المجموع : 30
وَلا أَنسَ يَوماً عِندَ وانَةَ مَنزِلي
وَلا أَنسَ يَوماً عِندَ وانَةَ مَنزِلي / وَقَولي لِرَكبٍ رائِحينَ وَنُزَّلِ
أَقيموا عَلَينا ساعَةً نَشتَفي بِها / فَإِنّي وَمَن أَهواهُمُ في تَعَلُّلِ
فَإِن رَحَلوا ساروا بِأَيمَنِ طائِرٍ / وَإِن نَزَلوا حَلّوا بِأَخصَبِ مَنزِلِ
وَبِالشَعبِ مِن وادي قَناةٍ لَقيتُهُم / وَعَهدي بِهِم بَينَ النَقا وَالمُشَلَّلِ
يُراعونَ مَرعى العيسِ حَيثُ وَجَدنَهُ / وَلَيسَ يُراعوا قَلبَ صَبٍّ مُضَلَّلِ
فَيا حادِيَ الأَجمالِ رِفقاً عَلى فَتىً / تَراهُ لَدى التَوديعِ كاسِرَ حَنظلِ
يُخالِفُ بَينَ الراحَتَينِ عَلى الحَشا / يُسَكِّنُ قَلباً طارَ مِن صَرِّ مَحمَلِ
يَقولونَ صَبراً وَالأَسى غَيرُ صابِرٍ / فَما حيلَتي وَالصَبرُ عَنّي بِمَعزَلِ
فَلَو كانَ لي صَبرٌ وَكُنتُ بِحِكمَةٍ / لَما صَبَرَت نَفسي فَكَيفَ وَلَيسَ لي
وَغادِرَةٍ قَد غادَرَت بِغَدائِرٍ
وَغادِرَةٍ قَد غادَرَت بِغَدائِرٍ / شَبيهِ الأَفاعي مَن أَرادَ سَبيلا
سَليماً وَتَلوي لينَها فُتُذيبُهُ / وَتَترُكُهُ فَوقَ الفِراشِ عَليلا
رَمَت بِسِهامِ اللَحظِ قَوسَ حاجِبٍ / فَمِن أَيِّ شَقٍّ جِئتَ كُنتَ قَتيلا
أَلا هَل إِلى الزُهرِ الحِسانِ سَبيلُ
أَلا هَل إِلى الزُهرِ الحِسانِ سَبيلُ / وَهَل لي عَلى آثارِهِنَّ دَليلُ
وَهَل لي بِخَيماتِ اللِوى مِن مَعَرَّسٍ / وَهَل لِيَ في ظِلِّ الأَراكِ مَقيلُ
فَقالَ لِسانُ الحالِ يُخبِرُ أَنَّها / تَقولُ تَمَنَّ ما إِلَيهِ سَبيلُ
وَدادي صَحيحٌ فيكِ يا غايَةَ المُنى / وَقَلبِيَ مِن ذاكَ الوَدادِ عَليلُ
تَعالَيتَ مِن بَدرٍ عَلى القُطبِ طالِعٍ / وَلَيسَ لَهُ بَعدَ الطُلوعِ أُفولُ
فَديتُكَ يا مَن عَزَّ حُسناً وَنَخوَةً / فَلَيسَ لَهُ بَينَ الحِسانِ عَديلُ
فَرَوضُكَ مَطلولٌ وَوَردُكَ يانِعٌ / وَحُسنُكَ مَعشوقٌ عَلَيهِ قُبولُ
وَزَهرُكَ بَسّامٌ وَغُصنُكَ ناعِمٌ / تَميلُ لَهُ الأَرواحُ حَيثُ يَميلُ
وَظَرفُكَ فَتّانٌ وَطَرفُكَ صارِمٌ / بِهِ فارِسُ البَلوى عَلَيَّ يَصولُ
لنا همته إن الثريا لدونها
لنا همته إن الثريا لدونها / نعم ولنا فوق السَّماكين منزلُ
تقدمتُ سَبقاً في المكارمِ والعلى / وفي كل ما ينكي العِدى أنا أوّل
ولم ألفَ صَمصاماً بقدرِ عزائمي / ولو جمعوا الأسيافَ عزمي أفضل
كذلك جودي لا يفي الغيث والثرى / إذا كان أموالاً به حين أبذل
إذا التحم الجمعان في كومة الوغى / وكانت نزال ما عليها معوَّل
نصبتُ حساماً للردى في فِرنده / شعاعٌ له بين الفريقين فَيصلُ
له عزة لا تبتغي غيرَ كبشِهم / فليس له عن قمةِ الهامِ مَعدِل
حملتُ به لا أرهب الموتَ والردى / ولا أبتغي حمداً له النفسُ تعملُ
ولكن ليعلو الدينُ عِزَّاً وشرعُنا / إلى موضعِ عنه الطواغيت تسفلُ
أنا العربيّ الحاتميّ أخو النَّدى / لنا في العلى المجدُ القديمُ المؤثَّلُ
وكلا فمجدي ليس يُعزى إلى العلى / ألا كيف يسمو والعلى منه أسفلُ
ولما رأيت الكونَ يعلو ويسفلُ
ولما رأيت الكونَ يعلو ويسفلُ / وبينهما الأمر الإلهي ينزلُ
علمتُ بأنَّ الحقَّ سورٌ وإنه / لما ضمن الكونين فيه مفصلُ
يدّبر أمراً من سماءٍ وأرضها / وآياتُها للعالمين يفصلُ
ويعرجُ ذاك الأمر للفصل طالباً / فيعدلُ فيهم ما يشاءُ ويفصل
ولو قامَ فيهم عدلُه عشر ساعة / لأهلكهم سيفٌ من الله فَيصل
ولكنه روحُ التجاوز حاكمٌ / فيحكم فيهم حُكم مَن هو يغفل
فإهماله إمهاله عن مُصابه / ولو حقق التفتيش عنهم لزلزلوا
وعلة هذا الأمرِ أنْ ليس فاعلٌ / سواه وأنَّ الحقَّ بالحقِّ يفعل
فما كان من حمدٍ فحقُّ محقق / وما كان من ذمٍّ فحقٌ معللُ
وما ثَم إلاَّ الحقُّ ما ثَم غيره / ولكنهم قالوا محققٌ ومُبطلُ
يقولُ رسولُ الله يا رب فاحكمن / بذلكم الحق الذي كنتَ ترسل
وعلة هذا أنهم جحدوا الذي / أتتهم به أرساله وتعللوا
فزادهم وهماً وغماً وحسرةً / خلالَ الذي ظنوه ذاك التعلل
فلو أنهم لم يكذبوهم وصدَّقوا / مقالتهم فيهم لكانوا به أوَّلوا
نجاةٍ فإن الاعترافَ مقامه / إلى جانب العفو الكريم يهرولُ
لقد حكمتَ في حالهم غفلاتهم / فلولا وجودُ العفو لم تك تهمل
فيا رب عفواً فالرجاء محققٌ / وهذا الذي ما زلتَ مني تسأل
أقول وعندي انني لست قائلاً
أقول وعندي انني لست قائلاً / بنفسي ولكني أقول كما قالا
بأني ذو قول لما هو قائل / بنا ولساني عينه فيّ ما زالا
وما أنا ظرفٌ كالمكان ولا أنا / محلٌ له والميل ميلي إذا مالا
فلا تيأسي يا نفس مما نريده / فلا بدّ لي منه وإنْ طالَ ما طالا
تكشف عن عيني غطاء عمايتي / فأدركتُ ما خلفَ الحجابِ وما شالا
وأصبحتُ في يومٍ هداة أيمة / وغادرتُ أقواماً عن الحقِّ ضلالا
إذا جاءهم حق أتوا ينكرونه / فلا تضربوا لله بالفكرِ أمثالا
وإنْ كان حقاً ذلك المثلُ الذي / أتاهم به لم يعرفوا فيه أشكالا
وما كنتُ في رَيبٍ من أمر شهدتُه / وما كنتُ في زهدي وفخري مختالا
أجرِّرُ أذيالي كما قال عقبة / وما كل مختالٍ يجرِّر أذيالا
ألمتدرِ أني في الجهادِ مُقدَّم / أصيِّر وإنْ جدئناه لم ندر إهلالا
وهل تُرفع الأصوات إلا لغائبٍ / بعيدٍ وذو التقريب يهمس إجلالا
إذا كانت الآياتُ تعتاد لم يكن
إذا كانت الآياتُ تعتاد لم يكن / لها أثر في نفسِ كلِّ جهولِ
وما لم تكن تعتادُ فهي لديهمُ / إذا نظروا فيها أدلُّ دليل
وأما فحول القومِ لا فرق عندهم / لقد خصصوا منها بأقوم قيل
إذا جاءت الآيات تترى تراهمُ / سكارى لها خوفاً بكل سبيل
فسبحان من أحياهمُ واصطفاهمُ / وإنهمُ فينا أقل قليل
إذا وضع الميزان في قبةِ العدلِ
إذا وضع الميزان في قبةِ العدلِ / ترجَّح ميزان السماحةِ بالفصلِ
وإن لم يكن بالفضل فالوزنُ خاسرٌ / وإنْ كان إيثاراً بما كان مِن بذلِ
فاوّلُ حقٍّ فيه حقُّ إلهه / وحقُّ رسولِ الله ذي المجدِ والفضلِ
ومن بعدِه حقُّ المكلِّفِ نفسه / وحق فراشِ الشخصِ إنْ كان ذا أهل
وحقُّ بنيه ثم حقُّ خديمه / ومن بعده حقُّ القرابة بالعدلِ
إلى جاره الأدنى إلى أهل دينه / إلى كلِّ ذي حقٍّ ويجري على الأصلِ
لهذا الذي قد قلته وزن شرعه / وأما الذي للكل فاضربه في الكل
فيخرج كل الكل من ضرب كله / كما تخرج الأمثال من واحد المثل
فإن كان ذا فضلٍ فيوصَل فضله / وما ثَم من وصل وما ثَم من فصل
إذا ضرب الإنسان واحدَ عينه / بعينِ وجودِ الأصل لم يبدُ للمثلِ
سوى نفسِه فافهم حقيقة ضربه / فما ثَم إلا الحقُّ إذ أنت كالظلِّ
إذا سمع الله العليمُ مقالتي
إذا سمع الله العليمُ مقالتي / وأنَّ مدى أمري إليه يؤولُ
فلست أبالي من يخوض بفكره / ويزعم أني بالأمورِ جَهولُ
فيرخي عنان القولِ فيّ ويفتري / عليَّ بشيءٍ ما عليه دَليل
ويطنب في الذمِّ الذي أنا أهله / ويوسع فينا بالهوى ويقول
وإنْ كنت معصوماً فعصمة عرضنا / مُحالٌ وفرضٌ ما إليه سبيلُ
إذا جاء بالإجمال نونٌ فإنه
إذا جاء بالإجمال نونٌ فإنه / يفصِّله العلامُ بالقلمِ الأعلى
فيلقيه في اللوحِ الحفيظِ مفصِّلاً / حروفاً وأشكالاً وآياته تُتلى
وما فصل الإجمال منه بعلمه / وما كان إلا كاتباً حين ما يتلى
عليه الذي ألقاه فيه مسطر / لتبلى به أكوانه وهو لا يبلى
هو العقل حقاً حين يعقل ذاته / له الكشفُ والتحقيق بالمشهد الأجلى
أنا صاحبُ الملك الذي قال إنني
أنا صاحبُ الملك الذي قال إنني / أنا نائبٌ فيه بأصدقِ قيلِ
ولو لم يكن ملكي لما صح أن أرى / موكله والحقُّ فيه وكيلي
وعن أمرنا كانت وكالتنا له / وبرهان دعوايَ وعين دليلي
كتابٌ له حقٌ وفيه اعترافه / بما قلت فيه فالسبيلُ سبيلي
يقول بأضدادِ الأمورِ وجوده / فقد حرتُ فيه وهو خير خليل
عجبت له من غائب وهو حاضر / بتنغيذ أخبار وبعثِ رسول
إلى مَن وإنَّ العينَ عينُ وجودِه / وممن فقد حرنا فكيف وصولي
إلى منزلٍ ما فيه عينٌ غريبةٌ / ولا حيرةٌ فيها شفاءُ خليل
من اسم العزيزِ إن كنت تعقلُ
من اسم العزيزِ إن كنت تعقلُ / ومن بعدِه فتحٌ له النفسُ تعملُ
فقوموا له واستغفروا الله إنه / رحيمٌ إذا الخطَّاءُ يأتي فيسأل
يختص بالنصرِ العزيزِ مؤيّد / ويختصُّ بالنصر المشاهد مفضل
تقسم قلبي في هواه وإنه / لداء عظيم إن تحققتَ مُعضل
فرؤية علمي تغني عن عينِ ناظري / وما رؤيتي الأخرى عن العلمِ تعدلُ
فما تعطي أبصارٌ سوى شخصٍ ما رأتْ / ويعطيك عينُ القلبِ ما كنَت تجهلُ
إلا أنه المنكور من حيثُ ناظري / كما أنه المعروفُ للعقلِ فاعقلوا
وقد جاء في الأخبار هذا الذي أنا / أقول به حُكماً لمَنْ كان يعقلُ
ألا إنني مولى لمن أنا عبدُه
ألا إنني مولى لمن أنا عبدُه / فأنصره عن أمرِه وأناضلُ
وإنَّ سهامي لا تطيشُ وإنها / تصيبُ إذا التفتْ عليّ القبائلُ
أقاتلهم بالسيفِ والحجةِ التي / بها يدمغ القرن الكميِّ المنازل
إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ
إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ / إلى كلِّ ذي قلبٍ بوحيٍ مُنزَلِ
علمتُ به ما لم أكن قد علمته / وعللته بي وهو خيرُ معلل
فلولا وجودي لم يكن ثَم نازلٌ / كما أنه بي كان عينُ التنزُّلِ
وقد علمتْ أسماؤه أنّ ذاتنا / بعلمٍ صحيحٍ أنها خيرُ منزل
تخيلتُ أني سامعٌ وحيَ قولِه / فشاهدتُ من أوحى السميع لمقولي
فقلت أنا عين المقولِ فقال لي / تأمل فليس القولُ عني بمعزِل
فثبت عندي أنه القول مثلما / هو السمع فالأمران منه له ولي
وإني وإنْ كنتُ المبلغَ وحيه / إلى كل ذي سمعٍ فلستُ عرسل
ولكنني في رتبةِ القومِ وارث / بحال وعقدٍ ثم قولٌ مفصّل
وقل تابع إن شئت فالقولُ واحد / ولا تبتدع قولاً فلستُ بأفضل
به ختم الله الشرائعَ فاعلمن / ولا تعملن يا صاح في غير معمل
وما انقطع الوحي المنزلُ بعدَه / ولكن بغير الشرعِ فاعلمه واعمل
تصرَّفتِ الأرواح بيني وبينه / بشرقٍ وغربٍ في جنوبٍ وشمأل
وما أنا ممن قيَّد الحب قلبَه / بليلي ولبنى أو دخولٍ ومأسلِ
ألا إنَّ حبي مطلق الكونِ ظاهرٌ / بصورةِ مَنْ يهواه منه تخيلي
وما لي منه ما أقيده به / سوى ما شهدنا منه عند التمثل
كمريم إذ جاء البشير ممثلاً / على صورةٍ مشهودةٍ في التبعل
فألقى إليها الروح روحاً مقدّساً / يُسمى بعيسى خيرِ عبدٍ ومُرسَل
فلم أدر هل بالذاتِ كان وجودُ ما / رأيت بها أو كان عند تأمل
أنا واقف فيه إلى الآن لم أقل / بما هو إلا أنْ يقولَ فينجلي
وقلت له لا بدّ إن كنت قاطعاً / وجودي على التحقيقِ منك فأجمل
فإني ورب البيتِ لستُ من الذي / إذا قال قولاً كان فيه بمؤتل
كمثلِ ابنِ حَجرٍ حين قال بجهله / لمحبوبةٍ كانت له عند حوملِ
وإنْ كنتِ قد ساءتكِ مني خليقةٌ / فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تنسلِ
وهيهاتِ كيف السل والثوبُ واحدٌ / فممن وعيني ليس غير مؤمل
بذلتُ له جهدي على القربِ والنوى / وكانت حياتي بالمنى والتعلل
وهذا مُحالٌ أنْ يكون فإنني / حقيقة من أهواه من غير فيصل
توليت عنهم حين قالوا بأنهم / سواي فما أعطيتهم في تململي
أغرّك إقبالي بصورة مُعرضٍ / كذلك إعراضي بصورةِ مُقبل
فمكري كمر الله إنْ كنت عالماً / فمهما تشا فأمر فؤادي يفعل
أبيتُ لعز أنت فيه محقق / على كلِّ عقدٍ كان إلا تذللي
فو الله ما عزي سوى عين ذلتي / فإن شئتَ فاعلم ذاك أو شئت فاجهلِ
و و الله ما عزي سوى ذلتي التي / يكون لها فضلٌ لكلِّ موصل
كذا قال بسطامينا في شهوده / بعلمٍ صحيحٍ ما به من تحيُّل
فإنْ وصالي ليس لي بحقيقة / وإنَّ فصالي حاكم بالتوسُّل
فما لي من وصلٍ سوى ما ذكرتُه / ففقري وذلِّي فيه عينُ التوصُّل
دليلي على ما قلت في ذاك أنني / إذا جئتُ أسكنُ قيل لي قم ترحل
وما هي إلا من شؤونك رحلتي / وما الشانُ إلا غليُ قدرٍ بمرجل
فأسفله أعلاه والعلو سافلُ / فقل ما تشا واحمله في كلِّ محملِ
يسع حمله فالحالُ حالي وإنه / بريء فلا تعدل به غيرَ معدل
ونزِّه وجودَ الحقِّ عن كل حادثٍ / فإن وجودَ الحق كوني فضلل
فما علمنا بالله إلا تحيرٌ / كذا جاءنا في محكم الذكرِ واسأل
فكن عبدَ قنٍّ لا تكن عبدَ نعمةٍ / وإنْ هو ولاّك الأمورَ فلا تل
فما ثَم إلا العرضُ ما ثم فيصَلٌ / فقد أغلقَ البابُ الذي كان للولي
أراح به الأتباعَ أتباعَ رُسْله / فكم بين معلولٍ وبين معللِ
فما العلةُ الأولى سوى العلةِ التي / هي القمر العالي على كل معتلي
أنا أكرم الأسلافِ في كل مشهدٍ / أعين فيه من مُعمٍّ ومُخولِ
فوالدنا من قد علمتم وجودَه / ولم تعملوا ما هو لمنصبه العلي
وأميِّ التي ما زلتُ أذكرها لكم / من النفس العالي النزيه المكمل
بهم كنت في أهل الولاية خاتماً / فكلُّ وليّ جاء من بعدنا يلي
فيحصل فيه نائباً عن ولايتي / بذا قال أهل الكشف عن خير مرسل
كعيسى رسول الله بعد محمد / فأنزله الرحمنْ منزلةَ الولي
فيحكم فينا من شريعةِ أحمد / ويتبعه في كلِّ حكمٍ مُنزلِ
رأيت الذي قد جاء من أرضِ بابلٍ
رأيت الذي قد جاء من أرضِ بابلٍ / بعلمٍ صحيحٍ للهوى غيرِ قابلِ
فقلتُ له أهلاً وسهلاً ومَرحباً / فردَّ بتأهيلٍ على كلِّ آهلِ
ألا إنَّ شرَّ الناسِ من كان أعزبا / وإنْ كان بين الناسِ جمَّ الفضائلِ
وما في عبادِ الله من هو أعزب / فيا جاهلاً لم تخل مني بطائل
تأملْ وجودَ الأصل إذ شاء كوننا / فهل كنتَ إلا بين قولٍ وقائلِ
فقال لشيءٍ كُن فكان لحينه / عن أمر إله بالطبيعةِ فاعل
فأرضعني حولين جوداً ومنَّةً / تماماً لكي أربى على كلِّ كاملِ
فثَّنى ولم يفردْ فعمَّ وجودُنا / بحوليه جوداً كلَّ عالٍ وسافلِ
وفاطمتي ما كانت إلا طبيعتي / لآخذَ عنه العلمَ من غيرِ حائلِ
لقد فطمتني والهوى حاكمٌ لها / عليَّ بحبٍ من ثابتِ زائلِ
فما ثَمَّ إلا عاشقُ عينِ ذاته / عموماً وتخصيصاً لدى كلِّ عاقل
فلو لم يكن لي شاهدٌ غيرَ نشأتي / على الصورةِ المثلى كفاني لسائلِ
بها أقبل الأسماء منه تحققاً / ويقبل آسمائي حكومةَ عادل
إذا هو ناداني فتى فأجبتُه / به عند فصلِ واصلٍ غيرَ فاصل
لقد قسم الرحمن بيني وبينه / صلاةً على رغم الأنوفِ الأوائل
فقمت بها والعلم يشهد أنني / بها بين مفضولٍ يقومُ وفاضل
فقال وقلنا والخطوبُ كثيرةٌ / فاسمني شرّ الخطوبِ النَّوازل
وما قسمَ الرحمنُ إلا كلامه / فنحكي وما يُتلى بغير المقاتل
بذا جاء لفظُ العبدِ فيها لأنه / غيورٌ فينفي عنه جدَّ المماثل
كما جاء في الشورى وفيه تنبُّه / لكلِّ لبيبٍ في المحاضر واصل
تمنيت منه أن أفوز بقربه / فقال تمن حكمه غير حاصل
ومنْ يقتربْ منه يجد غيرَ نفسه / وليس أخو علم بأمرٍ كجاهل
ولو علمَ الرآؤون ماذا يرونه / وفيما رأوه لم يفوزوا بنائل
ولكنها الأوهام لم تخل فيهم / بأحكامها ما بين بادٍ وآفل
فيعطيك زهداً بالأفولِ ورغبةً / إذا هي تبدو ناجزاً غير آجل
تحفظ فإنَّ الوهم مدَّ شِباكه / وما يبتغي غيرَ النفوسِ الغوافل
فلا تطمعَنْ في الحبِّ فهو خديعة / أراك لتمشي في حِبالةِ حابل
لذلك كان الزهد أشرفَ حليةٍ / تحلَّى بها قلبُ الشجاعِ المناضل
حروفُ الهجا عشرتها لتكون لي
حروفُ الهجا عشرتها لتكون لي / ذخيرة خيرٍ للسعادةِ شاملَة
فضمنتها علماً وأنشأتُ صورة / مخلقة عند المحقِّق كاملَهْ
وصوَّرتها مثل الهيولى لأنها / إلى صورةِ الألفاظ بالذات قابله
فأظهرتُها للعينِ شمساً منيرةَ / على صِفة تفني الزوائدَ فاضله
تراها إذا خاطبتها بذواتها / تردُّ جوابي فهي قول وقائله
فأمنتها من كلِّ تحريفٍ لافظٍ / وآمنتها من كلِّ مكرٍ وغائله
يترجم عما في الضمير وجودها / إذا أفردت أو ركبت هي باذله
بها وحايةُ العلمِ عشرت ذاتها / هي الروح إلا أنها فيه فاصله
تقسمه تقسيمَ حرِّ ممكن / خبير بما لي فهي للخيرِ واصله
تراها على النعتين مهما تكلمتْ / بها ألسنُ ما بين حالٍ وعاطله
إذا ما أبانت فهي أعدلُ شاهد / وإنْ لم تبن كانت عن الحقِّ عادله
ولما رأيتُ الأمر يعلو ويسفل
ولما رأيتُ الأمر يعلو ويسفل / ويقضي به الحقُّ المبين ويفصلُ
تصرّفُه الأهواء أنى توجهت / فيقضي به ريحُ جنوبٍ وشمأل
تنبه قلبي عند ذاك عناية / من الله جاءته وقد كان يعقل
فو الله لولا أن في الصدق ثلمة / لما كان قلبُ العبدِ يسهو ويغفل
وقلت لقلبي ما دعاك لما أرى / فلم أدر إلا أنها تتأوّل
بحثت عن أصل الأمرِ ما أصل كونه / فلاحَ لنا في ذلك البحثِ فيصل
فأعلم أنَّ الحكم للعلم تابعٌ / كما هو للمعلومِ والأمر يجهلُ
ولما رأيتُ الحقَّ فيما ذكرته / علمت بأن الأمر جبر مفصل
وأن إله الخلقِ بالخلقِ يفصلُ / وبالخلقِِ أيضاً بالمكاره يعدل
فمن لام غيرَ النفسِ قد جار واعتدى / ومن لامها فهو الشهيد المعدّل
ولما رأيتُ الحق للخلقِ تابعا / تساوي لديَّ الخوف والأمن فاعملوا
على كشفِ هذا واعملوا بمناره / فإن به تسمو الذواتُ وتكمل
لا تعوِّل عليّ في كلِّ حال
لا تعوِّل عليّ في كلِّ حال / إنني عبدُ سيِّدٍ متعالي
حكمه الحكمُ ليس لي حكم نفسي / إن عينَ المحال في عين حالي
كلما قلت قد مضى حكم وقتٍ / جاءني مثله يريد اغتيالي
فإذا ما بحثت عنه بعقلي / لم يكن غيره فزاد خبالي
قلتُ للدهر أنت جامع أوقا / تِ شؤوني فعين فصلي اتصالي
لست أبفى عنه انفصالاً لأني / لابس من هداه عين الضلال
إن هذا هو الضلالُ فحقِّقْ / عينَ ما قد سمعته من مقالي
ما ثَم أشباهٌ ولا أمثال / الكل في تحصيله محال
حبي الذي نسبَ الوجودَ بعينه / للعقلِ في تعيينه إشكالُ
إنْ نزهتْه عقولُهم يرمي به / تشبيهُ قولٍ كله إضلالُ
حتى يعمَّ وجودُه إقرارهم / فلذاك قلتُ بإنه يحتال
فتقابلت أقواله عن نفسه / نصّاً وهذا كله إخلال
في العقل والإيمان ثبتُ عينه / متناقصاً ولذاك لا يغتال
فالمؤمنُ المعصومُ من تأويله / عند الإله فنعته الإجلال
أمّا المؤوّل فهو يعبد عقله / مع وهمه والأمر لا ينقال
نزلتُ على حصنٍ منيع مشيدِ
نزلتُ على حصنٍ منيع مشيدِ / وقد حال عما أبتغي منه حائل
لقد جدت يوماً بالقرونة منعماً / على السيفِ والأرماح والقرب نائل
تراني إذا دارت رحى الحرب ضاحكاً / وغيري إذا دارت رحى الحرب باسل
أجوع مع الةجدان من أجلِ جائعٍ
أجوع مع الةجدان من أجلِ جائعٍ / مخافة أن أنساه والله سائلي
وأطلب قرضاً اقتداء بخالقي / وأرهن فيه للتأسي غلائلي
واحفظ خلق الله دوني فإنني / على خلق الرحمن جمُّ الفضائل
وقال لنا من كان يعرف أصلنا / على ذا جرت أسلافكم في ألأوائل
فأخوالنا خولانُ والعمُّ طيء / بُناةُ العلى في كل عالٍ وسافلِ
يجودون إنعاماً على كلِّ نائل / وما الناس إلا بين مُعطٍ ونائل
بحورٌ ذوو بأسٍ صَدورٌ أئمة / فلا ما در فيهم ولا عيَّ باقلِ
يرون لمن يولونه يدَ نعمةٍ / عليهمُ هم أهل الندى والوسائل