المجموع : 5
دليلٌ عَلى أن سوف يُرْدِيه ما لَقِي
دليلٌ عَلى أن سوف يُرْدِيه ما لَقِي / بأنَّك لو قد شئْتَ بُقْياه ما بقي
ومُنبِئهُ أن التّصابِي والهوى / أتاه بكُرْهٍ لا بطبعِ تَخَلّق
محاجِرك القاضي لهَا الحسنُ أَنّها / مَتَى يَرها خَالٍ من العشق يَعْشقِ
أَمَا والخدودِ النّاعمات أَلِيَّةً / ونَبْلِ العيون الفاترات الْمُفَوَّقِ
وبرقِ الثنايا البيضِ في حُوَّة اللّمى / وَصِحَّةِ رُمّان الصُّدور المُعَلَّقِ
لقد هاجَ لي وشكُ الوَداع صَبابةً / تُمَزّقُ عنّي الصبرَ كُلَّ مُمزَّقِ
ولما اسْتَحَرَّ البينُ وانشقت العصا / وأَيقن أُلاَّف الهوى بالتفرّق
وشطّ بمن نهواه بَيْنٌ وأَصبحوا / ضَمائِرَ أحداج وأَثقالَ أَينقِ
وقفنا ندارِي الكاشِحين ولحظُنا / رسائلُ بَثٍّ بَيننا وتشوّقِ
وقد برزت من جانب الخِدر غادةٌ / كأنّ الضحى مِنها استعان برونقِ
فداؤكِ مقتولٌ بلحظٍ خلطتِهِ / بِشِبه كَرىً في مقلتيك مُرَنَّقِ
وإن كنتِ ما أبقيتِ مِني بقيّة / سوى كبِدٍ حَرّىً وطَرْفٍ مُؤَرَّقِ
كأن الليالي لم تكن سمحت لنا / بِجِدّة عيشٍ في ذراهنّ مُؤنِقِ
ولم نك نَسْتَسْقِي الصِّبا ماءَ مُزْنِهِ / ونفتح مِن أبوابِهِ كلّ مغلقِ
وابيضَ من خَمرِ الثّغورِ جعلته / غبوقِي مكان البابِليّ المعتّقِ
وصفارَ لم تُطْبخْ بنارٍ شرِبتها / على وجهِ معشوق السجايا مُقَرْطق
كأنّ حَباب الكأسِ من نظم ثغرِهِ / وإشراقها مِن خدّهِ المتألّقِ
ونَدْمان صِدقٍ ليس تنبو طِباعه / بحيث صفا صَفْوَ الشّرابِ المُرَوّقِ
بذلت له كَأْسَي ندامى تَعُلُّهُ / ورِفِدِي وإيناسي وحسن تملقي
مِن البؤس والنعماءِ نلتُ فما انْحَنَتْ / قناتِي ولا أَبديت فرط تضيّقِ
سَأَثْنِي خطوبَ الدّهرِ عني بماجدٍ / تخاف خطوبُ الدّهرِ منه وتَتّقِي
إمام إذا حنَّتْ يداه إلى النَّدَى / تَفَجَّرتا كالعارِض الْمُتَدَفِّقِ
هَدَى بِسَنا بُرْهانِهِ كُلَّ حائِرٍ / وأغنى بجَدْوَى كفّه كُلَّ مُمْلِق
وصَلَّتْ لعَلْياه العُلا وتَنَزَّلت / بتفضِيلِه آيُ الكتابِ الْمُصَدَّقِ
عزيزٌ بِهِ عَزًَّتْ خلافُة هاشم / وأَوْرَقَ مِن أغصانِها كُلُّ مُورِقِ
تجاوزَ غاياتِ المديح لغايةٍ / يُقَصِّرُ عنها كُلُّ فِكْرٍ ومَنْطِقِ
بإفضالِ كَفٍّ دونها كُلّ مُفْضِلٍ / وإِشراقِ وجهٍ دونَه كُلُّ مُشْرِق
ولولا مداراةُ الأنامِ لأنني / من الناسِ أَدْرَى بالذِي أَنت مرتقِي
مدحْتُك بالمدحِ الذي أنت أهلُه / وعدّيت عن هذا الكلامِ المنمَّقِ
لأنك مَعْنَى كلِّ ما تَقْتَضِي الْعُلاَ / ومن لم يَقُلْ ما قُلته يَتَزَنْدَقِ
تُحَقّقُ ما تَحْوِيهِ من كلّ سؤددٍ / وكم سؤددٍ بالقولِ لم يَتَحَقّق
ظلَمناك إذ قسناك بالبحرِ في الندى / ومهما يخَض تَيَّارَكَ البحرُ يَغْرقِ
ومن قاس بَدْرَ التّمّ عند كمالِه / بنجم السها يَضْلِلْ قياساً ويَزْهَقِ
ومن ذا الذي ناداك للجودِ واعتفى / نَداك فلم يَظْفَرْ بنُجْح ويُرْزَقِ
ألستَ ابنَ خيرِ النّاسِ جداً ووالداً / إذا عَلَتِ الأنساب من كل مُعْرِقِ
وأَشْبَهَهم في المجد فَرعا وعُنصراً / إذا ركبوا مِنه على كل مُخْلَق
ففاضِلْ ملوكَ الأَرض تَفْضُلْهُم عُلاً / وسابقْهُمُ في الفخرِ تَظْفَر وتَسْبِقِ
وحاربْهُمُ تَغنم ويَمِّمْهُمُ تُعَنْ / وطالِبْهُمُ بالثأر تُدْرِكْ وتَلْحَقِ
فقد علم الأعداء أنك زرتهم / ولاقَوك حرباً زَرْدَقاً بعد زَرْدَقِ
ولم تَرمِ إلا بالحِمامِ أَسِنّةً / ولم تمشِ إلا فوق هامٍ مُفَلّقِ
ولو زرتَهم فرداً لأَخمَدت نارَهم / بنارٍ متَى يَصْلَوْا بها مِنك تُحْرِقِ
لأنك من إقبالِ سعدِك في قَناً / ومن رأيك المعصومِ في ظِلِّ فيلقِ
فقلْ لملوكِ الأرضِ خافوه إِنه / متى ما اتقيتم حادِثاً غيرُ متّقِي
كَذَا أولياءُ اللهِ إن رام غيرهم / مرامَهُمُ يَظْفَرْ بخِزيٍ ويَزلَقِ
نعم وتراه الطّير في صدق صيدها / ويشدو بها غَيْرَ الحمامِ المُطَوَّقِ
فيا أرضَ بغدادٍ أصِيخِي لوقعة / تكون له بين الفراتِ وجلّقِ
تغنِّي السيوفُ البِيضُ فيها بنصرِه / وتُروِي الثرى من دمعِهِ المترقرقِ
إذا رامتِ الأقدار غَدراً بخائنٍ / رماك بِهِ بَغْيٌ وغِرّةُ أَحمقِ
ليهنَ سعودَ العيد أَنّ نجومها / ببرجِك ما زالت على السعد تلتقِي
وأَنك عيدٌ يَغْمُرُ العيدَ حُسْنُه / ويلقَى عُفاةَ الجودِ في زِيّ شَيِّقِ
سأكْسُوك من طِيبِ الثناءِ قوافياً / متى ما تَقَعْ فيها معاليك تَعْبَقِ
أرى الدهر مختاراً لقصدي بِجَوْرِهِ
أرى الدهر مختاراً لقصدي بِجَوْرِهِ / مُصراً على حَرْبِي وطولِ عُقوقي
إذا ساءني في مهجتي كَرَّ مُتْلفاً / لِحظِّي وأحوالي بكلّ طريق
وإن روّحتني حادثات خطوبه / دهتني بِإلْفٍ أو بضرّ صديق
ونُبِّئْتُ أن الشكو عادك عِيدُه / بموجِع آلامٍ وشدةٍ ضِيقِ
فلا وجلالِ اللهِ ما بِتُّ وادِعاً / ولا ساغ لي مذ صحَّ شَكْوُك رِيقي
ولو صار حكمي في جوامع صحّتي / أَعَرْتك منها حِصّتي وحقوقي
لِتَغْدُو مُفِيقاً سالماً بإفاقتي / وأُصبِح من شكواك غير مُفِيقِ
كفانيَ فيك الله ما أنا مُتّقٍ / عليك من البأساءِ كُلَّ شروقِ
شرِبنا على نوحِ المُطَوّقةِ الْوُرْقِ
شرِبنا على نوحِ المُطَوّقةِ الْوُرْقِ / وأَرديةِ الروضِ المفوّفة البُلْقِ
مُعَتَّقَةً أَفْنى الزمانَ وجودُها / فجاءت كفَوتِ اللحظِ أورِقَةِ العشقِ
كأنّ السحاب الغُرَّ اصبحن أَكؤساً / لنا وكأنّ الراح فيها سنا البرق
فبتْنا نحث الكأس حَثَّا وإِنّنا / لنشربها بالحثّ صِرفا ويَسْتَسْقِي
إلى أن رأيتُ النجمَ وهو مُغَرّب / وأَقبل رايات الصباحِ من الشرق
كأنّ سواد الليلِ والصبح طالع / بقايا مجالِ الكحلِ في الأعين الزرق
ووردٍ أعارته الغواني خدودَها
ووردٍ أعارته الغواني خدودَها / وأهدى إليه المسكُ أنفاسَ مَفْتوقِهْ
كأنّ الندى فيه مدامعُ عاشقٍ / أريقت غداةَ البينِ في خدّ معشوقِهْ
يحف به من تَوْءم الروض نرجِس / تناهَى سنا مُبْيضِّهِ فوق تَخْليقه
رأى الوردَ غضَّاً فاستهامَ بحبّه / وأطرقَ مبهوتاً وقام على سوقِه
أَدَرْنا كؤوس الراح في جَنباته / على حسنِ مرآه ورِقّة تورِيقِه
وقام علِيلُ الطرفِ والوعدِ مُتْرَفٌ / عليمٌ بتصريف الكلامِ وتشقِيقِه
فتوّجَ يُمناه بكأسٍ رَوِيّةٍ / وقَرّط يُسْرى راحتيه بإبرِيقِه
وصَبَّ وسقّاني مداماً كأنّها / تَلَهُّبُ خَدَّيْهِ وطيبُ جَنَى رِيقِه
وبات يُعاطِيني حدِيثاً كأَنّما / جَنَى من جَنى الرّوضِ زَهْرَةَ تَنْمِيقه
حدِيثاً حَشاه بالوعيدِ وإِنه / لَيَعْذُب لِي والموتُ حَشْوُ تفارِيقِه
ذكرتك بالريحانِ والراحِ ذِكْرَةً
ذكرتك بالريحانِ والراحِ ذِكْرَةً / مُرَدَّدَةً كادت لها النفسُ تُزْهَقُ
فلما تناولن الغِناءَ شوادِيا / وأَتْبَعَ مَزْموماً من الضَّرْبِ مُطْلَقُ
تَتَبَّعتِ العينانِ شَخْصَكِ فِيهم / فلما نأَى ظَلَّتْ دُموعِي تَرَقْرَق
إلى الله أشكو فَقْدَها مِثْلَ ما شَكا / إلى الله فَقْدَ الماءِ عَطْشانُ مُوثَقُ
كأن فؤادي مُنْذُ بان بِها الرَّدَى / جَناحٌ وَهَتْ أَجْزاؤُه فَهْو يَخْفُقُ