القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 15
قَدِمتَ قدومَ الخير من بعد غيبةٍ
قَدِمتَ قدومَ الخير من بعد غيبةٍ / كما غابَ بدرٌ ثمَّ أشْرَقَ وانْجلى
وأقبلتَ إقبالَ السَّعادة كلّها / علينا فحيَّا الله وجهك مقبلا
فكنت كصوب المزن صادفَ ممحلاً / وكنَّا بك الظمآن صادفَ منهلا
وشِمْنا سنا برقِ المنى غير خلَّبٍ / تهلَّلَ يمري العارض المتهلّلا
تنقَّلتَ من دارٍ لدارٍ تنقُّلاً / ومن عادة الأَقمار أنْ تنتقلا
وجئتَ إلى بغداد تكشفُ ما بها / من الضُّرِّ حتَّى ترجع الحال أولا
فأهلاً وسهلاً ما أقمتَ ومرحباً / عزيزاً بأكناف المعالي مبجَّلا
بأصدق من وافى من الرّوم لهجة / ومن بعث السلطان عيناً وأرسلا
أمينٌ على العمال تخذلُ ظالماً / وتنصر مظلوماً وتنقذ مبتلى
فقلنا غداةَ استبشر النَّاس كلُّهم / عسى هذه الأَحوال أنْ تتبدَّلا
وفي ضمن لحن القول لولا موانعٌ / دقائق لا تخفى على من تأمَّلا
وكم فرج لله من بعد شدَّةٍ / تعللنا فيه الأَماني تعلُّلا
فنحنُ وأنْ لم يُحسن الكشف حالنا / شتتاً خرقاء واهية الكلا
ومن نظر الأَشياء نظرةَ عارفٍ / رآها لديه مجملاً ومفصَّلا
وحسبُ الفتى ذي اللُّبِّ متن إشارة / يرى شرحها لو كانَ شرحاً مطوَّلا
وما اختصَّك السُّلطان إلاَّ لعلمه / بأنَّك لن تُرشى ولن تتبرطلا
فمن فضله والله يجزي بفضله / علينا أميرَ المؤمنين تفضّلا
لتذهب عنَّا البغيَ جيئة راشد / ونحمد فيه آملاً ومؤمَّلا
وننتظر العقبى فإنَّ وراءها / من اللُّطف ما يحظى به سائرُ الملا
فلا زالَ ظلُّ الله يأتي بعدله / وما ولي الأَحكام إلاَّ ليعدلا
ولم أرَ مثل الفضل يرفع أهْلَه / ولا حلية كالصدق في القول من حُلى
فقل ما تشا والقول في ما تقوله / جليٌّ ويأبى الله أن تتقوَّلا
ودمْ وابقَ واسلمْ ترتقي كلّ منصبٍ / إلى قلّة العلياء تعلو وتوقلا
أُقَلِّبُ طرفي ولا أرى غيرَ منظرٍ
أُقَلِّبُ طرفي ولا أرى غيرَ منظرٍ / متى تختبرهُ كانَ أَلأَمَ مَخْبَرِ
فلم أدرِ والأيامُ ذاتُ تغيُّر / أيذهبُ عمري هكذا بين معشر
مجالسهم عافَ الكريمَ حُلُولُها /
أَسِفتُ على من ليسَ يرجى العودة / وكانَ يُرى عوناً على كلِّ شدَّة
قضى الله أن يقضي بأقرب مدَّة / وأبقى وحيداً لا أرى ذا مودَّة
من النَّاس لا عاش الزَّمان ملولُها /
إذا الحرُّ في بغداد أصبحَ مُبتلى / وعاشَ عزيزُ القوم فيها مذلَّلا
فلا عجبٌ إنْ رمتُ عنها تحوُّلا / وكيفَ أرى بغداد للحرّ منزلا
إذا كانَ مفريَّ الأديم نزيلها /
لقد كنت لم أحْفِل بأَيَّام عرسها / ولم يتبدَّل شهمها بأخسّها
فكيفَ بها إنْ سادها غيرُ جنسها / ويسطو على آسادها ابنُ عرسها
ويرقى على هام السماك ضئيلها /
عَجِبتُ لندبٍ ثابت الجأش مفضلِ / يرى بدلاً من أرضه بمبدّل
ولم يك عن دار الهوان بمعزل / فما منزل فيه الهوان بمنزل
وفي الأرض للحرِّ الكريم بديلها /
سأركلها يا سعد كلّ معدَّة / أجوبُ عليها شدَّة بعد شدَّة
وإن مت ألفي البيد موتة وحدة / فلَلْموتُ خيرٌ أن أُقيمَ ببلدة
يفوق بها الصيد الكرام ذليلها /
فكم قرصتني من عدًى بقوارص / هوابط من أرض المساوي شواخص
ولاقيت صعب المرتقى غير ناكص / وأصعب ما ألقى رئاسة ناقص
مساويه إن عُدَّت كثيرٌ قليلها /
أُنَبّهُ طرفَ الحظّ والحظّ راقد / وأنهض للعلياء والجدّ قاعد
وأنَّى أَسُودُ اليوم والدهر فاسد / وما سادَ في أرض العراقين ماجد
من النَّاس إلاَّ فَدْمُها ورذيلها /
بلاد بقوم قد سَعَوْا في خرابها / فليس شرابٌ يرتجى من سرابها
ولا لكريمِ منزلٍ في رحابها / فسر عن بلادٍ طوّحت لا ترى بها
مقيل كريم للعثار مقيلها /
فليس عليها بعد هذا مُعَوَّلُ / ولا عندها للآملين مؤمَّل
فيالك دار قد نبت بيَ منزل / بها الجود مذمومٌ بها الحرّ مهملُ
بها الشّحّ محمودٌ فهل لي بديلها /
وَرُبَّ أخٍ للمجد في المجد آلفُ / له في ربوع الأَلأَمين مواقفُ
أقولُ له والقول كالسُّمِّ زاعف / ألا يا شقيق النفس عندي صحائفُ
لقومٍ لئامٍ هل لديك قبولها /
صحائف ذي غيظ على الدهر واجب / عليها طوى قسراً جوانح حاقد
وأن لما يبدي لساني وساعدي / سأنشرها والهندوانيّ شاهدي
وأذكرها والسمهريُّ وكيلها /
فمن مبلغٌ عنِّي كلاماً مُلَخَّصاً / أهان به عرض اللئيم وأرخصا
أُناساً يعيشُ الحرُّ فيهم منغَّصاً / ولي كلمات فيه تصدعُ الحصا
إذا حكّموا العضب اليماني أقولها /
فكم مهمهٍ قفرٍ طَوَيْتُ مشافها / بها كلّ هول لم يزل متشابها
وواجهني ما لم يكنْ لي مواجه / عفا الله عنِّي كم أجوب مهامها
من الأرض يستفّ التُّراب دليلها /
طويت قيافيها ذهاباً وجيَّةً / أكانَ عناءً طيّها أم بليَّةً
كمن يبتغيها مُنيةً أو منيَّة / لعلِّي أُلاقي عصبةً عبشميَّةً
فروع مناجيبٍ كرام أُصولها /
إذا نطقوا بالقول فالقول مُفْلِقٌ / وإنْ حاولوا مجداً فعزم محلّق
لهم أرج لم يكتَتَم فهو معبق / ينم بهم مجد رفيع ومنطق
وينبي عن الخيل العتاق صهيلها /
لقد طالما قد بِتُّ أطوي وأنطَوي / علة مضضٍ أمسَتْ على الضَّيم تحتوي
فيا سعد قلْ لي إنْ نصحت فأرعوي / متى يلثم اللبات رمحي وترتوي
سيوفٌ بأَعناق اللئام صليلها /
أَحِنُّ إلى يومٍ عبوسٍ عصبصبِ / يبلّ غليلي منجب وابن منجب
فيا ليت شعري هل أراني بموكب / وحولي رجال من معدٍّ ويعرب
مصاليت للحرب العوان قبيلها /
شفاء لنفسي يا أُميمة حشرجت / أو السَّاعة الخشنا إلى الأمر أحوجت
فهل مثل آساد الشرى حين هيّجت / إذا أوقدوا للحرب ناراً تأجَّجت
مجامرها والبيض تدمى نصولها /
كهولٌ وشبَّانٌ كماة بأيّهم / ظفرنا رأينا كهلهم كفتيّهم
حماةٌ بماضيهم وفي سمهريِّهم / وبالسُّمر تحني البيض شبَّان حيِّهم
وبالبيض تحمي السُّمر قسراً كهولها /
من القومِ ما زالت تطبّق سحبهم / وفي عدم الجدوى تفارط صوبهم
كرامٌ بيوم الجدب يُعرَفُ خصبهم / يهشون للعافي إذا ضاقَ رحبهم
وجوهاً كأسياف يضيء صقيلها /
نماهم أبٌ عالي الجناب سميذع / وعن أصل زاكي العنصرين تفرَّعوا
فإن يدَّعوا العلياء كانَ كما ادَّعوا / إلى خندقٍ ينمى علاهم إذا دُعوا
ومن خير أقيالٍ إذا عُدَّ قيلها /
فمن لي بأبياتٍ يروقك وصفها / يُهان معاديها ويُكرَمُ ضيفها
بحيث العُلى والعزُّ ممَّا يحضّها / وما العزّ إلاَّ في بيوتٍ تلفّها
عذارى وأبكارُ المطيّ حمولها /
تلمّ بها إنْ داهمتها ملمّة / رجال مساعيها إلى المجد جمَّةٌ
وإن هي زمَّتها على السَّير أزمةٌ / تحفّ بها من آل وائل غِلْمَةٌ
لهم صولة في الحربِ عال تليلها /
وإنِّي لأشكو عصبةً ما تطأطأت / لرشد وإنْ تُدعَ إلى الرشد أبطأت
لها الويل قد خَطَّت ضلالاً وأخطأت / إلى الله أشكو عصبة قد تواطأت
على دَخَنٍ بغياً فضَلَّت عقولها /
إلامَ المعالي يملك الرذل رقّها / ويمنعها من ظلمه مستحقّها
ألا دعوةٌ للمجد نَوْفُ صدقها / ألا غيرةٌ تقضي المنازل حقَّها
وتوقظ وسنان التراب خيولها /
عوادي بميدان الوغى لمفاخر / بكلِّ نزاريّ على الموت صابر
إذا أَقْبَلَتْ من كلِّ عوجاء ضامر / عليها رجال من نزارٍ وعامر
مطاعين في الهيجا كريم قتيلها /
إذا نحنُ لم نحْمَدْ بحالِ ذهابنا / إلى شرِّ جيلٍ شرّهم قد أنابنا
فَلِمْ نعاني حزننا واكتئابنا / كفى حزناً أنَّا نعنى ركابنا
إلى معشرٍ من جيل يافث جيلها /
تركت ديار اللَّهوِ والعقل تابعي / وبدَّلْتُ سكناها بسكنى المرابع
وما غرَّني في الكون برق المطامع / إذا كانت العلياء حشو مسامعي
يريني المعالي سفحها وطلولها /
لقد خابَ مسعاها إليهم وبئسَ ما / تقحّمتْ الأَمرَ الخطير تقحّما
تروح رواءً ترتمي أيَّ مرتمى / فترجع حَسْرى ظلّعاً شفَّها الظَّما
فيا ليتها ضَلَّتْ وساءَ سبيلها /
لئن كانَ صحبي كلُّ أروع يجتري / على كلِّ ليث في الكريهة قَسوَر
ترفَّعْتُ عن رذل الصفات مصعّر / فلا ألوي للأَنذال جيدي ومعشري
بهاليل مستن المنايا نزولها /
إذا لم يكن ظلٌّ خليًّا من الأَذى / تلَذَّذْتُ في حَرِّ الهجير تلذُّذا
وبدَّلتُ هذا بعد أن عفته بذا / رعى الله نفسي لم ترد مورد القذى
وتصدى وفي ظلِّ الهجير ظليلها /
يرى المجدَ مجداً من أغار وأنجدا / ولم يُبْق في جَوْب الفدافد فدفدا
إلى أن شكته البيد راح أو اغتدى / ومن رام مجداً دونه جرع الرَّدى
شكته الفيافي وعرها وسهولها /
رجال المعاني بالمعالي منالها / مناها إذا ما حانَ يوماً نزالها
هي المجد أو ما يعجب المجد حالها / وما المجد إلاَّ دولة ورجالها
أُسودُ الوغى والسمهريَّة غيلها /
ديار بها نيطت عليَّ تمائمي / وكان العُلى إذ ذاك عبدي وخادمي
فكيف أرى في اللَّهو لمعة شائم / إذا أَبْرَقَتْ في السّفح صوب الغنائم
وشاقَ لعينِ الناظرين همولها /
يذكرني ذاك العهاد معاهدا / يروقك مرآه إذا كنت رائدا
فكنْ لي على صوْب الدموع مساعدا / متى سمعت أُذناك منِّي رواعدا
تصوب عَزاليها وتهمي سيولها /
ذكرتُ زماناً قد مضى في رحابها / سقته عيون المزن حين انسكابها
لقد شاقني ظبيُ الكناس الَّذي بها / فكم مرَّة في بعدها واقترابها
تشافت من الأرض الجراز محولها /
فأنبتَتِ الخضراءُ محمرَّ وَرْدها / وفاخرت البيداء في وشي بردها
ولما طغت في جَزرها بعد مدِّها / سقى كلَّ أرضٍ صوبها فوق حدِّها
ورواحها عقبى النسيم بليلها /
فيا ليت شعري هل أرى بعد دارها / من العنبر الورديّ مَوْقِدَ نارها
وهل ناشقٌ من رندها وعرارها / على أنَّها مع قربها من مزارها
تلوحُ لعيني في البعاد تلولها /
قضيت بها عيشاً على الرغمِ ناعما / أرى صادحاً في صفحتيه وباغما
فيوقظ من كانَ في الطيف حالما / ولم يستمع فيها عذولاً ولائما
إذا كانت الورقاء فيه عذولها /
فكم راكب فوق الكُمَيْتِ وسابقِ / بحَلبَة مجراه غدا غيرَ لاحق
إذا لمعت في اللَّيل لمعة بارق / يذرّ عليه بالسنا ضوء شارق
كما ذرَّه مصباحها وفتيلها /
فكن مسعدي يا سعد حين انقضائها / متى نفرت جيرانها من فنائها
وأقْفَرَ ذاك المنحنى من ظبائها / وحلَّ سوادٌ في مكان ضيائها
وما أُعْطِيَتْ عند التوسُّل سولها /
فما العيش إلاَّ مُنْيَةٌ أو مَنِيَّة / به النفس ترضى وهي فيه حريَّة
فهذي برود نسجها سندسيَّة / وما النفس إلاَّ فطرة جوهريَّة
يروق لديها بالفعال جميلها /
ففيها يكون المرء شهماً معظما / لدى كلّ من لاقاه بغدو مُكَرَّما
فهذا تراه بالفخار معمَّما / إذا المرء لم يجعل حلاها تحلّما
فقد خابَ مسعاها وضلَّ مقيلها /
فألطف آثار الحبيب طلولها / وأنفسُ أطرار السيوف نصولها
فهذي المزايا قلَّ من قد يقولها / وأحسن أخلاق الرجال عقولها
وأحسن أنواع النياق فحولها /
كمال الفتى يحلو بحسن صفاته / فيزهو لدى الأَبصار لطف سماته
يفوق الفتى أقرانه في هباته / وهل يقبل الإِنسان نقصاً لذاته
إذا كانَ أنوار الرجال عقولها /
فلا العرض من هذا الفتى بمدنَّس / إذا حلَّ في ناد بخيرٍ مؤسَّسِ
وهذا الَّذي قد فازَ في كلِّ أنفَس / فكم أثْمَرَتْ بالمجد أغصانُ أنفسِ
إذا ما زكت أعراقها وأُصولها /
يُؤَرِّقُني في ذكرهم حين يعرض / نسيمُ الصَّبا يسري أو البرق يومضُ
أحبَّةَ قلبي صدُّوا وأعرضوا / ويوحشني من بالرَّصافة قوّضوا
ولي عبرات في الديار أجيلها /
أرى جاهلاً قد نال في جهله المنى / كذا عالماً عانى على علمهِ العَنا
وذلك من جور الزَّمان وما جنى / ومن نكد الأيام أَنْ يُحرَمَ الغنى
كريمٌ ويحظى بالثراء بخيلها /
أراني وأنياقي لإلفٍ وصاحبي / إلى جانب أصبو وتصبو لجانب
فما بالنا لم نتَّفق في المذاهب / تَحِنُّ إلى أرض العراق ركائبي
وصحبي بأرض الشام طابَ مقيلها /
فهل تسمح الأيام لي برجوعها / فأحظى بأحبابٍ كرامٍ جميعها
لقد عاقني عنها نوًى بنزوعها / وأخَّرني عن جلّق وربوعها
علائق قد أعيا البخاتي حمولها /
لقد عادت الأيام تزهو بوصلها / وإشراق محياها وأبيض فعلِها
تذكَّرتها والعين غرقى بوبلها / وعاوَدَني ذكرى دمشق وأهلها
بكاء حمامات شجاني هديلها /
شجتني وما قلب الشّجيِّ كقلبها / ولم تحكِ من عينيّ منهلّ صوبها
فما برحت من شجوها أو لجّها / تردِّد ألحاناً كأَنَّ الَّذي بها
من الوجد ما بي والدموع أُذيلها /
منازل أشواقي ومنشا علاقتي / وسكر صباباتي بها وإفاقتي
حَلَفْتُ يميناً صادقاً جهد طاقتي / لئن بلَّغتني رمل يبرين ناقتي
عليَّ حرام ظهرها ومشيلها /
ولم أنسَ لا أنسِيتُ في كلِّ ضامر / وقوفي على ربع الظمياء داثر
بحسرةِ ملهوفٍ وصفقة خاسر / وكم لي على جيرون وقفة حائر
له عبرات أغْرَقَتْهُ سيولها /
ألَمْ تنظرِ الأَرزاء كيفَ تعدَّدَتْ / وساعدت النحسَ الشّقيَّ وأسعدت
قعدنا وقامت أرذلونا فسُوِّدَتْ / وكم باسقاتٍ بالرّصافة أقعدت
على عجزها حيث استطال فسيلها /
لقد نالها دنياً دنيٌّ تجبَّرا / فتاهَ على أشرافها وتكبَّرا
وكانَ أذلَّ العالمين وأحقرا / لحى اللهُ دنياً نالها أحقرُ الورى
وتاهَ على القومِ الكرام فسولها /
لعلَّ خطوباً قد أساءَت تسرُّني / عواقبها حتَّى أراها بأعيُني
وإنِّي على وهني لما قد أمضَّني / سأحمل أعباء الخطوب وإنَّني
لأنتظر العقبى وربِّي كفيلها /
عليكَ دُموعُ العَين لا زال تَنْهَلُّ
عليكَ دُموعُ العَين لا زال تَنْهَلُّ / وَوَجْدي بكم وَجْدَ المفارقِ لا يَسْلو
وها أنا من فقدانكم ما دَجا ليل / أبيتُ ولي وَجْدٌ حرارته تعلو
ودمعٌ لي في عارضي عارض هطلُ /
شُغِلْتُ بهذا الوجد قلباً مجدَّدا / ولم أرَ لي من شاغل الدَّمع منقذا
إلامَ أُعاني ما أُعانيه من أذى / وأطوي على جمرٍ وأُغْضي على قذى
وأُشغِلُ أعضائي وقلبي له شغلُ /
أُقضِّي نهاري في عسى ولربَّما / وأبكي عليكم كلّ آونةٍ دَما
وإنِّي وعيشٍ فيكم قد تصرَّما / إذا اللَّيل وافى ضِقْتُ ذرعاً إلى الحمى
وفاضت شؤون ليس يعقِلُها عَقْلُ /
شَجاني حَديثٌ بالبَوار مُصَرِّحُ / وأوْضَحَ لي حالَ الرُّصافةِ مُوضح
فمن ثَمَّ إنْ يُفضِحْ وللشوقِ مفصح / حَداني إلى الزَّوراء شوق مبرِّح
فلماذا الَّذي حَدَّثَتْ عن حالها سهل /
وقالوا نَبَتْ لكنْ بأرباب فضلها / وجارَتْ على أشرافها بعد عدلها
فقلتُ ولا مأوًى إلى غير ظلّها / إذا ما نبت دارُ السلام بأهلها
فلا جبلٌ يؤوي الكرام ولا سهل /
على ما أُصيبَت من عظيم مصابها / وما آذَنَتْ أحداثها بخرابها
فلا ظِلَّ إلاَّ في فسيح رحابها / وإنْ قَلُصَ الظلّ الَّذي في جنابها
فأين من الرَّمضاء في غيرها ظلّ /
أَيُعْرَفُ خفضُ العيش إلاَّ بخفضها / وفيض النمير العذب إلاَّ بفيضها
لئنْ أجْدَبَتْ يوماً فهل مثل روضها / وإنْ نَضِبَ الماء النمير بأرضها
فأيّ شراب في سواها لنا يحلو /
رعى الله ماضي عَهديَ المتقادمِ / ببغدادَ في رغدٍ منَ العَيش ناعمِ
وفي الكرخِ جاد الكرخ صوبُ الغمائمِ / ديارٌ بها نيطَتْ عليَّ تمائمي
قديماً ولي فيها نما الفرع والأَصلُ /
يكلِّفُني عنها النَّوى فوقَ طاقتي / فسُكري بتذكاري بها وإفاقتي
منازلُ أحبابي ومنشا علاقتي / بها سَكني في رَبعها الخصب ناقتي
بها جَملي يرغو بها قِيمتي تغلو /
تَذكَّرْتُ أحباباً لأيَّامِ جَمعها / ولم يَصْدَعِ البينُ المشتُّ بصَدْعها
فآهاً على وصلي لها بعد قطعها / ألا ليتَ شعري هل أراني بربعها
مقيماً وبالأَحباب يجتمع الشمل /
عفا ربعها من رَسْمِه وطلوله / وأضحى هشيماً روضها بمحوله
فيا هلْ يروِّيها الحيا بهموله / وهل روضها يخضرُّ بعد ذبوله
ويهمي على أوراقه الوبل والطّلّ /
لقد شاقني منها كرامٌ أماجدُ / مشاهِدُهم للعالمين مقاصِدُ
فهلْ أنا في تلك المقاعد قاعد / وهل أنا في يوم العروبة قاصد
لحضرة بازٍ شأنها الفصلُ والوصلُ /
وهل أنا يوماً ظافرٌ بمقاصِدي / فمكرمُ أحبابي ومكبتُ حاسِدي
وأجري مع الإِخوان مجرى عوائدي / وهلْ كلّ يوم لاثم كفَّ والدي
أبي مصطفى ذي همَّة أبداً تعلو /
وهلْ علماءٌ طبَّقَ الأرض علمُهُمْ / وحَيَّرَ أفهام البريَّةِ فَهْمُهُمْ
تَقَرّ بهم عيني وينجاب غمّهم / وهل أدباء الجانبين يضمّهم
وإيَّاي طاقٌ نقله الأَدب الجزل /
فأَغدو ولا كانَ التفرُّق لاقيا / وجُوهاً عليها قد بَلَلْتُ المآقيا
بطاقٍ رقى فيمن حواه المراقيا / وذلك طاقُ الشّهم لا زال باقيا
له العَقْد في أرجائه وله الحلّ /
وهل يُرِيَنِّي مُصبِحاً كلّ منجب / وخوَّاض أغمارِ الخطوب مجرّب
وكلّ فتًى عذب الكلام مهذّب / وهل يرينّي ذاهباً بعد مغرب
لتكيّة شيخِ العصرِ مَن جَوْرُه العَدل /
بناها لأشياخٍ قرارة عِزِّهم / وصَدَّرَهم فيها ولاذَ بحرزهم
وإنْ كانَ لم يفقه إشارة رمزهم / ففيها صدورٌ لازموه لعجزهم
وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلّوا /
بَلَوّنا سراها بعد إصرام حبلها / فكان من البلوى تعذُّرُ مثلها
ديارٌ عَرَفنا بعدها كنه فضلها / سلام على تلك الديار وأهلها
فهم في فؤادي دائماً أينما حلّوا /
يَروقُ لعَيْني أنْ تكونَ جلاءها / وتشتاقُ نفسي أرضَها وسماءها
ومن قال أسلو ماءها وهواءها / فوالله لا أسلو هواها وماءها
إذا كانَ قلبي عندها فمتى أسلو /
أحبَّتَنا مِنِّي السلامُ عليكمُ / إذا نُشِرَتْ صحفُ الغرام لديكمُ
أحبَّتنا والدهرُ أبعد عنكمُ / أحِبَّتنا هلْ من وُصولٍ إليكمُ
فقد تعبت بيني وبينكم الرسل /
تناءيت عنكم والهوى فيكم معي / كأنْ لم أكنْ منكم بمرأىً ومسمع
وقد طالَ بُعدي عن دياري وأربعي / ألا هِمَّةٌ تُرجى ووصلٌ مُرجّعي
لديكم إذا شئتم به اتصل الحبل /
أحِبَّتنا أصبو إلى حسن قولكم / وإنْ ذُقْتُ فيه المُرَّ من حُلو عذلكم
أحِنُّ لمغناكم وسامي محلكم / وإنّي بناديكم على سوء فعلكم
أرى أبداً عندي مرارته تحلو /
سألتُ إلهاً لم أخِبْ بسؤاله / بلوغَ المنى من فضله ونواله
وأدعو دعاءَ العيد عند ابتهاله / وأسأل ربي بالنبيّ وآله
يسهّل عَودي نحوكم وله الفضل /
سقاكِ الحيا من أَرْبُعٍ وطلولِ
سقاكِ الحيا من أَرْبُعٍ وطلولِ / وحَيًّاك منه عارضٌ بهَطولِ
وجادَ عليكِ الغيثُ كلَّ عشيَّةٍ / تسيل الرُّبا من صوبه بسيول
عفا رسمُ دارٍ غيَّرَ النَّأْيُ عهدها / فطالَ بكائي عندها وعويلي
وقفتُ بها أستنزفُ العينَ ماءهَا / بمُنْسَكِبٍ من مدمعي وهمول
وأشكو غليلَ الوجد في عَرَصَاتها / وما لي فيها ما يبلُّ غليلي
إلامَ أُداري مهجةً شفَّها الهوى / بريَّا صباً من حاجرٍ وقبول
وأكتمُ وجدي عن وُشاتي وعُذَّلي / وأُخفي الجوى عن صاحبي وخليلي
وقد عَلِمَ الواشون بالحبِّ أنَّني / أطعْتُ غرامي إذ عَصَيْت عذولي
أَلا مَن لقلبٍ لا يقرُّ من الجوى / وجَفْنٍ لتسكابِ الدُّموع مذيل
وما هاجني إلاَّ وميضٌ أشِيمه / كما لاحَ من ماضي الغرار صقيل
يذكِّرني ما لستُ أنساه في الغضا / هبوبَ شمالٍ في مدار شمول
فواهاً لأيَّام قَضَيْتُ ومربعٍ / سَحَبْت عليه بالسّرور ذيولي
وصهباءَ يسقيها مليحٌ تَلَذُّ لي / بأحوى غضيض الناظرين كحيل
وقد نظمَتْ فيها الحبابُ كواكباً / وزَرَّتْ عليها الشمس ثوبَ أصيل
فهل يرجع الماضي من العيش في الحمى / ويخضرُّ عُود اللَّهو بعد ذبول
أَحِنّ إلى عهد الشَّباب وطيبه / وحَيٍّ بأحناء الضلوع نزول
مصارع عشَّاقٍ ومغنى صبابة / وكم في الحمى من مصرعٍ لقتيل
أَحِبَّتنا هلْ من رسولٍ إليكم / وهل مبلغ عنِّي الغرام رسولي
جَفَوتم فأكثرتم جفاكم على النوى / ألا فاسمحوا من نيلكم بقليل
فعندي من الأَشواق ما لو أبُثُّه / عَرَفْتُم بأشراكِ الفتون حصولي
ذُهِلْتُ بكم عَن غيركم بغَرامِكم / وفيكم لعَمري حَيْرتي وذُهُولي
سأَطلبُ أسباب العُلى ولوَ انَّها / بأَنياب آسادٍ ربضنَ بغيل
ولستُ بناءٍ عن منًى وركائبي / ضوامنُ في إزعاجها بوصول
أُسَيِّرها ما بينَ شرقٍ ومغربٍ / وما بينَ وَخْدٍ مزعجٍ وذميل
وإنِّي وإنْ لم آمن الدهر خطبه / وما أَمنَ الأَيَّام غير جهول
وأنهضُ أحياناً إلى ما يريبني / وإنْ غَرَّ بعض الجاهلين خمولي
حمول لأعباء الخطوب بأسرها / ولكنَّني للضيم غير حمول
وما ذلَّ في الدُّنيا عزيزٌ بنفسه / ولا عاشَ حرُّ القوم عيش ذليل
ترفَّعْتُ عن قوم زهدتُ بودّهم / وما هُمْ بأمثالي لا بشكولي
وحاولْتُ عزّ النَّفس بالصَّدّ عنهم / وما كنتُ إلاَّ في أعزّ قبيل
وما سرَّني إلاَّ جميل محمَّد / وليسَ جميلٌ بعد آل جميل
تظلَّلْتُ من بين الأنام بظلِّه / فأصْبِحْتُ في ظلٍّ لديه ظليل
ظفرتُ بهم غرَّ الوجوه أماجداً / بكلِّ جليل القدر وابن جليل
يخبّر سيماهم بغرِّ وجوههم / إذا بَزَغَتْ عن مجده بأَثيل
ويُشْرِقُ من لألاء صبح جبينهم / شموسُ معالٍ لم تُرَعْ بأفول
لئنْ أتَتِ الدُّنيا بأمثال غيرهم / فهيهات أنْ تأتي لهم بمثيل
فمن برِّهم نيلي مكارم برّهم / فأكرمْ به من نائلٍ ومنيل
مناجيبُ لم يدنس من اللُّؤم عرضهم / ولا عَلِقَتْ أُمٌّ لهم ببخيل
فروعٌ تسامت للمعالي وأفْرَعَتْ / بطيبِ فروعٍ قد زكَتْ بأُصول
يُصيخون للدَّاعي إلى كشف ضرّهِ / لدى كلِّ خطبٍ في الخطوب مهول
فمنْ كلِّ سمَّاعٍ مجيبٍ إلى النَّدى / سريع إلى الفعل الجميل عَجول
وكمْ نازل مثلي بساحة حيِّهم / أَقامَ ولم يُؤْذنْ له برحيل
أَراشوا بني عبد الغنيّ جناحَه / فأثرى بمالٍ ما هناك جزيل
وأصْبَحَ ذا جاهٍ عزيزٍ بجاههم / عريضٍ على عرض الزَّمان طويل
شكرتهُم شكر الرياض يدُ الحيا / بأصدقِ قالٍ بالثناءِ وقيل
وأثْنَتْ عليهمْ بالجميل عوالمٌ / فمن مقصرٍ في مدحِهِم ومطيل
وما زالَ لي من جود كفِّ محمَّد / رواءُ غليل أو شفاءُ عليل
فتًى شغلَ الدُّنيا بحُسن ثنائه / وقامَ له بالفضل ألْفُ دليل
من القوم يهديهم إلى ما يسرُّهم / مداركُ أفكار لهم وعقول
سليل المعالي وابنها ونِجارها / فبُورِك من زاكٍ زكا وسليل
ظفرت به دون الأنام بماجدٍ / قؤولٍ بما قالَ الكرام فعول
ألا بأبي من قد هداني لبرّه / وأوْضَحَ في نَهْجِ العلاء سبيلي
تقال لديه في المكاره عَثْرتي / وفي ظلِّه عند الهجير مقيلي
أرى جُمَل الإِحسان والخير كلَّه / مفصَّلة في ذاتكم بفصول
رفعْتُمْ برغم الحاسدين مكانتي / فمنزلتي فوقَ السُّها ونزولي
إذا غبتُ عنكم أُبتُ من بعد غيبتي / وكانَ إليكم أوْبَتي وقفولي
سَموْتُم بحمد الله أبناء عصرِكم / وكنتُمْ بهذا الجيل أكرم جيل
رعى الله من يرعى الوداد وأهْلَهُ / وليسَ له فيه تلوُّن غول
إليكم بني عبد الغني قصيدةً / من الشّعر تحكي دقَّتي ونحولي
أُبشِّر بالإِقبال نفسي وبالمنى / إذا وَقَعَتْ من لطفكمْ بقبول
وَعَدْتنَّ طَرفي بالخيالِ وِصالا
وَعَدْتنَّ طَرفي بالخيالِ وِصالا / وإنجازُكُنَّ الوَعْد كانَ مطالا
وإنِّي لأرضى بالأَماني تَعِلَّةً / وأَقنعُ ما كانَ الوصال خيالا
فبتُّ أُذيلُ الدمع ينهلُّ صَوْبَه / وما زال دمع المستهام مذالا
وفي القلب من نار الجوى ما يذيبه / كأَنَّ به ممَّا أَجِنُّ ذبالا
ولي كبِدٌ حرَّى تَودُّ لوَ انَّها / تصادف من ريّ الحبيب بلالا
وأنتِ شِفائي يا أُميمُ وإنَّني / أُعالِجُ داءً في هواكِ عضالا
فليتك يوم الجزع كنتِ عليمةً / بما قلتُ للاّحي عليكِ وقالا
ويومٍ كحَرِّ القلبِ من أَلم النوى / تَفَيَّأْتُ من سُمر الرِّماح ظلالا
ببيداء لا تُهدى القطا في فجاجها / ولا وطئت فيها السَّماءُ رمالا
فآنَسَني فيها ادِّكارُكَ والأَسى / يحضُّ عليك الدَّمعَ أنْ يتوالى
ولم أَنْسَ إدلاج الرفاق بليلةٍ / يَضِلُّ بها النجم السبيلَ ضلالا
وقد سام فيها النوق سلوانها الغضا / ألا لا تَسُمْهُنَّ السلوَّ ألا لا
نَهَضْنَ بنا في المنجبات خفائفاً / تَحمَّلنَ أعباءَ الهموم ثقالا
فظلَّتْ ترامى بالرِّجال تَوَقُّصاً / وتَنْحَطُّ من تحت الرِّجال كلالا
ولم تَدْرِ من فتيان عدنان أنَّها / حَمَلْنَ رِجالاً أمْ حَمَلْنَ جبالا
إذا ذَكَرَتْ في الأَبرقين مُناخَها / كما هِجْتَ في البيد القفار رئالا
أَما وفناءِ البيت يسمو ومن سعى / إليه وقد حثَّ المطيَّ عجالا
لئنْ بلَّغَتْني ما أُحاوِلُ ناقتي / وَرَدْتُ بها ماءَ العُذَيب زلالا
ونَشَّقْتُها رنْدَ الحمى وعَرارَهُ / يَضوعان ما مرَّ النَّسيمُ شمالا
ودارٍ أناخَ الركب فيها مطيَّهم / فكانت لهم تلك الرسوم عقالا
فظَلَّ بها سعدٌ يكرُّ بطرفه / إليها ويسقيها الدُّموع سجالا
تُسائِلُ رسمَ الدَّار عن أُمَّ سالمٍ / فهلاَّ أَفادتك الدِّيار سؤالا
ألا بأبي سِرْباً تَنافَرُ عينُه / يميناً على رغم الهوى وشمالا
فما لمحت عيني بعدُ غزالةً / ولا اقتنص اللَّيث الهصور غزالا
وما بالكنَّ اليوم إذ شابَ مفرقي / وأصبحَ حظِّي عندكنَّ وبالا
هجرتنَّني هجر الشَّبيبة بعدما / أَظَلَّ بها ظلُّ الشَّباب وزالا
وقد كانَ منكنَّ الصُّدود على الهوى / دَلالاً فأَمسى صدُّكنَّ ملالا
مضى زَمَنٌ يا قلبُ ليس براجعٍ / نَعِمْتُ به قبلَ المشيبِ وصالا
فلا تطلبنَّ الماضيات تصرَّمَتْ / فليس بحالٍ أنْ تسُرّك حالا
وإنَّكَ إنْ حاوَلْتَ حرًّا تصيبه / تطلَّبْتَ من هذا الزَّمان محالا
أَقِمْ في ذُرا عبد الغنيّ وإنْ تَشأْ / فسَرِّحْ إليه أنيقاً وحمالا
فما لبني الحاجات عن فضله غنًى / وحَسْبُ الأَماني موئلاً ومآلا
متى تقصر الأَيدي عن الجود والنَّدى / وجَدْتَ أَياديه الطوال طوالا
إباءٌ يضيم الضَّيم وهو ممنّع / ويَصْفَعُ من ريب الزَّمان قذالا
فلو أنْصَفَتْه الأنجُم الزهر قبَّلَتْ / وحقّك أقداماً له ونعالا
عليك به طوداً من المجد باذخاً / وكم طاول المجد الأَثيل فطالا
بأَصدق من أَلقى المقالة لهجة / إليك وأَعلى من رأَيت فعالا
رحيب فناء العزّ ما ضاقَ ذرعه / إذا ضاقَ ذرعاً غيره ومجالا
وما ولدت أُمُّ اللَّيالي بمثله / وإنَّ اللَّيالي لو نَظَرْتَ حبالى
من القوم كانوا والحوادث جمَّة / سُيوفاً حِداداً أُرْهِفَتْ ونصالا
يكفُّون للرزء المبرِّحِ أيدياً / إذا جالَ يوماً بالخطوب وصالا
تبارك من أعطاه بالنَّاس رأفةً / يرقّ بها سبحانه وتعالى
فيا طالباً يمَّمتُه فبلغته / لأَبلغ جاهاً من لَدُنْه ومالا
فأَقبلَ إقبال السَّحاب بجوده / عليَّ فأمرى ماءه وأسالا
وإنِّي إذا قلتُ القريضَ بمدحه / لأصدقُ من قال القريض مقالا
مغيثي إذا قلَّ المغيثُ وناصري / وإنْ عَثَر الجدُّ العثور أقالا
لسانك والعضب اليمانيّ واحدٌ / إذا أقصرت عنه الفحول أطالا
وما لك ندٌّ فيهم غير أنَّني / رأيتُ لك البدرَ المنير مثالا
وتلك سجاياك الَّتي أنتَ نِلتَها / لقد أُبْعِدَتْ عن حاسديك منالا
تغيَّرتِ الدُّنيا وقد حال حالها / وما غيَّرتْ منك الحوادثُ جالا
ومن ذا الَّذي يُرجى سواك ويتَّقى / نزالاً لعمري تارةً ونوالا
لديك أبا محمود نلتمس الغنى / جميعاً ولم نبرح عليك عيالا
وما نحن إلاَّ من نوالك سيِّدي / كما أُمطِر الربعُ المحيلُ فسالا
ومنك ولم تبخل وإنَّك قادرٌ / تَمنَّى الدراري أنْ تكون خصالا
إذا هتف الدَّاعي باسمِكَ فلتكن / لملتمسٍ يبغي جميلك فالا
ملأْتَ قلوب العارفين بأسْرِها / جَلالاً وعين الناظرين جمالا
إليكَ ولا منٌّ عليك قوافياً / إذا أُمْلِيَتْ للبان طال ومالا
ولي فيك من حُرّ الكلام وصفْوِه / قصائدُ تروي عن علاك خلالا
فكانت على جيد الزَّمان قلائداً / تلوح وفي بعض القلوب نبالا
تريك مراء القول فيما تقوله / حراماً وسحرَ البابليّ حلالا
بَخِلْتَ وما طرفي عليك بخيلُ
بَخِلْتَ وما طرفي عليك بخيلُ / وربَّ نوالٍ لا يراه منيلُ
وحرَّمت أن يروى بريقك ظامئٌ / فليسَ إلى ماء العُذَيب سبيل
وأظلمُ من يجني على الصّبّ في الهوى / مليٌّ لوى دين الغرام مطول
ويا كثر ما نوَّلت بالوعد نائلاً / وإنَّ كثير الغانيات قليل
أعيدي إلى عينيَّ يا ميُّ نظرةً / يبلّ بها من عاشقيك غليل
وجودي بطيف منك قد حالَ بينَه / وبيني حزون للنَّوى وسهول
فعندي إلى ذاك الخيال الَّذي سرى / هوًى يستميل الشَّوق حيثُ يميل
وليلٌ كحظِّي في هواك سهرته / فطالَ وليلُ العاشقين طويل
يؤرِّقني فيه تألُّقُ بارقٍ / كما اسْتلَّ ماضي الشّفرتين صقيل
بداجٌ كثير الشُّهب تحسبُ أنَّها / تقطّع زنجيَّ الظَّلام نصول
يذكِّرني تبسامك البرق موهناً / فللدمع منه سائل ومسيل
أراني علامات الورود وَميضه / وما لي إليه يا أُميم وصول
وما ينفع الظَّامي صداه بنظرة / إلى الماء ما منه لديه حصول
خليليَّ هل يؤدَّى دمٌ قد أطلَّه / بمقلته أحوى أغَنُّ كحيل
رماني بعينيه غزالٌ له الحشى / على النَّأي لا ظلّ الأَراك مقيل
عشيَّة أودى بي الهوى وأرابني / من الرّكب إذ حثَّ المطيَّ رحيل
برُغميَ فارقتُ الذين أُحبّهم / فلي أنَّةٌ من بعدهم وعويل
وما تركوا إلاَّ بقيَّة عبرة / برقرقها وجدي بهم فتسيل
تُذيلُ دموعاً في الدِّيار أُريقها / نجومٌ لها في الغاربين أُفول
غداة وقفنا والنياق كأَنَّها / مرزَّأَةٌ ممَّا تحنّ ثكول
فأنكرت أطلالاً لميٍّ عرفتها / وإنِّي على علمي بها لجهول
نسيمُ الصَّبا ذكَّرتني نشوة الصّبا / فهل أنتَ من ليلى الغداة رسول
تَنَسَّمتَ معتلاً فلم أدرِ أيّنا / بظلِّ نسيمات الغُوَير عليل
متى أَترك النوق الهجان كأَنَّها / لها كلَّما ضلَّ الدَّليل دليل
واتَّخذ البيد القفار أخِلَّةً / ولكن روضي بالعراق محيل
ولو كنت ممَّن يشرب الماءَ بالقذى / رويت وفي ريّ الذليل غليل
عن النَّاس في عبد الغني لي الغنى / وكلّ صنيع ابن الجميل جميل
كريمٌ فأمَّا العيش في مثل ظلِّه / فرغدٌ وأمَّا ظلّه فظليل
قريبٌ إلى الحُسنى فلم يرَ مثلُه / سريع إلى الفعل الجميل عجول
من الصّيد سبَّاق المقال بفعله / وقلَّ قؤولٌ في الأَنام فعول
سأُنزِلُ آمالي بساحة باسلٍ / وما ضيمَ يوماً في حماه نزيل
به افتخرت بغداد وانْسَحَبتْ لها / من الفخرِ في قطر العراق ذيول
علاقته بالمجد مُذْ كانَ يافعاً / علاقة صبٍّ ما ثناه عذول
غَذَتْه به أُمُّ المعالي لبانَها / وطابتْ فروعٌ قد زكتْ وأُصول
فما اقتَحم الأَهوال إلاَّ خطيرةً / تجلّ وما يلقى الجليلَ جليل
ولا راعه روعٌ فلانت قناته / فلا مسَّ هاتيك القناة ذبول
أرى كلّ ضرَّاء شكوناه ضرّها / يزايلها في بأسه فتزول
على ما به من شدَّة البأس لم يزلْ / يذوب علينا رقَّةً ويسيل
ترقُّ لنا تلك الشَّمائل مثلما / ترقُّ شمال أو تروق شمول
يحنُّ إلى يومٌ يُثير غبارَه / صليل كما تهوى العُلى وصهيل
يُدير رَحاها حيثُ دارت مثارة / شروبٌ لأبطال الرِّجال أَكول
إذا صَعُبَتْ دهياءُ في الأَمرِ قادها / بأَمر مطاعِ الأَمرِ وهي ذلول
يقينا صروف النَّائبات كأَنَّه / لنا جبلٌ والعالمين تلول
ولولاه لم يخمد من الشّرّ ناره / ولا سالَ للباغي النوال سيول
لك الله أمَّا أنتَ فالخير كلّه / وأنتَ به لي ضامنٌ وكفيل
أنَلْتَ بنا نوَّلت كلّ مؤَمِّلٍ / فعَلَّمْتَ صوب المُزن كيفَ ينيل
وإنَّا على يأس النَّدى ورجائه / لنا منك رجَّافُ العشي هطول
وما فيك ما تعطي مَلالاً ولا قلىً / وغيرك إنْ سيمَ العطاء ملول
ولم تَتَحوَّل عن خلائقك الَّتي / جُبِلْتَ عليها والزمان يُحيل
فيا ليت شعري والخطوب مُلِمَّةٌ / وما بك عنِّي في الخطوب غفول
إلامَ أحثُّ الجدَّ والجدُّ عاثر / وأُرْهِفُ حدَّ العزمِ وهو كليل
وأطلبُ في زعمي من الدهر حاجةً / زماني بها حاشا علاك بخيل
وكيف يريني الدهر ما استحقُّه / وفضلي لدى هذا الزمان فضول
إذا نَهَضتْ بي همَّةٌ قَعُدَتْ بها / على مضضٍ فيما أراه خمول
وعندي قوافٍ لا يدنِّسُ عِرْضَها / لئيمٌ ولا يشقى بهنَّ نبيل
ظوامئُ يطلبنَ الرَّواء بمهمهٍ / تطوف على أكفائها وتجول
تَجنَّبَتِ القومَ اللئامَ فلم تبل / أعانَ معين أمْ أراب خذول
متى اعْتَرَضْهم بالأَماني ضلَّةً / ثناها وجيف عنهم وذميل
فما أوْلَعَ الأَيَّام في جهلائها / وفي النَّاس أشباه لها وشكول
ولو أنَّها تصغي لعتبي أذقتُها / وبال حديث في العتاب يطول
وما تنفع العُتبى وما ثمَّ منصف / أَقول له ما أَشتهي ويقول
تَبَيَّنَ حقٌ للعباد وباطلُ
تَبَيَّنَ حقٌ للعباد وباطلُ / ونِلْتَ بحمد الله ما أَنْتَ نائلُ
وما حاق مكر السَّوء إلا بأهله / وبعد فما يدريك ما الله فاعل
لقد نقلوا عنك الَّذي هو لم يكن / فأدحِضَ منقولٌ وكُذِّب ناقل
وجاؤوا بما لم يَقْبَلِ العقلُ مثلَه / ولا يرتضيه في الحقيقة عاقل
شهودٌ كأسنان الحمار فبعضهم / لبعض وإن يأبَ الغبيُّ أماثل
أراذلُ قومٍ ساءَ ما شهدوا به / وما ضَرَّتِ الأشرافَ تلك الأراذل
أتَوكَ بتزوير على حين غفلة / وأَنْتََ عن التزوير إذ ذاك غافل
وقُلتَ وقال الخصم ما قال وادَّعى / وهل يستوي يا قوم قسُّ وباقل
أقام على بطلانه بدليله / دليلاً وللحقّ الصريح دلائل
ولو كانَ يستجديك فوق ادّعائه / لَجُدْت به فضلاً وما أَنْتَ باخل
ولو أنَّه يبغي إليك وسيلةً / لما خيَّبَتْه في الرِّجال الوسائل
ولكن بسوء الحظْ يثني عنانه / إلى حيث يشقى عنده من يحاول
وإلاّ لما أمسى يعضّ بنانه / يعنّفه لاحٍ ويخزيه عاذل
ولا لاح محروماً مناهل فضلكم / وكيف وأنتم في النوال مناهل
لقد نزع الأشهاد من كل فرقة / ولا بأس فالقرن المنازع باسل
وقد زَيَّنَ الشيطانُ أعمالَه له / على أنهه لم يَدْرِ ما الله عامل
وأعْمَلَتِ الأهواء فيه كما اشتَهَتْ / فلا دَخَلَتْه بعد هذا العوامل
ومن جهله ألقى إلى الزور نفسه / وجاء بما لم يأته اليوم جاهل
وأنَّى له بالشاهد العدل يُرتضى / ويقدم في إشهاده ويجادل
أيَشْهَدُ ديُّوثٌ ويُقبلُ قَوْلُه / وهل قال في هذا من النَّاس قائل
وإقرارُ حربيٍّ على غير نفسه / فلا هو مقبول ولا أَنْتَ قابل
لدى حَكَمِ عدلٍ بدين محمد / وإنْ لم يكنْ عدلٌ فربُّك عادل
ومن ذا قضى بالظنّ يوماً على امرئٍ / وحسبُك حكمُ الله قاضٍ وفاصل
وعارٍ من التدبير والعقل والحجى / وإن كانَ قد زُرَّت عليه الغلائل
رأى الرأيَ بعد المال قتلاُ لنفسه / على المال حرصاً فهو لا شك قاتل
كما كانَ ما قد كانَ منه وغَرَّهُ / نصيحُ مداجٍ أو عدوٌّ مناضل
ووافق رأياً فاسداً فأماله / وكلٌّ عن الإقبال بالصلْح مائل
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى / فكلُّ معينٍ ما عدا الله خاذل
ضلالاً لقوم يكنِزون كنوزَهم / لأبنائهم والله بالرّزق كافل
لقد شَقِيَتْ منهم على سوءِ ظنِهم / أواخرهم فيما جَنَتْه الأوائل
ولم يَدْر مالٌ أودعَ الأرض طالعٌ / لعمرك أمْ حتفٌ من الله نازل
ستهلِكُ قومٌ حسرةً وتأسُّفاً / عليه وأطماع النفوس قواتل
تعجّل في الدنيا عقوبة طامع / ومن نكبات المرء ما هو آجل
إذا شام برقاً خلباً ظنَّ أنَّه / مخايل لا بل كذّبته المخايل
وما كلُّ برقٍ لاح في الجو ممطرٌ / ولا كلُّ قَطْرٍ لو تأمَّلت وابل
وكم غرَّ ظمآناً سرابٌ بقيعَةٍ / وأغناه طيفٌ في الكرى وهو زائل
تَناوَلَ بالآمال منك مرامَه / وأنّى له منك المُنى والتناوُل
وقد شَنَّ غارات الدَّعاوى جميعها / إليكَ ولم تُشْغِله عنك الشواغل
ولو حكموا من قبلها في جنونه / وعاقَتْه عما كانَ منه السلاسل
لما ذهبت أمْوالُه وتَقَلّبَتْ / به الحال فيما يبتغي ويحاول
ولا دَنَّسَ العرضَ النقيَّ بشاهدٍ / من العار لم يغسله من بعد غاسل
لقد خاب مسعاه وطال وقوفه / على مطلب ما تحته اليوم طائل
وما حصل المعتوهُ ظنًّا يظنُّه / ومن فعله فيها وما هو فاعل
وتكذيب دعواه وتخجيله بها / ألا ثكلت أُمَّ الكذوب الثواكل
تحمَّلْتَ أعباءَ المشقّة للسُّرى / وكلُّ نجيب للمشقّة حامل
وأقْبَلْتَ إقبالَ السَّعادة كلَّها / عَلَينا كما وافى من الغيث هاطل
يشيرون بالأيدي إليك وإنما / تشير إلى هذا الجناب الأنامل
ليهنك حكم الله يمضي غراره / مضاء حسام أرْهَفَتْه الصياقل
تبرّأتَ مما قيل فيك براءةً / من الله إشهادٌ عليه الأفاضل
تبرّأتَ من تلك الرذائل نائياً / وحاشاك أن يدنو إليك الرذائل
وما تسلُك الأوهام فيها حقيقة / ولا حملت يوماً عليها المحامل
نعمنا بك الأيام وهي قليلة / لديك وأيام السرور قلائل
وأمْسَتْ دمشق الشام تشتاق طلعةً / لوجهك مثل البدر والبدر كامل
وإنَّك منها بالسرور لقادم / وإنك عنَّا بالفخار لراحل
لأمر يريد الله كشف عَمائه / تُجابُ له بيدٌ وتُطوى مراحل
فمن مبلغٌ عنِّي دمشقَ وأهْلَها / بشارة ما قد ضَمَّنتها الرسائل
عَدَتْ منكم فينا عوادٍ عوادلٌ / وسارت لنا فيكم قوافٍ قوافل
وأصبحَ من ناواكُمُ بعدَ صيته / كئيباً وأمَّا ذكرُه فهو خامل
تناهى إلى عَيٍّ فقصّر دونه / وعند التناهي يقصر المتطاول
بحُكْمِكَ زالَ الظلمُ وابتَسَم العَدلُ
بحُكْمِكَ زالَ الظلمُ وابتَسَم العَدلُ / وفي سَيْفكَ الماضي وفي قولك الفِعْلُ
وما زِلتَ ترقى رتبةً بعد رتبةٍ / ومثلُك من يسمو ومثلك من يعلو
وقُلِّدتَ أمراً أَنْتَ في النَّاس أهلُه / ولا منصب في الحكم إلاَّ له أهل
وقُدِّمْتَ في أمر الوزير وإنَّما / علينا له في مثل تقديمك الفضل
وقُمْتَ بتدبير العراق مقامَه / فما ضعضع الأَقطارَ نصبٌ ولا عزل
وكادت تمور الأرض جهلاً فعندما / استقرَّ عليها أَمرُكَ ارتفع الجهل
يزينك عقلٌ راجحٌ ورزانة / ألا إنَّما الإِنسان زينته العقل
وفيك اجتماع الفضل والحسن كلِّهِ / وأَحسَنُ ما فيك الشَّجاعة والبذل
أَطاعَتْكَ هذي النَّاس خوفاً ورغبةً / فللطائع الجدوى وللمفسد القتل
وما زِلتَ مُذْ وُلِّيتَ أمراً نظمته / حُسامُك مُستلٌّ وسيبك منهل
وما أنا بالدَّاري إذا كنت في الوغى / أعزمك أم ما استُلَّ في كفِّك النصل
بنفسك باشرتَ الأُمور جميعها / فلا وَكِلٌ عند المرام ولا كلُّ
إذا أطعمتك النَّفس بالشَّيء نلته / وإنْ وعدتك النَّفس شيئاً فلا مطل
ولست كمن يبغي الأَماني بعدما / تصرَّمَتِ الآمال وانقطع الحبل
أحالوا على الرَّمل الأَماني ضلَّة / وأكذب شيءٍ ما يقول به الرَّمل
ولكنَّما أَنْتَ الَّذي نال حزمه / مُناه ولم يبعد عليه بها نَيْلُ
وفَتَّحتَ أبواب المكارم بالنَّدى / وكانَ عليها قيل تفتيحها قفل
ليهن العراقين الهناء فقد سرى / إليها المحض والنائل الجزل
عَقَدْتَ أُموراً قد تمادى انحلالها / ومثلُكَ من في أمره العقد والحلُّ
وكم لك يوم الضَّرب والطَّعن موقف / هو الهَوْلُ بل من دون موقفه الهول
خَليليَّ هلْ لي بَعْدَ أَسْنِمَة النَّقا
خَليليَّ هلْ لي بَعْدَ أَسْنِمَة النَّقا / بسَلْع إلى مَن هَوَيْتُ وُصولُ
فقد حال لا حال اشتياق لهم / مراحلُ فيما بيننا ورحيل
حَمَلْتُ هواهم يا هذيم على النوى / وما كلُّ صبٍّ يا هذيم حَمُول
فَصِرتُ إذا لاحت لعينيَّ أرسمٌ / بدارٍ خَلَتْ من أهلها وطلولُ
أُكفكِفُ من عَينيَّ خشية / من الواشي أَنْ يدري بها فتسيل
أَفي كلّ رسمٍ دارسٍ لي وقفة / تطول عليه أنَّةٌ وعويل
وأَرعى نجوم اللَّيل وهي طوالع / إلى حين تلقى الغرب وهي أفول
لعلَّ خيالاً طارقاً منك في الكرى / فيُشفى عَليلٌ أَو يُبَلَّ غَليل
وأُرسلُ في طيّ النَّسيم تحيَّةً / إليكَ وما غير النسيم رسول
نظيرك مكحول النواظر خلقةً / غرير غضيض الناظرين كحيل
فإن نظرتْ عيناك عيني تارةً / رأيتَ سيوف الحتف كيف تصول
وما فتنة العشَّاق إلاَّ نواظر / تصابُ قلوب عندها وعقول
عصيتُ بك العُذَّال في طاعة الهوى / إذا لام جهلاً لائمٌ وعذول
وما أَثقلَ القولَ الَّذي لامني به / وإنْ كنتُ مشتدّ القوى لضئيل
وليسَ يعينُ المستهام على الأَسى / من الوجد إلاَّ صاحبٌ وخليل
لأسماءَ دارٌ حيثُ منْقَطع الرَّملِ
لأسماءَ دارٌ حيثُ منْقَطع الرَّملِ / سقاها برِجافِ العشيَّة منهَلِّ
وجَرَّتْ عليها الذَّيلَ وطفاءُ أبرَقَتْ / وراحتْ ومن جلجالها زجَلُ الفَحلِ
وإنِّي لأستسقي لها وابلَ الحيا / وإنْ كانَ دمعي ما ينوب عن الوبلِ
عَهِدْتُ الهوى فيها وكانت كأنَّما / مواقيتها الأولى مواسم للوصل
حَلَفْتُ بأحشاءٍ يُحَرِّقها الجوى / وكلّ قريحِ الجفن بالدَّمع مبتلّ
وما رُمِيَتْ من مهجةٍ صادها الهوى / بمكحولة العينين من غير ما كحل
لقد فَتَكَتْ بي أعينٌ بابليَّةٌ / فويحك يا قلبي من الأَعين النجل
وقد فعلَ الشَّوق المبرّح في الحشا / كما تفعلُ النِّيران بالحطب الجزل
وإنْ فاضَ دمعي لا أزال أُريقه / فمن كبدٍ تصلى ومن لوعةٍ تصلي
وجور زمان لو أَرى فيه منصفاً / لحاكَمْتُهُ فيه إلى حكم عدل
أَمثلي يطوفُ الأرض شرقاً ومغرباً / على أرب يرضى من الكثر بالقلّ
وتقْذِفُني الأَسفار في كلّ وجهةٍ / فمن مهمهٍ وعرٍ إلى مهمهٍ سهل
وتَحْرِمُني الأَيَّام ما أَسْتَحِقّه / فلا كانت الأَيَّام إذ ذاك في حلّ
وأرجع أختار الإِقامة خاملاً / حليف الجهول الوغد والحاسد النذل
وقد عكفت قومٌ على كلّ جاهلٍ / كما عكفت أقوامُ موسى على العجل
يطاولني من لَسْتُ أرضاه موطئاً / وأُكْرِمُ نعلي أنْ أقيسَ به نعلي
وفاخَرَني من يحسب الجهل فخره / وناظرني من لم يكنْ شكله شكلي
فتبًّا لدهرٍ تُسْتَذَلُّ قرومُه / وتستكبِرُ الأَنذال فيه وتستعلي
أقاموا مقامي من جهلت بزعمهم / فما قام في عقدٍ هناك ولا حلِّ
ولو طلبوا مثلي لَعَزَّ وجوده / وما وَجَدوا مثلي وأنَّى لهم مثلي
إلامَ أُمَنِّي نفسَ حُرٍّ أَبيَّةٍ / شديدٍ عليها في الدّنا موقفُ الذّلِّ
أُواعدها والدَّهر يأبى بساعةٍ / تَبُلُّ غليلي حين تنزعُني غلِّي
ويعذُلني من ليسَ يدري ولو درى / لما عجَّ في لومي ولا لجَّ في عذلي
على أنَّني ما بين شرّ عصابةٍ / حريصين لا كانوا على الخلق الرذل
لقد أنكروا أشياءَ أفضُلُهم بها / وما عَرَفوا في الدَّهر شيئاً سوى البخل
وما أشْفَقوا من وخز دهياء طخيةٍ / كما أشفقوا يوم النَّوال من البذل
مدحتُ شهاب الدِّين بالعلم والحجى / ومدح شهاب الدِّين فرضٌ على مثلي
وما يَمَّمَتْ بي ناقةٌ غير بابه / ولا وَقَّرتْ إلاَّ بإحسانه رحلي
هو الشَّرف الأَعلى هو العلم والتّقى / توَرَّثه عن جدِّه سيِّد الرّسل
متى حاولته اليعملات حَثَثْتُها / إلى السَّيِّد المحمود بالقول والفعل
إلى دوحة من هاشم نبويَّةٍ / نعم إنَّ هذا الفرع من ذلك الأَصل
وإلاّ تُحِطْ علماً بأَعلم من بها / فَسَلْ من شجاع القوم عن جوهر النَصل
وإنِّيَ إذ أُصغي لمعنى حديثه / ثَمِلْتُ وتردادي بأمداحه نقلي
كلامك لا ما راعَ من كلّ باهرٍ / ولفظك لا ما اشتير من كورة النَّحل
وكتْبك أمثال الشُّموس طوالع / فلا اللَّيل يغشاها إذ الشّكّ كاللَّيل
هَدَيْتَ بها مَن كانَ منها بحَيرةٍ / وأَوْضَحتَ في تبيانها غامض السّبل
وأمْلَيْتَ ما حارتْ عقولُ الورى به / وأصْبَحتِ الأَقلام تكتبُ ما تُملي
وما تنكرُ الدُّنيا بأنَّك عالمٌ / وإنْ كانَ هذا الدَّهر أمْيَل للجهل
وإنْ عُدَّت الأَشياخ بالعلم والحجى / فإنَّك شيخ الكلّ مولاي في الكلِّ
وأَنْتَ إمام المسلمين بأسرهم / عليك اعتماد القول بالنَّقل والعقل
فلا أخْذَ إلاَّ عنك في الدِّين كلّه / ألا إنَّ حقّ الأَخذ من قولك الفصل
وإنْ قالَ قومٌ قد عُزِلْتَ فإنَّما / عُزِلْتَ ولم تُعزَل عن العلم والفضل
يَحُطُّ سواك العَزْلُ عن شَرَف العُلى / ومثلُك لا يَنْحَطُّ ما عاشَ بالعَزْل
وهل للمعالي لا أباً لأبيهمُ / سواك وإنْ يأبى المعاند من بعل
وهَبْها لدى أسرٍ لدى غير كفوها / فلو خُلِّيَتْ جاءَتك تمشي على رجل
تَحِنُّ إلى محيَّاك وهي مشوقة / إليك حنين المستهام إلى الوصل
وكم منصب قد قالَ يوماً لأهلِهِ / إليكَ إذاً عنِّي فما أَنْتَ من أهلي
أَغَظْتُ بك الحُسَّاد في كلِّ مدحةٍ / أشدّ على الأَعداء من موقع النّبل
وقُلْتُ ولم أرجع إلى غير مثله / ويا كُثْرَ ما أخّرتُ أشياء من قولي
يغيظ كلامي فيك كلّ مناضلٍ / يرى من كلامي فيك نضنضة الصّلّ
وفيك أَقولُ الحقّ حتَّى لَوَ انَّني / أذوقُ الرَّدى فيه مريراً وأستحلي
وإنِّي لشيعيٌّ لآل محمَّد
وإنِّي لشيعيٌّ لآل محمَّد / وإنْ رَغِمَتْ آنافُ قومي وعُذَّلي
وأَشْهَدُ أنَّ الله لا ربَّ غيره / وأنَّ وليّ الله بين الملا علي
عَفَتْ أَرْسُمٌ من دارِ ميٍّ وأطلالُ
عَفَتْ أَرْسُمٌ من دارِ ميٍّ وأطلالُ / وحَالَتْ بنا إذ خَفَّ قاطِنُها الحالُ
فكمْ أَسأَلُ الدَّار البوالي رسومُها / وهل نافعي من أرسم الدَّار تسآل
وَقَفْتُ بها أَقضي لها الدَّين بالأَسى / وما ينقضي وَجْدٌ عليها وبلبال
وفي النَّفس من تلك المنازل لوعة / تُهَيِّجها منِّي غدوٌّ وآصال
وكم هَيَّجَتْ بي زفرةً بعد زفرةٍ / لنيرانها في مضمر القلب إشعال
وعهدي بذات الضال عذر على الهوى / أَلا للهوى العذْريّ ما جمع الضال
بروحي من كانت حَياتي بقربه / ويَقتُلني بالهجر والهجر قتال
أُلاحِظُ منه البدر في غسق الدُّجى / يَميسُ به قدٌّ من البان ميَّال
أَحِبَّتنا قد حالَ بيني وبينكم / خطوبٌ لأحداث الزَّمان وأهوال
لئنْ غِبتُم عن ناظري وحُجبتم / فما غابَ منكم عن فؤادي تمثال
وما سرَّني أنِّي مقيمٌ ببلدةٍ / وهمِّي عليكم في المهامِهِ جَوَّال
ألامُ عليكم في الهوى وهوانه / وللصّبّ لوَّامٌ وللحبِّ عذّال
سقى الله هاتيكَ الديارَ وأهْلَها / وجُرَّت عليها للغمائم أذيال
وعهداً مضى فيه الشباب وطيبُه / وقد غالَه من طارق الشيب مغتال
سأركبُها في المهمَهِ القفر مركباً / سَفائنَ بَرٍّ لُجُّ أبْحرها الآل
ولستُ مقيماً ما أقَمتُ بمنزلٍ / وعيشي أنكادٌ تسوء وأنكال
وتَصحَبُني في كلِّ فجٍّ عزيمتي / وأبيضُ هنديٌّ وأسمرُ عسّال
وما ملكَتْ منِّي المطامع مِقْوَداً / لصاحبها في موقف الضيم إذلال
وما ساءني فَقَرٌ ولا سرّني غنًى / بحيثُ استوى عندي ثراءٌ وإقلال
ولم أدْنُ من أشياء ممَّا تَشينُني / ولو قُطِّعَتْ منِّي لذلك أوصال
وما كانَ بي والحمد لله خُلَّةٌ / لها بالشريف الباذخ المجد إخلال
ولستُ أبالي والأبوّة مَذهبي / إذا أعْرَضتْ عنّي مع العلم جهّال
همُ سابَقوني بالفخار فقصّروا / وهم طالبوني بالإباء فما طالوا
ولي بعليّ القَدْر عن غيره غنًى / إذا عُدَّ قول للكرام وأفعال
من القوم أبناء النُّبوَّةِ والعلى / يُشام لهم في كلِّ بارقةٍ خال
سَلِ المجدَ عنهم مُجْمَلاً ومُفصَّلاً / ويغني عن التفصيل إذ ذاك إجمال
إذا وُصِفوا بالعلم والحلم والتقى / فبالعلم أعلام وبالحلم أجبال
قواضٍ على أموالهم بنوالهم / وما نيلَ هذا الفضل إلاَّ بما نالوا
عزائِمُهُم شرقاً وغرباً وبأسُهُم / قيودٌ بأعناق الرِّجال وأغلال
إليك أبا سلمان تسعى ركابنا / وفيها إلى مغناك حلٌّ وترحال
وتصدر عنك الواردون ظِماؤها / عليها من الإنعام والشكر أثقال
إذا نحن أثنَيْنا عليك فإنَّما / لكلِّ نسيجٍ من ثنائك منوال
يَصِحُّ رجائي في علاك مريضه / ومن اسمك العالي لقد صدق الفال
تُبشّرُ بالنَّعْماء منك بشاشَةٌ / وعطفٌ على من يرتجيك وإقبال
تُغيثُ بغَوْثٍ من دَعاك لكربه / وللغيث من جدوى يمينك إخجال
وما زال بي من جود فضلك نعمةٌ / تُسَرُّ بها نفسي ويَنْعَمُ لي بال
إذا ما استقى العافون من يدك النوى / سقاها الأيادي عارضٌ منك هطال
وفيك أبا سلمان بالناس رأفةٌ / يُنالُ بها قصدٌ وتُدْرَكُ آمال
يخبِّرُ عنك الفضل أنَّك أهلُهُ / ويَشهدُ فيك البأس أنَّك رئبال
تبلَّجَ صُبحُ الحقّ بالصِّدق ظاهراً / فلا احتال بعد اليوم بالزُّورِ مُحتال
أما وجميلٍ من صنيعك سالفٍ / عليَّ به مَنٌّ وفضلٌ وإفضال
وآباؤك الغُرُّ الميامين إنَّهم / غيوثٌ إذا جادوا ليوث إذا صالوا
لقد كَذَب الحُسَّاد فيما تَقَوَّلوا / عَليَّ وأيم الله ما قلتُ ما قالوا
أعيذُك أن تُصغي إلى قولِ كاذبٍ / ويَثْنيك عنِّي ذلك القيل والقال
ألمْ أقضِ عمري في ثنائك كلِّه / ولي فيك من غُرِّ المدائح أقوال
خدمتُك في مدحي ثلاثين حِجَّةً / وصَوْبُك مُنهلٌ وجودك سيّال
أباهي بك السادات شرقاً ومغرباً / وأرْفُلُ في بُرد النعيم وأختال
أنالُ بك الآمال وهي بعيدة / وأفتَحُ أبواباً عَليهنَّ أقفال
وإنِّي لأرعى النَّاس بالشكر ذِمّةً / وما في خلوصي بالمودّة إشكال
وأَنْتَ الَّذي ترجى في النَّاس كلّها / وتُضْرَبُ في نعماك للناس أمثال
إذا ما القوافي أقْبَلَتْ بثنائها / عليك فمأمولٌ بها الجاه والمال
وقافيةٍ تتلى ويحلو نشيدها / وكم تتحلّى في ثنائك معطال
نَقيبٌ من الأَشراف أَكرمُ سيِّدٍ
نَقيبٌ من الأَشراف أَكرمُ سيِّدٍ / من الآلِ من بَيْت النُّبُوَّةِ آلُهُ
قضى عُمْرَهُ بالخير والبرّ كلّه / ولاذ بعفو الله جلَّ جلالُهُ
تَنَقَّلَ من دارِ الفَناء فأرِّخوا / عَليًّا وللجنَّات كانَ انتقالُهُ
بَقيتَ بقاءَ الدهر هل أَنْتَ عالمٌ
بَقيتَ بقاءَ الدهر هل أَنْتَ عالمٌ / من العَتب ما يُملى عليك وما أُملي
لقد كنتَ تجزيني بما أَنْتَ أهْلَه / على الشعر قبل اليوم بالنائل الجزل
فأرجعُ عن نعماك في ألف درهم / أُزيلُ بها فَقري وأغني بها أهلي
فنقّصْتَني شيئاً فشيئاً جوائزي / وأوْقَفْت حَظِّي منك في موقف الذل
فأصْبَحْتُ مثل الوقح لا فرق بينه / وبَيني ولا بونٌ بجزء ولا كُلّ
ولي فيك ملء الخافقين مدائح / ولي غُرَرٌ ما قالها أحدٌ قبلي
فمن أيّ وجه أَنْتَ أنزلتَ رتبتي / وأصبحتُ بعد الويل أقنع بالطل
فإنْ كانَ من بخل فلم يُرَ قبلها / فتًى من رسول الله يوصف بالبخل
وإنْ كانَ من قلٍّ هناك وجدته / فما تعذر القوم الكرام من القلّ
وإن كانَ من طعن العداة وقدحهم / فما قولهم قولي ولا فعلهم فعلي
أكان لمولانا بذلك حكمة / فقصّر عن إدراك حكمته عقلي
فليس من الإنصاف مثلي تُضيعُه / وتجهله ظلماً وحاشاك من جهل
وبحرك تيار ومالك وافر / وجودك معلوم وأَنْتَ أبو الفضل
وتبلغ منك النَّاس أقصى مرامها / ويحرم من دون الورى شاعر مثلي
سَيحظى شهابُ الدِّين فيما يرومه
سَيحظى شهابُ الدِّين فيما يرومه / ويبلُغُ في الأيام ما هو أهلُهُ
ويُنصِفُ هذا الدهر يوماً بحكمه / فينحطّ شانيه ويعلو محلّه
ويرفع هذا العالمَ البحرَ عِلْمُه / ويخفض ذاك الجاهلَ الغمرَ جهله
وكلٌّ يرى إذ ذاك ما يستحقّه / ويشغل كلاًّ في الحقيقة شغْلُه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025