المجموع : 11
تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ
تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ / وأقصَرُ ليلٍ في الهُمُومِ طَويلُ
كأنّ على قلبي رصاصاً مِنَ الأسى / وليسَ إلى الصبرِ الجميل سبيل
فكيفَ وحولي ظلمةٌ فوقَ ظلمةٍ / ولا ضوءَ فيها والسراجُ ضئيل
فما الجوُّ إِلا قبرُ نجم مغوّرٍ / إليه يحنُّ الطَّرفُ وهو كليل
هو الليلُ للأرواحِ مجرى ومَلعَبٌ / وللريحِ فيه زفرةٌ وعويل
وتحتَ دَياجِيهِ النّفوسُ تناوَحت / فلم يَشفَ من تِلكَ النُّفُوسِ غليل
لقد راعَني ليلٌ يخافُ سُكُونَه / عَليلٌ ويخفى في دُجاه قتيل
ويُرخي على شرّ الجّرائمِ سِترَهُ / وييأسُ فيه آرِقٌ وخَلِيل
هو اللّيلُ يخفي الويلَ والنّاسُ نُوَّمٌ / وسيفُ الرّدَى فوقَ النيامِ صقيل
وكم أرَقٍ يأتي على قَلقٍ بهِ / فأوقِدُ قلبي شمعَةً ويَسيل
وقد أَتأسَّى بامرئ القيسِ قائلاً / سَيطلعُ صُبحٌ كالرّجاءِ جَميل
ويَقشَعُ نورُ الشمسِ غَيماً مُلبَّداً / ويَسري نسيمٌ والغُصُونُ تميل
فلا ذقتُ إِلا في الصّباحِ مَنيّتي / ولا مات إِلا في الضّياء عليل
تنزَّهتُ في روضٍ خضيلٍ مطلَّلِ
تنزَّهتُ في روضٍ خضيلٍ مطلَّلِ / كوجهٍ جميلٍ تحتَ شعرٍ مُسَدَّلِ
وفوقَ الهضابِ الشّمسُ تحكي مليكةً / أطلّت على العُشّاق من سجفِ مخمل
فمالَ جناني ذاكراً مُتشوّقاً / كما مالتِ الأزهارُ من لمس أنمُل
على العشبِ أبصرتُ الحبيبةَ صدفةً / وفي يدِها البيضاء زهرُ القرُنفُل
فقالت وقد مالت إليَّ ببسمَةٍ / هو الزهرُ فانشُق وانتعِش وتعلّل
فقلتُ لها إن القرُنفُلَ زهرَةٌ / تلوحُ على رأسِ الملاك المُكلَّل
وحواءُ في الجنّاتِ كانت تشُمُّها / وتحفظُها حفظَ الجوَاهِرِ والحلي
شذا الحبِّ والسّلوى يُعطّر قلبها / ففي شمَّةٍ منه الكآبةُ تنجلي
أيحظى بِشَمِّ الزَّهرِ خداً وباقةً / مُحِبٌّ يُعاني مطمعاً بعد مأمل
بإضمامةِ جاء القُرنفلُ خاضعاً / وفي راحة بيضاءَ راحةُ مُثقَل
دعيها لِشاكٍ أو ضعيها لِناحلٍ / فخَصرُكِ مهما ينضر الزّهرُ يذبُل
إذا غابَ جسمي في الثَّرى رافِقي ظلِّي
إذا غابَ جسمي في الثَّرى رافِقي ظلِّي / فلن تجدي بَينَ الورى عاشقاً مِثلي
فيُغنيكِ طيبُ الذّكرِ عن حُسن صُورتي / وهل دائمٌ عندَ النساءِ هوى خلِّ
لقد ذبلت أزهارُ وردٍ نقلتِها / من الورقِ النامي الى شَعرك الجثل
فلم يُغنِها دمعي عن الطلِّ والنَّدى / وإنّ الحشى للحبِّ والزَهر للطلّ
وما زالَ فوّاحاً عبيرُكِ بعدَما / سكنتِ مع الوردِ المعاجَلِ بالذّبل
خُلِقنا لأشقى بالغرامِ وتنعمي / فلم تعلمي علمي ولم تحمِلي حملي
فلا تجرحي قلبي الكريمَ تدلُّلاً / فمثلُكِ لا ترضى التذلُّلَ من مِثلي
هَبيني قليلاً من وصالكِ إنّني / لأقوى على حَمل الكوارثِ بالوَصل
ولا تحرميني بسمةً في كآبتي / فما هي إِلا النضرُ في زمن المحل
وكُوني لمن يحمي العفافَ مُحبّةً / ولا تمزجي الخمرَ العتيقةَ بالخل
ولا تحسبي أني أهمُّ بريبةٍ / ولكنني بعضَ التسامحِ أستَحلي
حملتُ الهوى العذريَّ أصفى من التُّقى / تُطهِّره الشمسُ المنيرةُ من عقلي
فما لمست كفِّي ثيابَ مَهانةٍ / ولا وطِئَت أرضاً مدنسةً رجلي
أرى القلبَ معزافاً شجياً رنينُهُ / إِذا اقترنت فيه الطهارةُ بالنُّبل
وإن حركت فيه الخلاعةُ نصلَها / تقطَّعتِ الأوتارُ من حدّةِ النّصل
أراكِ تُصلّينَ المساءَ وللدُّجى / سكونٌ بهِ أجلو الفؤادَ وأستجلي
فأؤمِنُ بالربِّ الذي تَعبدينهُ / وأرجعُ مستاءً من الكفرِ والجهل
قفي نتبادل نظرةً وابتسامةً / فنهزأ بالدّهرِ المفرّقِ للشّملِ
ونذكر أيامَ الصبابةِ والصِّبا / وما بتُّ ألقى في الترحُّلِ والحلِّ
ونجمع قبلاتٍ بها قد سمحتِ أو / تسمّحتِ ما بينَ التمنُّعِ والبذلِ
وغني بتلحينٍ كتغريدِ بُلبلٍ / فنلهو عن الدنيا المحبةِ للنذل
فأمّك تحتَ الدّوحِ تغزلُ قطنَها / وإنَّ أباكِ الشيخَ سار الى الحقل
وما أنسَ مِ الأشياءِ لا أنسَ ليلةً / على الجانبِ الشرقيّ من ذلكَ الرمل
تناثرَ دمعي مثلَ شِعري ومُهجتي / على سَمرٍ بينَ القرنفلِ والفلّ
وكانَ شبابي عقدَ زَهرٍ نظمتُه / فنثَّرتِ الأحزانُ زَهري على الحبل
عِديني وفيني أو عِديني ولا تفي / فأجملُ ما في الحبِّ تعليلةُ المطل
فما الحسنُ إِلا أن تصوني حياءَه / وما الحبُّ إِلا أن تصونيه بالبخل
فزنبقةُ الباقاتِ تذبلُ عاجلاً / وزنبقةُ الغَيضاتِ تَذوي على مهل
دعي القلبَ من عينيكِ يجمعُ زادَه / فما هو إِلا متحفُ الأعينِ النجل
تجمَّعَ فيهِ نورُها وذبولها / فلم يُبدِ إِلا ما لهذينِ من فعل
وما هو إِلا الغصنُ ريانَ مُزهراً / وما هو إِلا السيفُ يُرهفُ بالصّقل
أأرحلُ عن مغناكِ غيرَ مزوَّدٍ / إِلى البلدِ المزدان بالآسِ والنخل
ستبكينَ أياماً على قلبِ راحلٍ / تعوَّد ألا يطلبَ المالَ بالذلّ
فإن هاجَك الذكرُ المؤرّقُ فانظري / إلى نجمةٍ زهراءَ تبدو على التلّ
أراعتكِ مني صفرةٌ هي زينتي / نعم أنا في غلٍّ ولن يشتفي غلّي
فجسمي كغصنٍ أيبسَ البَردُ زهرَهُ / وقلبي كسيفٍ في المعاركِ منفلِّ
حَديثي طويلٌ فاسمعي الآنَ بعضَه / وإن تلمُسي عقدَ العواطف ينحلّ
أقولُ إذا ما الليلُ هاجَ عواطفي / بلا وطنٍ أقضي الحياةَ ولا أهل
هناكَ وراءَ البحرِ أمٌّ حزينةٌ / تُكابدُ آلامَ الشَّهيداتِ من أجلي
سأحملُ عبءَ العيشِ رفقاً بقلبها / فأُحسَبُ من أهلِ الفضيلةِ والفضل
أبيتُ أناجي طيفَها قائلاً لها / روديدَكِ إني كالأُلى فعلوا فِعلي
فما شعرُهم إِلا انفجارُ شعورِهم / فقوَّى على البلوى وروَّى على القحل
وأبياتُه ما بينَ لؤم وقسوةٍ / أشعةُ بدرٍ في الدُّجى وعلى الوحل
لقد مات دَنتي يائساً في جهادهِ / وقد مات في المنفى امرؤ القيس من قبلي
وضلّ شتبريان يَبكي ويشتكي / فمن روحهِ روحي ومن ظلهِ ظلّي
وكم لجة سوداء كمونس خاضها / وعادَ بلا ثوب يقيه ولا نعل
وإني لأدعو كلّ ذي محنة أخي / فللشبل حنّاتٌ الى زارةِ الشبل
كذلكَ أهلُ الشعر ذابت قلوبُهم / فقيلَ لهم أنتم مصابون بالخبل
وقال أحبائي اتخِذ لكَ حرفةً / فقلتُ لهم ما أولع الزّهرَ بالنحل
بُليتُ بقلبٍ للمحاسنِ عابدٍ / بها غزلٌ والشعرُ يُلهي عن الشغل
فهل نافِعي نصحُ الذين أُحبُّهم / وقلبي طروبٌ للجمالِ وللدلّ
فلا هيّجت وجدي من الشعرِ نغمةٌ / إذا لم أُلقّب فيهِ بالشاعر الفَحل
ولا حَملتني مهرةٌ عربيةٌ / إذا لم يكن صدري يعرَّض للنبل
أبيرُنَ نلتَ الحسنَ والمجدَ والهوى / فقل لي لماذا ما رضيت بها قُل لي
فأسمعتَنا في ظلمةِ اليأس صرخةً / وفي شعركَ السحار من نفثةِ الصلِّ
رغبتَ عن الدّنيا فبتَّ مفتشاً / عن الغايةِ القصوى فما فزتَ بالسؤل
ومتَّ فدى الحريةِ العذبةِ الجنى / فيا حبّذا في ظلّ رايتِها قتلي
لك العزُّ يا حسناءُ من وطنيةٍ / رجالكِ من تأثيرِها دُمُهم يغلي
إذا مَرّتِ الراياتُ حَيّوا جلالها / وقد خفقت في جيشك الحَسَن الشّكل
أغصُّ بريقي باكياً ما شَهدتها / وما غصّتِ الساحاتُ بالخَيل والرجل
فأرنو إِلى أرضٍ هناكَ شقيةٍ / كأمٍّ أذابت قلبَها لوعةُ الثكل
أزالَ جحيمُ الظالمينَ نعيمَها / وفارقَها الخَصبُ المجاورُ للعدل
فيقطرُ قلبي من مصائِبها دماً / وأبكي على شعبٍ أخفَّ من الطفل
على مثل تلكَ الحالِ لا يصبرُ الفتى / إذا كان طَلّابَ العُلى طيَّبَ الأصل
أتطمَعُ كالضلّيلِ بالوطرِ العالي
أتطمَعُ كالضلّيلِ بالوطرِ العالي / وأنتَ قليلُ الحظّ والصبرِ والمال
سَتَقضي غريباً مِثله ودَعِ المُنى / بصَيحةِ مغبونٍ كزأرةِ رِئبال
لقد ضلَّ من يَرجو الثريّا على الثَّرى / ويطلبُ برد الماء من وهج الآل
دَعوني فما النّسرُ الكسيرُ جناحُه / بناسٍ ذرى تِلكَ الجبالِ ولا سال
حياتي كحربٍ كلَّ يومٍ أخوضُها / فَهَل راحةٌ تُرجى لركَّابِ أهوال
عَذرتُ فَتى يَسعى إلى المجدِ سَعيَه / ويَسقُطُ في الهَيجاءِ سقطة أبطال
وقد ضمّ منها كلَّ أبيضَ مَرهفٍ / وعانقَ فيها كلَّ أسمَرَ عسّال
فما المجدُ إِلا أن يريكَ جروحَه / إذا كشَفَ الأثوابَ عن جسمهِ البالي
وما الجسمُ إلا قَيدُ نفسٍ كبيرةٍ / فيا حبّذا الموتُ المقطّعُ أغلالي
لئن بَقيت نَفسي تُنيرُ كنجعةٍ / فما همّني جسمي ولا همّني مالي
فإني لجسمي كنتُ أوَّلَ مُتلِفٍ / وإني لمالي كنتُ أوَّلَ بَذّال
سَتَبكي عذارى الشِّعرِ والمجدِ والهوى / على عربيٍّ للكريهةِ نزّال
أطرفَةَ في العشرين فاجأك الرّدى / ويا ابن زُريقٍ متَّ من طولِ إهمال
لقد متّما في مثلِ عمري فعشتُما / بتخليدِ ذكرٍ لا يُبالي بأجيال
وأبقيتما شعراً يُردِّدُه الوَرى / ألا أيُّ قلبٍ من محاسنهِ خال
نحسَّبُ فتياناً وتحني ظهورَنا / همومٌ وأحزانٌ كأثقلِ أحمال
وُلدنا لنَشقى هكذا كلٌّ عاقلٍ / يعيشُ لتُشقيه سعادةُ جهّال
كما يَنحني غصنٌ لكثرةِ حملهِ / ويشمخُ غصنٌ مورقٌ غير حمّال
وعيّرني بالفقرِ أحمقُ موسرٌ / فكرّهني جوداً يسبّبُ إقلالي
لئن كان ريحُ الشّحمِ يملأ ثوبَه / فإنّ عبيرَ المجد يملأ سربالي
أرى التبرَ والسامورَ في الفحمِ والثَّرى / كقَلبٍ شريف خافقٍ تحتَ أسمال
فكم عثراتٍ للكرامِ جَبرتُها / وكم من جميلٍ للّئامِ وإجمال
فوا أسفي لو كنتُ للمالِ مبقياً / لما مزّقت عرضي براثنُ أنذال
لعمركَ إنّ العدمَ ما زالَ مُزرِياً / بأعظمِ قوّالٍ وأعظمِ فعّال
ألا فَلتمُت بالثكلِ كلُّ فضيلةٍ / لأن الوَرى وارَى الفضيلةَ في المال
وأقتلُ ما ألقى من البينِ أنَّ لي / هنالِك أُماً ضائعٌ دمعُها الغالي
أمامَ نجومِ الليلِ تضربُ صَدرَها / وللموجِ في الظلماءِ رنّاتُ إعوال
أتبكي لأجلي بنتُ أشرفِ قومها / وتضحكُ منى في النّوى بنتُ بقّال
وتفقدُ أختٌ ذاتُ عزِّ وبهجةِ / أخاً مثلَ مهرٍ طيِّبِ الأصل صَهّال
وتخطرُ بنتُ الوَغدِ في ثوبِ مخملٍ / ويمشي أخوها ضاحكاً ناعمَ البال
تأمّلتُ في هذي الأمورِ جميعها / فألفَيتُ دَهري هازلاً مثلَ دجَّال
فجدّفَ قلبي يائساً متألِّماً / وفاضت دموعُ الكبرِ تُغرقُ إذلالي
أبنتَ بلادي إنني ذاهبٌ غداً / إلى القبر كي ألقي عظامي وأثقالي
لقد كنتُ عزّاماً فأصبحتُ عاجزاً / وما الطَّيرُ في بردِ الشتاء برحّال
قفي أتزوّد من محيّاكِ إنه / يُذكّرني أهلي وأرضي وآمالي
محيّاً عليهِ من ليالي جبالنا / سكونٌ ونورٌ اشتهي أن يعودا لي
وصَوتُكِ خلاّبٌ كنوحاتِ موجنا / على الشاطىءِ المسقيِّ من دمعِ ترحال
وَعينكِ فيها شمسُ سوريَّة التي / أموتُ ولم تخطر سواها على بالي
لها العيش أرجو بعد موتي فطالما / رأيتُ من الأيام تقليبَ أحوال
أديري إليها جبهتي فاصفرارُها / بقيةُ أنوارٍ من الزّمنِ الخالي
فيخققُ هذا القلبُ آخرَ خَفقةٍ / بما فيهِ من وَجدٍ على هذهِ الحال
وألقي على صَدري رداء سياحتي / لأذكرَ أسفاري عليهِ وأوجالي
لقد مزّقتهُ العاصفاتُ وبلّلت / حواشيهِ أمواجٌ تفحُّ كأصلال
وبالآس والغارِ النضيرينِ كلِّلي / جبيني جزاءً لي على حُسنِ أعمالي
وبيتين من شعرِ امرئ القيس أنشِدي / فمِثلي تُعزّيهِ قصائدُ جلّال
ويشتاقُ تطريبَ الحماسةِ والهوى / ويهوى من الغاداتِ حفّاتِ أذيال
ومن يدِ رافائيلَ أجملَ صورةٍ / ومن يدِ ميكالنجَ أكملَ تمثال
وأجري دموعاً من جفون عشقتُها / فدمعُ الصّبايا لا يضيعُ بأمثالي
هَزِئتُم بنفسٍ تجهلونَ خِلالَها
هَزِئتُم بنفسٍ تجهلونَ خِلالَها / فهلّا رأيتم نقصَكم وكمالَها
وقلتم تُسِرُّونَ الأحاديثَ في الدُّجى / تعالوا نُخَفِّف زَهوها واختِيالها
كصاعقةٍ نَفسي فخافوا انقِضاضَها / وقُولوا بيأسٍ ما أعزَّ منالها
فكم منيةٍ قد نلتُها بمنيّةٍ / وكم ذروةٍ شماءَ عَزمي أمالها
أما أحرقَتكُم نارُها حيثُ نورُها / هَداكم فبتُّم تُكبروُن فِعالها
فما هي إلا مهرةٌ عربيَّةٌ / تُقَطِّعُ في مجرى الجيادِ شِكالها
جرى دَمُها ناراً فحنَّت إلى الوَغى / وقد عَشِقَت بعدَ الجروحِ نبالها
لئن سَقَطت بينَ الرِّماحِ صريعةً / فذلكَ موتٌ ما تمنّت أنالها
تَتُوقُ الى مَرعى خصيبٍ ومرتعٍ / رحيبٍ وتَشتاقُ المساءَ رمالها
فكم صهلاتٍ في النَّوى تَستفزُّني / وكم نظراتٍ أستحبُّ اشتِعالها
وذاتِ دلالٍ قابَلتني ببسمةٍ / فقابلتُ بالوجهِ العبوسِ دلالها
لها بسماتُ البرقِ في ليلِ مِحنتي / فليتَ لحظِّي في الجهادِ كما لها
فأظفرَ من دنيايَ بالحبِّ والغِنى / وأملكَ حيناً مالها وجمالها
تُسائلني عن صفرتي فأُجيبُها / نضارةُ هذا الوجهِ همِّي أزالها
جَبيني عليهِ مسحَةُ الحِكمةِ التي / تميزُ بتَصفيرِ الجباهِ رِجالها
إذا قلتِ دعها وانعَمَنَّ بوصلِنا / أقولُ دَعيني قد عبدتُ جَلالها
رويدكِ يا حسناءُ ليست نفوسُنا / تُحِبّ من الأجسام إلا نصالها
خُلِقنَ كبيراتٍ لهّمٍ ومطمعٍ / فما رَضيت نفسي الكبيرةُ حالها
ولا تَنفَعُ الأموالُ نفساً فقيرةً / ولا تجمعُ النفسُ الغنيةُ مالها
فنفسي لجسمي كاللّهيبِ لِشَمعةٍ / وكم حلَّ همٌّ مهجةً فأسالها
فهل راحةٌ تُرجى لمن سارَ والعُلى / تُشيرُ إليهِ وهوَ يَبغي نوالها
وإني لجوّادُ على المجدِ والهوى / بنَفسي وما طيفُ المنيَّةِ هالها
لكِ اللهُ كم نفسٍ حَصانٍ تألمت / لِمرأى شرورٍ لا تُطيقُ احتمالها
لها وثباتُ الضوءِ قبلَ انطفائهِ / وعِقدَتُها يأبى الزمانُ انحلالها
لئن تكُ زلاتُ الكبارِ كبيرة / فأكبرُ منها من عَفا وأقالها
وما روضةٌ قد نوَّرت زَهراتُها / وفضَّضَ نورٌ رَملها وزلالها
وغنّت سواقيها قصائدَ حبِّنا / لتودعَ شكوى العاشقينَ ظلالها
بأجملَ من وجهٍ تُرفرِفُ نفسُهُ / عليهِ وفي العَينَينِ تُلقي خيالها
بعيشكَ هل شاقَتكَ دارُ حبيبةٍ / تنشَّقتَ ريّاها ونلتَ وصالها
فأبكاكَ في بَلواكَ تذكارُ نعمةٍ / كحلمٍ ترى إقبالها وارتحالها
فما أقتلَ التذكارَ في نفسِ عاشقٍ / تحاول من كلِّ الأمورِ عضالها
لئن تسألِ العشّاقَ عن دمعاتهم / أروكَ على صفرِ الوجوهِ انهمالها
أحبَّتَنا هَل في النّوى يَنعمُ البالُ
أحبَّتَنا هَل في النّوى يَنعمُ البالُ / وقد كثُرَت حَولي عداةٌ وعُذّالُ
إذا عَبسوا للصّبحِ أبسمُ للدُّجى / وإن كمنوا ليلاً فأمشي وأختال
تذكَّرتُ أيامَ الحِمى متَشوِّقاً / وقلبي مع الأغصانِ في الرَّوضِ ميّال
فهل تذكُروني في ليالي ربيعِنا / وقد شاقني منها ضَبابٌ وأَظلال
وإني لأحيا بالتحيَّة عِندما / يمرُّ نسيمٌ للتحيَّةِ حمَّال
فبالله حَيُّوا كلّما هبَّتِ الصَّبا / فتىً هو مثل الظلِّ والطيف زوّال
على خَفَقاتِ القَلبِ ينظمُ شِعرَهُ / فما هو وزَّانٌ ولا هو نحَّال
قصائدُه من نفسهِ قد تناثرت / تناثُرَ ريشِ الطَّيرِ والطَّيرُ رحّال
أليسَ حَراماً أن تُضيِّعَهُ النَّوى / فيقضي شهيداً وهو للخَطبِ حمّال
فمن ذا يُعزِّيهِ ويَشرحُ صَدرَهُ / ببسطةِ كفٍّ عندها تحسُنُ الحال
لقد سارَ يخفي سائلاً من جُروحِهِ / فأضجَرهُ حلٌّ وأضناهُ ترحال
وجمّد لؤمُ الناسِ والحرصُ دمعَهُ / فأصبحَ لا تُبكيهِ سلمى وأطلال
وهانَ عليه أن يجودَ بنفسهِ / ويَسري وملء الأرضِ خوفٌ وأهوال
كما عرَّضَ الجنديُّ في الحربِ صَدرَهُ / وباهى بجرحِ السَّيفِ والرمحِ أبطال
لقد حملت نوراً وناراً جوانحي / فللعَقلِ تنويرٌ وللنفسِ إشعال
أرى أبداً عزمي يُجدّدُ همّتي / ومن كان مثلي لم تُرَزِّحهُ أثقال
وما أنا بالأصحابِ والأهلِ واثقٌ / فما نافِعي خلٌّ ولا مُسعِدي خال
إذا اللهُ أعطاني حياةً طويلةً / فعلتُ وإلا كيفَ تُدفَعُ آجال
وذاتِ دلالٍ ودّعتني عشيَّةً / هُنالِكَ تحتَ الدَّوحِ والدّمعُ هطّال
فقلتُ وقد قبَّلتُ خدّاً كأنّهُ / قرنفلةٌ فيها ندَى الصّبحِ جوّال
رويدك لا تبكي على الراحلِ الذي / يَسيرُ وملء النّفسِ عزمٌ وآمال
دعي القلبَ يَلهو بالرجاءِ وبالهَوى / وصلّي لعلّ الله للحَبلِ وصّال
سأقتحمُ الأمواجَ في طلبِ العُلى / كما انقضَّ بازٌ أو تقدَّمَ رئبال
إذا هاجَكِ البدرُ المطلُّ على الحِمى / وللموجِ فوقَ الرَّملِ نوحٌ وإعوال
وجاءت مع الأرواحِ ريّا حقولنا / وحفَّت غصونُ الغابِ والماءُ سيّال
قِفي حَيثُ كنّا نلتَقي كلَّ ليلةٍ / ونذرفُ دمعاً دونَهُ الملكُ والمال
وألقي سلاماً مثلَ شعلةِ كوكبٍ / لها انشَقَّ سِترُ الليلِ والتَهبَ الآل
ولائمةٍ قالت تلوَّثتَ بالوَحلِ
ولائمةٍ قالت تلوَّثتَ بالوَحلِ / فقلتُ لها يا ميُّ قد عَثرت رِجلي
تمنَّيتُ إصلاحاً وعِلماً لجاهلٍ / فقالَ رضينا بالسَّفاهةِ والجهل
ولما رَأيتُ اللؤمَ يَرفعُ صوتَهُ / أسفتُ على أهلِ الفضيلة والفضل
سَيقتله مني احتقارٌ لأنني / أرى السّيفَ للأشرافِ والسَّوطَ للنّذل
تمرِّينَ يا ذاتَ الملاءِ المزيَّلِ
تمرِّينَ يا ذاتَ الملاءِ المزيَّلِ / كما لاحَ نورُ الصبحِ والليلُ يَنجلي
ولما جَرَرتِ الذَّيلَ أخضرَ ضافياً / سمعتُ حفيفَ المورقِ المتميِّل
فجسمُكِ تحتَ البُردِ يحكي وشيعةً / من العاجِ قد شُدَّت لتنّقِيش مخمل
ووجهكِ ما يُحكَى لنا عن سمائنا / وخَصرُكِ مَعنىً دقَّ عند التخيُّل
وثَغرُكِ في أنفاسهِ هبَّةُ الصَّبا / إذا حملت في الصبحِ ريّا القرنفل
رأيتُ دموعَ الطلِّ في كأسِ وردةٍ / كريقٍ على خطٍّ أسيلٍ مقبّل
فأحبَبتُ أن أجني من الوردِ باقةً / لخصرٍ بضمّات الخواطرِ منحل
تعاظمَ هذا الحبُّ والناسُ بيننا / فكيفَ وقد حاولت تقريب منزل
فان جدتِ بالوصلِ ابعَثي الطَّيفَ مُخبراً / وإلا فألقي نظرةً المترحّل
أُناشِدُك الله الذي هو شاهدٌ / كفاكِ دلالاً بعد طولِ التذلُّل
بُليتُ كراعٍ كان يرعى قطيعه / خليّاً ومن لا يُبصِر الحسنَ يغفل
وإذ كان يوماً يستظلُّ بدوحةٍ / وفي يدهِ شبّابةٌ مثل بلبل
رأى كاعباً عذراءَ في المرجِ أقبلت / لتقطفَ للأترابِ حزمةَ سنبل
وتحتَ لفاعِ الصّوفِ لاحَ جبينُها / كصفحةِ سيفٍ تحتَ راحةِ صَيقل
فسارَ إليها ثمَّ أَلقى سلامَهُ / فردَّت سلاماً مثلَ طلٍّ مبلّل
وبعدَ مرورِ الشّهر مرّت وسلّمت / فباحَ لها بالحبِّ بعدَ التجمُّل
فما بادلتهُ حبَّه وحديثه / ولم تَبتسِم كالعارضِ المتهلّل
فقالَ إذن ما ظبيتي بأليفةٍ / فيا خيبة الآمالِ بعد التعلّل
وفي الغدِ لما جاءتِ الحقلَ باكراً / كأنوارِ صبحٍ في المشارقِ مُقبل
تَغنّى بصوتٍ ناعمٍ متهدّجٍ / يُذوِّبُ قلبَ الراهبِ المتبتَّل
فأثَّرَ فيها صوتُه وبكت لهُ / وقالت حبيبي اليومَ في مُهجتي انزل
لأغنية الرّاعي تُليّنُ قلبَها / فرقّي لهذا الشاعرِ المتغزِّل
بحبّ جنانٍ كان قولُ ابن هانئٍ / وقد نالَ وصلاً بعد طولِ التدلّل
وما زلت بالأشعارِ حتى خَدعتُها / وما أنا بالمُغزي ولا المتحيِّل
قد اجتَمعت فيكِ المحاسنُ يا جملُ
قد اجتَمعت فيكِ المحاسنُ يا جملُ / فهانَ علينا في محَبَّتِكِ القَتلُ
فما أنتِ إِلا صورةُ الوطن الذي / إذا طلبَ الأرواحَ طاب لنا البَذل
على وجهكِ الباهي ربيعُ بلادِنا / وحسنُكِ عمرٌ يا مليحةُ لا فصل
أرى فيكِ من لبنانَ عزّاً وبهجَةً / وأنتِ لهُ بعضٌ وفي وجهكِ الكلُّ
فمن أجلِهِ أنتِ العزيزةُ عِندنا / ولولا الهوى ما شاقَ لبنانُ والأهلُ
فعينُكِ فيها شَمسُهُ وسماؤُهُ / وخدُّكِ فيهِ الماءُ والزهرُ والظلُّ
فيا حبَّذا لهوُ الصبُوَّةِ في الحِمى / ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا الحقل
ويا حبّذا من ثغرِكِ العَذبِ بسمةٌ / إذا قلتِ يا مجنونُ مالكَ لا تسلو
فما قطراتُ الطلِّ في كاسِ وردةٍ / يقبِّلُها طيفُ النسيمِ ويَنسَلُّ
بأجمل من أسنانِكِ البيضِ في فمٍ / يكادُ إذا ما افترَّ يمتصُّهُ النَّحل
وما الحوَرُ الريّانُ إن هبَّتِ الصَّبا / فلذَّ لهُ ذاكَ الترنُّحُ والدلُّ
بأرشق يا هيفاء من قدِّكِ الذي / إذا مالَ مالَ القلبُ والدينُ والعقل
أمِن قَتلهِ العشَّاقَ خصرُكِ ناحلُ
أمِن قَتلهِ العشَّاقَ خصرُكِ ناحلُ / كأنَّ عليهِ دمعَ من هو راحلُ
يُعذِّبهُ ردفٌ كنخسِ ضميرنا / وما التذَّ يا حسناءُ بالعيشِ قاتل
فما الخصرُ إلا الدِّينُ من قلبِ كافرٍ / وما الرّدفُ إلا ما يقاسيه عاقل
فخصرُكِ تذكارُ السعادة في الأسى / وعهدُ غرامٍ كالغمامةِ زائل
وما القدُّ إلا الغصنُ والقلبُ طائرٌ / يحومُ وقد مُدَّت عليهِ الحبائل
فليتكِ غصنٌ لي وليتَك زهرةٌ / تُمدُّ إليها في الربيعِ الأنامل
نعم أنتِ أزهارٌ على غصنِ رَوضةٍ / تنوحُ عليهِ في الليالي البلابل
وإني لتُبكيني الخصورُ نحيلةً / فهل بُنِيت لي فوقَ خصرك بابل
هلِ اللهُ يَرضى أن يذلَّ فتىً مثلي
هلِ اللهُ يَرضى أن يذلَّ فتىً مثلي / فما نافعي عَقلي ولا مُسعِدي فضلي
ولما رأيتُ الجهلَ يُسعِدُ أهلَهُ / تمنَّيتُ يأساً أن أعودَ إلى الجهلِ
لقد أظلمت نفسي لفرطِ ضيائها / كما تقبحُ العينانِ من كثرةِ الكحل
لكِ البؤسُ يا دنيا إلامَ تُرينني / لئيماً على عزٍّ وشهماً على ذلّ
فيُرفعُ ذو جَهلٍ ويوضعُ ذو حجىً / ويُحرَمُ ذو جودٍ ويُوهَبُ ذو بخل