القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مِهْيار الدَّيْلمِي الكل
المجموع : 11
إذا لم يقرِّبْ منك إلا التذلُّلُ
إذا لم يقرِّبْ منك إلا التذلُّلُ / وعزَّ فؤادٌ فهو للبعد أحملُ
سلوناك لما كنتَ أوّلَ غادرٍ / وما راعنا في الحبِّ أنكَ أوّلُ
إذا أحدُ الحِبَّين كان ممرَّضاً / فأوفى الحبيبين الذي يَتَبدّلُ
وقالت مشيبٌ والجمالُ عدوُّهُ / فقلت خضبناه فأين التجمُّلُ
سوادان لكن مؤنسٌ ومنفِّرٌ / وما منهما إلا يحولُ فينصُلُ
وساترتُها سِنَّ الكمال بِصبغةٍ / رأتها فقالت صِبغةُ الله أفضلُ
وبغَّض خدّاً بالمشيب معنبراً / إليها عِذارٌ بالشبابِ مغلَّلُ
وكان بعيني شُعلةً وهو مظلمٌ / فصار بقلبي ظلمةً وهو مُشْعَلُ
سمحتُ ببذل العيش يا حارِ بعدكم / وكنت بكتمان النصيحة أبخلُ
وبتّ أرى أن الجفاء سَجيّةٌ / لكلّ خليلٍ والوفاءَ تعمُّلُ
وحَرَّم عزُّ الموسويِّ جوانبي / على الضّيم حتى جازها ما يحلِّلُ
أحقُّ بآمالي أخو كرمٍ أرى / بعينِ يقيني عنده ما أؤمِّلُ
ولما أتاح الدهرُ لي من لقائه / بشائرَ عَجلَى بالذي أتأجَّلُ
جلا ليَ وجهاً طالعاً من أُحبُّه / ومدّ يميناً حقُّها ما تُقَبَّلُ
فقلت أمصباحٌ أم الشمس أفتقت / وهذي اليد البيضاءُ أم فاضَ جدولُ
وناشرني ودّاً شككتُ لطيبه / أفغمةُ مسكٍ أم رداءٌ ممندَلُ
أبا القاسم استمتع بها نبويَّةً / تراجَعَ عنها الناسُ فيما توغَّلوا
محاسنُ إن سارت فقد سار كوكبٌ / بذكرك أو طارت فقد طار أجدلُ
تحدَّثَ عنها الناطقون وأصبحتْ / بها العيسُ تُحدَى والسوابقُ تصهَلُ
سما للعلا قومٌ سواك فلم تُنَلْ / سماؤك حتماً إن باعك أطولُ
وأغرى الكمالُ الحاسدين بأهله / قديماً ولكن داءُ شانيك أعضلُ
ألستَ من القوم استخفّت سيوفهم / رقابَ عِداً كانت على الموت تثقُلُ
طلوبين لحَّاقين عُصْمُ يلملمٍ / تَزاورُ عن أرماحهم ثم تنزِلُ
مشت فوق أنماط الملوك جيادُهم / وباتت بأعواد الأسرَّة تُعقَلُ
غلامُكمُ في الجحفل ابنُ عَجاجةٍ / مغيِّمةٍ من دَجْنها الدمُ يهطِلُ
يعانِقُ منه الموتَ عريانَ تحتها / شجاعٌ بغير الصبر لا يتنثَّلُ
وشيخُكُم في المحفِل ابنُ مهابةٍ / يوقَّرُ عزّاً بينكم ويبجَّلُ
غَنيٌّ ببادي رأيه عنه تَلِيِّهِ / صموتٌ كمكفىٍّ قؤولٌ فيفصِلُ
وكهلُكُمُ في فتكه وانبساطه / فتىً وفتاكم في الحجا متكهِّلُ
وأنتم ولاة الدِّين أربابُ حقّهِ / مُبِينُوه في آياته وهو مشكِلُ
مساقطُ وحيِ الله في جُحُراتكم / وبينكُمُ كان الكتاب يُنزَّلُ
يذادُ عن الحوض الشقيُّ ببغضكم / ويورَدُ من أحببتموه فينهَلُ
ختمتم على حرّ الخواطر أنه / لكم ما انتهى فكرٌ وأسمح مِقوَلُ
تؤدَّى فروضُ الشعرِ ما قيل فيكُمُ / وفي الناس إما جازَكم يتنقّلُ
نحمِّسُ من آثاركم وعلاكُمُ / وننسبُ من أحلامكم ونُغزِّلُ
لك الخير ظنّي في اعتلاقك عاذري / فلا تتركنْ يا حُرُّ وعدَك يُعذَلُ
لعمري وبعضُ الرَّيثِ خيرٌ مغبّةً / ولكن حسابُ الناس لي فيك أعجلُ
تشبَّثْ بها أكرومةً فيَّ إنها / كتابٌ يوَفَّى في يديك مسجَّلُ
وصبراً مضى شهر الصيام وغودرت / مغانيه حتى الحولِ تعفو وتعطُلُ
علمتُك حرّاناً عليه وبعضُهم / بفُرقته مستبشرٌ متهلِّلُ
تعفَّفتَ فاليومان عندك واحدٌ / وأحظاهما ما كان بالدِّين يُشغَلُ
تناهت بك الأيام حتى قد اغتدى / مهنِّيك عجزاً من مداهُنَّ ينكُلُ
فوالله ما أدري هل الدهر عارفٌ / بفضلك إلهاماً أم الدهرُ يَغفُلُ
أمن كلِّ حَظٍّ قلَّ قِسمي أقلُّهُ
أمن كلِّ حَظٍّ قلَّ قِسمي أقلُّهُ / وكلِّ سبيلٍ ضلَّ قصدي أضلُّهُ
وأيّ فتى أسكنتُ قلبيَ خالصاً / هواه بقلبٍ غِشّه لي وغِلُّهُ
أقول غداً واليومُ أشبهُ من غدٍ / بما سرّني واليوم ما ساء كلُّهُ
وأُغْرَى بذمّ الدهر فيما ينوبني / وشرٌّ من الدهر المذمَّم أهلُهُ
ظواهرُ مثلُ السيف راقك جفنه ال / مُحَلَّى وإن ضاربتَ خانك نَصلُهُ
فما قائل إلا من الماء قولُهُ / ولا فاعلٌ إلا من النار فعلُهُ
نجا سالماً من قالب الحقّ غيبه / وزاد له في صحبة الناس عقلُهُ
فرابته ممّا قد تَبصَّر نفسُه / وأوحشه مما تحذَّر ظِلُّهُ
وكم صاحبٍ منهم غروراً عقدتُه / بنفسي وكفُّ الغدر عني تحُلُّهُ
تَكاثَرَ عندي وفقُه ثم خُلفُه / إلى أن تَساوَى منعُه لي وبذلُهُ
إذا لم تجد إلا أخاً قلّ نفعهُ / فكن واحداً يُسليه أن قلَّ شكلُهُ
وبِتْ راضياً بالفقر فيهم وعزِّه / إذا لم يكن إلا السؤالُ وذلُّهُ
فإنك واستدعاء نصرِك منهُمُ / كطالبِ أعمَى تائهاً يستدلُّهُ
وكم طالبٍ مدحي ليمنعَ رِفدَه / فيُهجَى فيُحيي ذكرَه الميْتَ بخلُهُ
فصاممُته أن يبلغَ الكيُّ داءَه / بحيلته أو يلبَسَ الوَسمَ غُفْلُهُ
يقولون جارَ الدهرُ قلت وهمتُمُ / يجور الذي قد كان يُعرفُ عدلُهُ
ألا بأبي المسكينَ قصَّرَ حظُّهُ / على أنَفٍ فيه وبرَّزَ فضلُهُ
يموت إباءً أن يعيش بغبطةٍ / على غيره فيها من الناس كَلُّهُ
ويعتدُّ شِبعاً مشيَهُ طاويَ الحشا / إذا كان من كسب المذلَّةِ أكلُهُ
عدمتك دهراً غامَ فوق شِراره / فوابله فيهم خصوصاً وطَلُّهُ
وهجَّرَ بالأحرارِ إلا فتًى له / فتًى من بني عبد الرحيم يُظِلُّهُ
بقيّة مجدٍ فيهمُ طاب نبتُهُ / وفرع سماحٍ فيهمُ طاب أصلُهُ
تساموا بحق طارفٍ نيل عزهُ / وفازوا بسبق تالد حيز خصلُهُ
فللعُرب عَقدُ الدِّين منهم وشدّه / وللفُرس عَقدُ الرأيِ منهم وحَلُّهُ
فما ابن عليٍّ فيهمُ إن دعوتهُ / لحادثةٍ إلا الحسامَ تَسُلُّهُ
قليل الرضا بالضيم لو بات وحدَه / بمَدرَجةِ الأعداء عزَّ محلُّهُ
ثقيل على بطن الوسادة حلمه / خفيف على ظهر المطية حملُهُ
كريمٌ لو استبطاه ظامٍ لغُلَّةٍ / تخيّلَ ماءَ البحر ما لا يَبُلُّهُ
إذا استكثر العافون فيضَ يمينهِ / جلا وجههُ عن خجلة تستقلُّهُ
أنختُ به والظلُّ عني محوَّلٌ / ونوءُ السماءِ قد تقلَّص حبلُهُ
فكان أبي الأدنَى وحالي يتيمةٌ / ورشديَ والتوفيقُ قد سُدَّ سُبلُهُ
ولكنَّ وعداً عِينَ لمّا تخازرت / على طوله زُرْقُ المِطال وشُهلُهُ
وسوَّف حتى مات عنه جريحهُ / وضاق على مأسوره فيك غلُّهُ
وشر الأيادي يهرم الوعد والأذى / بتأخيره ما شارف الحلم طفلُهُ
لعلّك بالإنجاز مالكُ رُوحه / عليه فقبلَ اليوم عنديَ مَطلُهُ
فإن يكُ أمراً أشكلَتْ طرقاتُهُ / فغيرك في أمثاله من أدُلُّهُ
وكم طمعٍ في غير نصرك طافَ بي / فما زلتُ خوف المنِّ عني أفُلُّهُ
وألقيته عن عاتقي متروِّحا / ولم أُلقِه حتى تفاوتَ ثِقلُهُ
لك الخيرُ عتبٌ من مدلٍّ حقوقُهُ / عليك تمنَّى أن سَيُقبل دلُّهُ
يُخيلُ من الأضحى مَخايِلَ مُقبلٍ / عليك به حشدُ السرور وحفلُهُ
يُطِلّ دمَ الحسّاد حولك ما جرى / دمٌ في ثوابٍ للأضاحي تطلُّهُ
طويلاً لك العمرُ الذي تستحبّه / إذا طولُ عمرِ المرء مما يَمَلُّهُ
يمرّ عليك العامُ فالعامُ سالماً / فتختمه سعداً كما تستهلُّهُ
كذا تنقضي الأيّامُ حالاً على حالِ
كذا تنقضي الأيّامُ حالاً على حالِ / وتنقرضُ الساداتُ بادٍ على تالي
ويلحَقُ أبناءُ النبيِّ أباهُمُ / على مَهَلٍ من سيرِ عمرٍ وإعجالِ
ضُحَى كلِّ يوم سالبُ من سَراتهم / بصيرَةَ عُمْيٍ أو هدايةَ ضُلَّالِ
إذا اخضرَّ فرعٌ منهم اغبرّ أصله / فصوّحَ حتى يتبعَ العاطلَ الحالي
ويا وشْكَ ما تمسى الديارُ خليّةً / إذا ذهب الباقي ولم يعد الخالي
مدارجُ تحت الأرض سوّتْ جسومَهم / وإن عَرَّجتْ أرواحهم أفْقَها العالي
سوى ما يُبَقِّي الدهرُ من بركاتهم / ضرائحَ أنوارٍ بها يسأل السالي
ولا كضريح أمس هِلْنا ترابَه / على جسدٍ باقي العلا في النَّقا بالي
على الطاهر ابن الطاهرين وإنّه / لهالةُ بدرٍ منه بل غابُ رئبالِ
بأيّةِ نفسٍ ليلةَ السبت روَّحَتْ / يدُ الموت لم تنقد لها قودَ أخلالِ
تباشرتِ الأملاك ليلاً بقربه / وأصبح منها في قبيلٍ وفي آلِ
سُقِينا به ميْتا كما كان جاهُهُ / لدى الله حيّاً عام جدبٍ وإمحالِ
فلله نفس كان وقت ارتفاعها / إلى الله والغيثُ المنزّلُ في حالِ
لئن بايعتنا المزنُ رُوحاً برُوحه / لقد غَبَنَتْناهُ من الثمن الغالي
قُنوطاً بني الحاجات إن نجاحها / بلا كافلٍ بعدَ الحسين ولا والي
أجِمّوا المطايا إنه عامُ قِعدةٍ / وفي غِيَرِ الأحوالِ تغييرُ أحوالِ
قفوا فانفضوا أذوادَكم حولَ قبرهِ / فلا حظَّ في حَطٍّ عَداه وترَحالِ
مضى من يخاف العتبَ وهو بنجوةٍ / ويرعَى مصوناً سُبّة القيلِ والقالِ
ومن بحرهُ طامٍ ويُروَى تعلُّلا / ببلِّ اللَّهاةِ من نطافٍ وأوشالِ
أبا أحمدٍ عوّدتني أن تُجيبني / فما وجهُ إعراضٍ زَوَى وجهَ إقبالِ
بكيتك لليوم الشريق بنقعه / وما رشَّ فيه الطعنُ من دمِ أوصالِ
وللسيفِ لم يعدَمْ مَضاءً وزينةً / بنصلٍ وجفنٍ جهدَ قيْنٍ ولا جالي
عُدِمْتَ فلم يظفَرْ بعاتق حاملٍ / يفرِّقُ حيناً بين شَنْفٍ وخَلخالِ
وللرمح فات الرمحُ بعدك أن يرى / شمائلَ عطّافٍ مع الطعن مياّلِ
وللسابق المنقول من ظهر لاحقٍ / إلى سبعة مما تنخّلها الفالي
حَمَى ظهرَه العالي نزولُك أن يُرى / مقاماً لراجٍ أو مفازاً لجَوّالِ
به نفرةٌ من سَرجه ولجامه / لفقدك مع لينٍ لديه وإسهالِ
وعمياء من طُرْقِ الحِجاج تلجلجتْ / بأصواتِ خُطّابٍ وأفواه نُقّالِ
توسّعت مع ضيق الخصام بفلجها / وأوضحت منها كلَّ لَبْسٍ وإشكالِ
وللأَرض يحيا تُربُها وهو ميِّتٌ / وإن لم يَجُدها صوبُ أسحمَ هطّالِ
بمالك أو يغنى بفقرك ربعُها / على قفره أو يَنْعَم الطللُ البالي
وللّيلة الظلماء قمتَ سراجَها / على رِجْلِ قوّالٍ مع الله عمّالِ
وبيت صلاةٍ شدتَه فوقفته / على دعواتٍ صالحاتٍ وأعمالِ
وللطارق المعترِّ إن لمَّ طارقا / تجاوده في النفس والأهل والمالِ
لَجَا مستضيفاً كلَّ بيتٍ يظنّه / فلا سامرٌ ولا نُباحٌ ولا صالي
إلى أن أراه اللهُ نارَك فاهتدى / على ضلّةٍ أُكرمتَ يا مُوقدَ الضَّالِ
على كلّ مأمولٍ سلامي فإنني / يئستُ وماتت يومَ موتك آمالي
لمن تَمخُضُ الأشعارُ بعدك زُبدةً / وتجمع بين الحاءِ والميم والدالِ
وَفَى بالجوى قلبي وقصَّر منطقي / فأكثرُ قولي فيك أيسرُ أفعالي
وإنك لو تسطيع منّاً ومُنَّةً / لداويت أوجاعي وداريت أوجالي
إذاً لحملتَ الحزنَ عني بكاهلٍ / ضعيفٍ على ما اعتاد من حمل أثقالي
يقولون تخفيفاً لحزني مُعمَّرٌ / نجا مِئَةً أو كاد مطلعَها العالي
وذاك عزاءٌ عنك لو يعقلونه / أمدُّ لدمعي بل أشدُّ لإعوالي
بقدرِ بقاءِ المرء قدرُ الأسى له / وذكرُ نعيمٍ دام لي بك أشقى لي
وما دُهِيَ الإنسانُ فيمن يحبُّه / بفقدٍ كأخذٍ جاء من طول إمهالِ
رثاك نسيبٌ ودّه ولاؤه / مُحِقٌّ إذا زُنَّ القصيُّ بإبطالِ
ومولاكُمُ فيكم على ما شرطتمُ / وإن بان عنكم في عُمومٍ وأخوالِ
فيا ليت لا يعدَمْ وفودُك عادةً / بشِبليْك من عطفٍ عليهم وإسبالِ
فما مات من عاشا لسدّ مكانِهِ / ولا حضرا وموضعٌ منك بالخالي
وما غادَيا أو راوحاك زيارةً / نراك بها مستبشرا ناعمَ البالِ
ولو ما أغبّاك الطُّروقَ كفتهما / خلافة جبريلٍ عليك وميكالِ
أروم الوفاءَ الصعبَ بالمطلبِ السهلِ
أروم الوفاءَ الصعبَ بالمطلبِ السهلِ / وأرتاد جود الحبِّ في منبِتِ البخلِ
وآمنُ خوّانَ الضّمان وأقتضى / ديونيَ مقتولَ المواعيد بالمطِل
إلى كم وفي صبري على هجركم دمي / أُعينكُمُ يا هاجرين على قتلي
فطنتُ فلا قلبي يقرُّ على الأذى / إباءً ولا عيني تنام على الذلِّ
متى سَقَتِ العينُ الربوعَ فلا تزل / ربوعكُمُ من بخل جفنيَ في محلِ
أأستاق بالبيداء جسما أُرِثُّه / وأُبلي وقلبي مستعار بلا شغلِ
وأحلوا ولي بين الضلوع مرارةٌ / لصماءَ منكم لا تُمِرُّ ولا تُحلي
وأترك في بغدادَ من لايبيعني / بمال ولا يرتاح دوني إلى أهلِ
غدرتم وقد ترقا دموعٌ كما جرت / ويبرُدُ شوقٌ نافرٌ بعد ما يغلي
ومال وفخرُ الملك جاريَ نصره / بنفس كنفسي لا أضنّ ولا أُغلي
وعلَّم عزّاً كلَّ قلبٍ ووسَّمت / يداه ببسط الجود كلَّ يدٍ غُفْلِ
رأي غير معقول على الغيب رأيه / وجاد فخيط المزن ليس بمنحلِّ
وأعجز قولَ السائلين نوالهُ / وإن كان حظِّي منه يمشي على مهْلِ
أرى عارضاً قد طَبق الأرضَ ماؤه / وعمّ وربعي منه ليس بمبتلِّ
وجارين لو مسُّوا غباري تجمّلوا / وقد وصَلوا بعدي وقد وُصِلوا قبلي
ولم أُغنِ عنهم غير من طال نبته / وطاب ولم أذهب إلى نابت البقلِ
أتوسَع قدّامي وحاش قياسكم / خُطَى قدَمٍ لو قد حذت ما حذت نعلي
وأُلقَى ضَياعاً لا لساني ولا يدي / ببسط وقبض لا لعقدٍ ولا حلِّ
شرائط نعما كم وإحسان جودكم / ترى جذبكم ضَبْعي وحملَكُمُ ثقلي
فإنكمُ لو تنفُضون عِيابَكم / لعزَّ على التفتيش أن تجدوا مثلي
فلا تحملوا سرَّ الأمور وغيبها / على ظاهرٍ تحت القناعة مختلِّ
وكم من حسام قاطع بفلوله / وآخرَ نابٍ بالطلاوة والصقلِ
ومنتخبات إن دهَى الشعرَ هجنةُ ال / أبوّة راحت وهي مخبورةُ الأصلِ
إذا ما رأيتَ النجم منها مشرقاً / شهدتَ ولم ينسُب أباً أنه نجلي
خدمتُ قريباً قائماً فمشافهاً / بها وبعيداً قبلُ بالكتْب والرسْلِ
فلم أحظَ من إحسانها واحتوائها / على كلّ معنى دقّ أو منطق فصلِ
وهل نافعي يوما وحظّيَ قاعدٌ / إذا نهضتْ بي همّتي أو سعت رجلي
ولمّا مننتم بالندى فعطفتمُ / عليّ وأعلقتم بمعروفكم حبلي
حماني نداكم صفوَه وحلالَه / خبيثُ اللسان دونكم كدرُ الفعلِ
إذا مضغ الأعراضَ كان عدوُّه / ومولاه في فيه خليقين بالأكلِ
أأعذُله هيهاتَ أظلمه إذن / ومن لم ير الإحسانَ لم يُصغ للعذلِ
أمانيُّ لي فيكم أمات نشاطَها / فلا كان من قبل الأمانيِّ في حِلِّ
وما والذي أحيا بك الجودَ بعدما / لها الناسُ عنه واطمأنّوا إلى الثُكل
جزعتُ لوفر أخطأتني سماؤه / وصابت بطَلٍّ أرضَ غيريَ أو وبلِ
فإني على عضّ الزمان وحمله / صليبُ قناة الصبر جَلْدٌ على الثّقلِ
أحبّ الجدا يأتي جميلا منوِّهاً / وأقلى الغنى المجنوبَ في رسن الذلِّ
ولكن يظنّ الناسُ أنك مانعي / لزهدك في مدحي وشكِّك في فضلي
ويقضون فيّ أنّني غيرُ موضعٍ / بطرحك أمري للصنيع ولاأهلِ
ومن كان في أيّام ملكك خاملا / ففي أي ملكٍ يستريش ويستعلي
نحلنا ملوكاً قبلك المدحَ فانتفت / خلائقُ غِشٍّ لن تصحّ على النَّحلِ
وكنّا حُلَى دولاتهم فتضاءلتْ / على الطوق عُنْقٌ عُوِّدتْ حَلَقَ الغُلِّ
فما استعذبوا طعم الثناء ولا رأوا / مفارقةً بين السماحة والبخلِ
ولا فطنوا أن يجسلوا ووفودُهم / يميسون في الألطاف منهم وفي الفضل
فسوّوا بحكم اللؤم في المنع بيننا / وعمّوا كما سوّيت في الجود والبذل
عُلاً عشيت أيامُهم من شُعاعها / فمرّوا وخلُّوها لأياّمكَ النُّجلِ
نشرتَ أساطير الكرام فشوهدت / أخابيرُ كانت تستراب مع النقلِ
فأحييتهم بالجود ثم فضحتهم / بفضلٍ وكانوا من جنابك في قتلِ
أبِنِّي ونوِّهْ بي فربَّ صنيعةٍ / زكا لك فرعاها ولم تشق بالأصلِ
بقيتَ بلا بَعدٍ تراعي انتظارَه / كما أنت إن عُدّ الملوكُ بلا قبلِ
يَعُدُّ لك الأعيادَ متصلُّ العرى / من العمر منظومُ العلائق في الشملِ
مدى الدهر ما لبَّوا فطافوا فحلّلوا / عن البُدنِ يومَ النحر مثنيّةَ العُقْلِ
وما نسلوا للنفر داعين من منى / رعى الله فخرَ الملك للحرثِ والنسلِ
تمُدّ بحبلٍ غيرِ منتقض القُوَى / وتسكن عزّاً غيرَ منتقلِ الظلِّ
تمنَّى رجالٌ أن تزلَّ بِيَ النعلُ
تمنَّى رجالٌ أن تزلَّ بِيَ النعلُ / ولم تمش في مجدٍ بمثلي لهم رِجلُ
وعابوا على هجرِ المطامع عفّتي / ولَلْهجرُ خيرٌ حين يزري بك الوصلُ
وسمَّوا إبايَ الضيمَ كِبراً ولا أرى / حطيطةَ نفسي وهي تنهض أن تعلو
لئن أكلوا بالغيب لحمي فربما / حضَرتُ فخان المضغ واستُؤْنِيَ الأكلُ
وكم دونهم لي من خلائقَ مُرّةٍ / إذا أنصفوها استثمروها جنىً يحلو
يقولون طامن بعضَ ما أنت شامخ / بنفسك إنّ الرُّخصَ غايةَ ما يغلو
إذا كان عزّي طارداً عنّيَ الغنى / فلله فقرٌ لا يجاوره الذلُّ
عليَّ اجتناءُ الفضل من شجراته / ولا ذنبَ إن لم يجنِ حظّاً ليَ الفضلُ
خُلقتُ وحيدا في ثيابِ نزاهتي / غريباً وأهلُ الأرض لو شئتُ لي أهلُ
وفي الناس مثلي مقترون وإنما / أزاد جوىً أن ليس في الفضل لي مثلُ
خفيتُ وقد أوضحتُ نهجَ شواكلٍ / تريد عيوناً وهي للعلم بي سبلُ
وعَلّقتُ بالأسماع كلَّ غريبةٍ / بأمثالها لم تُفترَعْ أذُنٌ قبلُ
ولم آلُ في إفهامهم أين موضعي / ولكنّهم دقّوا عن الفهم أو قلّوا
يريدونني أن أشرِيَ المالَ سائلا / بعرضي وطيبُ الفرع أن يُحفظ الأصلُ
ويقبحُ عندي والفتى حيثُ نفسُه / سؤالُ البخيل مثلما يقبحُ البخلُ
ولي منه إما المنع والعذرُ بعده / يُلفَّقُ مكذوباً أو المنُّ والبذلُ
أرى الحلمَ أدواني وعوفِيَ جاهلٌ / وما العيشُ إلا ما رمى دونه الجهلُ
صعُبتُ فلو ما كان شيء يردّني / إلى السهل ردّتني له الأعينُ النُّجلُ
ويا قلَّما أُعطي الهوى فضلَ مِقودِي / فإن أعتلقْ حبّاً فيا قلَّما أسلو
وكم تحت درعي باللوي من جراحةٍ / لعَجماءَ ما فيها قَصاصٌ ولا عَقْلُ
وهيفاءَ يَروِي الخَوطُ عنها اهتزازَه / ويسرِقُ من ألحاظها لونَه الكُحلُ
أشارت وحولي في الظعائن أعينٌ / محاجرها غيظٌ وأفئدة غِلُّ
تخفَّفْ بفيض الدمع من ثِقَل الجوى / تجدْ راحةً إن الدموع هي الثّقلُ
أخوّفها بالخَيفِ ها إنّ دارنا / حرامٌ فمن أفتاكِ أن دمي حِلُّ
دعيني أعش قالت دع الوجد بي إذن / فقلت لها أقررتِ أن الهوى قتلُ
وواشٍ بها لم تخدَع الشوقَ كامناً / رُقاهُ ولم يُخصَم بإغوائه الخبلُ
تحَّبب في عذلي ليُبردَ لوعتي / فبغَّضه أن الهوى جمره العذُل
يلوم وسوَّى عندَه الناسَ ظنُّه / تَبيَّنْ على مَن لمتني إنها جُمْلُ
يجرِّب دهري كيف صبري وإنما / يجرَّبُ ما لم يُختَبَرْ حدُّهُ النصلُ
تبلَّغْ ببعض الرزق إن عزَّ كلُّه / وتُوصَلُ رُمّات فيُبلغك الحبلُ
ولولا الفضولُ لم تكن غيرُ حاجةٍ / اذا الكُثرُ لم يسنح لها سدّها القُلُّ
وَكُنتُ متى استصرختُ نُصرةَ صاحبٍ / على ساعةٍ لا يرتجِي غيثها المحلُ
كفتني يداه في الندى كلَّ طلقةٍ / مقبَّلةٍ على مكارمها كَلُّ
وأرفد ظهري أن تشلّ جوانبي / أخٌ ما أخى منه لظهرِ أبي نسلُ
أخ لاحمت بيني الشُّكول وبينه / لكل فتى من نسج شيمته شكلُ
ذهبنا بها حيث الصفاء ولم نكن / لنذهبَ فيها حيث يرسلنا الأصلُ
أذَمَّ ابن أيّوبٍ على ما عقدتُهُ / به من جوارٍ ذمَّةً ليس تنحلُّ
على اليسر والإعسار كيف احتلبتُهُ / ملأتُ وِطابي ثم أخلافُه حَفْلُ
ضمانٌ عليه أنّ عيني قريرةٌ / تنام وقلبي من وساوسه يخلو
سليم الوفاء أملسُ العرض لو مشى / ليدرُج في أحسابه ما مشى النملُ
مفدّىً بأفراد الرجال مفضّلٌ / لمطريه من آثاره شاهدٌ عدلُ
كأنّ فتِيَّ الأقحوانِ على الندى / يشاب بمسكٍ خلقُه الباردُ السهلُ
بَليلُ البنانِ يقبِض التربَ يابساً / ويَفرِجُ عنه وهو أخضرُ مبتلُّ
كأنّ سجاياه ونُجح عداته / خُلقن ولم يُخلَقْ نفاقٌ ولا مطلُ
من القوم لم يستنزلوا عن علائهم / ولم تُغتصبْ منهم دِياتٌ ولا ذَحلُ
اذا فُزِّعوا طاروا نفيراً فأكثروا / عديداً وإن نودوا لمطعمةٍ قلّوا
نديُّهمُ وهُمْ جميعٌ موقَّرٌ / ويوم الخصام صوتُ فذّهِمُ يعلو
ولا ينطقون الهُجر إن أُحرجوا له / بأحلامهم عن فُحش أقوالهم فضلُ
يروض الجيادَ والقراطيسَ منهمُ / فوارسُ لا مِيلُ السروج ولا عُزلُ
إذا طاعنوا كان الطعانُ بلاغةً / وان كاتبوا كان الكتابُ هو القتلُ
تُكهِّلُ أبناءَ الرجال سِنوهُمُ / وطفلهُمُ ما عَدَّ من سَنةٍ كهلُ
علقتُك من دهري عُلوقَ مجرِّبٍ / تعوَّد لا يغلو هوىً دون أن يبلو
وأوجبَ نذري فيك أن صار بالغاً / تجمعنا ما تبلغ الكتب والرسلُ
فراقٌ جنى ثم ارعوى فتفرَّقتْ / غيايتُهُ وانضمّ من بعده الشملُ
جرى الماءُ لي مذ أبتَ بعد جفونه / وعاد كثيفاً بعد ما انتقلَ الظلُّ
فإن أنا لم أشكر زمانِيَ بالذي / شكوتُ فلا عهدٌ لديَّ ولا إلُّ
وإنّ اليد البيضاء في عُنق الفتى / اذا هو لم يَجزِ الثناءَ بها غُلُّ
وإنْ لم أعوِّذ ودَّنا بتمائم / لإيثاقها في عَقدِ كلِّ نوىً حَلُّ
نوافذ مالا ينفُذ السحرُ والرُّقىَ / قواطع مالا يقطع السيلُ والرملُ
ترى العرضَ منها ذا فرائدَ حالياً / ولو أنه عُريانُ من شرفٍ عُطْلُ
بداوتُها تستصحب الجِدَّ كلَّه / وحاضرها طبعٌ يُرى أنه الهزلُ
تزورك منها كلَّ يوم هديّةً / هدِيٌّ متى تَعدَمْ فليس لها بَعلُ
ألا صاحبٌ كالسيفِ حلوٌ شمائلُهْ
ألا صاحبٌ كالسيفِ حلوٌ شمائلُهْ / رداءُ الهوى مثلي على الشيبِ شاملُهْ
أخو عزمةٍ أو صبوةٍ عَربيّة / أحامسُه شكوى الجوى وأغازلُهْ
معي أين مالت بي من الأرض حاجةٌ / أعطِّفُه حتى كأنّي مفاصلُهْ
أضنّ به ما ضنّ جفني بمقلتي / فلا أنا مهديه ولا أنا باذلُهْ
خليليَّ هل من نظرةٍ ترجعانها / إلى روح نجدٍ هل تخضَّر ذابلُهْ
وهل رشأ بالبانتين عهدته / على ما افترقنا لِيتُه وأياطلُهْ
رمَى يومَ سلعٍ والقلوبُ حوائدٌ / فما رام حتى أثبتَ السهمَ نابلُهْ
هربتُ بلبيّ أتّقى سحرَ لفظهِ / ولم أدر أنّ السحرَ عيناه بابلُهْ
رأى مهجتي مرعىً وعينيّ مشرباً / فلم يُغنه ماءُ النّخيل وباقِلُهْ
أساهر ليلاً بالغضا كلّما انقضت / أواخره كرّتْ عليَّ أوائلُهْ
كأنّ الدجى بُرد تعاقد هدبُه / برضوى يمادي عمرَه ويطاولُهْ
رفعت لحاظي والظلامُ يصدُّها / لحيٍّ بسلمَى أين زالت زوائلُهْ
كأنّ خِلاطَ البين بين حُمولهم / لواعجُ قلبي بعدهم وبلابلُهْ
وخلفَ سجوف الرقمِ بَيْض أكنَّةٍ / تكنّفه من جنب سلمى طلائلُهْ
حمتهُ الرماحُ والحصانة أن تُرى / مَصاونه أو أن ترام مَباذلُهْ
وأغيد أعياه سوارٌ يُغِصّه / بخضبِ يديه أو حِقابٌ يجاولُهْ
حفِظتُ الذي استودعتُ من سرّ حبّه / وهاجرته بغياً وقلبي مواصلُهْ
فما زال طرفي في الهوى وسفاهه / بحُلمِ فمي حتى علا الحقَّ باطلُهْ
عَذيريَ من دنياي فيما ترومه / على عفّتي من بذلتي وتحاولُهْ
تكلّفني أطماعُها تركَ شيمتي / لشيمتها والطبعُ يتعبُ ناقلُهْ
كفى شربتَيْ يومي رواحُ حلوبةٍ / عليّ وشَاءُ الحيّ دَثْرٌ وجاملُهْ
أرى المرء لا يُضويه ما ردّ وجهَهُ / مصوناً ولا يُعييه ما هو باذلُهْ
وما الحرصُ إلا فَضلةٌ لو نبذتها / لما فاتك الزادُ الذي أنت آكلُهْ
ومن غالب الأيامَ كان صريعةً / لجانب قِرنٍ لا يضعضَع كاهلُهْ
يصيب الفتى بالرأي ما شاء حظَّه / وما جرت الأقدارُ وهي تنازلُهْ
يداوي بصيراً كلَّ داءٍ يصيبه / ويعمى عن الداء الذي هو قاتلُهْ
فما لي وفي الأحرار بعدُ بقيّةٌ / تصافح كفّي كفَّ من لا أشاكلُهْ
إذا ما ابن عبد الله صحَّ وفاؤه / كفاني الطلابَ ودُّه لي ونائلُهْ
فما غام خطبٌ وجهُ أحمدَ شمسُهُ / ولا جفَّ عامٌ كفُّ أحمدَ وابلُهْ
كريمٌ جرى والبحرَ شوطاً إلى الندى / فعاد بفضل السبق والبحرُ ساحلُهْ
يُصدَّقُ ما قال الرواة فأسرفوا / عن الكرماء بعضُ ما هو فاعلُهْ
لعاذله حقٌّ على من يزوره / لكثرةِ ما يُغريه بالجود عاذلُهْ
كأنّ الندى دينٌ له كلّما انقضت / فرائضُه عنه تلتها نوافلُهْ
يلوم على إنفاقه كُثر ماله / فمن لك أن تَبقى عليه قلائلُهْ
ترى مجدَه الشفَّافَ من تحت بِشرِه / إذا الخير دلّتنا عليه دلائلُهْ
كأنّ قناعَ الشمس فوق جبينه / ومنكبَ رضوَى ما تضمّ سرابلُهْ
مَديدُ نجادِ السيف إن هو لم يُطلْ / إذا قام قِيدَ الرمح وهو يعادلُهْ
قليل رقاد العين إلا تعلَّةً / لماماً كأنّ الليلَ بالنوم كاحلُهْ
إذا عجَّ ظهرٌ مثقلٌ فهو عامدٌ / لأثقلَ ما حمّلتَهُ فهو حاملُهْ
فإن نزل الخطبُ الغريبُ تطلَّعتْ / له من خَصاصاتِ الذكاء شواكلُهْ
حَمَى الملكَ والذؤبانُ فوضى تنوشُه / تخاتله عن سَرْحِهِ وتعاسلُهْ
ولبَّى وقد ناداه يا ناصرَ العلا / على فترةٍ فيها أخو المرء خاذلُهْ
رمى خَلَلَ الآفاق منه بسَدّةٍ / إذا وُزنتْ بالدهر شالت مثاقلُهْ
فيوماه عنه يومُ قِرنٍ يحاولُهْ / فيُرديه أو خَصمٌ ألدُّ يجادلُهْ
إذا الدولة استذرت بأيام عزّها / فما هي إلا رايه ومناصلُهْ
ولم يكُ كالمُدلِي بحرمةِ غيرِهِ / ولا من أنالته العلاءَ وسائلُهْ
غريباً على النعماء والخفضِ وجهُه / وناطقة بالعجز عنه مخايلُهْ
ولكنَّه البدرُ الذي ما خبت له ال / كواكبُ حتى بَيَّضَ الأفْقَ كاملُهْ
هو الراكب الدهماءَ تمشي بظهرها / على جَدَدٍ لا يحسد الركبَ راجلُهْ
عريضِ النياط لا يثور ترابه / بخُفٍّ ولا تُحفِي المطايا جنادلُهْ
أمين الظمى لا تعرف العيسُ خِمسَهُ / ببَلٍّ إذا ثارت عليه قساطلُهْ
لزاجر أعجازِ السوابق فوقه / يقاومه طوراً وطوراً يمايلُهْ
وتحسبه يهوِي ليُفضِي بسرّه / إلى جالسٍ ما إن يزال يزاملُهْ
أمينٌ بسرّي أو مؤدٍّ تحيَّتي / ومن يحمل السرّ الذي أنا حاملُهْ
لعلَّ الذي حُمِّلتُ من شوق أحمدٍ / يخف بأن تُشكَى إليه دواخلُهْ
عهدتُ فؤادي أصمعاً لا يخونُني / وصدري متيناً لا ترِثُّ حبائلُهْ
فما بال قلبي يستكين لهذه / وجأشِيَ قد جالت عليَّ جوائلُهْ
وأوْلى الهوى إن يستخفَّكَ ثقلُهُ / هوىً لم يُجرَّب قبلَه ما يماثلُهْ
وقبلكُمُ ما خفتُ أن تسترقَّني / مياهٌ عن الماء الذي أنا ناهلُهْ
ولا أنّ ربعاً بالصَليقِ تشوقني / على بغضها أوطانُهُ ومنازلُهْ
ولكن أبَى الفضلُ المفرّع منكُمُ / على الناس إلا أن يخيّلَ خائلُهُ
جزى الله يوماً ضَمَّ شملي إليكُمُ / صلاحاً وأعطاه الذي هو سائلُهْ
فما كنتُمُ إلا سحاباً رجوته / لبلِّ فمي فعمَّمتني هواطلُهْ
ويا طيبَ ما استعجلتُ كُتْبَ ودادِكم / لو انّي ببعدٍ لم يَرُعْنِيَ آجلُهْ
بلغتُ بكم غيظَ الزمان وفيكُمُ / وأكثرُ مّما نلت ما أنا آملُهْ
فهل أنتَ يابن الخير راعٍ على النوى / أخاً لك لم تشغَلْه عنك شواغلُهْ
نعم عهدك العَقْد الذي لا تحلّهُ / يدُ الغدرِ والحبلُ الذي لا تساحلُهْ
وأنك قد أحرزتَ منّي مهنَّداً / يروق وإن رثَّتْ عليه حمائلُهْ
وعذراءَ من سرّ الفصاحة بيتُها / طويل العمادِ متعِبٌ من يطاولُهْ
لها نسَبٌ في الشعر كالفَجر في الدُّجى / متى تُظلِمِ الأنسابُ تُرفَعْ مشاعلُهْ
أبوها شريفُ الفكرِ والفخرُ كلُّه / إصابتُها صِهراً كأَنتَ تباعلُهْ
أتاك بها النيروزُ مني هديّةً / فلله ما أرسلتُ أو من أراسلُهْ
إذا برزتْ في زِيّ فارس قومِها / فحِلْيتها تيجانُه وأكالِلُهْ
فعش يُعجز الأقوامَ ما أنت فاعلٌ / كما يعجز الأقوالَ ما أنا قائلُهْ
وأفضل ما مُلِّكتُه صفوُ خاطري / وها أنا مهديهِ فهل أنت قابلُهْ
ومكنونةٍ بين الخدور أقامها
ومكنونةٍ بين الخدور أقامها / هواي ونُصحي حالتين على رِجلِ
قديمةِ عهدِ العمر تُطمَثُ عانساً / فإن ولدت منّي فتىً ولدتْ مثلي
لها أخواتٌ في البلاد كثيرةٌ / ووالدها في الدهر منقطع النسلِ
تقصُّ علَيَّ الحقَّ ما حضَرتْ معي / ولا تصدقُ الإخبارَ بعدي ولا قبلي
لَمِنْ طالعاتٌ في السراب أُفُولُ
لَمِنْ طالعاتٌ في السراب أُفُولُ / يقوِّمها الحادونَ وهي تميلُ
نواصلُ من جَوٍّ خوائضُ مثلِهِ / صُعودٌ على حكم الزمان نُزُولُ
هواها وراءٌ والسُرى من أمامها / فهنَّ صحيحاتُ النواظر حُولُ
تضاغَى وفي فرط التضاغي صَبابةٌ / وترغو وفي طول الرُّغاء غليلُ
تُرادُ على نجدٍ ويجذِبُ شوقَها / مَظَلٌّ عِراقيُّ الثرى ومَقيلُ
وما جَهِلتْ أنّ الحِجاز معيشةٌ / وروضٌ يربّيه الحيا وقَبولُ
ولكن سحراً بابِلِيّاً عقودُه / تُحلَّلُ ألبابٌ بها وعقول
نجائبُ إن ضلَّ الحِمامُ طريقَه / إلى أنفسِ العشّاقِ فهي دليلُ
حَملنَ وجوهاً في الخدورِ أعزّةً / وكلُّ عزيز يومَ رُحْنَ ذليلُ
قسمنَ العقولَ في الستور بأعينٍ / قواتلَ لا يُودَى لهنّ قتيلُ
وفيهنّ حاجاتٌ ودَيْنٌ غريمُهُ / مليٌّ ولكنَّ الملِيَّ مَطُولُ
يخفّ على أهل القِباب قضاؤها / لنا وهْي مَنٌّ في الرقابِ ثقيلُ
أبَى الربعُ بالبيضاء إلا تنكُّراً / وقد تُعرَفُ الآثارُ وهي محُولُ
ولمّا وقفنا بالديار تشابهتْ / جسومٌ براهنَّ البِلى وطلولُ
فباكٍ بداءٍ بين جنبيه عارفٌ / وباكٍ بما جرّ الفراقُ جهولُ
ونسأل عن ظمياء إلا يراعةً / تميلُ مع الأرواح حيث تميلُ
ويُعجِبُنا منها بزُخْرفَة الكرى / دنوٌّ إلى طولِ البعاد يؤولُ
فإن كان سُؤلاً للنفوس بلاؤها / فإنكِ للبلوى وإنكِ سُولُ
تهجَّر واشٍ فيكِ عندي فساءني / فقلتُ عدوٌّ أنتَ قال عذولُ
وسفّهني في أن تعلّقتُ مانعاً / فقلت وهل في الغانيات منيلُ
إذا لم تكن حسناءُ إلا بخيلةً / فلا عجبٌ في أن يُحَبَّ بخيلُ
وقبلكِ رضتُ الودَّ وهو مماكسٌ / وصافحتُ بالأبصار وهو جزيلُ
وأتعبني المحفوظُ وهو مضيِّعٌ / لعهدِيَ والمألوفُ وهو ملولُ
وقلَّبتُ أبناءَ الزمان مجرِّباً / فكانوا كثيراً والصديقُ قليلُ
ولم أرَ كالأقسامِ أفسقَ سيرةً / وأجورَ بين الناس وهي عدُولُ
ولا كاتّباع الحِرصِ للمرء خَلَّةً / يدِقُّ عليها العِرضُ وهو جليلُ
وقد زعموا أنّ العفافَ غميزةٌ / وأن التراخي في الطِّلابِ نُكولُ
وأنّ السؤال يسرةٌ ونباهةٌ / وكلُّ انتباهٍ بالسؤال خُمولُ
إذا كفَّك الميسورُ والعِرضُ وافرٌ / فكلّ الذي فوق الكَفافِ فُضولُ
ولكنَّ مجداً فضلُ سعيك للعلا / تَطوَّفُ في إحرازها وتجولُ
وأن تخبط الغبراءَ ضرباً وراءها / فتُعرِضُ في آفاقها وتُطيلُ
بغَى شرفُ الدين السماءَ فنالها / بعزمٍ على سقف السماء يطولُ
وخُوِّل أعناقَ المطيّ فَساقَها / وراءَ التي يسمو بها ويصولُ
له كلَّ يومٍ والرياحُ ظوالعٌ / مُناخٌ إلى أمرِ العلا ورحيلُ
نفى الضيمَ عنه أنفُ غضبانَ ثائرٍ / يخِفُّ وقَسْطُ الحادثات ثقيلُ
ورأيٌ يودّ السيفُ لو شافَه الطُّلى / به وهو مطرور الغرار صقيلُ
إذا همَّ فالبحرُ العميقُ مَخاضةٌ / تَوَشَّلُ والأرضُ العريضةُ ميلُ
تحمَّلَ عِبءَ المجد فاشتدَّ كاهلٌ / قويُّ على عضِّ الرحال حَمولُ
وأنصفَ أحكام السيادةِ ناشئاً / وقد غدرتْ شِيبٌ بها وكهولُ
فتًى صُحْفُه في النازلاتِ دُروعُهُ / وأقلامُه فيها قناً ونُصولُ
تَشُلُّ العدا حتى يقالَ كتائبٌ / وتحوِي المدى حتى يقال خُيولُ
وإن شهِدَ اليومَ القَطوبَ تهلَّلتْ / قسائمُ وجهٍ كلُّهن قَبولُ
يَضِحْنَ إذا الأوضاحُ بالنقع أَبْهمَتْ / ويبسِمنَ أمْناً والنفوسُ تسيلُ
وفارقها صُلْبُ العصا لم يُرَعْ له / جَنانٌ ولم تُرعَدْ إليها خَصيلُ
من القوم لم يُخزِ القديمُ حديثَهم / ولم تتخذَّل بالفروع أصولُ
إذا الأبُ منهم قَصَّ مجداً على ابنه / تقَبَّل آثارَ الأسود شُبولُ
تودّ النجومُ السائراتُ بأنهم / إذا ما انتمت آلٌ لها وقبيلُ
ويَكرُمُ صَوبُ المُزن لو أنّ ماءَه / يُنبَّط من أيمانهم فيسيلُ
لهم من عميد الدولة اليوم ذروةٌ / معاليهُمُ وُسطٌ لها وذيولُ
أريتَ عِياناً مجدَهم وهُمُ لنا / أحاديثُ مظنونٌ بها ونُقُولُ
كَرُمتَ فلم تُجحَدْ لديك وسيلةٌ / وطُلتَ فلم يُملَكْ إليك وصُولُ
وما ارتابَ هذا الملكُ أنك شمسُه / تعُمُّ فتضفُو تارةً وتزولُ
إذا غَرَبت أبقتْ فوائدَ نُورِها / وإن صَبَغَتْ يوما فليس يحولُ
وما شكَ فيك الناسُ أنك مُزنَةٌ / تلاقحَ فيها العامُ وهو مُحولُ
أحبّوك حب العين مستَرَق الكرى / وللعين عهدٌ بالرقاد طويل
إذا كانت الشُّورىَ فأنتَ وما لهم / إذا خُيِّرَ الإجماعُ عنك عُدولُ
فإن وجدوا الأبدال لم يتعرضوا / فكيف وما في الناس منك بديلُ
وقد عَلِمتْ أُمُّ الوزارة أنها / إذا غبتَ شمطاءُ القرونِ ثَكولُ
تفارقها مستصلحاً فهي فاقدٌ / مولَّهةٌ حتى يكونَ قُفولُ
وتَبذُلها حتى تغارَ فترعوي / بُعولٌ تَعاطَى بُضعَها وبُعولُ
وإعضالُها خيرٌ لها من رجالها / سواك وما كلُّ الرجالِ فحولُ
لها غِبطَةٌ يوماً ويوماً فجيعةٌ / كذلك دولاتُ الزمان تدولُ
وأبقَى ذَماها علمُها أنَّ أمرَها / إليك وإن طال البعادُ يؤولُ
أنا المطلَقُ المأسورُ بالقرب والنوى / فيوماً ويوماً مَظْعَنٌ ونُزُولُ
تَجيشُ الليالي ثم يخمُدُ صَرفُها / فتنقُص فيما بيننا وتُطيلُ
تغيبُ فلا فرطُ الأسى بمقَبَّحٍ / عليّ ولا الصبرُ الجميلُ جميلُ
فظاهرُ حالي مثلُ دمعِيَ لائحٌ / وباطنُها مثلُ الغرام دخيلُ
ويأكلني فيك العدا وتعودُ لي / فَيُنشَرُ مرمومُ العظامِ أكيلُ
وقد أجدبتْ أرضي فلا يُغفِلَنَّها / مع القرب فيضٌ في يديك بليلُ
أرِدْني لأمرٍ غيظُه حظُّ حاسدي / وحظِّيَ منه في العَلاء جزيلُ
وشافِهْ بحالي ما يكافي كفايتي / فأنت بفضلي شاهدٌ وكفيلُ
ولا تخش من سيفٍ خَبَرتَ مضاءَه / وإن كان فَلّاً أن يكون نُكولُ
فقد يُغدق الوادي وأُولاهُ قطرةٌ / ويَجسُمُ فعلُ الرمح وهو نحيلُ
وكيف حِذَاري من جفائك دانياً / وأنت على بُعد الديار وَصولُ
أتُعتاضُ بالزوراء عنك سحابةٌ / حياها بحُلوانٍ عليّ هطولُ
معاذُ علاك وارتياحُك للندى / وحقٌّ قديمُ العهدِ ليس يحولُ
ومبرَمةٌ الأسبابِ شائعُ ذكرِها / رقيبٌ على نعماك لي ووكيلُ
وأنك لا يحلو على يدك الغِنى / ولا منك حتى تُعتَفَى وتُنيلُ
إذا قلَّ نفعُ المال أو قلَّ ربُّه / فمالُك فرضٌ في السؤال يعولُ
دعوتَ القلوبَ فاستجابت كأنما / هواك إلى حبّ القلوب رسولُ
وكنتَ بما تُولي على المدح حاجراً / وكلُّ مديح في سواكَ غُلولُ
فلا يسرِ في ذا البدر نقصٌ ولا يَطِرْ / بذا الغُصُنِ الريّانِ منك ذبولُ
ولا تنبسطْ كفُّ الزمان بنبوةٍ / تُريدك إلا رُدَّ وهو شليلُ
وزارك بالنَّيروز وفدُ سعادةٍ / له لَبَثٌ لا ينْتَوِي وحُلولُ
يكون نذيراً بالخلود بشيرُهُ / وأنك تبقَى والزمان يزولُ
فلو أمهل المقدارُ يومَك ما جرى / مدارُ الدراري قلتُ أَنتَ عَجُولُ
وجاءتك عنّي كلّ عذراءَ مهرُها / خفيفٌ بحكم الجودِ وهو ثقيلُ
تحنُّ إلى أترابها في بيوتكم / كما حنَّ للضَّرع الدَّرورِ فَصيلُ
لها أخواتٌ مثُلها أو فوَيقَها / جُثُومٌ على أعراضكم ومُثولُ
حظوظُهُمُ منها سِمانٌ جسائمٌ / وحظُّ رجالٍ آخرين هزيلُ
وأنصفتموها إذ ظفرتم برِقِّها / فمالكُها منكم أخٌ وخليلُ
فلو أن إفصاحي بها كان لُكنةً / لعلَّمني المعروفُ كيف أقولُ
أما وهواها عِذْرَةً وتَنصُّلا
أما وهواها عِذْرَةً وتَنصُّلا / لقد نقل الواشي إليها فأمحلا
سعى جهدَه لكن تجاوز حدَّه / وكثَّر فارتابت ولو شاء قلَّلا
وقال فلم تقبلْ ولكن تلوَّمَتَ / على أنه ما قال إلا لتقْبلا
وطارحها أنِّي سلوتُ فهل رأى / له الذمُّ مثلي عن هوَى مثلِها سلا
أأنفُض طوعاً حبَّها عن جوانحي / وإن كان حبّاً للجوانح مُثقِلا
أبى اللهُ والقلبُ الوفيّ بعهدهِ / وإلفٌ إذا عُدَّ الهوى كان أوّلا
أيا صاحِبَيْ نجوايَ يومَ سويقةٍ / أناةً وإن لم تُسعِدا فتجمَّلا
سلا ظبيةَ الوادي وما الظبيُ مثلُها / وإن كان مصقولَ الترائب أكحلا
أأنتِ أمرتِ البدرَ أن يَصدَعَ الدُّجَى / وعلَّمتِ غصنَ البان أن يتميَّلا
وحرَّمتِ يومَ البين وقفةَ ساعةٍ / على عاشقٍ ظنّ الوَداعَ محلَّلا
جمعتِ عليه حرُقةَ الدمع والجوى / وما اجتمع الداءان إلا ليقتلا
هبي لِيَ عيني واحملي كُلْفةَ الأسى / على القلب إنّ القلبَ أصبرُ للبلا
أراكِ بوجهِ الشمس والبعدُ بيننا / فأقنعُ تشبيهاً بها وتَمَثُّلا
وأذكرُ عذباً من رُضابكِ مُسكراً / فما أشربُ الصهباءَ إلا تعلُّلا
هنيئا لحبّ المالكيّةِ إنه / رخيصٌ له ما عزّ منيّ ما غلا
تعلّقتُها غِرّاً وليداً وناشئاً / وشِبْتُ وناشِى حبّها ما تكهَّلا
ووحدَّها في الحبّ قلبي فما له / وإن وجدَ الأبدالَ أن يتبدَّلا
رعى اللهُ قلبي ما أبرَّ بمن جفا / وأصبرهَ في النائباتِ وأحملا
وكرَّمَ عهدي للصديق فإنه / قليلٌ على الحالات أن يتحوَّلا
وليَّنَ أيّامِي عليَّ فإنني / أزاحم ثهلاناً عليه ويَذبُلا
وأهل زمانٍ لا هَوَادةَ بينهم / إذا استؤمنوا كانوا أخَبَّ وأختلا
صديقُ نفاقٍ أو عدوُّ فضيلةٍ / متى طُبّ عاد الداءُ أدهَى وأعضلا
وُلُوجٌ على الشرّ الذي يرصُدونه / متى وجدوا يوماً إلى الشرّ مَدخَلا
إذا ما رأَوْا عند امرىءٍ زادَ يومِهِ / مَشوا حَسَداً أو باتَ جَوعان مُرْمِلا
وفي الأرضِ عنهم مَذهبٌ وتفسُّحٌ / فمن لِيَ لو أسطيعُ أن أترحَّلا
أهُمُّ ولكن من ورائي جواذبٌ / أخافُ على أعطانها أن تُشَلَّلا
وتُعْلِقُني الآمالُ في قُلَلِ العُلا / فأجعلُها منهم مَلاذاً ومَعقِلا
نعمْ عند ركن الدين وابنِ قوامه / غِنىً ومَرادٌ أن أُضَامَ وأُهمَلا
وفي يدهِ البيضاءِ يقطُرُ ماؤها / ربيعٌ يَرُدُّ الجدبَ أخضرَ مُبقِلا
وبالقصر من دار السلام متوَّجٌ / بإشراقه أخزَى البدورَ وأَخجلا
ترى خرزاتِ الملكِ فوق جبينه / كواكبَ نورٍ ضوءُها يملأ الفلا
يُميت النفوسَ قاطباً متنمِّراً / ويحيى أواناً باسماً متهلِّلا
إذا كفَروا النَّعماءَ شامَ سيوفَه / وإن سألوا الإغضاء سَامَ التفضُّلا
قريبٌ إلى المولى بعيدٌ بعزّه / على مَغْمَز الأعداء أن يتسهَّلا
إذا مَنَّ أعطَى حلمَه متبيِّناً / وإن همَّ أعطَى أمرَه متعجِّلا
حَوى حَوزةَ الدنيا فدبَّر أمرَها / مليّاً بتقويم الأمور معدِّلا
أطاعتْه أعناقُ البلادِ وأقبلتْ / إليه القلوبُ رغبةً لا تعمُّلا
ودانتْ له الأقدارُ حتى تصرَّفتْ / على أمره الماضي صُعوداً ونُزَّلا
إذا طلبَ الأعداءَ أنفذ جَحفلاً / لُهَاماً من الإقبال يَتْبَع جَحفلا
كفاه مكانَ السيفِ والرمحِ جَدُّهُ / فلو شاء يوم الروعِ حاربَ أعزلا
وكم عادةٍ لله في النصر عندَه / تَضمَّن باستمرارها وتَكفَّلا
ومن آيةٍ قامتْ بتثبيتِ مُلكه / وقد كادت الأقدامُ أن تتزيَّلا
ظهرتَ جلالَ الدولتين بفضلها / ومُعجِزها حتى ظنناك مُرسَلا
رأى اللهُ أنّ الأرضَ أصلحُ سيرةً / عليك وأن الناسَ أجملُ محفِلا
وأنك تأوِي في أمورك كلِّها / إليه مُنيباً نحوَه متبتِّلا
فولَّاك في ضيق الشدائد فُرْجةً / وأعطاك مَنْجىً في الخطوب وموئلا
وكم آبقٍ من رِقِّ مُلكك غامطٍ / لنُعماك لم ينهضْ بما قد تحمَّلا
عفوتَ مِراراً عن تمادي ذنوبه / فأنظرتَهُ بالعفو حتى توغَّلا
وبالأمس لجُّوا في الشِّقاقِ وأجلبوا / عليك وظنُّوها وحاشاك فَيْصَلا
فلم يَجنِ ضعفُ الرأي إلا عليهمُ / ولا ازددتَ إلا قوّةً وتأثُّلا
فسائْل بهم إما طريداً مشرَّداً / يلوذ بصفح أو قتيلاً مُجَدَّلا
فلا زال مَن عاداك أبعدَ شُقّةً / وأخبَث أيّاماً وأخشنَ منزلا
ولا زالت الراياتُ واسمُك حَلْيُها / خوافقَ تحوِي الأرضَ سهلاً وأَجْبُلا
إلى أن ترى بِيضَ الملوك وسُودَها / قياماً على أُخرَى بساطك مُثَّلا
وبُلِّغتَ في نجميْك يا بدرُ كلَّ ما / تؤمِّل في نجمٍ على أفُقٍ علا
قديمُهما والطالعُ الآن قابساً / ضياءَك حتى يستقيمَ ويكمُلا
فكانا على الأعداءِ سيفَيْ تناصُرٍ / شبيهَك فيما أحدثا وتقيَّلا
وشدَّاك والضِّرغامُ أمنعُ جانباً / وأنهضُ إقداماً إذا كان مُشبِلا
وكُثِّرتَ بالأولادِ تُرهِف مُنصُلاً / طريراً إلى الدنيا وتَطبعُ مُنصُلا
فإنك من قومٍ ثوَى المُلكُ فيهمُ / فلم ينوِ من بعد الحُلولِ ترحُّلا
أصولهُمُ منصورةٌ بفروعهم / إذا قام منهم آخرٌ كان أوّلا
لكم في رقابِ الناس أمراس ذمّةٍ / بعيدٌ على استحصافها أن تُحلَّلا
مفاتيحُ هذا الرزقِ بين أكفِّهم / ونصرةُ دِين الله بِيضاً وذُبَّلا
فما يشهدون الحرب إلا إذا غَلَتْ / ولا يشترون الحمدَ إلا إذا غلا
أتعرف يا مولى الملوك كقِصِّةٍ / بُلِيتُ بها بالأمس والحرُّ يُبتلَى
أبعدَ قنوعي بالثمادِ تعفّفاً / وهجرِيَ أبوابَ الملوك تعزُّلا
وظُلميَ فضلي واهتضامي توحُّدي / مخافةَ أن أُوذَى وأن أتَبَذَّلا
يُسيء رَعَاعُ الناس عندك سُمعتي / ويُشعِر أنّي حزتُ مالاً مؤثَّلا
ويُغرِي بإفقاري وأنت الذي ترى / لمثلِيَ أن يغنىَ وأن يتموَّلا
ولكنَّها ما غيَّرتْ لك شيمةً / كرُمتَ بها إلا قليلاً كَلاَ وَلا
ولما سعَى الساعي فجاءك كاذباً / عليَّ بجَوْرٍ كنتَ أعلَى وأعدلا
أتاك بزورٍ فاتحاً فمَهُ به / فألقمته بالردِّ تُرْباً وجَنْدلا
تسرَّع فيها جالباً لك إثمَها / ولكن أراك الحقُّ أن تتمهَّلا
فلم تألُني كشفاً لصدقِ براءتي / ولا نظراً في قصّتي وتأمُّلا
وزَنْتَ بذكر المالِ مجدَك في العلا / فكان وِزانُ المجد عندك أثقلا
وحكَّمتَ رأياً طاهريّاً وهمَّةً / بُوَيْهِيَّةً ما طَبَّقَتْ كان مَفصِلا
فأرضاك منّي الصدقُ لما علمتَه / ببيّنةٍ لم استعِرْها تقَوُّلا
فإن فاجأتني همّةٌ من طروقها / تروَّع منها جانبي وتوجَّلا
حُبِستُ ولكن كان حبساً مشرِّفاً / أناف بذكري واعتقالا مُجمِّلا
ولم أر مثلي مستضافاً مكرَّماً / ولا كاسباً للعزّ من حيث ذُلِّلا
لئن عَدَّ قومٌ نكبةً حبسَ ليلةٍ / لقد كنتُ منكوباً من الناس مُقْبِلا
وسبَّب لي هذا المُقامَ تروُّعي / وقد كنتُ عنه ساهياً أو مغفَّلا
مكانٌ تمناه الكواكبُ عزَّةً / فتبغي إليه مَهبَطاً وتنزُّلا
ومن لجبين الشمس لو خرّ ساجداً / لأرضك أو وافى ثراك مقبِّلا
لبست به ثوباً ضفا لِيَ فخرهُ / بمدحك مجروراً عليّ مذيَّلا
سيعلم مَنْ جرَّ السعايةَ أنه / بكرهي إلى ما ساق نفعي توصَّلا
لقد غَرَس التعريضَ بي في وبيئةٍ / متى اسْتُثْمِرَتْ أجنَتْه صاباً وحنظلا
إذا وسَمتْ عِرضَ اللئيم بِميسَمٍ / من الذمِّ باقٍ ودَّ لو كان أُغفِلا
فكان شقيّاً خاب عندك سعيُه / وفزتُ وكنتَ المنعمَ المتفضِّلا
أقمْ فيَّ من عاداتِ سيبك سُنّةً / هي الغيثُ أو كانت أعمَّ وأجزلا
فكم من نوالٍ مُسرفٍ قد حقَرته / وفلَّلتَ من جُمَّاعِهِ فتفلَّلا
وعارفةٍ لو يُسأَلُ البحرُ بعضَها / تعذَّر من إخراجها وتمحَّلا
فمْر فيّ بالمعروف من سيب راحةٍ / معوّدةٍ أن تستهلَّ وتهطِلا
وكن مرغِماً خَصمي بأمر مشَرِّفٍ / تُوفِّرُ لي منه الضمان المعَجَّلا
وتجبرُ من جاهي الكسير وخَلَّتي / فأجدرُ من أسمنتَ من كنتَ مُهزلا
وثِقْ بجزاءٍ شعرُ عبدِك ضامنٌ / لما طاب منه في الشِّفاهِ وما حلاَ
من الباقياتِ الصالحاتِ أروضُها / بنفسي إذا طابت وقلبي إذا خلا
سوائرَ يقطعن البلاد حواملاً / دعاءً مجاباً أو ثناءً مُنَخَّلا
إذا ما كسوتُ العيدَ منهنَّ لِبْسةً / ترفَّلَ فيها تائهاً وتخَيَّلا
ومدّ يدَ الراجي نوالَك مدلياً / بحرمتها مستشفعاً متوسِّلا
يبشِّرُ عنها أنه عائدٌ بها / عليك مدى الأيام عمراً مطوَّلا
هو اليومُ أعطاه الإله فضيلةً / كما كنتَ ممّن يحمِلُ الأمرَ أفضلا
فقابْل به وجهَ الخُلود مبلَّغاً / شروطَ المنى ما كَرَّ عيدٌ وأقبلا
وكن مفطراً بالبِرِّ والبَس على التقى / ثوابكَ وانزِع صومَك المتقبَّلا
تزخرف جنات العلا لك مفطراً / وصائم فرضٍ كنت أو متنفّلا
إلى أن ترى صُمَّ الجبال فلائقاً / مسيَّرةً والجوَّ ماءً مسلسَلا
إذا ما انجلى صبحٌ ولستَ مملَّكاً / علينا فلا انشقَّ الظلامُ ولا انجلَى
تَموق الليالي فيكُمُ ثم تَعقِلُ
تَموق الليالي فيكُمُ ثم تَعقِلُ / وتَقْسِطُ في أحكامها ثم تَعدِلُ
ويُعرِضُ وجهُ الملك عنكم عُلالةً / فيلفِته شوقٌ إليكم فيُقبِلُ
إذا جَرَّب الأبدالَ أصلحه لكم / على كثرةِ التقليب من يتبدَّلُ
وكم هجرةٍ لم تتفِقْ عن ملالةٍ / وصدٍّ يريبُ الحبَّ وهو تدلُّلُ
مكانكُمُ منه لكم أين كنتُمُ / مقيمُكُمُ والظاعن المتحوّلُ
وهل يسكن الأفلاكَ إلا نجومها / وإن غرَّ قوماً أنها تتنقَّلُ
وما أنت إلا البدرُ نأياً وأوبةً / تحِلُّ على حكم السعود وترحلُ
على كلّ قطبٍ ثابتٍ لك مَطلعٌ / وفي كلِّ برجٍ سائرٍ لك منزلُ
فكيف يساميك الإمارةَ والعلا / خَفِيٌّ دقيقُ الشخصِ يعلو وينزلُ
إذا تمّ بدراً أو تنصَّفَ شهرهُ / فإنك منه في سَرارك أكملُ
إذا غبتَ عنّا فالسحابة أقلعتْ / بجُمّتها الوطفاء والعامُ ممحلُ
ويقدُمك الإقبالُ حتى ترى الحصى / يروَّض خِصباً والجلاميدَ تُبقِلُ
وما المُلك يخلو منك إلا فريسة / تُمضَّغُ ما بين النيوبِ فتؤكلُ
إذا ذُدتَ عنها فهو وادٍ محرَّمٌ / وإن غبتَ شيئاً فهو نَهبٌ محلَّلُ
وقد ألِفتْ منك الوزارةُ موطناً / تَفَيَّأُ في أكنافه وتَظَلَّلُ
ربَتْ فهي ذاتُ الوَدْعِ في حُجُراته / وشَبَّتْ فهذا شيبُها والتكهُّلُ
أخو ثديها والناسُ أبناءُ عَلَّةٍ / وكافلُها إن زُوِّجت وهي تُعضَلُ
ووالدها الحاني الشفيقُ وبعضُهم / إذا ولدَ ابناً لم يُبَلْ كيف يَثْكَلُ
فلا ضامها يُتمٌ وأنت لها أبٌ / ولا عرفَتْ يا بعلَها كيف تُرمِلُ
ولا عدِمتْ مشكورَ سعيك دولةٌ / عليك إذا ذُمَّ السُّعَاةُ تُعَوِّلُ
نهضتَ بها والدهرُ تحتَ وُسُوقها / يناشدُ جنبيه النهوضَ فينكُلُ
فراحوا وألقَوْها على متمرِّنٍ / يخِفُّ عليه الأمرُ من حيث يَثقُلُ
إلى كم تراهم يسبُرون اجتهادَهم / وعفوُك فيها ثم عفوُك أفضلُ
وكم تتزوَّى هضبةٌ بعد هضبةٍ / بهم ولرَضوَى منكِب لا يُزَيَّلُ
وقد حَطَّها منبوذةً واستقالَها / مطَا كلِّ ظهرٍ ظنَّ أن سوفَ يحملُ
تناكصَ عنها الناسُ إذ قرُبوا لها / ومنهمْ قُرومٌ في الحبالِ وبُزَّلُ
ألم يك في التجريبِ وعظٌ فيُنتهَى / إليه ولا للحزم وعظٌ فيُقبَلُ
أقُول وركنُ الدين سمعٌ مصدِّقٌ / معي ولسانٌ شاهدٌ لي مُعدَّلُ
إذا هو شامَ المرهفاتِ وسلَّها / درى أيّها أمضى شباةً وأعملُ
رأى بك وجهَ الرشد الوقتُ فَترةٌ / وبابَ الهدى والملكُ شرعٌ مضلِّلُ
ولا أمنَ إلا أنّ سيفَك يُتّقَى / ولا رزقَ إلا أنّ كفّك تهطِلُ
كأنك في التدبير وحيٌ منزَّلٌ / لنا أو نبيٌّ في السياسة مرسَلُ
فلولا اتقاءُ العُجبِ لم يُملِ طرفَه / على القرب منك الناظرُ المتأمّلُ
ولو شئت أن تعطي علاءك حقَّه / سموتَ فخاطبتَ الكواكبَ من علُ
خليليّ والأنباء حقٌّ وباطلٌ / وتُسنَدُ أخبارُ الكرام وترسَلُ
بدينكما هل في فخارٍ سمعتما / به الذكُر يُروَى والأحاديثُ تُنقَلُ
كمجدٍ بنو عبد الرحيم ولاتُهُ / يُشيَّد في أبياتهم ويؤثَّلُ
وهل في بدور الأرض بعد ظهورها / وجوهٌ لهم يومَ السؤال وأنملُ
أقيما فلا الأخطارُ تُركَبُ دونهم / لحظٍّ ولا العيسُ المراسيلُ تُرحَلُ
قَعَا بالأماني الطائرات حوائماً / ترِفّ على باب الوزير وترفُلُ
إلى ملكٍ لا الحق يُدفَعُ عنده / بعذرٍ ولا الميعاد بالمطل يُقتلُ
يعاقب إصلاحاً ويعطي تبرُّعا / وكالمنع إعطاءُ الفتى وهو يُسألُ
صبا بالمعالي وهو في خَرَز الصِّبا / يُدارَى بها في مهده ويعلَّلُ
وأصفَى خليلَيك الذي كنتَ تِربَهُ / وأحلى حبيبَيْك الذي هو أوّلُ
على سرجهِ إن أركبتْهُ حميَّةٌ / أخو لِبَدٍ بادي الطوَى متبسّلُ
غضوبٌ إلى أن تغسِل العارَ كفُّه / ولو بدمٍ والعارُ بالدمِ يُغسَلُ
وفي دَستهِ يومَ الرضا البدرُ ضاحكاً / إلى وفده والعارضُ المتهلِّلُ
حمى الله للأيام منك بقيَّةً / هي الدهرُ والأيامُ أو هي أفضلُ
مددت يداً بالمكرمات بسطتَها / فطالت تنال النجمَ أو هي أطولُ
فكيف إليها الرزقُ وهي مَخوفةٌ / وكيف إليها الموتُ وهي تُقَبَّلُ
ولا كان هذا الشملُ مما يرُوعه / صُدوعٌ ولا ذا الظلُّ مما يُحوَّلُ
إذا غبتَ طارت بي على النأي لوعةٌ / تُقيم المطايا وهي نحوَك تُرقلُ
وخلفتني أمّا نهاري فمطلَقٌ / كعانٍ وأما لون ليلى فأليلُ
يراني صحيحاً من يرانيَ صابراً / وما ذاك إلا أنني أتجمّلُ
ولا وجه إلا و هو عنِّيَ معرِضٌ / ولا كفَّ إلا وهو دونيَ مقُفَلُ
إذا ذكروا ما موضعي منك والذي / إليك به من حرمةٍ أتوسّلُ
وأنيَ قد حَرّمتُ نفسي عليهمُ / ورِقِّيَ مِلكٌ في يديك محلَّلُ
رأيت أخي فيهم عدواً مكاشحاً / ومطريَّ فيهم عائباً يتعلَّلُ
فلا ينحسم داءٌ هواك يجرُّه / ولا عَزَّ قلبٌ في ودادك يُبذَلُ
ولا فاتني هذا الذَّرا الرحبُ موطناً / لعزِّي ولا هذا البساطُ المقبَّلُ
وكان الذي بَقَّى ليَ العمرُ فضلةً / لمدحكمُ تبقَى وفيكم تؤجَّلُ
تُسدِّي لكم في كلّ يومٍ وشائعاً / من الفخر مصبوغاتُها ليس تنصُلُ
لها من عِلاط الجهد وسمٌ مُخَلَّدٌ / يمر عليه الدهرُ والدهرُ مغفَلُ
نجائبُ أمّاتُ القريض بمثلها / عقائمُ إلا أن فكريَ ينسُلُ
نوازيَ من بين الضلوع كأنما / يجيش بها من بين جنبيّ مِرجلُ
على اسمك تُحدَى أو بوصفك تُقتضَى / صِعاباً فتعنو في الحبال وتسهُلُ
فلو كنت فيها خائفاً بُخلَ خاطري / لسمَّحهُ إحسانك المتقبَّلُ
تضوع بها أوصافُ فخرك ما جَرَتْ / على الأرض رعناءُ التنسُّم شمألُ
كأني إذا جرَّرتُ فيك ذيولَها / أُمسِّك في أذيالها وأمندِلُ
وينصرني فيها على الخصم أنني / على المجد فيكم والعلا أتوكَّلُ
بقيتُ لها وحدي وفي الناس أهلُها / كثيرٌ ولكن يدّعون وأعملُ
ومنها ليوم المِهرَجان قلادةٌ / تحلِّيه والأيامُ تَحلَى وتَعطَلُ
وإن كان يوماً سابقاً بجماله / فجلوتُهُ فيها أتمُّ وأجملُ
تلين لكم أعطافُها وهي شُمَّسٌ / وتُطلَق من أرساغها وهي تُشكَلُ
ثناءٌ عليكم آخرَ الدهر عاكفٌ / وودُّ بكم دون الأنام موكَّلُ
لها كلَّ يومٍ نَشطةٌ وعِقالُ
لها كلَّ يومٍ نَشطةٌ وعِقالُ / وفي كلّ دار حلّةٌ وزِيالُ
فلا شوقَ إلا بالزيارة يُشتفَى / ولا بُعدَ إلا باللقاء يُزالُ
إذا العيسُ حنّت للمعاطن لم يصِحْ / بأعناقها إلفٌ عليه يُمالُ
سفا البيدِ مرعاها الجميمُ ووردُها ال / زلالُ سرابٌ بالفلاة وآلُ
فمَن حاكمٌ بين الدؤُوبِ وبينها / إذا ما تقاضت أظهرٌ ورحالُ
ومنصف أيديها إذا ما تقاصرت / خطاها وبوع الليل بعد طوالُ
يُرامي بها الأخطارَ كلُّ ممرَّنٍ / بحَمل خطوب الدهر وهي ثِقالُ
بصيرٌ بكيد الليل لا يَعتشِي به / ظلامٌ وأبصارُ النجوم ذُبالُ
أخو قفرةٍ لا يؤنسُ الذئبَ ريحُها / فماهي إلا خابطٌ وضلالُ
وأسهمَ ذاوي الشخص خافٍ كأنه / مع الصبح في خدِ السَّماوةِ خالُ
يرى الوطنَ المحبوبَ حيث تفيّأتْ / عليه العلا لا قُلَّةٌ وظلالُ
ويُبدِنُهُ عَرْقُ الهواجرِ لحمَهُ / وأسمنُ مجدٍ ما اقتناه هزالُ
جُبِ الأرضَ ما دامت عليها نشيطةٌ / وفيها لسارٍ مسرحٌ ومجالُ
فإما ذرَى أفقٍ مسحتَ هلالَه / وإما ثرى أرض عليك يُهالُ
يخوِّفني فيما أطوِّف بالردى / كأنيَ إن قايلتُ منه أقالُ
وهل يئل الإنسانُ مما وراءَهُ / وقدّامهُ مُفْضىً له ومآلُ
ولَلْموتُ خيرٌ من حياةٍ مَضيْمةٍ / ومن عيشةٍ أُعلَى بها وأُطالُ
ورزقُ يد المسئول مفتاحُ بابه / وشرُّ نوالٍ ما جناه سؤالُ
دعيني أعادي الدهر إن صديقَهُ / يكاد ينادَى ودُّه ويُغالُ
وأنضو قناعَ السلْم بيني وبينه / كفاحاً وسلمُ الغادرين قتالُ
فلو كان حرّاً نفسُه ووفاؤه / لما كان حرُّ العِرض منه يذالُ
ولو كرُمت أخلاقُه الهُجْنُ لم تَحلْ / لديه لأبناء المكارم حالُ
وعَزَّ بنو عبد الرحيم ونالهم / فما كان بالأيدي القصارِ يَنالُ
ولم يتغوّر كوكبٌ من سمائهم / ولم يتخّمر بالسَّرار هلالُ
ومن مُوقِهِ لم يدَّرئْهم بصَرفه / وهم جُنَنٌ من صَرفه ونِصالُ
ولن تتشظَّى شقّةٌ من عصاهُمُ / لها قوّةٌ من كفِّه وصِيالُ
بمَن وتعرَّت دولةٌ من جَمالهم / يكون عليها شارةٌ وجمالُ
ومَن ظلّ تستأسِي الملوكُ برأيه / ويحسِم داءَ الملك وهو عُضُالُ
تهاوت سلوكُ العقدِ فهي بدائدٌ / وأُرخِيَت الأمراسُ فهي سِحالُ
فكيف يبين الخَرتُ والعينُ عورةٌ / ويُبرمُ أمرٌ واليمين شمالُ
يريدون أن تستنهضوا بوُسوقها / مطايا خُطاها بالحمول ثقالُ
وقد عقلوا البزلَ القرومَ وقُرِّنت / بِكارٌ تَضاغَى تحتها وفِصالُ
فأوشك سارٍ أن يقيِّده الونى / وأوثقَ أقتادَ المطيِّ كَلالُ
سيُقصَمُ ظهرٌ بالحويّة نافرٌ / وتسقُطُ حتى أنسعٌ وجِلالُ
قضاءٌ سقيمٌ ثم يُعقبُ صحةً / وإن طال من داء السَّقام مطالُ
وسُقيا قليبٍ ما صفت وتكدَّرت / تداولُها بين الرجال سِجالُ
وكم زحَمتكم قبلَها من مُلِمَّةٍ / فطاحت رُفاتاً والجبالُ جبالُ
وجادلكم في حقكم متكبّرٌ / ببطاله ثمَّ المجالُ مجالُ
ينوِّر قَدحاً من زُنَيدٍ ورَى له / من الظن لا مرخٌ ولا هو ضالُ
تِلاعاً شُفوفاً للعيون ومالها / إذا احتُلبت فوق التراب بِلالُ
وستةُ أيام الدوامِ بهائمٌ / منصَّفةٌ إلقاحُهن حِيالُ
على الله فاحملها وثق بعوائد / لها في عداكم عثْرةٌ ونَكالُ
فإن ولَغتْ في نعمةٍ بعد نكبة / فقد تيبَس الغدرانُ ثم تُسالُ
وللشرّ أيامٌ تمرّ وتنقضي / كما لمسرات النعيم زوالُ
إذا سلِمت أعيانُكم وأصولُكم / فكل الذي فوق التراب جُفالُ
كأنك بالإقبال قد قام عنكُمُ / يُرامِي وأبراجُ السعود نبالُ
وقد خفقت تهفو برايات نصركم / رياحُ العلا منها صَباً وشَمالُ
فما عزلُكم إلا خديعةُ ليلةٍ / وما سَرّ منه الشامتين خيالُ
فلا يفرح الباغي عليكم بسعيه / فما كلّ عثْراتِ السُّعاةِ تقالُ
فإن كان بعض الصلح أغراه مرّةً / فسوف بما قد كال بعدُ يُكالُ
وما مبتغٍ نقل الوزارة عنكُمُ / سوى سائلٍ بالطَّود كيف يُشالُ
يُدِرّون منها غيرَ جارٍ وإنها / رحىً بيتُكم قطبٌ لها وثِفالُ
لها بينهم ذلّ الغريب وأنتُمُ / قَبيلٌ لها دون الأنام وآلُ
إذا فارقتكم لم تكن عن خيانةٍ / نواها ولا جرّ الفراق مَلالُ
فيعطفها شوق إليكم وصبوةٌ / ويصرِفها عنكم صِباً ودلالُ
وأنت الذي لا الخوف يسطو بصبره / ولا بتهاويل الزمان يُهالُ
تجرّبك الأحداث لا السيف يلتوي / هزيماً ولا الهَضبُ الأشمُّ يُزالُ
سموت فما يسمو سموَّك شارقٌ / كأنك عَلْوٌ والنجوم سَفالُ
وأَعطيتَ في المعروف مالَك كلَّه / فمالَك في دفع النوائب مالُ
وصدَّقتَ وصف المادحينِ فإن غلَوا / فلا قولَ إلا وهو منك فعالُ
خُلقتَ كما سرَّ العلا وشجا العدا / فأنت صلاحٌ مرّةً ووبالُ
قسائمُ ماءُ المنع منها محرّمٌ / وكفٌّ نباتُ الرزق منه حلالُ
فلا تُفجَع الدنيا بمجدك إنه / لمجدِ بنيها قِبلةٌ ومِثالُ
ولا برِحت تشقى وتندَم دولةٌ / لها عِوضٌ من غيركم وبِدالُ
لقد عكَسوا ألقابَهم وسماتها / إلى أن وهَى ركنٌ وذَلَّ جَلالُ
وليدةُ ناديكم وغرسُ أكفّكم / تُرَبُّ بتدبيراتكم وتُعالُ
فعادت بكم أيامُكم مثلما بدت / وسعدكُمُ عالٍ فليس يُطالُ
يُراضِعكم كأسَ المودّة شَربُها / رضاعَ دوامٍ ليس عنه فصالُ
ولاح لعين الملك وجهُ صباحِهِ / فإن السُّرى تحت الظلام ضلالُ
لقد نزعتْه من أخيك إذا انتدى / ومنك مَقامٌ في العلا ومقالُ
فهل في تميم نهضةٌ بمُفاخرٍ / إذا بُزَّ منها صاحبٌ وعِقالُ
وزادتك حفظاً للعهود خرائدٌ / لها الفمُ حالٍ والفؤادُ حِجالُ
تعوذُ بمهديها وبالله أن تُرَى / أواصرُ منها قُطِّعت وحبالُ
وأن تتبع الأقلام في مدح غيركم / وذلك عار عندها وخبال
بقاؤك يغنيها وودُّك مهرُها / متى فاتها رفدٌ لكم ونوالُ
لها منك كفؤ لا تقَرُّ لغيره / إذا كان مما تشتهيه بِعالُ
يسومِّ فيها المهرجانُ طريرةً / لها يومَ هجر العاشقين وصالُ
تعودُ بها بُشرى بعودِ زمانكم / له عائفٌ جربتموه وفالُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025