المجموع : 19
نظَرتُ خِلالَ الرَّكْبِ والمُزْنُ هَطّالُ
نظَرتُ خِلالَ الرَّكْبِ والمُزْنُ هَطّالُ / إِلى الجِزْعِ هَل تَروى بِواديهِ أطْلالُ
وأخْفَيتُ ما بي من هَوًى ومَطِيُّنا / يُلَبِّسُ أُخْراهُ بأُولاهُ إعْجالُ
وقُلتُ لهُمْ جُرْتُمْ فَميلُوا إِلى اللِّوى / وما القومُ لولا حُبُّ عَلْوَةَ ضُلاّلُ
فَحُيِّيتَ رَبْعاً كادَ يَضْحَكُ رَسْمُهُ / ونَمَّ بما أُخْفي مِن الوَجْدِ إعْوالُُ
وقَدْ عَلِموا أنّي أجَرْتُ رِكابَهُمْ / فقالوا وهُم مِمّا يُعانونَ عُذّالُ
أراكَ الحِمى وادي الأراكِ فَزُرْتَهُ / وضَلَّ بنا مِمّا نُوافِقُكَ الضّالُ
وقد نَفعَتْني وَقْفَةٌ في ظِلالِه / فلَمْ أُرْعِهِمْ سَمْعي ولا ضَرَّ ما قالوا
وقَلَّ لِذاكَ الرَّبْعِ مِنّا تَحيَّةٌ / كما خالطَتْ ماءَ الغَمامَةِ جِريالُ
تَعَثَّرُ في أذيالِهِنَّ خَمائِلٌ / إذا انْسَحَبَتْ فيهِ مِن الرّيحِ أذْيالُ
لَيالِيهِ أسحارٌ وفيهِ هَواجِرٌ / كما خَضِلَتْ والشّمسُ تَنعَسُ آصالُ
فلم يَبقَ إلا غُبَّرٌ مِن تَذَكُّرٍ / إذا لاحَ مَغْنًى لِلْبَخيلةِ مِحْلالُ
وقد خَلَفَ الدّهْرُ الغَواني فصَرْفُهُ / كألحاظِها في مَنزِلِ الحَيّ مُغْتالُ
ولَم أدْرِ مَنْ أدنى إِلى الغَدْرِ صاحِبي / أمِ الدّهْرُ أم مَهْضومَةُ الكَشْحِ مِكْسالُ
منَ العَربيَّاتِ الحِسانِ كأنَّها / ظِباءٌ تُناغِيها بِوَجْرَةَ أطفالُ
يُباهي بها الليْلُ النّهارَ فشُبْهُهُ / عُقودٌ ومِن عَيْنِ الغَزالَةِ أحْجالُ
فلا وصْلَ حتّى يَذْرَعَ العِيسُ مَهْمَهاً / إذا الجِنُّ غَنّتْنا بهِ رَقَصَ الآلُ
نَزورُ إماماً يَعلَمُ الله أنّهُ / مُطيقٌ لأعْباءِ المَكارِمِ مِفْضالُ
يَضيقُ على قُصّادِهِ كُلُّ مَنهَجٍ / فَقد مَلأَتْ أقطارَهُ عَنه قُفَّالُ
إليكَ ابن عَمِّ المُصْطَفى تَرتَمي بِنا / رَكائِبُ أنْضاهُنَّ وَخْدٌ وإرْقالُ
لَئِنْ لوَّحَتْنا الشّمسُ والبُرْدُ مُنْهِجٌ / فَقَد يَبلُغُ المَجْدَ الفَتى وهْوَ أسْمالُ
ولَم يَبْقَ منّي في مُهاواتِنا السُّرى / ومِنْ صاحِبي إلا نِجادٌ وسِرْبالُ
أضاءَتْ لنا الأيّامُ في ظِلِّ دَولَةٍ / بِعَدْلِكَ فيها للرّعِيَّةِ إهْلالُ
وما الأرْضُ إلا الغَابُ أنتُمْ أُسودُهُ / وهَلْ يُستَباحُ الغابُ يَحْميهِ رِئبالُ
وإنَّ امرأً ولَّيْتَهُ الحَرْبَ لاقِحاً / قَليلٌ لهُ في مُعْضِلِ الخَطْبِ أمثالُ
تتَبَّعَ أهواءَ النُفوسِ فصرَّحَتْ / بحُبِّكَ أقوالٌ لَهنَّ وأفعالُ
وسكَّنَ رَوْعَ النّائِباتِ بِعَزْمَةٍ / يَذِلُّ لَها في حَوْمَةِ الحَرْبِ أبْطالُ
فَلَمْ يَسْتَشِرْ حَدَّيْهِ أبيضُ صارِمٌ / ولا هَزَّ مِن عِطْفَيْه أسْمَرُ عَسّالُ
ورُدَّتْ صُدورُ الخَيلِ وهْيَ سليمةٌ / كما سَلِمَتْ في الرّوْعِ منْهُنَّ أكْفالُ
على حينِ صاحَتْ بالضَّغائنِ فِتنةٌ / ومَدَّتْ هَوادِيها إِلى القَومِ آجالُ
ولَو لَمْ توَقِّرْها أناتُكَ لالْتَقَتْ / بمُعْتَرَكِ الهَيجاءِ هامٌ وأوْصالُ
فأنت اللّبابُ المَحْضُ مِن آل هاشمٍ / بِذِكْرِكَ أعوادُ المَنابِرِ تَختالُ
عليْكَ التَقَى بالفَخْرِ عَمْروٌ وعامِرٌ / فلِلَّهِ أعمامٌ نَمَوْكَ وأخوالُ
أغَرُّ كِنانيٌ عَلَتْ مُضَرٌ بهِ / وأروعُ مِن عُلْيا رَبيعةَ ذَيّالُ
هُمُ القوْمُ يَقْرُونَ الرَّجاءَ عَوارِفاً / على ساعةٍ فيها السَّمَاحَةُ أقوالُ
بِمُستَمطِراتٍ مِن أكُفٍّ كَريمَةٍ / تَزاحَمُ آجالٌ علَيها وآمالُ
إذا أنعَموا أغْنَوْا وإنْ قَدَرُوا عَفَوْا / وإنْ ساجَلوا طالُوا وإنْ حاوَلوا نالوا
وتلكَ مَساعِيهِمْ فلَو شِئْتُ حَدّثَتْ / بما استُودِعَتْ منها شُهورٌ وأحوالُ
ولِلشِّعْرِ منها ما أؤَمِّلُ فالعُلا / إذا لَم أسِمْها بالقَصائِدِ أغْفالُ
ورُبَّ مُغالٍ في مَديحي نَبَذْتُهُ / ورائي فخَيْرٌ مِن أيادِيهِ إقْلالُ
وعِفْتُ ثَراءً دونَه يَدُ باخِلٍ / إذا لَم أصُنْ عِرضي فلا حَبّذا المالُ
ولم أرضَ إلا بالخَلائِفِ مَطلَباً / فما خاملٌ ذِكري ولا النّاسُ أشكالُ
وأعتَقْتُ إلا من نَوالِكَ عَاتِقي / على أنَّ أطواقَ المَواهبِ أغلالُ
لكَ المَجْدُ لا ما تدّعيهِ الأوائِلُ
لكَ المَجْدُ لا ما تدّعيهِ الأوائِلُ / وما في مَقالٍ بَعْدَ مَدْحِكَ طائِلُ
وليسَ يؤدّي بَعْضَ ما أنتَ فاعِلٌ / إذا رُمْتُ وَصْفاً كلُّ ما أنا قائِلُ
أبوكَ وأنتَ السّابِقانِ إِلى العُلا / على شِيَمٍ منْهُنَّ حَزْمٌ ونائِلُ
ولولاكُما لم يُعْرَفِ البأسُ والندىً / ولمْ يَدْرِ ساعٍ كيفَ تُبغى الفضائِلُ
وهل يَلِدُ الضِّرْغامُ إلا شَبيهَهُ / ويُنجِبُ إلا الأكْرَمونَ الأماثِلُ
فلَيتَ أباً لا يُورِثُ الفَخْرَ عاقِرٌ / وأُمّاً إذا لم تُعْقِبِ المَجْدَ حائِلُ
وأنت الذي إنْ هَزَّ أقْلامَهُ حَوى / بِها ما نَبَتْ عنهُ الرِّماحُ الذّوابِلُ
يَطولُ لِسانُ الفَخْرِ في مَكْرُماتِهِ / ويَقْصُرُ باعُ الدّهْرِ عمّا يُحاوِلُ
وحَيٍّ من الأعداءِ تُبدي شِفاهُهُمْ / نَواجِذَ مَقْرونٌ بِهنَّ الأنامِلُ
فمِنْهُم بِمُستَنِّ المَنايا مُعَرِّسٌ / تُطيفُ بهِ سُمْرُ القَنا والقنابِلُ
وآخِرُ تَستَدْني خُطاهُ قُيودُهُ / وهُنَّ بساقَيْ كُلِّ عاصٍ خَلاخِلُ
أزَرْتَهُمُ بَيضاً كأنّ مُتونَها / أجَنَّ المَنايا السّودَ فيها الصّياقِلُ
ولم يَبْقَ إلا من عَرَفْتَ وعنده / مكائِدُ تَسري بينهنَّ الغَوائِلُ
أطَلْتَ له باعاً قَصيراً فمَدَّهُ / إِلى أمَدٍ يَعْيَى بهِ المُتَطاوِلُ
وخاتَلَ عن أضْغانِهِ بتَودُّدٍ / وهلْ يَمْحَضُ الوُدَّ العدوُّ المُخاتِلُ
لَئِنْ ظَهَرَتْ منهُ خَديعةُ ماكِرٍ / فسَيْفُكَ لا تَخفى عليه المَقاتِلُ
وكم يوقِظُ الأحْقادَ من رَقَداتِها / وتَرْقُدُ في أغمادِهِنّ المَناصِلُ
فرَوِّ غِرارَ المَشْرَفيّ بهِ دَماً / فأُمُّ الذي لا يتْبَعُ الحَقَّ ثاكِلُ
بيومٍ ترَدّى بالأسنّةِ فاسْتَوَتْ / هَواجِرُهُ من وَقْعِها والأصائِلُ
وغارَ على الشّمسِ العَجاجُ فإنْ سَمَتْ / لتَلْحَظَها عيْنٌ ثَنَتْها القَساطِلُ
وحُلِّيَتِ الأعناقُ فيهِ منَ الظُّبا / قَلائِدَ لا يَصْبو إليهنّ عاطِلُ
بِكَفٍّ تُعيرُ السُّحْبَ من نَفَحاتِها / فتُرخي عَزالِيها الغُيوثُ الهَواطِلُ
وهِمَّةِ طَلاّعٍ إِلى كُلِّ سُؤدَدِ / لهُ غايةٌ منْ دونِها النّجْمُ آفِلُ
ففازَ غياثُ الدّينِ منكَ بِصارِمٍ / على عاتِقِ العَلْياءِ منهُ الحَمائِلُ
ودانَ لهُ حَزْنُ البِلادِ وسَهْلُها / وأنت المُحامي دونَها والمُناضِلُ
فما بالُ زَوْراءِ العِراقِ مُنيخَةً / بمُعْتَرَكٍ تَدْمى لديهِ الكَلاكِلُ
تَشيمُ من الهَيجاءِ بَرْقاً إذا بَدا / هَمَى بالنّجيعِ الوَرْدِ منهُ المَخائِلُ
تَحيدُ الرِّجالُ الغُلْبُ عنْ غَمَراتِها / وتَسْلَمُ فيهنَّ النِّساءُ المَطافِلُ
كأنَّ الإِلى طاروا إِلى الحَرْبِ ضَلّةً / نَعامٌ يُباري خَطْرَةَ الرّيحِ جافِلُ
ومِنْ أينَ يَسْتَولي منَ العُرْبِ رامِحٌ / على بَلَدٍ فيهِ منَ التُّرْكِ نابِلُ
أبابِلُ لا وادِيكِ بالرِّفْدِ مُفْعَمٌ / لدَيْنا ولا نادِيكِ بالوَفْدِ آهِلُ
لَئِنْ ضِقْتِ عني فالبِلادُ فَسيحةٌ / وحَسْبُكِ عاراً أنني عَنْكِ راحِلُ
وإنْ كُنتِ بالسِّحْرِ الحَرامِ مُدِلَّةً / فعِندي من السِّحْرِ الحَلالِ دَلائِلُ
قَوافٍ تُعيرُ الأعْيُنَ النُّجْلَ سِحْرَها / فكُلُّ مكانٍ خَيَّمَتْ فيهِ بابِلُ
وأيُّ فَتًى ماضي العَزيمَةِ راعَهُ / مُلوكُكِ لا رَوّى رِباعَكِ وابِلُ
أغَرُّ رَحيبٌ في النّوائِبِ ذَرْعُهُ / لأعْباءِ ما يأتي بهِ الدّهْرُ حامِلُ
فَتى الحَيِّ يَرْمي بالخُصومِ وراءَهُ / حَيارى إذا التَفَّتْ علَيهِ المَحافِلُ
مَتى تُسْلَبُ الجُرْدُ الجيادُ مِراحَها / إليكَ كما يَسْتَنْفِرُ النّحْلَ عاسِلُ
تُقَرَّطُ أثْناءَ الأعِنّةِ والثّرى / يُواري جَبينَ الشّمْسِ والنّقْعُ ذائِلُ
إذا نَضَتِ الظَّلْماءُ بُرْدَ شَبابِها / مَضَتْ وخِضابُ اللّيلِ بالصُّبْحِ ناصِلُ
ولَفَّتْ على صَحْنِ العِراقِ عَجاجَها / يُقَدّمُها مِن آلِ إسْحاقَ باسِلُ
إذا ما سَرى فاللّيْلُ بالبِيضِ مُقْمِرٌ / ولَوْنُ الضُّحى إن سارَ بالنّقْعِ حائِلُ
هُمامٌ إذا ما الحَرْبُ ألْقَتْ قِناعَها / فلا عَزْمُهُ واهٍ ولا الرَّأْيُ فائِلُ
وإنْ كَدَّرَتْ صَفْوَ اللّيالي خُطوبُها / صَفَتْ مِنْهُ في غَمّائِهنَّ الشّمائِلُ
أبَى طَوْلُه أن يُسْتَفادَ بِشافِعٍ / نَداهُ ومَعْصيٌّ لَدَيْهِ العَواذِلُ
فلَمْ يحْتَضِنْ غَيْرَ الرّغائِبِ راغِبٌ / ولمْ يتَشَبَّثْ بالوَسائِلِ سائِلُ
إليكَ أوَى يا بْنَ الأكارِمِ ماجِدٌ / لَهُ عِنْدَ أحداثِ الزّمانِ طَوائِلُ
تَجُرُّ قَوافيهِ إليكَ ذيولَها / كما ابْتَسَمَتْ غِبَّ الرِّهام الخَمائِلُ
وعندكَ تُرْعى حُرْمَةُ المَجْدِ فارْتَمى / إليكَ بهِ دامي الأظَلّينِ بازِلُ
بَراهُ السُّرى والسَّيْرُ وهْوَ منَ الضّنى / حَكاهُ هِلالٌ كالقُلامَةِ ناحِلُ
قَليلٌ إِلى الرِّيِّ الذّليلِ الْتفاتُهُ / وإنْ كَثُرَتْ لِلْوارِدينَ المَناهِلُ
وها أنا أرْجو من زَمانِكَ رُتبَةً / يَقِلُّ المُسامي عِنْدَها والمُساجِلُ
ولَيسَ بِبِدْعٍ أن أنالَ بِكَ العُلا / فمِثْلُكَ مأمُولٌ ومِثْليَ آمِلُ
إذا زُمَّ للبَيْنِ الغَداةَ جِمالُ
إذا زُمَّ للبَيْنِ الغَداةَ جِمالُ / فَلا وَصْلَ إلا أنْ يَزورَ خَيالُ
تَفرَّقَ أهْواءُ الجَميعِ وثُوِّرَتْ / رَكائِبُ أدْنى سَيْرِهِنَّ نِقالُ
وفي الرّكْبِ نَشْوى المُقلَتَيْنِ كأنّها / وديعَةُ أُدْحِيٍّ وهُنّ رِئالُ
لها نَظَراتُ الرّيمِ تَملأُ سَمْعهُ / حَفيفاً بأيدي القانِعينَ نِبالُ
وفي الدّمْعِ منْ خَوفِ الوُشاة إذا رَنَتْ / إلينا أَناةٌ والمَطِيُّ عِجالُ
فَيا حَسَراتِ النّفْسِ حينَ تقطَّعَتْ / لبَيْنٍ كما شاءَ الغَيورُ حِبالُ
ونحنُ بنَجْدٍ قَبلَ أن تَفْطُنَ النّوى / بِنا ويَروعَ القاطِنينَ زِيالُ
على مَنْهَلٍ عَذْبِ النِّطافِ كأنّما / أدارَ بهِ كأسَ الشَّمولِ شمالُ
رَكزْنا حَوالَيْهِ الرِّماحَ وما لَنا / سِواها إذا فارَ الهَجيرُ ظِلالُ
يلوذُ بِها مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ جَحاجِحٌ / بهِمْ تُلْقَحُ الآمالُ وهْيَ حِيالُ
مُلوكٌ إذا اسْتَلّوا الظُّبا استَنْهَضَ الرّدى / صَوارِمُ دبّتْ فوقَهُنَّ نِمالُ
فليسَ لهُمْ غيرَ المَعالي لُبانةٌ / ولا غيرَ أطرافِ السّيوفِ ثِمالُ
عُلاً كأنابيبِ الرِّماحِ تَناسَقَتْ / بَناها لَنا عمٌّ أغَرُّ وخالُ
وخَيْرُ عَتادي في الحُروبِ مهَنَّدٌ / نَفى صَدأً عنْ مَضْرِبَيْهِ صِقالُ
وفي السِّلْمِ مَيْلاءُ الخِمارِ كأنّها / إذا التَفَتَتْ خَوفَ الرّقيبِ غَزالُ
وكمْ طَرَقَتْني والنّجومُ كأنّها / على مَفْرِقِ الليْلِ الأحَمِّ ذُبالُ
فبرَّح بي سِحْرٌ حَرامٌ بطَرْفِها / دَمي لكَ يا سِحْرَ العُيونِ حَلالُ
فلا تَعِديني يا بْنَةَ القَومِ نائِلاً / يَطولُ اقْتضاءٌ دونَهُ ومِطالُ
ومَنْ كان عَفّاً في هَواكِ ضَميرُهُ / فسِيّانِ هَجْرٌ عندَهُ ووصالُ
ولولا التُّقى لمْ أتْرُكِ البيضَ كالدُّمى / وإنْ ظُلِّلَتْ بالمُرْهَفاتِ حِجالُ
وإني لأثْني النَّفْسَ عمّا تُريدُهُ / إذا كانَ في العُقْبى عليَّ مَقالُ
ولا أرْتَضي خِلاً يَدومُ وِدادُهُ / على طَمَعٍ مادامَ عِنديَ مالُ
أرى الناسَ أتْباعَ الغِنى ولمَنْ نَبا / بهِ الدّهْرُ منهُمْ ضَجْرَةٌ ومَلالُ
إذا ما اسْتَفَدْتَ المالَ مالُوا بوُدِّهِمْ / إليكَ وحالُوا إن تغَيَّرَ حالُ
فمنْ لي على غَيِّ التَمَنّي بصاحِبٍ / عَزيمتُهُ للمَشْرَفيِّ مثالُ
إذا مَدَّ مِنْ أثْناءِ خُطْوَتِهِ المَدى / فليسَ يُناجي أخْمَصَيْهِ كَلالُ
ويُقْدِمُ والأسْيافُ تُغْمَدُ في الطُّلى / وللْخَيْلِ مِنْ صَوْبِ الدِّماءِ نِعالُ
وإنْ طَرَقَ الأعْداءَ واللّيلُ مُظْلِمٌ / أطَلَّتْ علَيهمْ بالصّباحِ نِصالُ
فيُصْدِرُها عَنهُمْ رِواءً مُتونُها / وقد وَرَدَ الهَيْجاءَ وهْيَ نِهالُ
فتىً سَيْبُهُ قَيْدُ الثّناءِ وسَيْفُهُ / لأُدْمِ المَتالي في الشّتاءِ عِقالُ
إذا ما سأَلْتَ الحيَّ عنْ خَيْرِهِمْ أباً / أشارَتْ نِساءٌ نحوَهُ ورِجالُ
تَجنّى علَيْنا طَيْفُها حينَ أُرْسِلا
تَجنّى علَيْنا طَيْفُها حينَ أُرْسِلا / وهَلْ يتجَنّى الحِبُّ إلا ليَبْخَلا
يَعُدُّ ولم أُذْنِبْ ذُنوباً كَثيرَةً / تلَقَّفَها منْ كاشِحٍ أو تمَحّلا
ولي هِمّةٌ تأبى وللحُبِّ لوْعَةٌ / أضُمُّ علَيها القَلبَ أن أتَنصّلا
أتَحْسَبُ تلكَ العامِريّةُ أنني / أَذِلُّ ويأبى المَجْدُ أن أتَذَلّلا
وتَزْعُمُ أني رُضْتُ قَلبي لسَلْوَةٍ / إذاً لا أقالَ اللهُ عَثْرَةَ مَنْ سَلا
أمَا عَلِمَتْ أن الهَوى يَستَفِزُّني / إذا الرَّكْبُ منْ نَحوِ الجُنَيْنَةِ أقْبلا
وأرْتاحُ للبَرْقِ اليَماني صَبابَةً / وأنْشَقُ خَفّاقَ النّسيمِ تَعَلُّلا
حَلَفْتُ لرَعْيِ الوُدِّ لا لِضَراعَةٍ / يُكَلِّفُها الحُبُّ الغَويَّ المُضَلَّلا
بصُعْرٍ تَبارَتْ في الأزِمّةِ شُمَّذٍ / تَؤُمُّ بنا فَجّاً منَ الأرضِ مَجْهَلا
طلَعْنَ بُدوراً بالفَلا وهْي بُدَّنٌ / وعُدْنَ كأشْباحِ الأهِلّةِ نُحَّلا
عليهنّ شُعْثٌ من ذُؤابَةِ غالِبٍ / ضَمِنْتُ لهُمْ أن نَمسَحَ الرُّكْنَ أوّلا
يُميلُ الكَرى منهمْ عَمائِمَ لاثَها / على المَجْدِ أيْدٍ تَخْلُفُ الغَيْثَ مُسْبِلا
فلَسْنا نَرى إلا كَريماً يَهزُّهُ / حُداءٌ سَرى عنهُ رِداءَ مُهَلْهَلا
لَئِنْ صافَحَتْ أخرى على نأي دارِها / يَميني فلا سَلَّتْ على القِرْنِ مُنصُلا
وقُلْتُ ضِياءُ المِلّةِ اخْتَطَّ عَزْمُهُ / لهِمَّتِهِ دونَ السِّماكِيْنِ مَنْزِلا
ولم يَتْرُكِ الضِّرْغامَ في حَوْمَةِ الوَغى / جَباناً ولا صَوْبَ الغَمامِ مُبَخَّلا
ولا اخْضَرَّ وادِيهِ على حينَ لا تَرى / مَراداً لعِيسٍ شَفّها الجَدْبُ مُبْقِلا
فتًى شَرِقَتْ بالبِشْرِ صَفْحَةُ وَجْهِهِ / كأنّ عليها البَدْرَ حين تَهلّلا
هوَ الغَيْثُ يُرْوي غُلّةَ الأرضِ مُسبِلاً / هو اللّيثُ يَحْمي ساحَةَ الغابِ مُشْبِلا
يُلاذُ بهِ واليَومُ قانٍ أديمُهُ / ويُدعى إذا ما طارِقُ الخَطبِ أعْضَلا
لهُ إمْرَةٌ عندَ المُلوكِ مُطاعَةٌ / ورأيٌ بهِ يَسْتَقْبِلُ الأمرَ مُشْكِلا
كأنّ نُجومَ الأفقِ يَتْبَعْنَ أمْرَهُ / فلَوْ خالَفَتْهُ عادَ ذو الرُّمْحِ أعْزَلا
لَقًى دونَ أدنى شأْوِهِ كلُّ طالِبٍ / وهلْ غايَةٌ ضَمَّتْ حُبارى وأجْدَلا
فحَظُّ مُجاريهِ إذا جَدَّ جَدُّهُ / على إثْرِهِ أنْ يَملأَ العَينَ قَسْطَلا
أتى العيدُ طَلْقَ المُجْتلى فتلَقَّهُ / بوجْهٍ يَروقُ النّاظِرَ المُتَأمِّلا
وضَحِّ بمَنْ يَطْوي على الحِقْدِ صَدْرَهُ / فإنّكَ مَهْما شِئتَ ولاّكَ مَقْتلا
وأَرْعِ عِتاباً تَحْتَهُ الوُدُّ كامِنٌ / مَسامِعَ يَمْلأَْ الثّناءَ المُنَخَّلا
أرى مَلَلاً حيثُ التَفَتُّ يُهيبُ بي / وما كُنتُ أخْشى أن أُفارِقَ عنْ قِلى
فلَقَّيْتَني سُوْءاً لَقيتَ مَسرَّةً / وخَيَّبْتَ آمالي بَقيتَ مُؤمَّلا
أمِنْ كَذِبِ الواشي وتَكْثيرِ حاسِدٍ / إذا لمْ يَجِدْ قَوْلاً صَحيحاً تَقَوّلا
رَمَيْتَ بِنا مَرْمَى الغريبةِ جُنِّبَتْ / على غُلَّةٍ تُدْمي الجَوانِحَ مَنهَلا
وأطْمَعْتَ في أعْراضِنا كُلَّ كاشِحٍ / يُجرِّعُهُ الغَيْظُ السِّمامَ المُثمَّلا
وراءَكَ إني لستُ أغْرِسُ نَخْلَةً / لأجْنيَ منها حينَ تُثْمِرُ حَنْظلا
أيَجْمُلُ أنْ أُجْفى فآتيَ مُغْضَباً / وتأتيَ ما لا تَرتَضيهِ لنا العُلا
وأسهَرُ في مَدْحي لغَيرِكَ ضَلّةً / وأدْعو سِواكَ المُنعِمَ المُتطَوِّلا
وكُلُّ امْرئٍ تَنْبو بهِ الدّارُ مُطْرِقٌ / على الهُونِ ما لَمْ يَنوِ أنْ يتحوّلا
وها أنا أزْمَعْتُ الفِراقَ وفي غَدٍ / نَميلُ بصَدْرِ الأرْحَبيِّ إِلى الفَلا
فمَنْ ذا الذي يُهْدي إليكَ مَدائِحاً / كَما أسْلَمَ السِّلْكُ الجُمانَ المُفَصَّلا
بنَثْرٍ يمُجُّ السِّحْرَ طَوْراً وتارَةً / بنَظْمٍ إذا ما أحْزَنَ الشِّعْرُ أسْهَلا
فمُصْبَحُهُ يَجْلو بهِ الفَجْرُ مَبْسِماً / ومُمْساهُ تُلْقى عندَهُ الشّمْسُ كَلْكَلا
ونِعْمَ المُحامي دونَ مَجْدِكَ مِقْوَلي / بهِ أُلْقِمَتْ قَسْراً أعاديكَ جَنْدَلا
بَقِيتَ لمَنْ يَبْغي نَوالَكَ مَلْجَأً / ودُمْتَ لمَنْ يَرجو زمانَكَ مَؤْئِلا
أضاءَ بُرَيْقٌ بالعُذَيْبِ كَليلُ
أضاءَ بُرَيْقٌ بالعُذَيْبِ كَليلُ / فثِنْيُ نِجادي للدّموعِ مَسيلُ
تَناعَسَ في حِضْنِ الغَمامِ كأنّهُ / حُسامٌ رَميضُ الشّفرَتَيْنِ صَقيلُ
يُنيرُ سَناهُ مَنزِلَ الحَيِّ باللِّوى / ويُسْديهِ مِرْزامُ العَشيِّ هَطولُ
وألْحَظُهُ شَزْراً بمُقْلَةِ أجْدَلٍ / لهُ نَطَراتٌ كلُّهُنَّ عَجولُ
يُراعي أساريبَ القَطا عَصفَتْ بها / منَ الريحِ هَوْجاءُ الهُبوبِ بَليلُ
فأهْوى إليها وهْوَ طاوٍ وعِنْدَهُ / أُزَيْغِبُ مُصْفَرُّ الشّكيرِ ضَئيلُ
بأقْنى على أرْجائِهِ الدّمُ مائِرٌ / وحُجْنٍ حَكَتْ أطْرافَهنَّ نُصولُ
فرُحْنَ وما منْهُنَّ إلا مُطَرَّحٌ / جَريحٌ ومَنْزوفُ الحياةِ قَتيلُ
فآهاً منَ البَرْقِ الذي بَزَّ ناظِري / كَراهُ وأسْرابُ الدُّموعِ هُمولُ
تألّقَ نَجْدِيّاً فحنَّتْ نُوَيقَةٌ / يُجاذِبُها فَضْلَ المِراحِ جَديلُ
وبي ما بِها من لَوعَةٍ وصَبابَةٍ / ولكنَّ صَبْرَ العَبْشَميِّ جَميلُ
وما ليَ إلا البَرْقُ يَسْري أوِ الصَّبا / إِلى حيثُ يَسْتَنُّ الفُراتُ رَسولُ
تَحِنُّ إِلى ماءِ الصّراةِ رَكائِبي / وصَحْبي بشَطَّيْ زَرْنَروذَ حُلولُ
أشَوْقاً وأجْوازُ المَهامِهِ بَيْنَنا / يَطيحُ وجيفٌ دونَها وذَميلُ
ألا ليْتَ شِعري هل أراني بغبطةٍ / أبِيتُ على أرْجائِها وأَقيلُ
هَواءٌ كأيّامِ الهَوى لا يُغِبُّهُ / نَسيمٌ كلَحْظِ الغانِياتِ عَليلُ
وعَصْرٌ رَقيقُ الطُّرَّتَيْنِ تدرّجَتْ / على صَفحَتَيْهِ نَضْرَةٌ وقَبولُ
وأرضٌ حَصاها لُؤلُؤٌ وتُرابُها / تَضوَّعَ مِسْكاً والمِياهُ شَمولُ
بها العَيْشُ غَضٌّ والحياةُ شَهيّةٌ / ولَيْلي قَصيرٌ والهَجيرُ أصيلُ
فقُلْ لأخِلائي ببَغدادَ هَلْ بكُمْ / سُلُوٌّ فعِنْدي رنّةٌ وعَويلُ
تُرَنّحُني ذِكْراكُمُ فكأنّما / تَميلُ بيَ الصّهْباءُ حينَ أميلُ
لَئِنْ قَصُرَتْ أيّامُ أُنْسي بقُرْبِكُمْ / فَلَيْلي على نأيِ المَزارِ طَويلُ
وحوْليَ قَوْمٌ يعْلَمُ اللهُ أنّني / بِهمْ وهُمُ بي يَكْثُرونَ قَليلُ
إذا فتّشَ التّجريبُ عنهُمْ تَشابَهَتْ / سَجايا كأطْرافِ الرِّماحِ شُكولُ
ولو لَمْ نَرِمْ بَطْحاءَ مكّةَ أشْرَقَتْ / بِها غُرَرٌ مِنْ مَجْدِنا وحُجولُ
إذا ذُكِرَتْ آلُ ابنِ عفّانَ أجْهَشَتْ / حُزونٌ ورنّتْ بالحِجازِ سُهولُ
برَغْمِ العُلا تُمْسي وتُصْبِحُ دُورُهُمْ / وهُنَّ رُسومٌ رثّةٌ وطُلولُ
تُرشِّحُ أمُّ الخِشْفِ أطْلاءَها بِها / وتُسْحَبُ فيها للرِّياحِ ذُيولُ
أثِرْها أبا حَسّانَ حُدْباً كأنّها / نُسوعٌ على أوساطِهِنَّ تَجولُ
فقد أنْكرَ الْياسُ النِّزاريُّ مُكْثَنا / وخِنْدِفُ بِنْتُ الحِمْيَريِّ عَذولُ
إذا لم تُنوِّهْ بالمَكارِمِ هِمّتي / تَشَبّثَ بي حاشا عُلايَ خُمولُ
تُعيِّرُني بِنتُ المُعاويِّ غُربَتي / وكلُّ طُلوعٍ يَقتَفيهِ أُفولُ
وتَعْجَبُ أني منْ مُمارَسَة النّوى / نَحيفٌ وفي مَتْنِ القَناةِ ذُبولُ
لَئِنْ أنْكَرَتْ مني نُحولاً فَصارِمي / يُغازِلُهُ في مَضْرِبَيْهِ نُحولُ
ولمْ تُبْدِعِ الأيّامُ فيَّ بنَكبَةٍ / فبَيْني وبَيْنَ النّائِباتِ ذُحولُ
ألِفْتُ الندىً والعامريّةُ تَعْذِلُ
ألِفْتُ الندىً والعامريّةُ تَعْذِلُ / وممّا أفادَتْهُ الصّوارِمُ أبْذُلُ
فلا تَعْذُليني يا بْنَةَ القوْمِ إنّني / أجودُ بما أحْوي وبالعِرْضِ أبْخَلُ
ولَلْحَمْدُ أوْلى بالفَتى منْ ثَرائِهِ / وخَيْرٌ منَ المالِ الثّناءُ المُنَخَّلُ
ومَنْ خافَ أن يَسْتَضْرِعَ الفَقْرُ خَدّهُ / وفَى بالغِنى لي أعْوَجيٌّ ومُنْصُلُ
ومُكْتَحِلاتٌ بالظّلامِ أُثيرُها / وهُنّ كأشْباحِ الأهِلّةِ نُحَّلُ
ولا صَحْبَ لي إلا الأسنّةُ والظُّبا / بحيثُ عُيونُ الشُّهْبِ بالنّقْعِ تُكْحَلُ
وحَوليَ منْ رَوْقَيْ أميّةَ غِلْمَةٌ / بهِمْ تُطْفَأُ الحَرْبُ العَوانُ وتُشْعَلُ
سَرَيْتُ بهِمْ والنّاجِياتُ كأنّها / رِماحٌ بأيْديهِمْ منَ الخَطِّ ذُبَّلُ
فحَلّوا حُبا اللّيلِ البَهيمِ بأوْجُهٍ / سَنا الفَجْرِ في أرْجائِها يتهلّلُ
وخاضُوا غِمارَ النّائِباتِ وما لَهُمْ / سوى اللهِ والرُّمْحِ الرُّدَيْنيّ مَعْقِلُ
يَرومونَ أمراً دونَهُ جُرَعُ الرّدى / تُعَلُّ بِها نَفْسُ الكَميِّ وتُنْهَلُ
على حين نابَتْني خُطوبٌ كَثيرةٌ / تَؤودُ بِها الأيّامُ مَتْنِي وأحْمِلُ
وأُخْفي الصّدى والماءُ زُرْقٌ جِمامُهُ / فهُنَّ على الذُّلِّ السِّمامُ المُثَمَّلُ
ومَنْ سَلَبَتْهُ نَوشَةُ الدّهْرِ عِزَّهُ / فنَحْنُ لرَيْبِ الدّهْرِ لا تتذَلّلُ
ولكنّنا نَحْمي ذِمارَ مَعاشِرٍ / لهُمْ آخِرٌ في المَكْرُماتِ وأوّلُ
ولَمْ نَغْتَرِبْ مُسْتَشْرِفينَ لثَرْوَةٍ / فَمَرْعى مَطايانا بِيَبْرينَ مُبْقِلُ
وقد يصْدأُ السّيفُ المُلازِمُ غِمْدَهُ / ومَنْ لا يَرِمْ أوْطانَهُ فهْوَ يخْمَلُ
فبِتْنا وقد نامَ الأنامُ عنِ العُلا / نُساري النّجومَ الزُّهْرَ والليلُ ألْيَلُ
ونَحْنُ على أثْباجِ جُرْدٍ كأنّها / إذا ما اسْتُدِرَّ الحُضْرُ بالرّيحِ تُنْعَلُ
فأوجُهُها مِنْ طُرّةِ الصُّبْحِ تَكْتَسي / وسائِرُها في حُلّةِ اللّيلِ يَرْفُلُ
وتَعْلَمُ ما نَبْغي فتَبْتَدِرُ المَدى / ولَيْسَتْ عليْها الأصبَحيّةُ تَجْهَلُ
ويَقْدُمُها طِرْفٌ أغَرُّ مُحجَّلٌ / لراكِبِهِ مَجْدٌ أغَرُّ مُحجَّلُ
فلَمْ نَدْرِ إذا أمّتْ بِنا بابَ أحْمَدٍ / أنَحنُ إِلى نادِيهِ أمْ هِيَ أعْجَلُ
تَذودُ الكَرى عنّا تِلاوَةُ مَدْحِهِ / فَيرْنو إلَيْنا مُصْغِياتٍ وتَصْهَلُ
أغَرُّ رَحيبُ الباعِ يُسْتَمْطَرُ الندىً / جَميلُ المُحيّا مِخْلَطُ الأمرِ مِزْيَلُ
ففي راحَتَيْهِ للمُؤَمِّلِ مُجتَدًى / وفي ساحَتَيْهِ للمُروَّعِ مَوْئِلُ
سَما والشّبابُ الغَضُّ يَقْطُرُ ماؤُهُ / إِلى حيثُ يُقْصي النّظْرَةَ المتأمِّلُ
وكان أبوهُ يَرْتَجي خَيْرَهُ الوَرى / وهذا المُرَجّى منْ بَنيهِ المُؤَمَّلُ
وقد وَلِهتْ شَوْقاً إليهِ وِزارةٌ / لَها في بَني إسحاقَ مَثْوًى ومنْزِلُ
بهِمْ زُيِّنَتْ إذْ زِينَ غَيرُهُمُ بِها / وقدْ يَسْتَعيرُ الحَلْيَ مَنْ يتعطَّلُ
وشامَ لَها الأعْداءُ بَرْقاً فأصْبَحَتْ / علَيْهِمْ بشُؤبوبِ المنيّةِ تَهْطِلُ
وقد خيّمَتْ فيها بِدارِ مُقامَةٍ / فليسَ لَها عنْ رَبْعِهم مُتَحوَّلُ
وللدُّرِّ حُسْنٌ حَيْثُ عُلِّقَ عِقْدُهُ / ولكنّهُ في جِيدِ حَسْناءَ أجْمَلُ
مِنَ القومِ لا مأْوَى المَساكينِ مُقْفِرٌ / لدَيْهِمْ ولا مَثْوى الصّعاليكِ مُمْحِلُ
غَطارِفةٌ إن حُورِبُوا أرْعَفوا القَنا / وإنْ سُئِلوا النُّعْمى لَدى السِّلْمِ أجزَلوا
فَدونَكَها غَرّاءُ لو رامَ مثْلَها / سِواي بَليغٌ ظلّ يُصفِي ويُجْبِلُ
دَنَتْ ونأَتْ إذْ أطْمَعَتْ ثمّ أيْأَسَتْ / وقد أحْزَنَ الرّاؤونَ فيها وأسْهَلوا
فأجْزَلُها بَرْدٌ عليْكَ مُسَهَّمٌ / وأسْهَلُها عِقْدٌ لدَيْكَ مُفَصَّلُ
وها أنا أرْجو أن نَعيشَ بغِبْطَةٍ / جَميعاً وأنتَ المُنْعِمُ المتَفَضِّلُ
فمِنْكَ ندىً غَمْرٌ ومنيَ شُكْرُهُ / ونحنُ كما نَهْوى أقولُ وتَفْعَلُ
صَبابَةُ نَفْسٍ ليسَ يُشْفى غَليلُها
صَبابَةُ نَفْسٍ ليسَ يُشْفى غَليلُها / ولوعَةُ أشواقٍ كَثيرٍ قَليلُها
وظَمْياءُ لم تَحْفِلْ بسِرٍّ أصونُهُ / ولا بدُموعٍ في هَواها أُذيلُها
ويَنْزِفُها رَبْعٌ تُرَوّي طُلولَهُ / بوَجْرَةَ عَيْنٌ في الدّيارِ أُجيلُها
ولولا جَوىً أطْوي عليْهِ جَوانحي / لما هاجَ عَيني للبُكاءث مُحيلُها
إذا صافَحَتْها الرّيحُ طابَتْ لأنّها / بمنزِلةٍ ناجَتْ ثَراها ذُيولُها
مَريضَةُ أرْجاءِ الجُفونِ وإنما / أصَحُّ عُيونِ الغانِياتِ عَليلُها
رَمَتْني بسَهْمٍ راشَهُ الكُحْلُ بالرّدى / وأقْتَلُ ألْحاظِ المِلاحِ كَحيلُها
وسالِفَتَيْ أدْماءَ تحتَ أراكَةٍ / تَمُدُّ إلَيها الجِيدَ وهْيَ تَطولُها
فولّتْ وقد أبْقَتْ بقَلبي عَلاقَةً / تمرُّ بِها الأيّامُ وهْوَ مَقيلُها
وقُلتُ لأدْنى صاحِبَيَّ وقد وَشى / بسرّي دمْعٌ إذا تَراءَتْ حُمولُها
ذَرِ اللّوْمَ إني لَسْتُ أُرْعيكَ مَسمَعي / فتلكَ هَوى نَفسي وأنتَ خَليلُها
ولَيْتَ لِساناً أرْهَفَ العَذْلُ غَرْبَهُ / على الصّبِّ مَفْلولُ الشَباةِ كَليلُها
أرُدُّ عَذولي وهْوَ يَمْحَضُني الهَوى / بغَيْظٍ ويَحْظى بالقُبولِ عَذولُها
ويَعْتادُني ذِكْرى العَقيقِ وأهْلِهِ / بحيثُ الحَمامُ الوُرْقُ شاجٍ هَديلُها
تَنوحُ وتَبْكي فوقَ آفْنانِ أيْكةٍ / فِداهُنَّ منْ أرضِ العِراقِ نَخيلها
ولولا تَباريحُ الصّبابةِ لمْ أُبَلْ / بُكاها ولا أذْرى دُموعي عَويلُها
بوادٍ حَمَتْهُ عُصْبَةٌ عَبْشَميّةٌ / عِظامُ مَقارِيها كِرامٌ أُصولُها
أَزينُ بها شِعْري كَما زِنْتُها بهِ / وللهِ دَرّي في قَوافٍ أقولُها
ينُمُّ بمَجْدي حينَ أفْخَرُ مَنْطِقي / ويُعْرِبُ عن عِتْقِ المَذاكي صَهيلُها
فلمْ أرَ قَوْماً مثلَ قَومي لِبائِسٍ / ببَيْداءَ يَسْتافُ التُّرابَ دَليلُها
يَبُلُّ دَريسَيْهِ الندىً وتَلُفُّهُ / على الكُورِ منْ هُوجِ الرّياحِ بَليلُها
مَطاعينُ والهَيْجاءُ تُغْشى غِمارُها / مَطاعيمُ والغَبْراءُ تُخْشى مُحولُها
وكمْ ماجِدٍ فيهِمْ يَحُلُّ جَبينُهُ / حُبا الليْلِ والظّلْماءُ مُرْخىً سُدولُها
وأخمَصُهُ مِنْ تَحتِهِ هامَةُ السُّها / وهِمّتُهُ في المَجْدِ عالٍ تَليلُها
فهَلْ تُبْلِغَنّي دارَهُمْ أرْحَبيّةٌ / على الأيْنِ يُمْرى بالحُداءِ ذَميلُها
حَباني بِها بَدْرٌ فكمْ جُبْتُ مَهْمَهاً / حَليماً بهِ سَوْطي سَفيهاً جَديلُها
فتًى تُورِقُ السُّمْرُ اللدانُ بكفِّهِ / وإنْ دَبّ في أطرافِهِنَّ ذُبولُها
وتَغْشى الوَغى بيضاً حِداداً سُيوفُهُ / فتَرْجِعَ حُمْراً بادِياتٍ فُلولُها
ويوقِظُ وَسْنانَ التُّرابِ بضُمَّرٍ / تَوارَى بشُؤبوبِ النّجيعُ حُجولُها
عَليها كُماةُ التُّرْكِ منْ فَرْعِ يافِثٍ / كَثيرٌ بمُسْتَنِّ المَنايا نُزولُها
همُ الأُسْدُ بأساً في اللقاءِ وأوجُهاً / إذا غَضِبوا والسّمْهَريّةُ غِيلُها
وإنْ نطَقوا قُلْتَ القَطا منْ قَبيلِهِمْ / وهُمْ غِلْمَةٌ منْ وُلْدِ نوحٍ قَبيلُها
وقد أشْبَهوها أعْيُناً إذْ تَلاحَظوا / على شَوَسٍ والبيضُ تَدْمى نُصولُها
صَفَتْ بكَ دُنيا كدّرَتْها عِصابَةٌ / تمرَّدَ غاويها وعَزَّ ذَليلُها
ولولاكَ لمْ تُقْلَمْ أظافِيرُ فِتْنَةٍ / تَعاوَرَها شُبّانها وكُهولُها
فماتَتْ بجُمْعٍ إذ أظلَّتْ رِقابَهُمْ / سُيوفٌ يُصِمُّ المارِقينَ صَليلُها
ولوْ نُتِجَتْ أضْحَتْ قَوابِلَها القَنا / ولمْ يُغْذَ إلا بالدِّماءث سَليلُها
ومَنْ يتغبَّرْ منْ أفاويقِ فِتْنةٍ / يَذُقْ طَعَناتٍ ليسَ يُودَى قَتيلُها
فعِشْ ليدٍ تُولي ومُلْك تَحوطُهُ / ونائِبةٍ تَكفي ونُعْمى تُنيلُها
ودُمْ للمَعالي فهْيَ عِندَكَ تُبْتَغى / ومُشْتَبِهٌ إلا عليكَ سَبيلُها
أُمَيمَ سَلِي عَني مَعَدّاً وَيَعْرُباً
أُمَيمَ سَلِي عَني مَعَدّاً وَيَعْرُباً / فَما أَنا عَمَّا يُعْقِبُ المَجْدَ ذاهِلُ
هَلِ الطّارِقُ المُعْتَرُّ يَهْتِفُ في الدُّجَى / بِمثْلي إِذا اسْتَغْوَتْهُ بِيدٌ مَجاهِلُ
وَيَأْلَفُني وَهْوَالغَريبُ كَأَنَّهُ / نَسِيبي وَسَيْفِي مِنْ دَمِ الكُومِ نَاهِلُ
فَمِنْ أُنْسِهِ بي كادَ يَحْسَبُني الوَرى / قَليلَ القِرَى وَالبَيْتُ بِالضَّيْفِ آهِلُ
سَقَى اللهُ رَمْلَيْ كوفَنَ الغيثَ حَافِلاً
سَقَى اللهُ رَمْلَيْ كوفَنَ الغيثَ حَافِلاً / بِهِ الضَّرْعُ مِنْ جَوْنِ الرَّبابَيْنِ وَابلِ
وَفَضَّتْ نَسيماً يُعْبِقُ التُّرْبَ نَشْرُهُ / بِها رَكَضاتُ الرِّيحِ بَيْنَ الخَمائِلِ
وَلا زالَ فيها الظِّلُّ أَلْمَى تَلَفَّتتْ / إليهِ صَباً تَعتادُهُ بالأَصائِلِ
مَواقِعُ عَرّاصِ الشَّآبيبِ تَحْتَمي / بِأَسْمَرَ رَقّاصِ الأَنابِيبِ ذابِلِ
وَيَأْوي إِلَيْها كُلُّ أَروعَ يَرْتَقِي / إِلى المَجْدِ حُرِّ البَأْسِ حُلْوِ الشَّمائِلِ
لَبيقٍ بِتَصْريفِ القَناةِ إِذَا سَما / إِلى الحَرْبِ صُلْبِ العُودِ رِخْوِ الحَمائِلِ
نَماهُ إِلى فَرْعَيْ أُمَيَّةَ عُصْبَةٌ / تَذِلُّ لَها طَوْعاً رِقابُ القبائِلِ
بِأَيْديهمُ تَهْتَزُّ ناصِيَةُ العُلا / وَيَحْتَلبُ العافِي أَفاوِيقَ نائِلِ
سَأَكْفيهمُ الخَطْبَ الجَسيمَ بِصارِمٍ / تَمَطَّى المَنايا بَيْنَ غَرْبَيْهِ ناحِلِ
وَأُلْثِمُ نَحْرَ القِرْنِ كُلَّ مُثَقَّفٍ / بَصيرٍ إِذا أَشْرَعْتُهُ بِالْمَقاتِلِ
فَقَدْ بَسَطتْ باعي بِهِ خُنْزُوانَةٌ / تَضمَّنُ يَوْمَ الرَّوعِ رِيَّ المَناصِلِ
تَقولُ ابْنَةُ السَّعْدِيِّ وَهِيَ تَلومُني
تَقولُ ابْنَةُ السَّعْدِيِّ وَهِيَ تَلومُني / أَمَا لَكَ عَن دارِ الهَوانِ رَحيلُ
فَإِنَّ عَناءَ المُسْتَنيمِ إِلى الأذى / بِحيْثُ يَذِلُّ الأكْرَمونَ طَويلُ
وَما في الوَرى إِلَّا لَكَ البَدْرُ والِدٌ / وَلا لِسواكَ النَّيِّراتُ قَبيلُ
وَعِنْدَكَ مَحْبوكُ السَّراةِ مُطهَّمٌ / وَفي الكَفِّ مَطْرورُ الشَّباةِ صَقيلُ
فَثِبْ وَثْبَةً فَيها المَنايَا أَوِ المُنى / فكلُّ مُحِبٍّ لِلْحَياةِ ذَليلُ
وَإِنْ لَمْ تُطِقْها فَاعْتَصِمْ بِابْنِ حُرَّةٍ / لِهِمَّتِهِ فَوْقَ السِّماكِ مَقيلُ
يَعينُ على الجُلَّى وَيُسْتَمْطَرُ الندى / عَلى سَاعَةٍ فيها النَّوالُ قَليلُ
فَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْفَتى مِنْ ضَراعَةٍ / تَرُدُّ إِلَيْهِ الطَّرْفَ وَهْوَ كَلِيلُ
وَما عَلِمتْ أَنَّ العَفافَ سَجيَّتي / وَصَبْري على رَيْبِ الزَّمانِ جَميلُ
أَبَى لِيَ أَنْ أَغْشَى المَطامِعَ مَنْصِبي / وَرَبٌّ بِأَرْزاقِ العِبادِ كَفيلُ
تَرَكْتُ العُلا وَالعِيسُ يَنْفُخْنَ في البُرَى
تَرَكْتُ العُلا وَالعِيسُ يَنْفُخْنَ في البُرَى / لِمُتَّشِحٍ بِالذُّلِّ إِذْ قَلَّ مالُهُ
وَقَدْ كُنْتُ أُزْجِي الأَرْحَبِيَّ على الوَجَى / فَأَنْزِلُ عَنْهُ وَالكَلالُ عِقالُهُ
فَأَلْقَيْتُ إِذْ لَمْ يَبْقَ في الأَرْضِ مَسْرَحٌ / رِحالي فَقُلْ في الطَّرْفِ ضاقَ مَجالُهُ
وَإِنِّي لَأَرْضَى مِنْ زَماني بِبُلْغَةٍ / وَعِرْضِي مَصُونٌ لَمْ يَشِنْهُ ابْتِذالُهُ
بِشُرْبٍ كَوَلْغِ الذِّئْبِ راعَتْهُ نَبْأَةٌ / وَأَكْلٍ كَنَوْشِ الصَّقْرِ مِمّا يَنالُهُ
وَما ضَرَّهُم غِبَّ الأَحاديثِ أَنَّها
وَما ضَرَّهُم غِبَّ الأَحاديثِ أَنَّها / سَتَبقى وَأَيَّامُ الحَياةِ قَلائِلُ
فَلَولا اتِّقائِي واِرتِقائي عَنِ الخَنى / لَقُلتُ وَلَكِنَّ الكَريمَ يُجامِلُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل تَخُبُّ مَطِيَّتي
أَلا لَيتَ شِعري هَل تَخُبُّ مَطِيَّتي / بِحَيثُ الكَثيبُ الفَردُ وَالأَجرَعُ السَّهلُ
أَلَذّ بِهِ مَسَّ الثَّرى وَيروقُني / حواشي رُباً يَغذو أَزاهيرَها الوَبلُ
وَلَولا دواعي حُبِّ رَملَةَ لَم أَقُلْ / إِذا زُرتُ مَغناها بِهِ سُقيَ الرَّملُ
فَيا حَبَّذا أَثلُ العَقيقِ وَمَن بِهِ / وَإِن رَحَلَتْ عَنهُ فَلا حَبَّذا الأَثلُ
ضَعيفَةُ رَجعِ القَولِ مِن تَرَفِ الصِّبا / لَها نَظرَةٌ تُنسيكَ ما يَفعَلُ النَّصلُ
وَقَد بَعَثَتْ سِرّاً إِليَّ رَسولَها / لِأَهجُرَها وَالهَجرُ شيمَةُ مَن يَسلو
تَخافُ عَلَيَّ الحَيَّ إِذ نَذَروا دَمي / سَأُرخِصُهُ فيها عَلى أَنَّهُ يَغلو
أَيَمنَعُني خَوفُ الرَّدى أَن أَزورَها / وَأَروَحُ مِن صَبري عَلى هَجرِها القَتلُ
إِذا رَضيتْ عَنّي فَلا باتَ لَيلَةً / عَلى غَضَبٍ إِلّا العَشيرَةُ وَالأَهلُ
هَلِ الوَجدُ إِلّا لَوعَةٌ أَعقَبَت أَسىً
هَلِ الوَجدُ إِلّا لَوعَةٌ أَعقَبَت أَسىً / فَبالجِسمِ مِنها نَهكَةٌ وَنُحولُ
أَوِ الشَّوقُ إِلّا أَن تَرى مَن تُحِبُّهُ / قَريباً وَلا يُرجى إِلَيهِ وصُولُ
فَما لَكَ إِن أَهدَيتَ يَوماً تَحيَّةً / إِلَيهِ سِوى البَرقِ اللَموعِ رَسولُ
هَوىً دونَهُ مِن عامِرٍ ذو حَفيظَةٍ / يَصولُ فَتُروَى بِالنَّجيعِ نُصولُ
ذَكَرتُكَ يا ظَبيَ الصَّريمِ وَلِلدُّجى / عَلَيَّ سُدولٌ وَالدُّموعُ هُمُولُ
أَراكَ بِقَلبي وَالمَهامِهُ بَينَنا / وَفي اللَيلِ مُذ شَطَّ النَّوى بِكَ طولُ
كَأَنَّكَ وَالحَيَّ الَّذينَ تَدَيَّروا / ضَريَّةَ عِندي في الفُؤادِ نُزولُ
أُراعِي نُجومَ اللَيلِ وَهْيَ طوالِعٌ / إِلى أَن يُضيءَ الفَجرُ وَهيَ أُفولُ
جَنَحنَ حَيارى لِلمَغيبِ كَأَنَّها / نَواظِرُ مَسَّتْها الكَلالَةُ حُولُ
وَلَولاكَ لَم يَعبَثْ بِطَرْفي سُهادُهُ / وَلا خاضَ سَمعي بالمَلامِ عَذولُ
أَتَذكُرُ أَيّاماً مَضَينَ بِذي الغَضَى / سَقاهُنَّ رَجَّافُ العَشيِّ هَطولُ
إِذِ العَيشُ غَضٌّ وَالشَبابُ بِمائِهِ / وَفي حَدَثانِ الدَّهرِ عَنكَ غُفولُ
وَنَحنُ بِرَبعٍ لَم تَطأْهُ نوائِبٌ / وَلا اِنسَحَبَتْ لِلرِّيحِ فيهِ ذُيولُ
تُباكِرُ عُوداً مِن بَشامٍ تَعُلُّهُ / بِفيكَ وَما لاحَ الصَباحُ شَمولُ
إِذا هُوَ لَم يورِقْ وَقَدْ ذاقَ طَعمَهُ / فَمِن عَجَبٍ أَن يَعتَريهِ ذُبولُ
شَغَلتُ قَريضي بالنَّسيبِ فَأَصبَحَتْ / شَوارِدُهُ في الخافِقَيْنِ تَجولُ
تُغَنّى بِهِ سَفْرٌ وَتُطْرَى كَواعِبٌ / وَتُبكى رُسومٌ رَثَّةٌ وَطُلولُ
وَكُنتُ أَقولُ الشِّعرَ فيهِ تَكَلُّفاً / فَعَلَّمَني حُبّيكَ كَيفَ أَقولُ
نَظَرتُ وَكَم مِن نَظرَةٍ تَلِدُ الرَّدى
نَظَرتُ وَكَم مِن نَظرَةٍ تَلِدُ الرَّدى / إِلى رَشأٍ بالأَجرَعَينِ كَحيلِ
تَناوَلَ أَفنانَ الأَراكَةِ واِرتَدى / بِظِلٍّ طَوَتهُ الشَّمسُ عَنهُ ضَئيلِ
بِوُدّيَ أَنّي أَستَطيعُ فَيَتَّقِي / لَظَى حَرِّها مِن أَضلُعي بِمَقيلِ
وَيألَفُ سَلْمى بِالحَشى فَهوَ شِبهُها / مَلاحَةَ طَرفٍ يا هُذَيمُ عَليلِ
فإِن لُمتَ لَم يَنظِمْ نَجيبَينِ تَحتَنا / بِبَيداءَ طولَ اللَيلِ سِلكُ سَبيلِ
أَناةٌ حَكاها الظَّبيُ جِيداً وَمُقلَةً / وَلَيسَ لَها في حُسنِها بِعَديلِ
تَميطُ لِثاماً عَن مُحَيّا لِبِشرِهِ / وَميضُ رَقيقِ الشَفرَتَينِ صَقيلِ
وَيَشكو وشاحاها مِنَ الخَصرِ دِقَّةً / إِلى كَفَلٍ مِلءِ الإِزارِ نَبيلِ
وَتَرنو بِنَجلاوَينِ سِحرُهما جَثا / على نَظَرٍ يَسبي القُلوبَ كَليلِ
بَكَت إِذ رأَت عِيسِي تُقَرَّبُ لِلنَّوى / سُحَيراً وَصَحبي آذَنوا بِرَحيلِ
وَقَد فاضَ دَمعٌ ضاقَ عَنهُ مَسيلُهُ / عَلى صَحنِ خَدٍّ لَم يَسَعهُ أَسيلِ
وَأَودَعتُها قَلبي وَصَبري كِلَيهِما / وَأَترابُها في رَنَّةٍ وَعَويلِ
فَما الصَّبرُ عَن وَجهٍ جَميلٍ مَنَحتُهُ / هَوايَ إِذا فارَقتُهُ بِجَميلِ
أَعصَرَ الحِمى عُد وَالمَطايا مُناخَةٌ
أَعصَرَ الحِمى عُد وَالمَطايا مُناخَةٌ / بِمَنزِلَةٍ جَرداءَ ضاحٍ مَقيلُها
لَئِن كانَتِ الأَيّامُ فيكَ قَصيرَةً / فَكَم حَنَّةٍ لي بَعدَها أَستَطيلُها
أَقولُ لِصَحبي حينَ كَرَّرتُ نَظرَةً
أَقولُ لِصَحبي حينَ كَرَّرتُ نَظرَةً / إِلى رَملَةٍ مَيثاءَ تَندى ظِلالُها
هُنالِكَ دارٌ مَسَّ أَطلالَها البِلى / حَبيبٌ إِلى نَفسي غَضاها وَضالُها
أَرى النِّضوَةَ الأَدماءَ يُطرِبها السُّرى / إِليها وَإِن دانى خُطاها كَلالُها
بِها غادَةٌ تُلهي الظِّباءَ بِنَظرَةٍ / فَيَنسى بِها الأُمَّ الرَّؤومَ غَزالُها
وَقَد حَدَّثَ الرُّكبانُ أَنَّ نَوائِباً / عَرَتْ قَومَها حَتىّ تَغَيَّرَ حالُها
أَتَجزَعُ أَن تَلقَى مِنَ الدَّهرِ نَبوَةً / بِها وَلَها نَفسي وَأَهلي وَمالُها
دَعَتني بِذي الرِّمثِ الصَبابَةُ مَوهِناً
دَعَتني بِذي الرِّمثِ الصَبابَةُ مَوهِناً / فَلَبَّيتُها وَالدَّمعُ يَستَنُّ وابِلُهْ
وَلي صاحِبٌ مِن عَبدِ شَمسٍ أَبُثُّهُ / شُجوني حَليفُ المَجدِ حُلوٌ شَمائِلُهْ
فَلامَ عَلى حُبٍّ يَلُفُّ جَوانِحي / عَلى كَمَدٍ وَالشَّوقُ تَغلي مَراجِلُهْ
فَوَيلٌ عَلى صَبٍّ يُؤَرِّقُ طَرْفَهُ / سُهادٌ يُناغيهِ وَدَمعٌ يُغازِلُهْ
وَيُسلِمُهُ مَن كانَ يُصفي لَهُ الهَوى / مِنَ الحَيِّ حَتَّى أَنتَ يا سَعدُ عاذِلُهْ
بَني جُشَمٍ ردُّوا فؤاديَ إِنَّهُ
بَني جُشَمٍ ردُّوا فؤاديَ إِنَّهُ / بحيثُ الخدودُ البيضُ والأَعينُ النُّجْلُ
وإِن ضلَّ عنكم فانشدوهُ على الحِمى / فثَمَّ مكانٌ مِن فؤاديَ لا يَخلو
فإِن لَم تردوهُ أَقَمتُ لديكمُ / صَريعَ غرامٍ ما أُمِرُّ وما أَحلو
وإِن قُلتمُ هَلّا سلَوتَ ظَلمتُمُ / إِذا كانَ قَلبي عندَكم فَمتى أَسلو
بَني جُشَمٍ اللَّهَ اللَّهَ في دَمي / فطالبهُ اللَّه الَّذي قولُه الفِعلُ
وَمُرْدٌ على جُرْدٍ بأَيدٍ تَمُدُّها / إِلى الشَّرفِ الضَّخمِ الخلائفُ والرُّسْلُ
دَمٌ أُمويٌّ ليس يسكنُ فورُهُ / وما بعدَه إِلّا الفِرارُ أو القَتلُ
أَلم يَكُ في عثمانَ للناسِ عِبرَةٌ / فَلا تُرخِصوهُ ضِلَّة إِنَّه يغلو
وَلولا الهَوى سارَت إِليكم كتائبٌ / يُعضِّل مِن نجديها الحَزْنُ وَالسَّهلُ
ولم أَستَطِبْ شَمَّ العَرارِ ولا أَتى / بيَ الرَّملُ حبِّي أَهلَهُ سُقِيَ الرَّملُ