وفي بُرْقُعِ الحسناءِ مقلةُ جؤذَرٍ / بها رُدّ كيدُ السحرِ في نَحرِ بابِلِه
ولو شامَ هاروتٌ وماروت طَرْفَهُ / لَما أَصبَحا إِلّا قَنيصيْ حبائِلِه
جَنَى غَيْرَ مُستَبِقٍ ثِمارَ قلوبنا / فَعِنَّابهنَّ الرطبُ مِلء أَنامِلِه
وأغلبُ ظنّي أنّ ما في وشاحهِ / كساهُ نحولاً حبُّ ما في خلاخِلِه
طَوَى ما طوى ذاك النجاءُ من الهوى / فيا مَنْ لقلبٍ مِن نجِيِّ بَلابِلِه
فَجادَ عَلَيهِم كُلُّ باكٍ ربابُهُ / ضَحوكُ المغاني عَن أَقاحي خَمائِلِه
إِذا انهَلَّ فيهِ الوَدقُ عايَنتُ مِنهُما / عطاءَ ابن عبّاد وراحةَ سائِلِه
همامٌ يموجُ البرّ كالبحر حوله / إذا رَفَعَ الرّاياتِْ فوقَ جحافِلِه
وقَلّبَ فيها الموْتُ في لحْظِهِ العدى / عيونَ ذبالٍ في لدان ذوابِلِه
تحملقُ أبصارُ الوَرَى عند ذِكرِهِ / لكيما تَرَى بدر العُلى في منازِلِه
إذاْ جارَ دهرٌ كان منه ملاذُنا / بِحِقْوَي أبيٍّ قيّمِ الملكِ عادِلِه
يصونُ الهدى منه إذا خاف ضَيْمَهُ / بحاميه من كيدِ الضّلالِ وكافِلِه
أخو عَزَماتٍ للهجوع مهاجرٌ / إذا هَجَعَتْ عينُ العُلى عن مواصِلِه
رقيقُ الحواشي أقعسُ العزّ ماجدٌ / كأنّ شَمُولاً رقرقتْ في شمائِلِه
شديدُ عراكِ البأس يَعْقِرُ قِرْنَهُ / إذا استطعم السرحانُ ما في جمائِلِه
وفي غيضةِ الخطيّ ليثٌ كأنما / عليه من الماذيّ لينُ غلائِلِه
تَوَرَّدُ في الأجيادِ صَفحَةُ سَيفِهِ / وتنهشُ في الأكباد حيّةُ عامِلِه
مقيمٌ بأرضِ الرّوْعِ حيثُ سماؤها / تمورُ عليه من مُثار قَسَاطِلِه
كأنّ مقامَ الحربِ أشهى ربوعِهِ / إليه وبيضُ الهند أدنى قبائِلِه
ومخضلّ أوراقِ الصفائح ضُرّجتْ / بكلّ دمٍ أنْدى نباتِ غوائِلِه
لُهامٌ عليه للعجاج غلائلٌ / لها طُرُزٌ من بارقات مناصِلِه
وتَحسَبُه بَحراً تلفُّ عَواصِفاً / أَواخرَه أرواحُهُ بِأَوائِلِه
يظلّلُهُ سِرْبٌ منَ الطيرِ مُلْحِمٌ / يروحُ بأرواحِ العدى في حواصِلِه
إذا ما رمى قُطْراً به عَزْمُهُ اغْتَدَتْ / أعاليهِ بالتدميرِ تَحتَ أَسافِلِه
إِلَيك زَجَرنا الفُلْكَ في كلّ زاخرٍ / معالُمنا مفقودةٌ في مجاهِلِه
مدافعةُ الأهوالِ مدفوعةٌ إلى / جنائبه تجري بها أو شمائِلِه
إلى مَلِكٍ في سيفِهِ وَبَنَانِهِ / جَهنّمُ شانيه وجنّةُ آمِلِه
وَمُعجِزِ آياتِ الندى ذي سَماحَةٍ / مُجانِسِ نَظمِ المكرُمات مقابِلِه
كريمٌ إذا هبّت رياحُ ارتياحه / جَرَتْ سُفُنُ الآمال في بحرِ سائِلِه
رفعنا عقيراتِ القوافي بِمَدْحِهِ / فأطْرَبْنَ أسْماعَ العُلى في محافِلِه
سلونيَ عنه واسْمعوا الصدق إنّني / أُحَدّثُ عن هِمّاتهِ وفواضِلِه
ولا تسألوني عن فرائض طَوْله / إذا غَمَرَ الدنيا ببعضِ نوافِلِه
فَأَنْدى بَني ماءِ السماءِ مُحَمَّدٌ / وهل طَلُّ معروفِ السماء كوابِلِه
أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا
أغُمْرَ الهوى كم ذا تُقَطّعُني عَذْلا / قتلتُ الهوى علماً أتقتلني جهلا
أظنّك لم تُفْتَحْ عليك نواظِرٌ / إذا هي أعْطتْ صبوةً أخذَتْ عقلا
ولا عَرَضَتْ من بيضِهِنَّ سَوافِرٌ / عليكَ الخدودَ الحُمرَ والأعينَ النُّجلا
لم يصبِ منكَ القلبَ مَشْيُ جآذرٍ / يُنَزِّع فيه التّيهَ أقدامَها نَقْلا
ولم ترَ سِحْراً كالعيون تَخالُنا / بِزَعْمِكَ أحياءً ونحنُ بها قتْلى
ومن أعجبِ الأشياءِ أنَّ سُيوفَها / تَعودُ رِماحاً حَيثُ تَلحَظُ أَو نبلا
خَرَجتُ على حَدِّ القياسِ مَعَ الهوى / فقلْ مَن أمَرّ الكأسَ من بعد ما أحلى
ولمّا كَتبتُ الحبَّ في القلبِ وارتَقَى / إلى الطرْفِ ماءُ الشوقِ أنكَر ما أملى
وَبي كُلُّ غَيداءِ القَوامِ كأنّما / يُطَاولُ منها قدُّها شَعَراً جَثْلا
لَها بَلَهٌ بِالحبِّ تَحسَبُ جِدّهُ / إِذا هَزَّ أَعطافي بِنَشوَتِهِ هَزلا
إذا غرَستْ في مسمعِ الصّبِّ موْعِداً / جَنى بِيَدِ التسويفِ مِن غَرْسِها مَطْلا
وإن هي زارَتْ خلتَها مستعيرةً / لَها مِن خَطيبِ الحفلِ جَلسَتَه العَجْلى
أَرى البيضَ مِثلَ البيضِ تَقطعُ وَصْلَ مَن / يُقَطِّعُ في كفَّيهِ مِن غَيرِه وَصلا
فَلا تَأمَنَنْ مِنهنَّ إن كنتَ حازماً / ولا من هواها المرءَ خبلاً ولا ختلا
وساقٍ على ساقٍ يُصرِّفُ بيننا / بكأسٍ نَظَمْنا للسرور بها شَملا
كلؤلؤةٍ بيضاءَ في الكفِّ أقبلتْ / بياقوتةٍ حمراءَ مظهرةً حَمْلا
كأنّ وُثُوبَ السُّكْرِ فيها مُساورٌ / يدبّبُ منه في مفاصلها نملا
تَرَكْنا لها من جَوْرِها ما يُسيئُنَا / فمن مَزْجِهَا بالماءِ قارنَتِ العدلا
وعذراءَ كانت وردةً قبل مزجها / ومن بعده عَنّتْ لِمُبصرها شعلا
إذا واجهتْ كاساتُها الليلَ خلتَها / تهتّكُ من ظلمائه حُجُباً كُحْلا
وتحسبُها تجلو علينا عرائسا / وشاربُها يفتضّ منهُنَّ ما يُجلى
وجدنا نَعَمْ في الناس يُهجرُ قوْلُها / كأنّ على الأفواهِ من لفظها ثِقْلا
ولمّا اجتَواها كُلُّ حَيٍّ تَعَلَّقتْ / بلفظ ابن عبّادٍ فكان لها أهلا
جَوادٌ بما فَوقَ الغنى لَكَ والمُنى / فَهِمَّتُكَ العُلْيا لِهِمَّتِه سُفلى
تَرى الناسَ يَستَصحونَ مِن جودِ كَفِّهِ / إذا الوبلُ منه انهلّ واتّبعَ الوبلا
هِزَبرُ الوغى بالسيفِ والرمح مقدمٌ / له الضربةُ الفرغاءُ وَالطعنةُ النجلا
تنوءُ به غِرّاً حفيظةُ عَزْمِهِ / وترجَحُ أسبابُ الأناةِ بِهِ كَهلا
وحربٍ أذيقتْ في بنيها ببأسِه / مرارةَ كأسِ الثكل لا عَدِمتْ ثكلا
وَكانَتْ عيونُ الماءِ زُرْقاً فَأَصبَحتْ / بما مازَجَتْهُ من دمائهمُ شُهْلا
وما ولدتْ سودُ المنايا وَحُمْرُهَا / عَلى الكرهِ حَتَّى كانَ صارِمُكَ الفحلا
أقائدَها قبَّ الأياطلِ لم تَدَعْ / له عند أعداءٍ إغارتُها ذَحْلا
حمَيتَ حِمى الإِسلام إذ ذدتَ دونه / هِزَبراً ورشَّحْتَ الرشيدَ له شِبلا
لَئِن قلتُ فيه صحّ تأليفُ سُؤدَدٍ / فبارعُ نَقْلٍ من شمائِلِك استملى
أَلا حبَّذا العيدُ الَّذي عكفت به / على كفّك الأمواهُ تُمْطُرها قُبلا
ويا حبّذا دارٌ يدُ اللَّه مَسّحَتْ / عليها بتجديدِ البقاءِ فما تبلى
مُقَدَّسَةٌ لو أنّ موسى كليمَهُ / مَشَى قَدَماً في أرضها خَلَعَ النعلا
وما هيَ إِلّا خطةُ الملِكِ الّذي / يَحُطُّ لَدَيهِ كلُّ ذي أملٍ رَحْلا
إذا فتحت أبوابُها خلتَ أنَّها / تقولُ بترحيبٍ لداخلها أَهلا
وقَد نَقَلَتْ صُنّاعُها مِن صِفاتِهِ / إِلَيها أَفانيناً فَأَحسنَتِ النقلا
فَمِن صَدرِهِ رَحباً وَمِن وَجهِهِ سَناً / وَمِن صِيتِهِ فَرعاً وَمِن حِلمِه أَصلا
وأَعلتْ بها في رُتبَةِ الملك نادياً / وقلَّ لَهُ فَوْقَ السماكين أن يُعْلى
نسيتُ به إيوانَ كسرى لأنّه / أراني له مَوْلى من الفضلِ لا مثلا
كَأَنَّ سُلَيمانَ بنَ داودَ لم تُبِحْ / مخافتُه للجنّ في شَيْده مَهْلا
كأنّ عيونَ السحر نافذةٌ له / على كلّ بانٍ غايةً منه أو فضلا
فجاء مكانَ القول نبعثُ وَصْفَهُ / رقيقاً وأذنُ الدهر تَسمَعُهُ جذلى
تجوزُ له الأمواهُ بركةَ جدولٍ / تخالُ الصَّبا منه مُشطِّبةً نصلا
إذا اتّخَذَتْها الشمسُ مرآةَ وجْهِها / أحالت عليها من مداوسِها صَقْلا
تَرى الشمسَ فيه ليقةً تَستَمِدُّها / أكفٌّ أقامتْ من تصاويرها شكلا
لها حركاتٌ أودِعَتْ في سُكونِها / فما تَبِعَتْ في نقلهنّ يدٌ رِجلا
وقَد تُوِّجَ البهوُ البهيُّ بِقُبَّةٍ / فقلْ في عروسٍ في جلابيبها تُجلى
تجمعتِ الأضدادُ فيها مصانعاً / ولم أرَ خَلْقاً قبلها جَمَعَ الشّمْلا
وأغربُ ما أبصرتُ بعد مليكها / بها مُتْرَعٌ يعدي الشجاعةَ والبذلا
تنادمُ في غنّاءَ غنّتْ حَمَامُها / فَوارِسَ أغصانٍ ترجّحها حَمْلا
إذا شَرِبتْ وُدّ المؤيّد صيّرَتْ / خلائقَهُ راحاً ورؤيتَهُ نُقْلا
كَأَنَّ مها الأَحْداجِ حَلَّتْ سماءَها / وَإِن لَم تَكُن إِلّا حنياته بُزْلا
كَأَنَّ سِهاماً أرْسِلَتْ عن قِسِيِّها / فَما عَدِمَتْ عَينُ الحَسودِ بِها سَمْلا
وما شئتُ مما لو عُنيتُ بوَصْفِهِ / سلكتُ إليه كلّ قافيةٍ سبلا
فَتَحسَبُ ما في الأرضِ مِن حَيوانِها / رَقَى شَرَفاً فيه إلى الفلكِ الأعلى
ولمّا عَشينَا من توقّد نورها / تَخِذْنَا سناهُ من نواظرنا كُحْلا
فيا دارُ أغضى الدهرُ عنكِ وأكثرتْ / أُسودُكِ نَسلاً فيه يَختَتِلُ النّسلا
ونوبيّةٍ في الخَلْقِ منها خلائِقٌ
ونوبيّةٍ في الخَلْقِ منها خلائِقٌ / متى ما تَرقّ العينُ فيها تَسَهّلِ
إذا ما اسمُها ألقاهُ في السمع ذاكرٌ / رأى الطرفُ منه ما عناهْ بمقولِ
لها فخذا قَرْمٍ وأظلافُ قَرْهبٍ / وناظِرَنا رِئمٍ وهامةُ أَيّلِ
مُبَطَّنَةُ الأخلاقِ كبراً وعزّةً / فمهما تَجُدْ بالمشيِ في المشيِ تَبخلِ
وكم حَوْلها من سائسٍ حافظٍ لها / يُكرّمها عن خُطّةِ المتبذّلِ
ترى ظِلْفَ رِجْلٍ يَلتقي إن تنقّلَتْ / بظلفِ يدٍ منها عزيزِ التنقّلِ
كأنّ الخطوطَ البيضَ والصّفْرَ أشبهتْ / على جسمها ترصيعَ عاجٍ بِصَندلِ
ودائمةُ الإقْعاءِ في أصْلِ خَلْقها / إذا قابلتْ أدبارها عين مُقْبلِ
تَلفّتُ أحياناً بعينٍ كحيلةٍ / وجيدٍ على طول اللواءِ مظلّلِ
وعرفٍ دقيقِ الشّعْرِ تحسبُ نبتَهُ / إذا الرّيحُ هَزّتْهُ ذوائب سُنْبُلِ
تَنَفّسُ كبراً من يراعٍ مُثَقَّبٍ / فتعطي جَنوباً منه عن أخْدِ شمألِ
وتنفضُ رأساً في الزّمام كأنّما / تريكَ له في الجوّ نفضةَ أجْدَلِ
إذا طلع النطحُ اسجادتْ نطاحَهُ / برأسٍ له هادٍ على السُّحبِ مُعْتَلِ
وقرنين أوْفَتْ منهما كلّ عقدةٍ / كَرُمّانتي بابِ الخباءِ المُقَفَّلِ
إِذا قُمِّعا بِالتبرِ زَادَتْ تَعَزُّزاً / على كلّ خودٍ ذاتِ تاجٍ مُكلَّلِ
وَتَحسَبها من نَفسِها إِن تَبخترَتْ / تُزَفّ إلى بعلٍ عروساً وتَنجلي
وكم منشدٍ قولَ امرئِ القيسِ حَوْلها / أفاطمَ مهلاً بعضَ هذا التدلُّلِ
وذي رونقٍ ترتْاعُ منه كأنّما
وذي رونقٍ ترتْاعُ منه كأنّما / عروسُ المنَايا فيه للعين تُجتلَى
صموتٍ عن النطقِ المبين لسانُهُ / فإن قَرَعَ البَيضْ اليمانِيَّ وَلوَلَا
جَرى وَالتَظى سلّاً فقلتُ تَعَجُّباً / مَتى فَجّرَتْ كفٌّ مِنَ النارِ جَدوَلا
لهامِ العِدى مِنهُ سجودٌ على الثّرى / إذا ما اغتدى منه ركوعٌ على الطلا
مَتى صَدَرَت عَيناكِ عن أرض بابلِ
مَتى صَدَرَت عَيناكِ عن أرض بابلِ / فَسِحرُهُما في اللَّحظِ بادي المَخايِلِ
عجبتُ لرامٍ كيفَ أنشبَ منهما / بسهمين نَصْلاً واحداً في مقاتلي
أَأَنتِ الَّتي سَقَّيتِني سَمّ حيّةٍ / وخَيّلتِ عندي أنّه شَهْدُ عاسلِ
فيا نارَ وجدي كيف عشتِ تضرّماً / بماءٍ من الأجفان للنّار قاتلِ
ويا رَفْعَ أشواقي لقلبي وخَفْضَها / متى كان للأشواقِ فعلُ العوامِلِ
وذي جَهْلَةٍ بالحبّ أعلمتُهُ بما / ثناهُ عذيري بعدما كان عاذِلي
وقلتُ لهُ إِنَّ الهوى لأَخو الوغى / ولا بُدّ فيه للفتى من مُنازلِ
حذارِ حساماً حدُّهُ لحظةٌ فما / يُسَمّى غِشاءُ العينِ جفناً لباطِلِ
وأكثر ما تَرْوي السيوفُ الَّتي نضا / بها من عقولِ الناس فتحَ المعاقِلِ
أقارعةً سمعي بِثِقْلِ عتابِها / يخفّ على سمعي سماعُ الثّقائِلِ
مَتى يَتسلّى عنكِ صَبٌّ فؤادُهُ / كأنّ الهوى مُغْرىً بِهِ غَيرُ ذاهِلِ
وَكَيفَ وَفي عَينَيكِ قانِصُ فِتنَةٍ / تَقَنّصَني من غير نَصْبِ حبائِلِ
أرَى شَعَرَاتي السودَ قادتْك في الصبا / وَقَطَّعْتِ في عَصرِ المشيبِ سَلاسِلي
فَهَلّا وَشَعْري لصبْغَةٍ / لها ابتسمتْ عيناك صبْغ المكاحِلِ
وَعِبْتِ لَبوسي إذ غدا دونَ هِمّتي / وكم شَمْلَةٍ فيها كريمُ الشّمائلِ
وهل يُحْمَدُ الهنديّ من حليةٍ له / إذا لم يؤثّر في الطُّلى والكواهِلِ
وَما أَرَّقَ الأجفانَ إِلّا بَلابِلٌ / تُسامِرُها بَينَ الضلوعِ بَلابِلي
رَقيقَةُ أَطرافِ الغناءِ كَأَنَّهُ / إِذا طافَ بالأسماعِ جرسُ الخلاخِلِ
تَنالُ صغارَ الحَبّ لَقطاً وتحتسي / بشقّاتِ أقلامٍ ثمادَ المناهِلِ
لدى روضةٍ كالمسك في أنْفِ ناشقٍ / وكالعَصْبِ ذي التسهيمِ في عينِ نائِلِ
سَقَاها الحيا فَاستَوعَبَتْ مِنهُ ريّها / وأمسكَ عنها قطرَهُ غَيرَ باخِلِ
كأنّ لها بالحَزْنِ حِجْرَ أمينةٍ / تنوّمُ فيه خشفَها كلُّ خاذِلِ
يَنامُ كَوَقْفِ العاجِ فُصّلَ مَتْنُهُ / وطالَ به إهمالُ بعض العقائِلِ
وتَخشَى عَلَيهِ الخطفَ مِن كلِّ كاسِرٍ / إذا لم تُذِقْهُ الحتفَ كِفّةُ حابِلِ
حديقةُ نَوْرٍ دامعِ العين ضاحكٍ / كنشوانَ ذي جيدٍ من السُّكْرِ مائِلِ
وَرَبعِيَّةِ الأَزمانِ طَلقٍ هَواؤها / تَمُجُّ نَدى الأَشجارِ عِندَ الأَصائلِ
كأنّ ابن يحيى والحيا صنوُ جودِهِ / سقى تُرْبَها صَوْبَ الغوادي الهواطِلِ
مليكٌ له في الملكِ سَمْتٌ مُوَقَّرٌ / وهيبةُ مرهوبٍ وسيرةُ عادِلِ
عَظيمُ رَمادِ المَندَلِ الرّطبِ نارُهُ / تَرى الجَوَّ مِنها في دُخانٍ مُواصِلِ
وجزلُ الأيادي مُغمِدٌ لعُفاتِهِ / سيوفَ الأماني في رقابِ الفواضلِ
وتلك بحورٌ من عطاياه أُنشِئَتْ / لها سُفُنُ الآمال لا للجداوِلِ
أَبيٌّ أبَى إلّا انتِصاراً لدينِهِ / بصاعقةٍ محمولةٍ في الحمائِلِ
هوَ اللَّيثُ إِلّا أنّ رِفعةَ تاجهِ / على قمرٍ في هالةِ المُلْكِ كامِلِ
له نُورُ بشرٍ تُتّقَى سطواتُهُ / وكالنارِ في الإحراقِ ماءُ المفاصِلِ
يُوَجِّهُ وَجْهَ الحربِ نَحوَ عُداتِهِ / ويحشو حَشَاها بالقَنَا والقَنائِلِ
وما عقَدَ الرايات إلّا تَحلّلَتْ / به عُقَدُ الآراءِ بين القبائِلِ
لَهُ عَمَلٌ يَستَغرِقُ القَولَ في العُلى / وكم في الوَرَى من قائلٍ غيرِ عامِلِ
وَرَفع إِلَيهِ كلُّ عِيسٍ تَيَمّمَتْ / مَعالمَهُ بِعدَ اعتِسافِ المَجاهِلِ
وَكلُّ سَفينٍ تَحرثُ الماءَ عُوّماً / إذا هي شَقّتْ لُجّةً بالكلاكِلِ
فتىً لا يُحَيّي القِرْنَ إلّا بِضَربةٍ / تَسُلّ لسانَ السيف عن شِدْقِ بازِلِ
يَشُقُّ أَضَاةَ الدرعِ فَوقَ كَمِيِّها / بجدولِ بأسٍ منه لُجَّةُ نائِلِ
تَرى ضَيغَمَ الأَبطالِ يَعنو لِعِزِّهِ / ذَليلاً كَما استَخذى أَكيلٌ لآكلِ
ويصعبُ بعدَ الضّرْبِ إغْمادُ سيفِهِ / لِكُلِّ دَمٍ في مَتْنِهِ غَير سائِلِ
أَلا إِنَّ آسادَ الوَقائِعِ حِمْيَرٌ / نِعِمّا وهمْ غرّ الملوك الأوائِلِ
غطارفةٌ شُمّ العرانين قادةٌ / يَعُلّونَ أطرافَ الرّماحِ النواهِلِ
إذا ما سَطَوْا سرّوا بكفّ شذَاتِهمْ / وإن حاربوا جرّوا ذيولَ الجحافِلِ
كَأَنَّ نَدى أَيمانِهِم نَوَّرَت بِهِ / ذَوابِلُهُم فاعجَب لِنَورِ ذَوابِلِ
وما هي إلّا مشرَعاتٌ أسنّةٌ / عِطاشٌ تُرَوّى في حياضِ المقاتِلِ
إليك حدا الإنشادُ كلَّ نجيبةٍ / مُرَحَّلَةٍ إرقالها في المحافِلِ
ومدحُكَ منها خصّ كلّ لطيمةٍ / بمسكٍ مقيمٍ في التأرّج راحِلِ
وقَدرُكَ أعلى من مدائحِنا الَّتي / أبَرّتْ على إِحسانِ مِصْقَعِ وائِلِ
وإن قَصّرَتْ عن غايةٍ فلعلّها / تصيّرُ تحجيلاً لغرِّ الفضائِلِ
وإِن نَنظمِ الدرّ الَّذي أنت بحرُهُ / ففضلُكَ ألقاهُ لنا في السواحِلِ
فلا زالتِ الأعيادُ في كلّ عَوْدَةٍ / ترى الدينَ من مغناك في ظلِّ كافِلِ
أيا ربّ عفواً عن ظلومٍ لنفسهِ
أيا ربّ عفواً عن ظلومٍ لنفسهِ / رَجاكَ وإن كان العفافُ به أولى
مقيمٌ على فِعْلِ المعاصي مُخالِفٌ / توالى عليه الغيّ فاستولى
سألتُكَ يا مولى المَوَالي ضرَاعَةً / وقد يَضْرَعُ العبدُ الذليلُ إلى المولى
لِتُصلحَ لي قلباً وتغفرَ زلّةً / وتقبل لي توْباً وتسمعَ لي فِعْلا
ولا عَجَبٌ فيما تمنّيْتُ إنّني / طويل الأماني عند مَن يحسن الطولا
لكلّ محِبٍّ نظرَةٌ تَبعثُ الهوَى
لكلّ محِبٍّ نظرَةٌ تَبعثُ الهوَى / ولي نَظرةٌ نحوَ القَتول هي القتلُ
تُرَدَّد بالتكريهِ رُسْلُ نواظري / ومن شيمَ الإِنصافِ أن تكرَم الرّسلُ
ركبتُ نوىً جوّابةَ الأرض لم يعشْ / لراكبها عيسٌ تخبّ ولا رجلُ
أسائلُ عن دارِ السماحِ وأهْلِهِ / ولا دارَ فيها للسماح ولا أهلُ
ولولا ذُرَى ابن القاسمِ الواهب الغنى / لما حُطّ منها عند ذي كَرَم رحلُ
تُخَفَّضُ أقدارُ اللئامِ بلؤمهم / وَقَدْرُ عليّ من مكارِمِهِ يعلو
فتى لم يُفارِقْ كفَّهُ عَقْدُ مِنّةٍ / ولا عِرْضَهُ صونٌ ولا مالهُ بذلُ
له نِعَمٌ تخضَرّ منها مَوَاقِعٌ / ولا سِيَما إن غَيّرَ الأفقَ المحلُ
ورَحبُ جَنابٍ حين ينزلُ للقِرى / وفصلُ خطابٍ حين يجتمع الحفلُ
وَوجهٌ جميلُ الوجه تحسبُ حرّهُ / حساماً له من لحظ سائله صقلُ
مُرَوَّعَةٌ أموالُهُ بعَطَائِهِ / كأنّ جنوناً مَسّها مِنْهُ أو خَبْلُ
وأيّ أمانٍ أو قرارٍ لخائفٍ / على رأسه من كفّ قاتله بصلُ
لقد بَهَرَتْ شهبَ الدراري منيرةً / مآثرُ منكمْ لا يكاثِرُهَا الرّمْلُ
ورثتمْ تراثَ المجدِ من كلّ سيّدٍ / على منكبيه من حقوقِ العلا ثقلُ
فمنْ قَمرٍ يُبقي على الأفق بَعْدَهُ / هلالاً ومن ليث خليفته شبلُ
وأصبحَ منكم في سلا الجور أخرساً / وقام خطيباً بالّذي فيكمُ العدلُ
ملكتُ القوافي إذ توخيتُ مدحكمْ / ويا رُبّ أذوادٍ تَمَلّكها فَحْلُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025