المجموع : 7
وَنُبِّئتُ مَن أَهواهُ قَيَّد أَدهَماً
وَنُبِّئتُ مَن أَهواهُ قَيَّد أَدهَماً / صَمَودا وَلَكن إِن مَشى هُوَ ناطِقُ
أَيا عَجَباً هَذا الحَديدُ يُحِبُّهُ / عَلى قُسوَةٍ فيهِ فَكَيفَ الخَلائِقُ
أَمِن حارةِ البَرقيَّةِ التاجَ بارِقٌ / وَناجاكَ طَيفٌ في الدُجُنَّةِ طارِقُ
تَشوقُكَ رُؤياها فَهَل أَنتَ ناظِرٌ / وَيَعبِقُ رَيّاها فَهَل أَنتَ ناشِقُ
مَطالِعُ أَقمارٍ وَغابُ ضراغِمٍ / تُشَدُّ عَلى الحرصانِ مِنها المَناطِقُ
وَمَسرَحُ غِزلانٍ وَمَسرى أَهِلَّةٍ / لَهُنَّ مَراعٍ في الحَشا وَمَشارِقُ
تَجُرّ قُدودُ العِينِ فيها ذَوابِلاً / وَتَجري خُيولٌ للتَصابي سَوابِقُ
تَمَلَّكني بِالحارةِ الأَحورُ الَّذي / غَدا ساكِناً بِالقَلبِ وَالقَلبُ خافِقُ
غَزالٌ رَخيمُ الدَلِّ أَحوَرُ أَهيفٌ / غَريبُ جَمالٍ فائِقُ الحُسنِ رائِقُ
كَأَنَّ مِن البِلَّورِ قَد صيغَ جِيدُهُ / وَقَد صُبِغت مِن وَجنَتَيهِ الشَقائِقُ
وَمِن لَدنِ عِطفَيهِ وَسَهمِ لِحاظِهِ / يَهِف إِلى قَتلي رَشيقٌ وَراشِقُ
وَمِن دَمِ قَلبي في تورُّدِ خَدِّهِ / وَلاعجِ أَشواقي شَهيدٌ وَسائِقُ
مَليحٌ مَصونُ الحسنِ عَما يَشينُهُ / وَقَد زانَ حُسنَ الخَلقِ مِنهُ الخَلائِقُ
وَلي زَمَنٌ أَهواهُ وَالقَلبُ كاتِمٌ / فَهَل هُوَ يَدري أَنَّني فيهِ عاشِقُ
وَلا وَصلَ مِنهُ غَير خِلسَةِ ناظِرٍ / أُسارِقُهُ إِن لاحَ فيمَن يُسارِقُ
لِساني كَتومٌ لِلهَوى وَجَوارِحي / بِحُبِّ الَّذي قَد حَلَّ فيها نَواطِقُ
وَلَم أنسَهُ إِذ قالَ يَوماً مُجاوِباً / لِمَن قالَ هَذا الحسنُ مَولاي فائِقُ
لأَحسنُ شَيءٍ فيّ عَيناي إِنَّها / سهامٌ روامٍ للقُلوبِ رَوامِقُ
أَيا مَلِكَ الأَتراكِ إِن قُلوبَنا / إِلَيكَ صَوادٍ في هَواكَ صَوادِقُ
فَمُنَّ عَلَيها وَانقَعَنَّ غَليلَها / بِوَصلٍ فَإِنَّ الوَصلَ للهَجرِ ماحِقُ
تَلافَ تَلافَ العاشِقين فَإِنَّهُم / لَهُم أَنفسٌ ذابَت وَدَمعٌ يُسابِقُ
أَعَين حَياتي وَالَّذي بِبَقائِهِ
أَعَين حَياتي وَالَّذي بِبَقائِهِ / بَقائي لَقَد أَصبَحت نَحوَك شَيِّقا
أَقَمتَ بِقَلبي غَيرَ أَنَّ لِمُقلَتي / بِرُؤيتكَ الحَظَّ الَّذي يُذهِبُ الشَقا
وَما كانَ ظَنّي أَنك الدَهرَ تارِكي / وَلَو أَنَّني أَصبحتُ بَينَ الوَرى لَقا
لَطائفُ مَعنىً في العِيان ولَم تَكُن / لِتُدرك إلا بِالتَزاوُرِ وَاللِقا
وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً
وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً / نُجاذِبُ أَطرافَ الحَديثِ المُنَمَقِ
ندامى وَفاءٍ لا جَفاءَ لَديهمُ / مَكارِمُهُم خَلقٌ بِغَيرِ تَخَلُقِ
قَد ارتَضعوا كَأسَ الوفاقِ فَلا تَرى / خِلافاً لَدَيهم في فَعالٍ وَمَنطِقِ
صَفَفنا حَوالي بُركَةٍ راق ماؤُها / وَرَقَّ كَأَخلاقٍ لَنا لَم تُرَنَّقِ
سَبَحنا بِها عَوماً فَغارَت لِسِبحنا / إوَزٌ فَفاتَتنا تَصيحُ وَتَلتَقي
وَناعورةٌ تَحكي بِطولِ بُكائها / وَرَنَّتِها صَبّا كَثيرَ التَشَوُّقِ
لَئِن ضاقَ مِنها الجفنُ مِن عَبَراتها / فَأَضلاعُها عَن دَمعِها لَم تُضَيَّقِ
بَكَت فَأَرَتنا الدَهرَ يَضحكُ إِذ بَكَت / وَناحَت فَأَزرَت بِالحَمامِ المطَوَّقِ
وَقَد ضَمَّنا وَسطَ الرِياضِ مُكَعَّبٌ / كَطَوقٍ بِجيدٍ أَو كَتاجٍ بِمِفرَقِ
تُطالِعنا الشَمسُ المُنيرةُ لَحظَها / مسارقةً مِنها تَطلُّع شَيِّقِ
وَتُلقي عَلَينا مِن شَبابيكِ نورها / شُعاعاً يحاكي نَقشَ بُردٍ مُنمَّقِ
إِذا ما التقَى بالماءِ مِنها شُعاعُها / تَأَلَّق بِالحِيطانِ أَيّ تَأَلُّقِ
فَيَرقُصُ مِنها الظِلُّ في جُدراتها / إِذا الماءُ أَضحى بِالصبا ذا تَرقرُقِ
وَغابَت فَباتَ البدرُ يَحرُسُنا لَها / رَقيباً عَلَينا مِن حذارِ التفرُّقِ
لَئن جُذِبَت قَسراً إِلى نَحو مَغرِبٍ / فَعَمّا قَليلٍ سَوفَ تَبدو بِمشرِقِ
فَيا عَجَباً للنَيِرينِ تَشوّقا / إِلَينا وَمن نَهواهُ لَم يَتَشَوَّقِ
وَلا عَجَبٌ وَالشكلُ يَشتاقُ شَكلَهُ / وَيُضحي بِهِ وَجداً شَديدَ التَعلُّقِ
لَنا مَجلِسٌ فيهِ نَدامى كَأَنَّما / سُقُوا بِكُؤوسِ الودِّ غَيرِ المُرَنَّقِ
كَواكبُ أَضحى في الأَثير مَقَرُّها / وَللشرفِ الأَعلى تَسيرُ وَتَرتَقي
إِذا نَفحةٌ قُدسِيَّةٌ شَرَفِيَّةٌ / تَهبُّ شَمَمنا عَرفَ مِسكٍ مُفَتَّقِ
وَمَهما تَنازَعنا كُؤوسَ حَديثِها / سَكِرنا بِأَشهى مِن رَحيقٍ مُعَتَّقِ
مُحادَثةٌ تَسبِي العُقولَ وَصورة / تَمامٌ فَبُغيا سامِعٍ أَو مُحَدِّقِ
حَوى شرفُ الدينِ المَكارمَ كُلَّها / فَقُل ما تَشا فيهِ مِن الخَيرِ تَصدُقِ
لَقَد جُبِلَت مِنهُ السَجايا عَلى فَتىً / أَمَدَّ بِإِحسانٍ وَأَوفى بِموثَقِ
يُقيِّدُ آمالاً بِمالٍ مُسَرَّحٍ / وَيَجمَعُ خِلّانا بجُودٍ مُفَرَّقِ
وَيُشفِقُ أَن يَلقى صَديقاً مُعاتِباً / وَلَيسَ عَلى جَمعٍ لِمالٍ بِمُشفِقِ
يَزيدُ عَلى الإِقلالِ مِنهُ سَماحَةً / وَيُغضي حَياءً عَن سَفاهَةِ أَخرقِ
فَلَيسَ الَّذي يُؤذِي عِداهُ بِمنجَحٍ / لَدَيهِ وَلا باغي جَداهُ بِمخفِقِ
وَنِسبتُهُ للقُدسِ أَيَّةُ نِسبَةٍ / تَدُلُّ عَلى التَطهيرِ مِن كُلِّ موبِقِ
إِمامَتُهُ في العلمِ ثابِتَةٌ لَنا / بنصٍّ وَإِجماعٍ ورَأيِ المُدَقِّقِ
تُناجيهِ نَفسٌ بِالعلومِ وَغَيرُهُ / يَلوذُ بِتَجميعِ الكَلامِ المُلَفَّقِ
وَقَد نُقِشَت كُلُّ العُلومِ بِصَدرِهِ / فَأكرِم بِحبرٍ نَيِّرِ النَفسِ مُشرِقِ
وَقابَل مِنها الجنسُ مرآةُ عَقلهِ / فَمثل فيها كُلَّ نَوعٍ مُحقَّقِ
بَديهَتُهُ أَعيَت رَوِيَّةَ غَيرِهِ / وَفكرَتُهُ قَد أَعجَزَت كُلَّ مُفلقِ
بَنانٌ بِهِ يَبدو البَيانُ مُوشَّعا / بِمُظلِم نَقشٍ وَسطَ نَيرٍ مُهَرَّقِ
بِنظمٍ كَزُهرٍ في المَجرة سُبَّحٍ / وَنَثرٍ كَزَهرٍ غبَّ أَو كَف مُغدِقِ
وَذِهنٍ كَأَنَّ النارَ مِنهُ تَوَقَّدَت / فَلَولا نَداهُ كانَ من يَدنُ يُحرَقِ
وَجُودٍ كَأنَّ السُحبَ مِنهُ تَعَلَّمَت / فَلولا ذكاء كانَ مَن يُعطَ يَغرَقِ
رَسا فَكَأنَّ الطَودَ يَحكي ثَباتَهُ / همى فَكَأنَّ الجودَ بِالبَحرِ مُلتَقِ
إِذا عَصَتِ الناس القَوافي فَإِنها / تُطاوِعُهُ فيما يَشاءُ فَينتَقي
وَإِن راجَعَ الناسُ الدَفاتِرَ لَم يَكُن / يُراجعُ إِلا فِكرهُ ذا التَدفُقِ
وَإِن أَصلَدُوا يَوماً زِناداً فَإِنَّهُ / لَيُوري بِها نارَ الذَكاءِ المُحَرِّقِ
فَلا مُشكلٌ إِلا بَدا غَيرَ مُشكِلٍ / وَلا مُغلَقٌ إِلا غَدا غَيرَ مُغلَقِ
فَصيحُ مَقالٍ حينَ يَخرَسُ قسُّهُم / فَسيحُ مَجالٍ إِن يَحِلُّوا بِمأزِقِ
يَسهِّل ما قَد كانَ حَزنا وَطالَما / أَجَدَّت لَنا آدابُهُ كُلَّ مُخلَقِ
إِذا تُلِيَت في الناسِ آيُّ محمدٍ / تَرى كُلَّ ذي سَمعٍ مَتى يُصغِ يُطرِقِ
وَيَأتي مِن النَظمِ البَديعِ بِمُعجزٍ / يَطيحُ لَدَيهِ نَظم كُلِّ مُخرِّقِ
وَكانَ ابنُ مُوسانا عليٌّ مُؤيداً / أَتى بشذورٍ لحنَ كَالجَوهَرِ النَقي
وَأَبدَعَها في العالمينَ فَرائِداً / جَمَعنَ إِلى الإِبداعِ حُسنَ التَأنُّقِ
وَكانَ بِها نَقصٌ فَجاءَ مُكمِّلا / لِذاكَ ابنُ موسى بِالكَلامِ المطَبَّقِ
تَشابَه نَظماً إِذ حَكاه كَأَنَّهُ / جَريرٌ وَقَد بارى نِظامَ الفَرَزدَقِ
فَإِن لا يُكنهُ فَهوَ لا شَكَّ صِنوُهُ / لقي في هَوى لَيلى كمثلِ الَّذي لَقي
أَقاما لَها في الذهنِ أَبدَعَ صورَةٍ / لَطيفةِ مَعنىً رائِقِ اللَفظِ مونقِ
وَقَد حَجباها ضِنَّةً أَن يَنالَها / فَتى غَيرُ أَهلٍ للندى وَالتَصدقِ
وَكَم أَرِقا فيها التِذاذاً وَأَرَّقا / وَمَن يَعشَقَن لَيلى يُؤرِّق وَيأرقِ
وَما اِدَّعيا فيها وَلَكن كِلاهُما / سُقي مِن هَوىً لَيلاً بِراحٍ مُوَرّقِ
فراقَ لَها وَقتٌ وَقَد لاحَ نورُها / مِن أَندلسٍ لِلقُدسِ تَسري وَتَرتقي
لَقَد بطَنَ الأَمرُ الَّذي هُوَ ظاهر / لِليلى فَأَصبت ذا السَعادةِ وَالشَقِي
فَكَم مُعسِرٍ قَد آيَسَتهُ وَلَم يَصِل / وَكَم مذهَب قَد فَلَّسَته وَمُورِقِ
رَأى قَمراً قَد صارَ شَمساً فَغَرَّهُ / تنقُّلُ لَونٍ في صَفاءٍ وَرونقِ
وَما ذاكَ إِلا حُمرةُ الخجلِ الَّتي / تَزولُ عَلى قُربٍ بسَيرٍ وَمَيلَقِ
وَما أَنا في لَيلى وَلا ابني وَلا ابنُهُ / نَظيرَ عليٍّ أَو محمدٍ التَقِي
عليٌّ لَهُ شِبهٌ بِخُلق محمدٍ / أَخُوه بِلا شَكٍّ سُقي فَضلَ ما سُقِي
وَإِنَّ عَليّاً مِن محمدٍ الرَضِي / كَهارونَ مِن مُوسى حَديث المنطقِ
وَكَم مِن يَدٍ بَيضاءَ جاءَ لَنا بِها / فَأَغنى ابنُ موسى كُلَّ أَغبرَ مُملِقِ
أَيا دَوحَةَ الفَضلِ الَّتي طابَ أَصلُها / وَمَدَّت عَلَينا ظِلَّ فَينان مُورِقِ
لَقَد عَمَّ مِنكَ الجودُّ ناساً وَخَصَّني / فَها أَنا عَن تَقييدِهِ غَيرُ مُطلَقِ
يَظُنُّ الأُلى قَد عاصَروكَ بِأَنهم / حَكَوك لَقَد خابَت ظُنون المُصدِّقِ
وَما ثمدٌ بادي الحَصاةِ بِمُشبِهٍ / لِبَحرٍ زَخورٍ بِالمَعارفِ مُتأَقِ
فَذاكَ دَعِيٌ في المَعارفِ جاهِلٌ / وَذو نَسَبٍ بَينَ الأَفاضِلِ مُلصَقِ
يَرى البُخلَ مَدحاً وَالتَرافُعَ رِفعَةً / فَأَحسِن بِهِ مِن أَشدَقٍ مُتَفَيهِقِ
أَما لاحَظُوا مِنكَ التَواضُعَ شيمَةً / وَسُحبَ النَدى كَالعارِضِ المُتأَلِّقِ
وَردت النَدى زُرقَ الحمامِ وَحلَّقوا / عَلَيهِ وَما ذو الوَردِ مثلَ المُحَلِّقِ
فَخُذ مِن نَصيرٍ مدحَةً في محمَّدٍ / وَدَع قَولَ أَعشى في جِفانِ المُحَلّقِ
أَنفتُ عَلى صَحبي بِمَدحِي لَكم وَقَد / أَنِفتُ لَهُم عَن مَدحِ كُلِّ مُرهقِ
أَتَتني المَعاني العُقمُ وَالكَلِمُ العُلى / وَجاشَت بِصَدري فَيلَقاً بَعدَ فَيلَقِ
فَفَكَّرتُ وَهناً أَيُّها أَنا ناظِمٌ / وَسامرتُها أَختارُ مِنها وَأَنتَقِي
أجانِبُ وَحشِيّاً كَثيفاً سَماعُهُ / وَأَجنُبُ إِنسِيّاً لَطيفَ التَرَفُقِ
إِذا ما مَضى بَيتٌ تَلاهُ نَظيرُهُ / سَريعاً وَإِن لَم أَدعُ آخرَ يَلحَقِ
فَلا الفِكرُ مَكدودٌ وَلا الشعرُ غامِضٌ / وَلَكنَّهُ كَالبَحرِ إِن يطمُ يَفهَقِ
كَأنَّ القَوافِي قَد عَلِمنَ بِمَن لَهُ / يُنَظّمنَ فَانثالَت وَمَن يَقوَ يَسبُقِ
بَرَزنَ لَنا دُرّاً نثيراً وَإِنَّما / يَزينُ اللآلي النظم بَعدَ التَفَرُّقِ
أَجَدتُ نِظامَ الشعرِ حَتّى كَأَنَّني / لِجودَتِهِ مِن بَحرِ عِلمِكَ أستَقِي
وَما جادَ هَذا النُطقُ إِلا لأَنَّهُ / تَضمَّنَ أَوصافَ الجَوادِ المنطقِ
وَإِني وَإهدائي لَكَ النظمَ كَالَّذي / يَجيءُ برَشحٍ نَحوَ ذا ماء مُغرِقِ
برَوعي أَضحى روحُ قُدسِكَ نافِثا / وَبِالروح مني نَحوَ عَلياكَ قَد رقِي
لَحا اللَهُ دَهراً لَم يَنَل فيهِ فاضِلٌ / مِن الخَيرِ إِلا فَضلَ عَيشٍ مُرَمَّقِ
زَمانٌ بِهِ يَطفُو الأَسافلُ مثلَما / بِهِ يرسُبُ الأَعلَونَ أَهلُ التَحقُّقِ
وَمازالَ دستُ المُلكِ نَحوَكَ شَيِّقا / وَتُكسى مساوي كُلِّ أَنوَكِ مُطبِقِ
أَمثلُكَ تَعرى مِن مَحاسنِهِ العُلى / وَحقٌّ لَهُ مَن يَعدَمِ الكفو يسبِقِ
أَما إِنَّهُ لَو كُنتَ كاتبَ سرِّهِ / لأَصبَحَ ذا وشيٍ بَديعٍ مُحَقَّقِ
وَعبَّرَ عَن فَحواه أَفصحُ عالمٍ / بِموجَزِ لَفظٍ أَو بِمُسهَبِ مَنطِقِ
تَأَخرتَ عَن تَطلابِ ذاكَ تَقدُّما / سَعدتَ بِهِ إِذ كانَ غَيرُكَ قَد شَقِي
وَما العِزُّ إِلا في الفَراغِ عَن الدُنى / وَما الذُلُّ إِلا في التَساوي بِأَخرقِ
وَتُفاحَةٍ تَحوي ثَلاثَ شَمائِلٍ
وَتُفاحَةٍ تَحوي ثَلاثَ شَمائِلٍ / أَتَتنِيَ مِن ريمٍ بِسهميهِ راشِقِ
فَحُمرةُ خَدَّيهِ وَخَمرةُ ريقِهِ / وَرائِحَةٌ كَالمِسكِ فاحَ لِناشِقِ
بَدَت عَجَباً فيها احمرارٌ وَصفرةٌ / كَخجلةِ مَعشُوقٍ لِنَظرَةِ عاشِقِ
لَزِمتُ اِنفِرادي إِذ قَطَعتُ العَلائِقا
لَزِمتُ اِنفِرادي إِذ قَطَعتُ العَلائِقا / وَجالَستُ مِن ذاتي الصَديقَ الموافقا
وَآنَسني فكري لِبُعدي عَن الوَرى / فَلَست إِلى شَيءٍ سِوى العلمِ تائِقا
أَرى يَقظَتي تُبدي لَطائفَ حكمةٍ / وَفي هجعتي وَهناً أشيم البَوارِقا
بَوارقَ في صُحفٍ مِن العلمِ اجتلي / مُشاهَدةً مِنها المَعاني الدَقائِقا
فأختالُ مِنها في رِياضٍ أَنيقَةٍ / وَأَقطفُ مِنها الزهرَ أَنورَ فائِقا
إِذا أَحجمَت أَذهانُ قَومٍ عَن الَّذي / يُعاطَونَ كانَ الذّهن لي فيهِ سابِقا
وَإِن يَشرَبوا طَرقاً لتكدير ذهنِهِم / شَرِبتُ أَنا صَفواً إِلى العينِ رائِقا
وَأَنقُدُ ما قَد بَهرَجُوا مِن كَلامهم / كَأنَّ بِذهني عِندَ ذاكُم مَيالِقا
وَمَن يُؤتَ فَهماً في القُرآنِ فَإِنَّهُ / يَفتحُ مِنهُ بِالذَكاءِ المَغالِقا
وَيَنشَقُ مِن ريّاه عَرفَ أَزاهرٍ / تَرى الجوَّ مِنها حينَ تَأرج عابِقا
وَيُدرِك بِالفكرِ المُصيبِ لَطائِفاً / تَرى اللَفظَ لِلمَعنى بِهِنَّ مُطابِقا
وَيَزدادُ بِالتَكرارِ فيهِ لَذاذةً / كَما لُكتَ مَعسولاً مِن الحُلوِ صادِقا
مُجيري كِتابُ اللَه يَومِي وَإِنَّهُ / هَجيري إِذا ما اللَيلُ أظلَم غاسِقا
كِتابٌ بِلِسنِ العُربِ أَوحاه جارياً / عَلى نَهجِهم لَم يَعدُ عَنهُم طَرائِقا
وَمَن يَجعل القُرآنَ نَصباً لِعينهِ / يَنَل خَيرَ مَأمولٍ وَيَأمن بَوائِقا
أَرى الناسَ أَشتاتاً فَبَعضٌ مُعارِضٌ / لِبَعض يخالُ الحَقَّ في فيهِ ناطِقا
وَما اِفتَرَقوا إِلا لعجزِ فُهومِهم / وَلَو أَدرَكوا لَم يُبصِروا فيهِ فارِقا
وَإقليدُه حَقاً هُوَ النَحوُ فاقصِدن / لتَحصيلِهِ إِن كُنتَ للعلمِ عاشِقا
عَلى قدرِ تَحصيلِ الفَتى فيهِ فَهمُه / فَأَقلِل وَأَكثِر وَاصِلاً أَو مُفارِقا
وَدَع عَنكَ تَقليدَ الرِجالِ فَإِنَّما / يُقَلِّدُهم مَن كانَ أَنوكَ مائِقا
وَلا تعدُ عَن كَشّافِ شَيخ زَمَخشَرٍ / وَكاشِف بِهِ باغي الكراماتِ خارِقا
فَكَم بكر مَعنىً عَزَّ مِنها اِفتِراعُها / لَها ذهنُهُ الوقّادُ أَصبَحَ فاتِقا
كَساها مِن اللَفظِ البَديعِ مَلابِساً / فَجرَّت ذُيولاً للفَخارِ سَوامِقا
لَقَد غاصَ في بَحرٍ فَأَبدى جَواهِراً / وَلَولا اعتيادُ السبحِ قَد كانَ غارِقا
وَراضَ لَهُ في العلمِ نَفساً نَفيسَةً / فَقادَت لَهُ آبي المَقادَةِ آبِقا
وَكَشَّفَ بِالكَشّافِ لا خابَ سَعيُهُ / مُغَطّى خَبيّاتٍ تَبَدَّت حَقائِقا
وَلَكنَّهُ فيهِ مَجالٌ لِناقِدٍ / وَزَلاتُ سَوءٍ قَد أَخَذنَ المَخانِقا
فَيثبِتُ مَوضوعَ الأَحاديثِ جاهِلاً / وَيَعزُو إِلى المَعصومِ ما لَيسَ لائِقا
وَيَشتِم أَعلامَ الأَئِمَةِ ضَلَّةً / وَلا سِيما أَن أَولَجُوه المَضايِقا
وَيُسهِبُ في المَعنى الوَجيزِ دَلالَةً / بِتَكثير أَلفاظٍ تُسمّى الشَقاشِقا
يقَوِّل فيها اللَه ما لَيسَ قائِلاً / وَكانَ مُحِبّاً في الخَطابَةِ وَامِقا
وَيُخطئ في تَركيبهِ لكلامِهِ / فلَيسَ لما قَد رَكَّبوه مُوافِقا
وَيَنسُب إِبداءَ المَعاني لِنَفسِهِ / لِيُوهِمَ أَغماراً وَإِن كانَ سارِقا
وَيُخطئ في فَهمِ القُرانِ لأَنَّهُ / يُجَوِّزُ إِعرابا أَبى أَن يُطابِقا
وَكَم بَينَ مَن يُؤتى البيان سَليقَةً / وَآخرَ عاناهُ فَما هُوَ لاحِقا
وَيَحتال لِلأَلفاظِ حَتّى يُديرَها / لِمذهبِ سوءٍ فيهِ أَصبَحَ مارِقا
فَيا خُسرَهُ شَيخاً تَخرَّقَ صِيتُهُ / مَغاربَ تَخريق الصَبا وَمشارِقا
لَئِن لَم تَدارَكه مِن اللَهِ رَحمَةٌ / لَسَوفَ يُرى للكافِرينَ مَرافِقا
سَأَلت سَليلَ الجودِ أَمراً فَما اِنقَضى
سَأَلت سَليلَ الجودِ أَمراً فَما اِنقَضى / نَهاريَ حَتّى صِرتُ في رَوض جِلَّقِ
فَأَقطِفُ مِن تُفّاحِهِ وَسَفَرجَلٍ / جَنِيٍّ وَكُمثرى لِعَينيَ مُونِقِ
كَريمٌ مَتى تَسألهُ شَيئاً فَإِنَّهُ / يَجودُ وَيُعطي ما تَشاءُ وَيَنتَقِي
وَلَو لَم تَسلهُ جادَ بَدءاً فَإِنَّما / مَكارِمُهُم خَلقٌ بِغَيرِ تَخَلُقِ
بَنونَ لآباءٍ كِرامٍ وَسادةٍ / مَدائحُهم تُروى بِغَربٍ وَمَشرِقِ
وَإِنَّ جَلالَ الدينِ قاضي قُضاتِنا / لخَيرُ إِمامٍ في الفَضائِلِ مُعرِقِ
يَعلِّمُ جُهالاً بِبَحثٍ مُدَقَّقٍ / وَيَجمَعُ أُمَّالاً بِجودٍ مُفَرَّقِ
وَكائِن لَهُ عِندي أَيادي جَمَّةً / بِغَيرِ حُلاها الدَهرَ لَم أَتَطَرَّقِ
وَكَم دَولَةٍ صاحَبتُها ناصِريةٍ / وَعاشَرتُ جَمعاً مِن رَحيبٍ وَمُرتَقِي
وَلَم يَسمحُوا يَوماً بِشَيءٍ وَلَم أَكُن / لأَسأل رِفداً مِن غَبِيٍّ مُمَخرَقِ
إِلى أَن طَما البَحرُ الخِضَمُّ فَعَمَّنا / بِتَيّارِ جُودٍ مِنهُ في الفَضلِ مُغرِقِ
عَلى بَهجَةِ الأَيّامِ مِنهُ جَلالَةٌ / فَلا زالَ في حِفظٍ مِن اللَهِ ما بَقِي
إِذا أَنا أَودِعتُ التُرابَ فَلَن تَرى
إِذا أَنا أَودِعتُ التُرابَ فَلَن تَرى / كَمثليَ نَحويّا أَحدَّ وَأَحذَقا
وَأَنقلَ أَحكاماً وَأَكثرَ شاهِداً / وَألزمَ تَنقاداً وَأَحسنَ مُنتَقى
وَأَلخَصَ لَفظاً زالَ عَنهُ فضولُهُ / وَأَغوصَ مَعنىً كانَ أَعيى المُدَقِّقا
وَأَنثَر للزُهرِ اللآلي بَلاغةً / وَأَنظمَ للزُهرِ الدَراري تَأنُّقا
مَضى لي في التَحصيلِ سَبعون حِجَّةً / نَهاراً وَلَيلاً جامِعاً ما تَفَرَّقا
فَأَخرَجتُ بِالبَحرِ المُحيطِ لآلئاً / نظمتُ بِهِ عِقداً بِهِ الدَهرُ طُوِّقا
حَشدتُ بِهِ أَقوالَ كُل مُفَسِّرٍ / وَأَخرَجتُ مِن ذهني لِنَقدي مَيلقا
سَبرتُ بِهِ ما بَهرَجُوا وَانتقَدتُهُ / وَألقيتُ ما قَد كانَ زيغاً منمَّقا
وَأَخلَصتُهُ صَفواً صَحائفَ حِكمَةٍ / بِها أُنسُ مَن قَد كانَ للحقِّ شَيِّقا
وَأنقَ ذا العقلِ السَليمِ رآؤُهُ / وَلَولا اِنتقادِهِ لَما كانَ مُونِقا
وَلا فَخرَ بَل لِلَّهِ حَمديَ دائِماً / وَشُكري عَلى ما كانَ لي مِنهُ وَفَّقا
وَلَما ذَوى علمُ الكِتابِ بِعَصرِنا / تَعهَّدتُهُ حَتّى لأَصبَحَ مُورِقا
وَقَد ماتَ أَشياخ الأُلى يَقرؤونَهُ / وَخُلِّفتُ فَرداً كانَ لي بَعدهم بَقا
فَأَقرأتُهُ لِلناسِ مُوضِحَ مُشكِلٍ / وَفاتحَ بابٍ مِنهُ قَد كانَ مُغلَقا
تَفرَّدتُ في الدُنيا بِإقرائِهِ فَمَن / يَكُن يَدَّعي فيهِ فَليسَ مُصَدِّقا
وَجَرَّدتُ أَحكامَ الكِتابِ بِلَفظِهِ / وَتَرتيبِهِ فَالتاج بَدراً قَد أَشرَقا
فَمن ينقل الأَحكامَ مِنهُ كَأَنَّما / تُشافِهُهُ الأَعرابُ مَعنىً وَمَنطِقا
سَقى اللَهُ قَبراً سيبويهِ ثَوى بِهِ / مُلِثَّ الغَوادي ريقاً ثُمَ رَيِّقا
وَبَوَّأهُ دارَ المَقامَةِ في غَدٍ / بِما كانَ أَسدى مِن عُلومٍ وَحَقَّقا
وَتَعليقَةُ الصَفّارِ شَرحاً يجِلُّ ما / لَهُ قَد حَوى لَخَّصتُ تَلخيصَ ذي اِنتِقا
وَسميته الأَسفارَ مَع طرَرٍ حَوَت / مسائلَ لَيسَت في سِواهُنَّ تلتَقى
وَأَحييتُ تَسهيلَ الفَوائدِ إِذ غَدا / مَواتا طَريحا بَينَ كُتبِ الوَرى لقا
وَأَوضَحتُ مِنهُ مُشكِلاً وَاِنتَقَدتُهُ / وَزِدتُ فَأَضحى نيِّر الوَجهِ مُشرِقا
عَلى حينِ لَم يَجسر عَلى بَحثهِ امرُؤٌ / سِوايَ وَلَم يَقربهُ غَرباً وَمَشرِقا
بِهِ نُسِخت كُتبُ النحاةِ وَأُهمِلت / فَلَستَ تَرى يَوماً عَليهِنَّ رَونَقا
لأَظلَمَ إيضاحٌ وَأَقصوا مُقَرِّباً / كَذا جُمَلٌ مَعهُ المُفَصَّلُ مُزِّقا
وَقانونُ عِيسى وَالفُصُولُ وَنَظمُها / وَنَظمُ ابنُ مالٍ ما أَرَدَّ وَأَقلَقا
وَكافيّةُ ابنِ الحاجبِ اِحتجبَت فَما / تُرى وَهيَ نَزرٌ ما أَقلَّ وَأَغلَقا
وَأنشأتُ للتسهيلِ شَرحاً وَالارتشا / فِ نَشأً غَريبَ الوَضعِ بِالعَقلِ طُبِّقا
وَنَخَّلتُ مِن شَرحِ ابنِ مالِكٍ الَّذي / وَقَفنا لَهُ شَرحاً لَطيفا مُلَفَّقا
فَكَمَّلتُ بِالتَكميل ما كانَ ناقِصاً / فَغرَّب هَذا الشَرحُ عَنّا وَشَرَّقا
وَتَذكِرَتي كَم قَد حَوَت مِن فَضائِلٍ / شَواهدَ نَحوٍ مَع مَسائلَ تُنتَقى