سأبدي لدهري ناج المتضحّك
سأبدي لدهري ناج المتضحّك / ولو كانَ يجري بالذي هوُ مهلكي
فما أنا راجٍ بعد ذا اليوم خَيره / ولا خائف من شرّه المتحَرِّك
إذا الدهر لم يُعتِب من الناس جازعاً / فأضيَع ما فيه شكاية مُشتك
علي أن ضحكي منه لا عن سفاهة / ولكن كضحك العَفّ من مُتهتِّك
ولو سَبَر الناس الحوادث بالنهي / لما حصلوا منها على غير مضحك
وما حادثات الدهر إلا خوابط / كعَشواء تمشيِ مشية المُتَرهوِك
وتَنهض للأرقال في غير مَنهضٍ / وتَبرُك أحياناً على غير مَبرَك
وما حكم هذا الدهر إلاّ تحكُّمٌ / كحكم فُصوص النرد في نقل مُهرَك
كأنا من الدنيا ببيت تقامر / حَوى من سهام القَمر كلّ مُدَمْلَك
فمن قامر قد فاز باليُسرِ قدحه / وآخَر مقمور بقِدح التصعلُك
وما الحِرف اللاتي نُجيد احترافها / سوى شَبَك منصوبة للتملّك
وأن طبيب القوم ناصب كفّة / ليصطاد فيها بالدواء الممصطك
ومن مضحكات الدهر حامل سُبحة / تُقبَّل جهلاً كفّه للتبرُّك
ويا ربّ تركيّ تعرّب وادَعي / على عربيّ هجنة المُتترّك
وتحديث غِرّ مُطرياً عدل دولة / برايتها رسم الصليب المشبّك
وما الناس إلا خادع أدرك المُنى / وآخَر مخدوع لها غير مدرِك
فلا تُبدِ منِ زير النساء تعجُباً / ولا تغترر بالزاهد المتنسِّك
فما دارت الأفلاك إلا وقُطبها / بحكم الهوى حُبّ الكَعاب المفلّك
وأن أبصرت عيناك يوماً حقيقة / تخالف ما قد قلتُه فتشكَّك
فإنّك لم يُنبِئك مثل مجّرِب / خبير ولم ينصحك مثل مُحنَّك
فهذا لعمر اللهّ رأيي فخُذ به / فقد فُزت منه بالجُذيل المُحكَّك