المجموع : 3
دعِ الجِزْعَ عن يُمناك لا عن شمالكا
دعِ الجِزْعَ عن يُمناك لا عن شمالكا / فلِي شَجَنٌ أحنو عليه هنالكَا
وقفْ بِي وإنْ سار المطيُّ بأهلِهِ / وجُدْ لي به واِجعله بعضَ حِبائكا
ولولا الهوى ما بتّ أسأل باخلاً / وآملُ مَنّاناً وأعشَقُ فارِكا
ومَن ذا الّذي لولاه ذلّلَ صَعْبَتِي / وليَّنَ منّي للشَّموسِ العرائِكا
من اللّائي يفضحن الغصون نضارةً / وبالجِيد يُخجِلْنَ الظِّباءَ الأواركا
عَفَفْنَ فما اِستَشهدن يومَ تفاخرٍ / عَلى عَبَقِ الأفواه إلّا المساوِكا
ولمّا أرَتْنا ساعةُ البين عَنْوَةً / وجوهاً وِضاءً أو شعوراً حوالكا
نزعنا ثيابَ الحِلْمِ عنّا خلاعةً / فلم نَرَ إلّا سادراً متهالكا
وإلّا بدوراً بالرّحيل كواسفاً / وإلّا شموساً بالحدوجِ دوالكا
وَمُنتَقِباتٍ بالجمال ملكْنَنا / وما كنّ لِي لولا الجمالُ موالكا
قتلن ولم يشهرن سيفاً وإنّما / شَهرنَ وجوهاً طَلْقةً ومضاحكا
فأقسمتُ بالبُزلِ الهِجانِ ضوامراً / يَرِدْن بنا البيتَ الحرامَ رواتكا
ويُبْصَرْنَ من بعد الكَلالِ نواحلاً / وقد كنّ من قبل الرّحيلِ توامكا
بَرَكنَ على وادي مِنىً بعد شِقْوَةٍ / ومِن بعد أنْ قضَّيْنَ منّا المناسكا
ومِن بعد أنْ طرّحن أحلاسَ أظهُرٍ / أكَلْن ظهوراً بالسُّرى وحواركا
أبَيْنَ وما يأبينَ إلّا نجابةً / قُبيلَ بلوغٍ للمرامِ المباركا
وما قِلْنَ إلّا بعد لأْيٍ وبعد ما / قطعن اللّوى قَطْعَ المَدا والدَّكادِكا
لقد حلّ ركنُ الدّين ما شاء من رُبىً / وطالتْ معاليه الجِبالَ السّوامكا
وما زال نهّاضاً إلى المجد ثائراً / وذا شَغَفٍ بالْعِزِّ والفخر سادكا
فإنْ طلب الأقوامُ عوناً على عُلاً / توحَّدَ لا يبغِي العَوِينَ المشاركا
رضيتُك ما ملكَ الملوك من الورى / لقلبِيَ من دون البريّةِ مالكا
ولمّا ثنتْ كفّي عليك أنامِلِي / تَركتُ اِحتقاراً كلَّ مَن كان مالكا
فإنْ كنتُ قد قلقلتُ شرقاً ومغرباً / فَها أنا ذا ربُّ المطيِّ بَواركا
فما لي اِنتِقالٌ بعد مَغنىً غنيتُه / وما لي اِرتِحالٌ بعد يومِ لقائكا
وَأَنتَ الّذي فُتّ الملوكَ فلم يكنْ / لعالِي البنا في المجدِ مثلُ علائكا
أبَوْا وأبَيْتَ الضَّيْمَ فينا ولم يكنْ / لكلّ أُباةِ الضَّيمِ مثلُ إبائكا
وقد علم المُعْطَوْنَ بعد سؤالهمْ / بأنّك تُغنِي الفقر قبل سؤالكا
وكم لك من فضلٍ حقرتَ مكانَه / وإنْ هو أخزى حاتِماً والبرامكا
علوتَ عن السّامِي إليك بطرفِهِ / فأين من الرّاقين حول جبالكا
وما سلّموا حتّى رأوك محلِّقاً / يشقُّ على الأيْدِين بُعْدُ مَنالكا
فإنْ خبروا بالفضل منك رقابةً / فقد شاهدوا ما شاهدوا من جلالكا
ومَن كان ذا ريبٍ به في شجاعةٍ / وبأْسٍ يَسَلْ عنه الوَغى والمعاركا
غداةَ أَسالَ الطَّعنُ في ثُغرِ العِدا / كما شاءَت الأيدي الدّماءَ السّوافكا
وَما حملتْ يُمناه إلّا صوارماً / لِكُلّ وريدٍ من كميٍّ بواتكا
وَلَمّا اِستطار البغيُ فيهمْ أطَرْتَ في / طِلابهمُ من ذي الجيادِ السَّنابكا
فروّيتَ منهمْ أسمرَ اللّون ذابلاً / وحكّمتَ فيهمْ أبيضَ اللّونِ باتكا
وما شعروا حتّى رأوها مغيرةً / عجالاً لأطرافِ الشَّكِيمِ لوائكا
يُخَلْنَ ذئاباً يَبتدِرْن إِلى القِرى / وإلّا سيولاً أو رياحاً سواهكا
ويُلْقَيْنَ من قبل اللّقاءِ عوابساً / وبعد طلوع النَّصر عُدْنَ ضواحكا
وفوق القَطا منهنّ كلُّ مغامرٍ / إذا تارَكُوه الحربَ لم يكُ تاركا
يخيضُ الظُّبا ماءَ النّحورِ من العِدا / ويخضبُ منهمْ بالدّماءِ النّيازكا
ولَو شئتَ حكّمتَ الصّوارمَ فيهمُ / وسُمراً طِوالاً للنُّحُور هواتكا
فَسقّيتَهمْ حتّى اِرتَوَوْا أكؤُسَ الرّدى / وَحرّقْتَهمْ حتّى اِمّحوا بأُوارِكا
وضربُ طُلىً قطّ الطُّلى متواتراً / وطعنُ كُلىً عطّ الكُلى متداركا
فإنْ رجعوا منها بهُلْكِ نفوسهمْ / فأيديهمُ جرّتْ إليها المهالكا
فقضّيتَ مِن أوطارنا كلَّ حاجةٍ / وأخرجتَ أوتاراً لنا وحَسائكا
وكنتَ متى لاذوا بعفوك صافحاً / وإنْ معكوا كنتَ الألَدَّ المماعكا
فبشرى بما بُلّغته من إرادةٍ / وشكراً لما أُوتيتَهُ من نَجائكا
وللّهِ عاداتٌ لديك جليلةٌ / يَقُدْنَ إليك النَّصرَ قبل دُعائكا
وَما كان إلّا اللَّهُ لا شيءَ غيره / مُنجّيك منها والشّفاءُ لدائكا
ولا فِكْرَ فيمن صمَّ لمّا دعوتَه / وربُّ الورى طرّاً مجيب دعائكا
فإنْ كنتَ يوماً طالباً ناصحاً لكمْ / بلا رِيبَةٍ منه فإنِّيَ ذالكا
فَما أَنا إِلّا في يديك على العِدا / وفي قَسْمِك الأسنى وتحت لوائكا
وما لِيَ في ليلي البهيم من الورى / ولا صبحَ فيه غيرُ نور ضيائكا
فلا تَخشَ مِنِّي جفوةً في نصيحةٍ / وَكيفَ وما لِي خشيةٌ من جفائكا
ولا تدّخرْ يوماً لخدمتك الّتي / تَخصّك إلّا الحازمَ المتماسكا
ولا تغتررْ بالظّاهراتِ من الورى / فكم يَقِقٍ يتلوه أقتَرُ حالكا
وقد خبّر النيروزُ أنّ قدومَه / يُنيخُ السُّعودَ الغُرَّ فوق رجالكا
فخذ منه فيما أنت ترجو وتبتغي / على عقبِ الأيّامِ فوق رجائكا
ودُمْ لا اِنجَلتْ عنّا شموسُك غُرَّباً / ولا زال عنّا ما لنا من ظِلالكا
أَلا يا اِبنةَ الحيّينِ ما لي وما لَكِ
أَلا يا اِبنةَ الحيّينِ ما لي وما لَكِ / وماذا الّذي يَنتابني من خيالِكِ
هجرتِ وأنتِ الهمُّ إذ نحن جيرةٌ / وزرتِ وشَحْطٌ دارُنا من ديارِكِ
فَما نَلتقي إلّا عَلى نشوةِ الكرى / بكلّ خُدارِيٍّ من اللّيل حالِكِ
يفرّق فيما بيننا وَضَحُ الضُّحى / وتجمعنا زُهرُ النّجومِ الشّوابِكِ
وما كان هذا البذلُ منك سجيّةً / ولا الوصلُ يوماً خلّةً من خِلالِكِ
فَكيفَ اِلتَقينا وَالمسافَةُ بيننا / وكيف خطرنا من بعيدٍ ببالِكِ
وقد كنتِ لمّا أوسعونا وشايةً / بنا وبكمْ آيستِنا من وصالِكِ
فلم يَبْقَ في أيْمانِنا بعدما وَهَتْ / عقودُ التّصابي رُمَّةٌ من حبالِكِ
وليلة بتنا دون رَمْلةِ مُربِخٍ / خطوتِ إلينا عانكاً بعد عانِكِ
وما كانَ من يستوطن الرَّملَ طامعاً / وأنتِ على وادي القرى في مزارِكِ
وَلَمّا اِمتَطيتِ الرّملَ كنتِ حقيقةً / بغير الهدى لولا ضياءُ جمالِكِ
تزورين شُعثاً ماطَلُوا اللّيلَ كلَّه / على أَعوَجيّاتٍ طِوالِ الحوارِكِ
إذا خِفنَ في تِيهٍ من الأرضِ ضَلَّةً / ولا ضوءَ أوْقَدْنَ الحصى بالسَّنابِكِ
سلامٌ عَلى الوادي الّذي بان أهلُهُ / ضُحيّاً على أُدْمِ المطيِّ الرّواتِكِ
وفيهنّ ملآنٌ من الحسنِ مُفعَمٌ / يفيءُ بعزمِ النّاسك المتماسِكِ
يتاركني وصلاً وبذلاً ونائلاً / وموضعُه في القلب ليس بتاركي
إذا اِفْتَرَّ يوماً أو تبسّمَ مُغرِباً / فعن لؤلؤٍ عذبٍ نقيّ المضاحِكِ
أبَى الرَّشْفَ حتّى ليس يثنِي بطيبه / بُعَيْدَ الكرى إلّا فروعَ المساوِكِ
ولمّا تنادَوْا غفلةً برحيلهمْ / فما شئتَ بين الحيّ من متهالكِ
ومِن مُعْوِلٍ يشكو الفراقَ وواجمٍ / ومِن آخذٍ ما يبتغيه وتاركِ
مضوا بعد ما شاقوا القلوبَ ووكّلوا / بأعيننا فيضَ الدّموع السّوافِكِ
عشيّةَ لاثوا الرَّيطَ فوق حدوجهمْ / على مثلِ غزلان الصّريمِ الأواركِ
يُحدّثْنَ عن شَرْخ الصِّبا كلَّ من رأى / تماماً لهنّ بالثّدِيِّ الفَوالِكِ
ألا إنّ قوماً أخرجوكنّ قد بغوا / وسدّوا إلى طُرْقِ الجميل مسالكي
هُمُ منحونا بِشْرَهمْ ثمّ أسرجوا / قلوباً لهمْ مملوءةً بالحسائكِ
ترى السِّلْمَ منهمْ بادياً في وجوههمْ / وبين ضلوع القومِ كلُّ المعاركِ
وما نقموا إلّا التّصامُمَ عنهمُ / وصفحي لهمْ عن آفكٍ بعد آفكِ
وإنِّيَ أُلقِي القولَ بالسّوءِ منهمُ / بمَدْرَجِ أنفاسِ الرّياحِ السّواهكِ
وأسترُ منهمْ جانبَ الذّمِّ مُبقياً / على خارقٍ منهمْ لذاك وهاتكِ
إِذا كنتُمُ آتاكم اللَّهُ رُشْدَكمْ / تودّون ودّاً أنّنِي في الهوالكِ
فمنْ ذاكُمُ أعددتُمُ لذماركمْ / إذا قمتُمُ في المأزقِ المتلاحكِ
ومَن ذا يُنيلُ الثّأْرَ عفواً أكفّكمْ / وتُظفِركمْ أيّامُه بالممالكِ
ومَن قوله يومَ الخصومةِ فيكمُ / يبرِّحُ بالخصمِ الألدِّ المماحِكِ
ومَن دافَعَ الأيّامَ عن مُهَجاتكمْ / وهنَّ أخيذاتٌ لأيدي المهالكِ
رأيتُكمُ لا ترشحون لجاركمْ / من الخير إلّا بالضّعافِ الرّكائكِ
يبيتُ خميصاً في القضيض وأنتُمُ / كظيظون جثّامون فوق الأرائكِ
ويُصبحُ إمّا مالُهُ في مُلِمَّةٍ / تنوبكُمُ أو شِلْوُهُ للمناهكِ
وإنّ الّذي يَمرِيكمُ لعطائِهِ / لمُستَمطِرٌ رِفْدَ الأكفّ المسائِكِ
ألا هلْ أرى في أرضِ بابِلَ أَدْرُعاً / تصول بأسيافٍ رِقاقٍ بواتِكِ
وهلْ أرِدَنْ ماءَ الفراتِ قبيلةً / بلا ظمأٍ مشلولةً بالنّيازكِ
يعُجُّ القنا بالطّعنِ في ثغَراتها / عجيجَ المطايا جُنَّحاً للمباركِ
وهلْ أنا في فجٍّ من الأرض خائفٌ / أذودُ بأطراف القنا للصَّعالكِ
فمن لي على كسب المحامِدِ والعُلا / ورغم الأعادي بالصّديق المشاركِ
أفي دارهمْ من بعدما اِرتحلوا تبكي
أفي دارهمْ من بعدما اِرتحلوا تبكي / وتشكو ولكن ليس تشكو إلى مشكِ
فيا دِمْنَة الحيّ الّذين تحمّلوا / بوادي الغَضا ماذا ألمَّ بنا منك
خشعتِ فلا عينٌ تراكِ لناظرٍ / دثوراً ولا نطقٌ يخبّرنا عنكِ
وأذْكرتنِي والشّيبُ يضحك ثغرُه / بلمَّتِنا عهدَ الشّبيبةِ والفتكِ
ليالِيَ لا حِلْمٌ لذي الحلمِ والنُّهي / ولا نُسُكٌ فيها يصابُ لذي نُسكِ
فللّه أفواهٌ لقينَ أُنوفَنا / بأذكى وقد ودّعْن من عَبَقِ المسكِ
وكم من سقيمٍ ليس نرجو شفاءَهُ / بأجْراعكمْ أو من أسيرٍ بلا فكِّ
فقل للأُلى تاركتهمْ لاِحتقارهمْ / فأبصرهم كفّي وأَطمعهم تركي
لَكَمْ مَرّةٍ محّصتكمْ وخَبرتُكمْ / فبَهْرَجكمْ نقدي وزيّفكمْ سَبْكي
فلا يبعدَن مَن كنتُ بالأمس بينهمْ / على هَضْبةِ الباني وفي ذُروَةِ السَّمْكِ
بلغتُ بهمْ ما لم تَنَلْهُ يدُ المُنى / وحُكِّمتُ حتّى صرتُ أحكمُ في الملكِ
وجاورتُهمْ شُمَّ العرانين كلّما / مَعَكْتُ بهمْ جارَوْا سبيلي في المَعْكِ
كرامٌ فلا أموالهمْ لعُبابهمْ / ولا دَرُّهمْ للحَقْنِ لُؤْماً وللحَشْكِ
وأفنيةٌ لا يُعرَفُ الضّيمُ بينها / وَلا الفقرُ مرهوبٌ ولا العيش بالضَّنْكِ
هُمُ أخرجوا مِن ضيقِ سخطٍ إلى رضىً / وهمْ أبدلوا قلبي اليقين من الشكِّ
وهمْ نزّهوني أنْ أذِلَّ لمطمعٍ / وهمْ حقنوا لِي ماءَ وجهي من السَّفْكِ
وهمْ ملّكونِي بعدما كنتُ ثاوياً / مَدى الدّهرِ وَاِستعلَوْا بنجمِي على الفُلكِ
وكنتُ وكانوا إلْفَةً وتجاوراً / مكان سُرودِ العِقْدِ من مسلك السِّلْكِ
مضوا لا بديلٌ لِي ولا عوضٌ بهمْ / فها أنا ذا دهري على فقدهمْ أبكي