أعِدْ نَظرةً تُبصِرْ صَنيعَ هَواكا
أعِدْ نَظرةً تُبصِرْ صَنيعَ هَواكا / وزِدْ فِكْرةً تُنْشِرْ صَريعَ نَواكا
ودَعْ عنك ذِكْري باللّسانِ فإنّني / أَغارُ مِنَ اسْمي أن يُقَبِّلَ فاكا
صَعُبْتَ مَراماً أن تُرينِيكَ يَقظةٌ / فَمن لي بَعْينٍ في المنامِ تَراكا
أراكَ ابْنَ نَعْشٍ في سَمائك عِزّةً / فليتَك تَرضَى أن أكونَ سُهاكا
بطَرْفِك تُهدي وهْو سَيفٌ تَحِيَّتي / أأزمعْتَ فَتْكاً بالمُحِبِّ عَساكا
أَسيرُ هوىً تُهوي إليه بصارمٍ / فإن كان يُرضى قَتْلُه فَهَناك
لِنَفْسِك تَغْدو ضائراً إن قَتلْتَه / لأنّك لو أبقَيْتَه لَفداكا
فحتّامَ يا قَلْبي تَمَلُّ تَقاضياً / غريمَ غرامٍ لو يَشاءُ قَضاكا
بروحيَ قلبي أَصبحَ الرَّهْنَ عنْدَه / فلستُ مُطيقاً ما حَيِيتُ فَكاكا
أيا ملكاً لم أَدّخِرْ عنه غايةً / من الوُدِّ قُلْ لي لِمْ حُرِمْتُ رضاكا
أتُنكِرُ إعزازي مكانَكَ جاهداً / وتَجْحَدُ إحساني إليك تُراكا
ذكَرتُك في مَدْحِ الوزيرِ مُشَبِبّاً / فحَسْبُك هذا مَفْخَراً وكفاكا
وأنشَدْتُ من مَنْظومِ وَصْفي لمَجده / شَبائهَ ما ضمَّتْ به شَفتاكا
فيا شِعْرُ لولا عَطْفةٌ منه أَدركَتْ / لقد كنتَ سَطْراً والزّمانُ مَحاكا
أتى عَدْلُ نُوشَروانَ من بَعْدِ فَتْرةٍ / فكان لأَرْماقِ العبادِ مِساكا
وأَدرَكَ عصْرَ الصّاحبِ العالِم الوَرى / فلاَقوا لمُلْكِ الأرضِ منه مِلاكا
نظَمْتَ نظامَ المُلْكِ عِقْدَ فضائلٍ / جَلالُك فيه للعيون جَلاكا
إذا ما أُميطَ الحُجْبُ عنكَ لجِلْسةٍ / تَناهَب أَفواهُ المُلوكِ ثَراكا
طَلعْتَ هُماماً ذا عِقابٍ ونائلٍ / فخافَك كُلُّ منهمُ ورَجاكا
وكم قامَ يَبغي شَأْوَ عَلْياكَ حاسِدٌ / فقالَ الزّمانُ اقْعُدْ فلستَ هُناكا
بكَى القَطْرُ لمّا جُدْتَ خَوْفَ افتضاحه / فَمن زاعِمٌ أنّ الغَمامَ حكاكا
وعلَّم شُهْبَ اللّيلِ أن تَهْدِيَ الوَرى / إذا اعتكَر الظّلماءُ نارُ قِراكا
وأفْرَسُ خَلْقِ اللهِ يومَ حَفيظةٍ / شُجاعٌ بمِلْءِ العَيْنِ منه رآكا
ثَبتَّ ثباتَ القَطْبِ في كُلِّ مَأزِقٍ / أَدار على هامِ البُغاةِ رَحاكا
على حينَ أطْرافُ الأسِنّةِ في الوغَى / لدى الطّعْنِ تَحكي ألسُناً تَتَشاكى
تُذيبُ قلوبَ الأسْدِ من قَبْلِ جَلْبها / يَراعُك في آجامِها وقَناكا
أجِلْ فيه يا دَستَ الوزارةِ نَظْرةً / تَرى السّعْدَ واشكُرْ إذ بلَغتَ مُناكا
وهل كنتَ إلاّ للجلالةِ مَرْكباً / مُنَى أنفَسِ القَومِ امْتطاءُ قَراكا
ولا عجَبٌ فيما مضَى أن تَنكّسَتْ / مَعاشرُ شَتّى في رُقِيِّ ذُراكا
فقد كان كُلُّ مِن حَضيضٍ بوثْبةٍ / من الجهلِ يَبْغي أن يَنالَ سُكاكا
وذا لم يزَلْ من رِفْعةٍ مُتَدّرِجاً / إلى رِفْعةٍ حتّى سَرَى فأَتاكا
فتىً هو كالنّجمِ العديمِ سُكونُه / وليس تُحِسُّ العَينُ منه حَراكا
فإن تَكُ فاتَتْهمْ فكم من طَريدةٍ / من الوَحشِ هذا يَطَّبيهِ وذَاكا
تَقنّصها ذو الجَدّ أخْذاً بكَفّه / وخابَتْ رجالٌ ناصِبونَ شِباكا
فأصبَحْتُما كُفْؤَينِ نالا تَواصُلاً / وقَرَّب سَعْدٌ من نَواهُ نَواكا
ولمّا رأَى السّلطانُ أنّك صارِمٌ / له اللهُ كَي تُفْني عِداهُ نَضاكا
رأى خِلَلاً تَشريفَه معَ عزِّه / فأَوْلاكَها للصّونِ حينَ بلاكا
فللّهِ عَيْنا مَن رآكَ وقد بَدا / سَناؤكَ مُجْتاباً لها وسَناكا
قَميصٌ من التِّبْرِ المُضاعَفِ نَسجُه / عَلْوتَ ذُرا الأفلاكِ وهْو عَلاكا
فلا تِبْرَ إلاّ هانَ حينَ حوَيْتَه / فَناقَضَ حتّى عَزَّ حينَ حَواكا
وتاجٌ تعالَى عن سَمِيّك عَقْدُه / لدِينِ هُدىً لم يَعْنِه وعَناكا
تَتَوَّجَهُ عاليِ سريرٍ تَرى له / قَوائمَ تُمطَى فَرقَداً وسِماكا
من الخيل سبّاق حكى كلَّ سُنبُك / يقلبُ فَهماً والسراة مداكا
يُقالُ له يا طِرْفُ لا طَرْفَ للورَى / يَنالُ إذا خَفّتْ خُطاكَ مَداكا
سَحابُ النّدَى مُلْقي عِنانِك سائراً / ومَطلعُ شَمسِ المَكرُماتِ مَطاكا
بغُرّةِ مَن في السّرجِ عن كُلِّ غُرّةٍ / غَنِيتُ وتَحجيلٍ يُذيلُ شَواكا
فإن تكُ خَلخالَ اللُّجَينِ حُرمْتَه / فقد عُوِّضَت طَوقَ النُّضارِ طُلاكا
فلمّا بدَتْ تلك المواكبُ طُلّعاً / وفيها النّدى والبَأْسُ مُكتَنِفاكا
وفي غَيمِ نَقعٍ أنت كالشَّمسِ حَشْوَه / تُنيرُ ونَثْرُ التِّبرِ قَطْرُ حَياكا
بُروقٌ منَ الأعلام تَتبَعُ خَفْقَها / رُعودٌ من الكُوساتِ سايرَتاكا
رأى الفلَكُ الدّوّارُ انّك فُقتَه / وخافَ عليه أن تَصُبَّ سُطاكا
فَرصَّع في تُرسٍ هلالاً وأنجُماً / وأغمدَ شَمساً في دُجىً ورَشاكا
فللّهِ سَيفٌ قال يا رأْيَ صاحبي / أَعِنِّي فأمضَى من ظُبايَ ظُباكا
وإن كان منه في القِرابِ مُهنّدٌ / إذا قَدَّ طَوداً لم تَخَلْه أَحاكا
وألويةٌ منهنّ صَقْرانِ أوفْيَا / على علَمَيْ رُمحَيْنِ فارْتبآكا
وليسا سوى النَّسْرَيْنِ من أُفُقَيْهما / لِحُبّهما نَيْلَ العُلا تَبِعاكا
فما بلَغا إلاّ تُراباً تَدوسُه / جيادُك لا أرضاً خطَتْ قَدماكا
وداعٍ بأعْلَى صَوته كُلَّ سامعٍ / إلى عَدْلك المأْمولِ مثْل نَداكا
يُراوِحُ ضَرباً نَوبةً بعد نَوْبةٍ / على غَيرِ ذَنْبٍ في مَنيعِ ذُراكا
ومَلْكٍ منَ الأقلامِ لكنْ سَريرُه / بَنانُك يَحْمي باللِّسانِ حِماكا
ويُفْرَشُ كافوراً ومَفرِقُ رأسِه / به المسْكُ من طولِ التَضَمُّخ صاكا
وصَفراءُ سَوداءُ الضّميرِ كأنّها / حَسودٌ يُجِنُّ القلبُ منه قِلاكا
عديمةُ حَلْيٍ إذ هيَ الحَلْيُ كلُّها / على أَنّها تُعتَدُّ بَعضَ حُلاكا
لعَمْري لقد أَعلَى مَنارَكَ هِمّةٌ / فلا ماجدٌ إلاّ اقتدَى بِهُداكا
وما أَنت إلا للسّلاطينِ كعْبةٌ / من الشّرفِ اللهُ العظيمُ بَناكا
ليعلَمَ مُهدي كُسوةٍ لك أنّه / هو المُكتسي للفَخْرِ حينَ كَساكا
ولم يَك تَشريفُ الملوكِ منَ العُلا / بمُبْتكرٍ حتّى يُقالَ زَهاكا
فمن قبلُ في تَشريفك اللهُ بالغَتْ / عناياتُه حتّى كبَتْنَ عِداكا
فَقمّصَك الدّينَ المَصونَ بُرودُه / ورَدّاكَ مَصقولاً رِداءَ تُقاكا
وأمطاكَ ظَهْراً للعَلاء منُاصباً / نُجومَ الدُّجَى لم يَقْتَعِدْه سِواكا
وقلّد َسيَف الرأْيِ صَدرَك فاغتدَى / سلاحُ فتوحِ الأرضِ عندَك شاكا
وآتاك للتّقْوى مِجَنَّ كَلاءةٍ / إذا أرسلَ الباغي السِّهامَ وَقاكا
وأعلامَ ذِكْرٍ سائرٍ وسُرادِقاً / منَ العزِّ أَلْقَى حُجبَه وَحماكا
ومَدْحاً على أبوابك الدَّهرَ ضارباً / له نُوَباً لا يَنْقطعْنَ دِراكا
فهُنِّئْتَ تَشريفَيْنِ تَشريفَ عادةٍ / به المَجلسُ الأعلَى الغداةَ حَباكا
وتَشريفَ تَحقيقٍ منَ اللهِ سابقاً / خُصصْتَ به لم تَمتلِكْه أُلاكا
أَجَرَّك ذَيْلاً في المَجَرّةِ رافلاً / وخَطَّتْ سُموّاً في السَّماءِ خُطاكا
ولا شَكَّ أنّ البدْرَ في الأُفْقِ درْهمٌ / من النّثْرِ باقٍ في طَريقِ عُلاكا
أعدْتَ حياةَ الفَضْلِ قبلَ مَعادِه / سَماحاً فجازَى الأكرَمينَ جَزاكا
وما زال تَأْميلي يُسافرُ في الوَرى / فقال له ناديكَ ألْقِ عَصاكا
وقال ولم يَكْذِبْ ليَ الحَظُّ إنّما / غَناؤك في أَيّامه وغِناكا
فدَتْكَ نُفوسُ الحاسدِينَ من الورَى / وإن هي قَلّتْ أن تكونَ فِداكا
وحُيِّيَ فَرعٌ للعلاء نَمَيْتَه / وحُيِّيَ أَصْلٌ للعَلاءِ نَماكا
ووالَى كما يَهوَى وَليُّكَ دهرُه / وآخَى كما شاء الزَّمانُ أَخاكا
بَقيتَ يقولُ السّيفُ للقلَمِ استَمعْ / دُعايَ لمَن أهدَى مَضاءَ شَباكا
أَتبكي بيُمناهُ وأضحَكُ دائماً / ألا لا انْقَضي ضحْكي له وبُكاكا
فدُمْ في اللّيالي خالداً يا ابْنَ خالد / خَصيباً لروّادِ النَّوالِ رُباكا
يُرَى لك وَصْفاً في ظِلالِ سَعادةٍ / معَ النِّعَمِ اسْمٌ نَوَّلوهُ أَباكا