المجموع : 11
أنِلْني أو ادْلُلْنِي على من يُنيلني
أنِلْني أو ادْلُلْنِي على من يُنيلني / وتلك أشقُّ الكُلْفتَينِ عليكا
متى ليْتَ شعري أنت واجدُ واحدٍ / تُنيلُ يداهُ بعد منعِ يديكا
أبى ذاك أن الخيرَ منك معانُهُ / وأنَّ مُشارَ العالمينَ إليكا
يدي لامرئٍ يبغي النوالَ رهينةٌ / متى نالهُ إن لم ينلْه لديكا
أعوذ بحقْوَيْك العزيزينِ أن أُرى
أعوذ بحقْوَيْك العزيزينِ أن أُرى / مُقِرَّاً بضيمٍ يتركُ الوجهَ حالِكا
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ / وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
عهْدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً / كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظِلالكا
فقد ألفَتْهُ النفسُ حتَّى كأنه / لها جسدٌ إن بانَ غودِرْتُ هالكا
وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ / مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا
إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرتهمُ / عُهودَ الصبا فيها فحنّوا لذلكا
وقد ضامني فيه لئيمٌ وعزَّني / وها أنا منه مُعْصِمٌ بحبالكا
وأحْدث أحْداثاً أضرَّت بمنزلي / يريغُ إلى بيْعِيْهِ منه المسالكا
وراغمني فيما أتى من ظُلامتي / وقال لي اجهدْ فيّ جُهْدَ احتيالكا
فما هو إلا نسجُك الشعرَ سادراً / وما الشعرُ إلا ضلَّةٌ من ضلالِكا
مقالةُ وغْدٍ مثلُه قال مثلها / وما زال قوَّالاً خلافَ مقالكا
صدوفاً عن الخيراتِ لا يرأمُ العلا / ولا يحْتَذي في صالحٍ بمثالِكا
مِن القومِ لا يرعَوْنَ حقاً لشاعرٍ / ولا تَقْتدي أفعالُهم بفعالكا
يُعَيّر سُؤَّالَ الملوك ولم يكُن / بعارٍ على الأحرارِ مثلُ سُؤالكا
مُدِلّاً بمالٍ لم يُصِبهُ بحِلّه / وحَقِّ جلال اللَّهِ ثم جلالكا
وحَسْبي عن إثم الأليَّة زاجرٌ / بما امتلأتْ عيني به من جمالكا
وإني وإنْ أضحى مُدِلّاً بماله / لآمُلُ أن أُلفَى مُدِلّاً بمالكا
فإن أخطأتْني من يَمينيْك نعمةٌ / فلا تخطِئنْه نقمة من شمالكا
فكم لقي العافون عَوْداً وبدأةً / نوالكَ والعادون مرَّ نكالكا
وقد قلت للأعداءِ لمَّا تظاهروا / عليّ وقد أوعدتهم بصيالكا
حذارِ سهامي المُصميات ولم تكن / لتُشويَ إن نصَّلتها بنصالكا
وما كنتُ أخشى أن أسام هضيمةً / وخدَّاي نَعْلا بِذْلةٍ من نعالكا
فجلّ عن المظلوم كل ظلامةٍ / وقتْك نفوسُ الكاشحين المهالكا
وتلك نفوسٌ لو عُرِضن على الردى / فِداءً رأى ألا تفي بقبالكا
وكنتُ إذا أنفذْتُ فيكَ قصيدةً
وكنتُ إذا أنفذْتُ فيكَ قصيدةً / فأنجزتُها استغفرتُ ربي هنالكا
فيحسبُ قومي ذاك مني تأثُّماً / ومن خشيةِ التقصيرِ أفعلُ ذلكا
غدا كلُّ ذي شعرٍ يُدل بشعرِهِ
غدا كلُّ ذي شعرٍ يُدل بشعرِهِ / وماليَ إدلالٌ بغيرِ نَداكا
رجوتُ رجائي فيكَ لا ببلاغتي / ولكن بجودٍ حالفتْهُ يداكا
على أن ذا الإبلاغَ فيك رأيتُه / إذا هو أسرى يهتدي بهداكا
فليس بمحمودٍ لأن صوابَهُ / جَداً منك يأتيه أمام جَداكا
وما حمدُ من سدَّدتَه ورفدتَه / وما قال إلا ما يقول عداكا
وما قولهم إلا الجميل لأنهم / متى أهْجروا كذَّبتهم بسَداكا
إذا ما مدَحْتَ المرءَ تطلب رفدَه
إذا ما مدَحْتَ المرءَ تطلب رفدَه / ولم تَرج فيه الخيرَ إلا بِذَلكا
فأنت له أهْجَى البريَّة نيَّةً / وإن كنتَ قد أطريْتَهُ في مقالِكا
وأمْدَحُ ما تُلْفَى لمن أنتَ سائلٌ / إذا ما طرحْتَ المَدْحَ عند سُؤالكا
وطالبْتَ جدْاوه بغيرِ وسيلةٍ / كما طالبتْ يُمْناكَ ما في شِمالكا
مُدِلّاً عليه واثِقاً بسماحِهِ / ترى مالهُ دلّاً عليه كمالِكا
هل المدحُ إلا تركُك المدحَ مُلقياً / على كرمِ المسئولِ عبء اتِّكالكا
ترى جودَهْ يُغنيك عن كل وُصْلةٍ / وعن كُلِّ ما تُدْلي به من حِبالكا
ولا تتمارى في إحاطةِ علمِهِ / بمَكْنون ما أخطرْتَ فيه ببالكا
فتمدحُهُ بالفَهم والجودِ صامتاً / ولم يحتفلْ ذو منطق كاحتفالكا
هنالك أسْمَعْتَ القلوبَ مديحَهُ / وإن أنتَ لم تُسْمِعْهُ أذْناً هنالكا
مديحاً يعيه القلبُ لا السمعُ سالكاً / مسالكَ ليس القولُ فيهنَّ سالِكا
أيا ابن المُعلَّى كن معلَّىً ولا تكنْ
أيا ابن المُعلَّى كن معلَّىً ولا تكنْ / حريصاً على تضييعكَ اسمَ أبيكا
وصدّقْ أناساً فضَّلوك فأطنبوا / وكذّب من الحُسّادِ مُنْتقِصيكا
منحتُكَ مصباحاً فأعشاك ضوؤُهُ / وقد كان ظَنّي أنه سَيُريكا
جعلتك في حظٍّ شريكاً فخنتني / ولو شئتُ لم أجعلكَ فيه شريكا
أمن حُبّك الآدابَ خالفتَ حُكمَها / فخُنتَ بظهر الغيبِ مؤتمنيكا
نسختَ كتابي ثم كافأتَ نَسْخَهُ / بتضييعهِ أخلفتَ ظَنّي فيكا
فقلتُ أَعِرني ما نسختَ أردُّه / على إثْر نَسْخِيْهِ فلم تَر تيكا
فقلتُ فكلِّف منْ رأيتَ انتساخَهُ / فماطَلْتني حَولاً بذاك دكيكا
أفِقْ أيها النَّشْوانُ قبل ملامةٍ / تُعضُّك أطرافَ البنانِ وشيكا
أيرضى مُعيرٌ من كتابٍ بنسخِه / وتأبى عليه ذاك جُرتَ مليكا
فلا تكُ إما خائناً أو مُضيّعاً / ولكنْ أميناً حافظاً كذويكا
ووكّلْ يديك السمْحتين بحاجتي / وهَبْ لي يوماً من شهورِ سنيكا
وقِسْ راحةً تجني عليك مسبَّةً / بمَتْعَبةٍ تَحْميكَها وتقيكا
أخوكَ فلا تجعلْهُ ضدَّك والتمسْ / لضدّك ما يُلفَى له كأخيكا
لك الخيرُ إنّي أستزِيدُ ولا أشكو
لك الخيرُ إنّي أستزِيدُ ولا أشكو / ولا أكْفُر النَّعماءَ ما جرتِ الفُلْكُ
بلى رُبَّما حاولْتُ توثيقَ عُروةٍ / وليس لحظٍّ منكَ أحرزْتُه تَرْكُ
فلا تَلْحَيَنّي في العتاب فإنّما / عركْتُ أديماً لا يقصّفُه العَركُ
أأحمدُ نفسي أن تُطيبَ لك الثَّنا / وأنت الذي تذكو وأنت الذي تزكو
حُرِمْتُ إذاً حظّي من الخير كلّه / ولا كان لي في المجد إسٌّ ولا سَمْكُ
وما ليَ أستعدي وعدلُك شاملٌ / وما لي أستجفي ومُلكك لي مُلكُ
وكُنْتُ متى استحلَلْتُ إخفارَ حُرمةٍ / سفكْتُ دماءً لا يحلُّ لها سَفْكُ
ولو كان حظّي منك حظّاً مقارباً / صبرْتُ لهضميْ فيه لكنَّه المُلْكُ
ولو كان رُزئي حسنَ رأيِك نكبةً / ربطتُ لها جأشي ولكنَّه الهلْكُ
وما كان مَنْ تَحْنُو عليه مُحامياً / ليُلْقَى عليه من زمانٍ له بَرْكُ
وما انْبَتَّ حبلُ الوصْل منك أُعِيذهُ / بفضلك لكنْ ليس في متنِهِ حَبْكُ
وما مَرِضَتْ تلك العنايةُ مَرْضَةً / تُميتُ ولكنْ قد تطرَّقها نَهْكُ
وما ضلَّ رأيٌ فيك مُذْ عرف الهدى / ولا شابَ إيماني بسُؤْددك الشكُّ
أتاني بظهْر الغَيْبِ أنَّكَ عاتبٌ / وتلك التي رحْبُ الفضاءِ لها ضَنْكُ
وأنْتَ الذي يُمضي الأمور بحُكْمه / فلا منْعهُ لوْمٌ ولا بذْلُه مَحْكُ
وإنَّ جفاءً منك محضاً وقسْوة / لَتَركُك خِلّاً لا يساعده التركُ
أتحسبُني أدللتُ إدلالَ جاهلٍ / عليْك بمدْحٍ لا يخالطُهُ إفْكُ
وإنِّيَ لم أحْمِلْ بمدْحِكَ مَحْمَلاً / من الإثْم ينهى عنه نُسْكٌ ولا فَتْكُ
ولا حمدَ لي في أن نَشْرك طيّبٌ / ولا حمدَ للمجداحِ أنْ نفحَ المِسْكُ
بلى ربما أنصفْتَهُ فحمدْتَهُ / أليس له في نَشْر أرواحِه شركُ
تذكَّرْ هداكَ اللَّه إنّيَ سابكٌ / وأنك تبرٌ لا يُغيِّرهُ السَّبْكُ
وما لي في دُرٍّ تحلَّيْتَ عِقْدَهُ / مِنَ الصُّنْعِ إلا جوْدة النظْمِ والسلكُ
أخالدُ قد عادْيتَ فيَّ كَراكا
أخالدُ قد عادْيتَ فيَّ كَراكا / وأتعبتَ في حَوْكِ القريضِ قُواكا
فلا تَهْجُنِي إني أخُوك لآدمٍ / وحَسْبي هجاءً أن أكون أخاكا
أخالدُ لا قُدّستَ من بعلِ زوجةٍ / يُصنّعُها في بيته لتُناكا
تُقرّبها للنائكين مطيةً / جهاراً وربُّ العالمين يراكا
بلا رُزْءِ دينار ولا رزء دِرهم / سوى أنَّهم يشفون منك حُكاكا
أما لكَ يا شَرَّ الخلائِقِ حميةٌ / ولا غيرة أن يستباح حماكا
بلى ربما استخليتَهم فضلَ خلوةٍ / فغرْتَ عليهم واستشطْتَ لذاكا
تغارُ على عُسْبِ الرجال وإنما / يغارُ على عُقْرِ النساءِ سِواكا
عشوتَ إلى ناري بحُلم فراشةٍ / فصادفتَها نزَّاعةً لشواكا
غدا الدهرُ مفترّاً أغرَّ المضاحِكِ
غدا الدهرُ مفترّاً أغرَّ المضاحِكِ / عن ابن عبيد اللَّهِ تاج الممالِكِ
عن الكوكبِ الدُّرِّيِّ في كلِّ حِندسٍ / عن اللَّمعةِ البيضاء في كُلِّ حالكِ
عن القاسمِ المقسومِ في الناسِ رفدُهُ / إذا لم تطب عن ملكها نفسُ مالك
عن ابن سليمان بن وهبٍ فتى العُلا / على رغم أوغادٍ كُهولِ الحسائك
أغرُّ يُكنَّى بالحسين مُسلِّمٌ / له الحُسْنَ والإحسانَ كلُّ مُماحك
وزيرُ ولي العهد وابن وزيره / أخو المجدِ ركَّابُ الأمورِ التوامك
تُكشّفُ منه محنةُ المُلكِ شيمةً / مهذَّبةً والتبرُ عند السبائك
وإن سترَتْ وجهَ الحقائِق شبهةٌ / رمى سِترها بالصائباتِ الهواتك
ويُفزَعُ في الجُلَّى إلى عَزَماتِهِ / فيستلُّ منها كالسيوف البواتِك
يعارِكُ بالتدبير كلَّ شديدةٍ / فيصرعُها لا هُدَّ ركنُ المُعارِك
فتىً عَطِرتْ ذكراهُ وانهلَّ جُودُهُ / تهلَّلَ باكٍ من حيا المُزنِ ضاحك
فعافيه في نَضْحٍ من الغيث صائبٍ / ومُطريه في نضح من المسكِ صائك
ذكا وزكا فالعُرفُ من وبلِ ديمةٍ / سماكيةٍ والعرف من طِيبِ ذانك
ألاحَ بُروق البشرِ تدعُو عُفاتَهُ / فجاءوا فأعفى بالرغابِ الوشائك
فنُفّلتِ الأيدي غِناها بمدحِهِ / ونُفِّلتِ الأفواهُ طيب المساوِك
أقولُ لسئّالٍ به مُتجاهلٍ / مَحِلتَ وقد آنت إنابةُ ماحك
توهَّمْ مصابيحَ السماءِ سبائكاً / وصُغْ مثله من صفو تلك السبائك
فتىً أسهلتْ خيراتُهُ لعفاتِهِ / فأحزَنَ في تلك المعاني السَّوامك
ومن كثُرتْ في ماله شركاؤهُ / غدا في معاليه قليلَ المُشارك
فتىً لا يُبالي حين يحفظُ مَجده / متى هلكتْ أموالُه في الهوالِكِ
له راحةٌ روْحاءُ يسفكُ ماءَها / وليس لماء الوجهِ منه بسافك
مُقَبَّلُ ظهرِ الكفِّ وهَّابُ بطنِها / مواهبَ ليستْ بالخِساس الركائك
يسوقُ إلى تقبيلها القومَ أنها / غِياثٌ لهم بل عِصمةٌ في المهالك
نرحِّلُ آمالاً إلى باب قاسمٍ / فيرجعنَ أموالاً عِراض المبارك
حباني بما يعيا به كُلُّ رافدٍ / وحبَّرتُ ما يعيا به كلُّ حائك
فأعدَمتُه مدحَ الغِثاثِ مدائحاً / وأعدمني رفدَ الأكُفِّ المسائك
وما لربيعٍ ممطرٍ من مُجاوِدٍ / وما لبقيع مُزْهر من مُحاوِك
وهبْتُ له نفسي ووُدِّي ونُصرتي / ولو صكَّ وجهي حدُّ أبيضَ باتِك
أقولُ لأقوامٍ تعاطوْا علاءَه / فأعيَتهُمُ الخضراءُ ذاتُ الحبائك
دعوا آل وهْبٍ للمعالي فإنَّهُمْ / بقايا اللَّيالي الآخذاتِ التوارِكِ
أناسٌ يسوسُون البلادَ وأهلها / بشدَّةِ أركانٍ ولينِ عرائك
سراةٌ إذا ما الناسُ أضحتْ سراتُهم / لنا ضُحكاً أضْحوا لنا كالمضاحك
يودُّ الورى لو يشترون شهورهم / بأحوال أعوامٍ سواهُم دكائك
وشاهد زُور للكَفور ابن بلبلٍ / فقُلت له أطغَيْتَ أطغى البوائك
وقد كنتُ من مُدّاحِهِ غير أنني / تناوكْتُ مضطراً مع المتناوِك
فلم يجزُني إلا مواعيدَ أعصفتْ / بهنَّ أعاصيرُ الرياحِ السواهِك
بلى قد جزاني لو شكرتُ جزاءَه / جزاءَ مَنيكٍ في استِه غير نائك
وليس جزاءً أنْ عفا إذ مَدَحْتُه / وقد كنتُ أهلاً للعِصيِّ الدَّمالك
ولستُ بهجَّاءٍ ولكن شهادةٌ / لديَّ أُوَدِّي حقَّها غيرَ آفِك
وما أنا للَّحمِ الخبيثِ بآكلٍ / وإنّ له منّي للَوْكةَ لائكِ
إذا استمسكَتْ كفّي بعروة قاسمٍ / فلسْتُ على صرْفِ الزمانِ بهالك
أرانا عِياناً كلَّ عفوٍ ونائلٍ / سمعْنا بمذكورَيْهما في البرامِكِ
تداركَني مِنْ عثرةِ الدهرِ قاسمٌ / بما شئتُ من معروفِهِ المتدارك
فأصبحْتُ في أيكٍ من العيشِ مثمرٍ / وأمسيْتُ في عيشٍ من العزِّ شائك
فتىً في نثاهُ شاغلٌ عن سؤالهِ / سبوقُ العطايا للطَّلوب المُواشك
فليس لأبشارِ الوجوه بمُخْلقٍ / وليس لأستارِ الخفايا بهاتِك
فتىً لا أُسمّيه فتىً لحداثةٍ / ولكن لهاتيك السجايا الفواتك
سجايا أبت إلا انتصافاً لجارِها / من الدهر إما عضَّ رحْلٌ بِحارك
يُواحِكُ عند العذل في بَذْلِ مالهِ / وعندَ ارتيادِ الحقّ غيرُ مُواحك
وسائلةٍ عن قاسمٍ ومكانِهِ / فقُلْتُ لها إن العلاءَ هنالك
كريمٌ تفي أفعالُه بانتسابهِ / وذو نسب في آلِ ساسانَ شابك
أظلُّ إذا شاهَدْتُ يومَ نعيمِهِ / كأنّي في الفردوسِ فوقَ الأرائك
بمرأى من الدنيا جميلٍ ومَسْمعٍ / لدى ملكٍ بالحق لا مُتمالك
مقابلَ وجهٍ منه أبيضَ مشرقٍ / كبدر الدجى بين النجوم الشوابك
يحيّيه أترجُّ تسامى حياله / وشاهَسْفَرمٌّ تحته كالدَّرانك
وفاكهةٍ فيها مشمٌّ ومطعمٌ / تردُّ موداتِ النساءِ الفوارِك
ولو عُدم الريحانُ حَيَّاهُ نشرُهُ / بمثلِ سحيقِ المسكِ فوقَ المداوك
بنفسي وأهلي ذاك وجهاً مباركاً / تلقَّى بأوفى الشكرِ نُعمَى المبارك
تحثُّ الحسانُ المُحسِناتُ كؤوسَهُ / بِمَدْحٍ له قد سار جمَّ المسالِك
فيهتزُّ للجدوَى على كل مجتد / وكانتْ ملاهي مثلِه كالمناسك
له مَجْلِسٌ ما إن يزال مُصدَّراً / بأحسنَ من بَيْض النعام الترائك
يُغنّينَهُ فيه بما سيَّرت له / لُهاهُ من الأمداحِ غيرِ الأوافكِ
ولم يتغنَّ المحسناتُ لمحسنٍ / بمثلِ مديحٍ ذامِلٍ فيه راتكِ
شهدْنا له يوماً أغرَّ محجَّلاً / أقام لنا اللذاتِ فوق السنابك
لأمِّ عليٍّ رَبْرَبٌ فيه آنِسٌ / من العِين مثلِ العين حُفَّتْ بعانِك
من الوُضَّح اللُّعْس الشّفاه كأنما / يَفُهْنَ بأفواه الظباءِ الأوارك
يُرفّعْنَ أصواتاً لِداناً وتارةً / يُنَمنمنَ وشْياً غيرَ وشي الحوائك
كفلْنَ لنا لمَّا اصطفَفْنَ حيالنا / بترحيل أضيافِ الهُمومِ السّوادك
فما برحتْ تُهدي إلينا عجائبٌ / عجائبَ تُصبي كلَّ صابٍ وناسك
فتاةٌ من الأتراكِ ترمي بأسهُمٍ / يُصِبْنَ الحَشا في السّلم لا في المعارك
كأنَّ زميرَ القاصياتِ أعارَها / شجاهُ وسجعَ الباكيات الضواحك
وبستان بستانٌ يُقِرُّ عيونَنا / بما فيه من نُوَّاره المتضاحك
غناءٌ ووجهٌ مونقانِ كلاهما / يهيلانِ جُولَيْ ذي الحِجى المتماسك
ظللنا لها نَصْباً تشكُّ قلُوبنا / بذاك الشجا الفتَّانِ لا بالنيازك
وما جُلَّنارٍ بالمُقَصِّر شأوُها / ولا المتعدِّي قصد أهدى المسالك
لطيفةُ قدّ الثدي تُسند عودَها / إلى ناجمٍ في ساحةِ الصدر فالك
تطامَنَ عن قدّ الطوالِ قوامُها / وأربى على قدّ القصارِ الحواتك
ورقاصةٍ بالطبلِ والصنجِ كاعبٌ / لها غُنْجُ مِخناثٍ وتَكريهُ فاتك
أُتيحَ لها في جسمها رفدُ رافدٍ / وإن نالها في خصرها نَهْك ناهك
إذا هي قامَتْ في الشُّفوفِ أضاءها / سناها فشفّتْ عن سبيكة سابك
تخطَّى اسمَ عَيَّارٍ إلى اسمِ مؤاجَرٍ / مُسمٍّ لها ما شئتَ من مُتفاتِك
فدتْ تلكم الأسماءَ بل حاملاتِها / زيانبُ أرضِ اللَّهِ بعد العواتك
وجوهٌ كأيامِ السُّعودِ تشبُّها / لنا طُرَرٌ مثلُ الليالي الحوالك
سبايا إليهنَّ استباءُ عقولِنا / مماليك مُلّكْن اقتدارَ الممالك
نوازلُ بين الانبساطِ إلى الخنا / وبين انقباضِ المُخبتاتِ النواسك
موالكُ يسفُكْنَ الدماءَ ولا تَرى / لهُنَّ اكتراثاً بالدموعِ السوافك
إذا هُنَّ أزْمْعَن الفراقَ فكلُّنا / أسِيٌّ على تلك الشموس الدوالك
أقاسمُ ما تتركْ فلستَ بآخذٍ / أبَيْتَ وما تأخذْ فلستَ بتارك
فلا تتركنّي أيُّها الحرُّ عُرضةً / لدهرٍ غدا للحرّ غير متارك
أخالدُ قد أصبحت قيَّم نسوةٍ
أخالدُ قد أصبحت قيَّم نسوةٍ / كَملْنَ خلالَ السوء مِثْلَ كمالِكا
لعينيكَ ما يفعلْنَ غيرَ مُكاتم / وما ذاك إلا من هَوان سِبالكا
نساءٌ إذا ما أظهر اللَّهُ آيةً / تُحاذرُ منها الصالحاتُ المهالكا
رفعنَ لمُرتادِ الزنا أرجُلَ الزنا / عروضاً لأيدي الداعيات هُنالكا
إذا كُنتَ مضطرِّي إلى القول بالذي
إذا كُنتَ مضطرِّي إلى القول بالذي / عتبْتَ له فاعذِر وقل فيّ بالعدلِ
أرى العرفَ شِرباً لا يصحُّ صفاؤه / إذا وقعتْ فيه قذاةٌ من المطلِ
تأمَّلْ أبا سهلٍ بعينٍ بصيرةٍ / ولا تخلطنَّ الجِدَّ في ذاك بالهزلِ
أسخَّى عن الدارِ المقيمِ نعيمُها / سِوى أنها شيء يُنال على مهلِ
أم اختيرت الدنيا على تلك زوجةً / لشيءٍ سوى تعجِيلها حاجةَ البعلِ
ألا ما لحاجاتٍ تَساعَى وحاجتي / مقيّدةٌ تمشي الهُوَيْنا على رِسلِ
ويا ليتها تمشي الهُوينا على الصَّفا / ولكنها تمشي العرضنَةَ في الوحلِ
تسحَّبتُ عِلماً أنَّ لي متسحَّباً / عليك دميثاً في دَهاسٍ من الرملِ
وما ليَ إدلالٌ عليك بنعمةٍ / سوى نِعَمٍ أولْيتَنِيها أبا سهلِ
وأنت الذي يعتدُّ نُعماه مِنَّةً / لقابِلها لا عن غباءٍ ولا جهلِ
ترى النعمةَ المُسْداةَ منك كنعمة / عليك تُجازيها فدهرُك للبذلِ
إذا أنت أنهلْتَ العُفاة عللتَهم / فجدوى على جدوى وفضلٌ على فضلِ
ولن يُروي الساقي حوائمَ وردِه / إذا لم تكن سقياه عَلّاً على نهلِ
فلا عَدِم الوُرَّادُ منك هشاشةً / لِسَقْيهمُ سجْلاً رويّاً على سجْلِ
رضِيتُك للخُلّان إلا لِواحدٍ / شهدْتَ له بالفضل في الظَّرفِ والعقلِ
مججتَ له أرْياً فلما استراثه / لسعْتَ ولسْعُ المجتني سُنَّة النحلِ
فكُنْ نحلةً تُجدي بغير معرّةٍ / وجُد مُعفياً فيه من العدل والعذلِ
وفز ببقاءِ البَعْدِ إن بقاءه / مدى الدهرِ واستأثِر بسابقةِ القَبْلِ