القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَحمود سامِي البارُودِي الكل
المجموع : 6
دَعَانِي إِلَى غَيِّ الصِّبَا بَعْدَ مَا مَضَى
دَعَانِي إِلَى غَيِّ الصِّبَا بَعْدَ مَا مَضَى / مَكَانٌ كَفِرْدَوْسِ الْجِنَانِ أَنِيقُ
فَسِيحُ مَجَالِ الْعَينِ أَمَّا غَدِيرُهُ / فَطَامٍ وَأَمَّا غُصْنُهُ فَرَشِيقُ
كَسَا أَرْضَهُ ثَوْبَاً مِنَ الظِّلِّ بَاسِقٌ / مِنَ الأَيْكِ فَيْنَانُ السَّرَاةِ وَرِيقُ
سَمَتْ صُعُداً أَفْنَانُهُ فَكَأَنَّمَا / لَهَا عِنْدَ إِحْدَى النَّيِّرَاتِ عَشِيقُ
يَمُدُّ شُعَاعُ الشَّمْسِ فِي حَجَراتِهَا / سَلاسِلَ مِنْ نُورٍ لَهُنَّ بَرِيقُ
وَيَشْدُو بِهَا الْقُمْرِيُّ حَتَّى كَأَنَّهُ / أَخُو صَبْوَةٍ أَوْ دَبَّ فِيهِ رَحِيقُ
تَمُرُّ طُيُورُ المَاءِ فِيها عَصَائِباً / كَرَكْبٍ عِجَالٍ ضَمَّهُنَّ طَرِيقُ
إِذَا أَبْصَرَتْ زُرْقَ الْمَوَارِدِ رَفْرَفَتْ / عَلَيْهَا فَطَافٍ فَوْقَهَا وَغَرِيقُ
غَدَوْنَا لَهُ وَالْفَجْرُ يَنْصَاحُ ضَوْؤُهُ / فَيَنْمُو وَأَقْطَارُ الظِّلامِ تَضِيقُ
وَلِلطَّيرِ فِي مَهْدِ الأَرَاكَةِ رَنَّةٌ / وَلِلطَّلِّ فِي ثَغْرِ الأَقَاحَةِ رِيقُ
مَلاعِبُ زَانَتْهَا الرِّفَاقُ وَلَمْ يَكُنْ / لِيَحْسُنَ لَهْوٌ لَمْ يَزِنْهُ رَفِيقُ
وَمَنْزِلُ أُنْسٍ قَدْ عَقَدْنَا بِجَوِّهِ / رَتَائِمَ لَهْوٍ عَقْدُهُنَّ وَثِيقُ
جَمَعْنَا بِهِ الأَشْتَاتَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ / وَمَا كُلُّ يَوْمٍ بِالسُّرُورِ حَقِيقُ
وَغَنَّى لَنَا شَادٍ أَغَنُّ مُقَرْطَقٌ / رَفِيقٌ بِجَسِّ الْمِلْهَيَاتِ لَبِيقُ
إِذَا مَدَّ مِنْ صَوْتٍ وَرَجَّعَ أَقْبَلَتْ / عَلَيْنَا وُجُوهُ الْعَيْشِ وَهْوَ رَقِيقُ
فَيَا حُسْنَهُ مِنْ مَنْزِلٍ لَمْ يَطُفْ بِهِ / غَويٌّ وَلَمْ يَحْلُلْ حِمَاهُ لَصِيقُ
أَقَمْنَا بِهِ يَوْماً طَلِيقاً وَلَيْلَةً / دُجَاهَا بِلأْلاءِ الْمُدَامِ طَلِيقُ
فَلَمَّا اتَّعَدْنَا لِلرَّوَاحِ تَرَوَّعَتْ / قُلُوبُ النَّدَامَى وَالْمُحِبُّ شَفِيقُ
فَلِلَّهِ قَلْبٌ بِالْفِرَاقِ مُرَوَّعٌ / حَزينٌ وَجَفْنٌ بِالدُّمُوعِ شَرِيقُ
وَقَالَ لِيَ الْخُلَّانُ صِفْ حُسْنَ يَوْمِنَا / فَأَنْتَ بِنَجْدِيِّ الْكَلامِ خَلِيقُ
فَرَوَّيْتُ شَيْئَاً ثُمَّ جِئْتُ بِمَنْطِقٍ / ذَكِيٍّ يَفُوقُ الْمِسْكَ وَهْوَ فَتِيقُ
وَكَيْفَ يَغُبُّ الْقَوْلُ عَنِّي وَفِي فَمِي / لِسَانٌ كَغَرْبِ الْمَشْرَفِيِّ ذَلِيقُ
لِأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ
لِأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ / وَأَكْثَرُ مَنْ لاقَيْتُ خِبٌّ مُنَافِقُ
بَلَوْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ صَادِقَاً / فَأَيْنَ لَعَمْرِي الأَكْرَمُونَ الأَصَادِقُ
أُحَاوِلُ أَمْرَاً قَصَّرَتْ دُونَهُ النُّهَى / وَشَابَتْ وَلَمْ تَبْلُغْ مَدَاهُ الْمَفَارِقُ
وَأَعْظَمُ مَا تَرْجُوهُ مَا لا تَنَالُهُ / وَأَكْثَرُ مَنْ تَلْقَاهُ مَنْ لا يُوَافِقُ
وَمَا كُلُّ مَنْ حَدَّ الرَّوِيَّةَ حَازِمٌ / وَلا كُلُّ مَنْ رَامَ السَّوِيَّةَ فَارِقُ
أَضَعْتُ زَمَانِي بَيْنَ قَوْمٍ لَوَ انَّ لِي / بِهِمْ غَيْرَهُمْ مَا أَرْهَقَتْنِي الْبَوائِقُ
فَإِنْ أَكُ مُلْقَى الرَّحْلِ فِيهِمْ فَإِنَّنِي / لَهُمْ بِالْخِلالِ الصَّالِحَاتِ مُفَارِقُ
مَعَاشِرُ سَادُوا بِالنِّفَاقِ وَمَا لَهُمْ / أُصُولٌ أَظَلَّتْهَا فُرُوعٌ بَوَاسِقُ
فَأَعْلَمُهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ جَاهِلٌ / وَأَتْقَاهُمُ عِنْدَ الْعَفَافَةِ فَاسِقُ
طَلاقَةُ وَجْهٍ تَحْتَهَا الْغَيْظُ كَاشِرٌ / وَنَغْمَةُ وُدٍّ بَيْنَهَا الْغَدْرُ نَاعِقُ
وَأَخْلاقُ صِبْيَانٍ إِذَا ما بَلَوْتَهُمْ / عَلِمْتَ بِأَنَّ الْجَهْلَ فِي النَّاسِ نَافِقُ
تَعَلَّمْتُ كَظْمَ الْغَيظِ فِيهِمْ وَإِنَّهُ / لَحِلْمٌ وَلَكِنْ لِلْحَفِيظَةِ مَاحِقُ
دَعَوْنِي إِلَى الْجُلَّى فَقُمْتُ مُبَادِراً / وَإِنِّي إِلَى أَمْثَالِ تِلْكَ لَسَابِقُ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الْجِدُّ سَاقُوا حُمُولَهُمْ / إِلَى حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَادٍ وَسَائِقُ
فَلا رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً بَاعَ دِينَهُ / بِدُنْيَا سِوَاهُ وَهْوَ لِلْحَقِّ رَامِقُ
عَلَى أَنَّنِي حَذَّرْتُهُمْ غِبَّ أَمْرِهِمْ / وَأَنْذَرْتُهُمْ لَوْ كَانَ يَفْقَهُ مَائِقُ
وَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا عَنِ الشَّرِّ تَغْنَمُوا / فَلِلشَّرِّ يَوْمٌ لا مَحَالَةَ مَاحِقُ
فَظَنُّوا بِقَوْلِي غَيْرَ مَا فِي يَقِينِهِ / عَلَى أَنَّنِي فِي كُلِّ مَا قُلْتُ صَادِقُ
فَهَلْ عَلِمُوا أَنِّي صَدَعْتُ بِحُجَّتِي / وَقَدْ ظَهَرَتْ بَعْدَ الْخَفَاءِ الْحَقَائِقُ
فَتَبَّاً لَهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ لَيْسَ فِيهِمُ / رَشِيدٌ وَلا مِنْهُمْ خَلِيلٌ مُصَادِقُ
ظَنَنْتُ بِهِمْ خَيْرَاً فَأُبْتُ بِحَسْرَةٍ / لَهَا شَجَنٌ بَيْنَ الْجَوَانِحِ لاصِقُ
فَيَا لَيْتَنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي وَلَمْ أَكُنْ / زَعِيمَاً وَعَاقَتْنِي لِذَاكَ الْعَوائِقُ
وَيَا لَيْتَنِي أَصْبَحْتُ فِي رَأْسِ شَاهِقٍ / وَلَمْ أَرَ مَا آلَتْ إِلَيهِ الْوَثَائِقُ
هُمْ عَرَّضُونِي لِلْقَنَا ثُمَّ أَعْرَضُوا / سِرَاعاً وَلَمْ يَطْرُقْ مِنَ الشَّرِّ طَارِقُ
وَقَدْ أَقْسَمُوا أَلَّا يَزُولُوا فَمَا بَدَا / سَنَا الْفَجْرِ إِلَّا وَالنِّسَاءُ طَوَالِقُ
مَضَوا غَيْرَ مَعْذُورِينَ لا النَّقْعُ سَاطِعٌ / وَلا الْبِيضُ فِي أَيْدِي الْكُمَاةِ دَوَالِقُ
وَلَكِنْ دَعَتْهُمْ نَبْأَةٌ فَتَفَرَّقُوا / كَمَا انْقَضَّ في سِرْبٍ مِنَ الطَّيْرِ بَاشِقُ
فَكَمْ آبِقٍ تَلْقَاهُ مِنْ غَيْرِ طَارِدٍ / وَكَمْ واقِفٍ تَلْقَاهُ وَالْعَقْلُ آبِقُ
إِذَا أَبْصَرُوا شَخْصَاً يَقُولُونَ جَحْفَلٌ / وَجُبْنُ الْفَتَى سَيْفٌ لِعَيْنَيْهِ بَارِقُ
أُسُودٌ لَدَى الأَبْيَاتِ بَيْنَ نسَائِهِمْ / وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَ الْهيَاجِ نَقَانِقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ بِقَائِمِ سَيْفِهِ / فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ تُحْمَى الْحَقَائِقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا / لِيَدْفَعَ ضَيْمَاً فَهْوَ بِالذُّلِّ أَخْلَقُ
وَمَنْ شَهِدَ الْهَيْجَاءَ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ / يَذُودُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهْوَ أَحْمَقُ
تَرَنَّمْ بِأَشْعَارِي وَدَعْ كُلَّ مَنْطِقٍ
تَرَنَّمْ بِأَشْعَارِي وَدَعْ كُلَّ مَنْطِقٍ / فَمَا بَعْدَ قَوْلِي مِنْ بَلاغٍ لِمُفْلِقِ
هُوَ الْعَسَلُ الْمَاذِيُّ طَوْرَاً وَتَارَةً / يَثُورُ الشَّجَا مِنْهُ مَكَانَ الْمُخَنَّقِ
يُغَنِّي بِهِ شَادٍ وَيَحْدُو رِكَابَهُ / بِهِ كُلُّ حَادٍ بَيْنَ بَيْدَاءَ سَمْلَقِ
فَطَوْرَاً تَرَاهُ زَهْرَةً بَيْنَ مَجْلِسٍ / وَطَوْرَاً تَرَاهُ لَهْذَماً بَيْنَ فَيْلَقِ
وَمَا كَلَفِي بِالشِّعْرِ إِلَّا لأَنَّهُ / مَنَارٌ لِسَارٍ أَوْ نَكَالٌ لأَحْمَقِ
عَلِقْتُ بِهِ طِفْلاً وَشِبْتُ وَلَمْ يَزَلْ / شَدِيدَاً بِأَهْدَابِ الْكَلامِ تَعَلُّقِي
إِذَا قُلْتُ بَيْتَاً سَارَ فِي الدَّهْرِ ذِكْرُهُ / مَسِيرَ الْحَيَا مَا بَيْنَ غَرْبٍ وَمَشْرِقِ
يَهِيمُ بِهِ رَبُّ الْحُسَامِ حَمَاسَةً / وَتَلْهُو بِهِ ذَاتُ الْوِشَاحِ الْمُنَمَّقِ
بَلَغْتُ بِشِعْرِي مَا أَرَدْتُ فَلَمْ أَدَعْ / بَدَائِعَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ
فَهَذَا نَمِيرُ الشِّعْرِ فَاقْصِدْ حِيَاضَهُ / لِتَرْوَى وَهَذَا مُرْتَقَى الْفَضْلِ فَارْتَقِ
سَلِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ إِنْ كَانَ يَنْطِقُ
سَلِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ إِنْ كَانَ يَنْطِقُ / وَكَيْفَ يُحِيرُ الْقَوْلَ أَخْرَسُ مُطْرِقُ
نُسائِلُهُ عَنْ شَأْنِهِ وَهُوَ صَامِتٌ / وَنَخْبُرُ مَا فِي نَفْسِهِ وَهْوَ مُطْبَقُ
فَلا سِرُّهُ يَبْدُو وَلا نَحْنُ نَرْعَوِي / وَلا شَأْوُهُ يَدْنُو وَلا نَحْنُ نَلْحَقُ
وَكَيْفَ تَنَالُ النَّفْسُ مِنْهُ لُبَانَةً / وَأَقْرَبُ مَا فِيهِ عَنِ الظَّنِّ أَسْحَقُ
فَضَاءٌ يَرُدُّ الْعَيْنَ حَسْرَى وَمَسْرَحٌ / يَقُصُّ جَنَاحَ الْفِكْرِ وَهْوَ مُحَلِّقُ
أَقَامَ عَلَى رَغْمِ الْفَنَاءِ وَكُلُّ مَا / تَرَاهُ عَلَى وَجْهِ الْبَسِيطَةِ يَنْفُقُ
فَكَمْ ثَلَّ عَرْشَاً وَاسْتَبَاحَ قَبِيلَةً / وَفَرَّقَ جَمْعَاً وَهْوَ لا يَتَفَرَّقُ
تَحَسَّى مَرَارَاتِ الْكُبُودِ فَلَمْ تَزَلْ / بِهِ صِبْغَةٌ مِنْ لَوْنِهَا فَهْوَ أَزْرَقُ
نَهَارٌ وَلَيْلٌ يَدْأَبَانِ وَأَنْجُمٌ / تَغِيبُ إِلَى مِيقَاتِهَا ثُمَّ تَشْرُقُ
تَرِفُّ كَزَهْرٍ طَوَّحَتْهُ عَوَاصِفٌ / بِلُجَّةِ مَاءٍ فَهْوَ يَطْفُو وَيَغْرَقُ
سَوَابِحُ لا تَنْفَكُّ تَجْرِي لِغَايَةٍ / يُقَصِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ الْمُتَعَمِّقُ
فَيَا أَيُّهَا السَّارِي عَلَى غَيْرِ هُدْيَةٍ / رُوَيْدَاً فَإِنَّ الْبَابَ دُونَكَ مُغْلَقُ
أَتَحْسَبُ أَنَّ الظَّنَّ يُدْرِكُ بَعْضَ مَا / تُحَاوِلُهُ وَالظَّنُّ لِلْمَرْءِ مُوبِقُ
وَكَيْفَ يَنَالُ الْحِسُّ وَهْوَ مُحَدَّدٌ / سَرِيرَةَ غَيْبٍ دُونَهَا الْحِسُّ يَصْعَقُ
فَلا تَتَّبِعْ رَيْبَ الظُّنُونِ فَكُلُّ مَا / تَصَوَّرَهُ الإِنْسَانُ وَهْمٌ مُلَفَّقُ
وَلا تَحْسَبَنَّ الْحَدْسَ يُدْرِكُ مَا نَأَى / فَمَا كُلَّ حِينٍ قَائِفُ الْحَدْسِ يَصْدُقُ
وَأَيْنَ مِنَ الْمَخْلُوقِ إِدْرَاكُ حِكْمَةٍ / بِهَا يُنْشِئُ اللَّهُ الْقُرُونَ وَيَمْحَقُ
فَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ حَالَةَ نَفْسِهِ / كَفَاهُ وَلَكِنَّ ابْنَ آدَمَ أَخْرَقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَمْلِكْ بَوَادِرَ وَهْمِهِ / عَنِ الْقَوْلِ فِي مَا لَمْ يُفِدْ فَهْوَ أَحْمَقُ
فَإِيَّاكَ وَالدُّنْيَا فَإِنَّ نَعِيمَهَا / يَزُولُ وَمَلْبُوسُ الْجَدِيدَيْنِ يَخْلُقُ
فَإِنْ هِيَ أَعْطَتْكَ اللّيَانَ فَإِنَّهَا / سَتَخْشُنُ مِنْ بَعْدِ اللّيَانِ وَتَخْرُقُ
فَلا وُدُّهَا يَبْقَى وَلا صَفْوُ عَيْشِهَا / يَدُومُ وَلا مَوْعُودُها يَتَحَقَّقُ
فَكَمْ أَخْلَفَتْ وَعْدَاً وَمَلَّتْ صَحَابَةً / وَخَانَتْ وَفِيَّاً فَهْيَ بَلْهَاءُ تَنْزَقُ
وَكَيْفَ يَعِيشُ الدَّهْرَ خِلْواً مِنَ الأَسَى / سَقِيمٌ يُغَادَى بِالْهُمومِ وَيُطْرَقُ
لَعَمْرُ أَبِي إِنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ صَفَتْ / مَسَافَةَ يَوْمٍ فَهْوَ صَفْوٌ مُرَنَّقُ
فَفِيمَ يَوَدُّ الْمَرْءُ طُولَ حَيَاتِهِ / وَفِي طُولِهَا شَمْلُ الْهَنَاءِ مُفَرَّقُ
وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا مُسْتَعِدٌ لِوَثْبَةٍ / فَحِذْرَكَ مِنْهُ فَهُوَ غَضْبَانُ مُطْرِقُ
كَأَنَّ هِلالَ الأُفْقِ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ / عَلَيْنَا بِهِ وَالنَّجْمَ سَهْمٌ مُفَوَّقُ
أَبَادَ بَنِيهِ ظَالِمَاً غَيْرَ رَاحِمٍ / فَيَا عَجَبَاً مِنْ وَالِدٍ لَيْسَ يُشْفِقُ
فَلا تَبْتَئِسْ بِالأَمْرِ تَخْشَى وُقُوعَهُ / فَقَدْ يَأْمَنُ الإِنْسَانُ مِنْ حَيثُ يَفْرَقُ
فَمَا كُلُّ مَا تَهْوَاهُ يَأْتِيكَ بِالْمُنَى / وَلا كُلُّ مَا تَخْشَاهُ فِي الْدَّهْرِ يَطْرُقُ
وَكُنْ وَاثِقَاً بِاللَّهِ فِي كُلِّ مِحْنَةٍ / فَلَلَّهُ أَوْلَى بِالْعِبَادِ وَأَرْفَقُ
أَسَلَّةُ سَيْفٍ أَمْ عَقِيقَةُ بَارِقِ
أَسَلَّةُ سَيْفٍ أَمْ عَقِيقَةُ بَارِقِ / أَضَاءَتْ لَنَا وَهْنَاً سَمَاوَةَ بَارِقِ
لَوَى الرَّكْبُ أَعْنَاقَاً إِلَيْهَا خَوَاضِعَاً / بِزَفْرَةِ مَحْزُونٍ وَنَظْرَةِ وَامِقِ
وَفِي حَرَكَاتِ الْبَرقِ لِلشَّوْقِ آيَةٌ / تَدُلُّ عَلَى مَا جَنَّهُ كُلُّ عَاشِقِ
تَفُضُّ جُفُوناً عَنْ دُمُوعٍ سَوَائِلٍ / وَتَفْرِي صُدُورَاً عَنْ قُلُوبٍ خَوَافِقِ
وَكَيْفَ يَعِي سِرَّ الْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ / وَيَعْرِفُ مَعْنَى الشَّوْقِ مَنْ لَمْ يُفَارِقِ
لَعَمْرُ الْهَوَى إِنِّي لَدُنْ شَفَّنِي النَّوَى / لَفِي وَلَهٍ مِنْ سَوْرَةِ الْوَجْدِ مَاحِقِ
كَفَى بِمُقَامِي فِي سَرَنْدِيبَ غُرْبَةً / نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلائِقِ
وَمَنْ رَامَ نَيْلَ الْعِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى / لِقَاءِ الْمَنَايَا وَاقْتِحَامِ الْمَضَايِقِ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ رَنَّقْنَ مَشْرَبِي / وَثَلَّمْنَ حَدِّي بِالْخُطُوبِ الطَّوَارِقِ
فَمَا غَيَّرَتْنِي مِحْنَةٌ عَنْ خَلِيقَتِي / وَلا حَوَّلَتْنِي خُدْعَةٌ عَنْ طَرَائِقِي
وَلَكِنَّنِي بَاقٍ عَلَى مَا يَسُرُّنِي / وَيُغْضِبُ أَعْدَائِي وَيُرْضِي أَصَادِقي
فَحَسْرَةُ بُعْدِي عَنْ حَبِيبٍ مُصَادِقٍ / كَفَرْحَةِ بُعْدِي عَنْ عَدُوٍّ مُمَاذِقِ
فَتِلْكَ بِهَذِي وَالنَّجَاةُ غَنِيمَةٌ / مِنَ النَّاسِ وَالدُّنْيَا مَكِيدَةُ حَاذِقِ
أَلا أَيُّهَا الزَّارِي عَلَيَّ بِجَهْلِهِ / وَلَمْ يَدْرِ أَنِّي دُرَّةٌ فِي الْمَفَارِقِ
تَعَزَّ عَنِ الْعَلْيَاءِ بِاللُّؤْمِ وَاعْتَزِلْ / فَإِنَّ الْعُلا لَيْسَتْ بِلَغْوِ الْمَنَاطِقِ
فَمَا أَنَا مِمَّنْ تَقْبَلُ الضَّيْمَ نَفْسُهُ / وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ كُلُّ مَائِقِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ لِمَا فِيهِ مَجْدُهُ / قَضَى وَهْوَ كَلٌّ فِي خُدُورِ الْعَوَاتِقِ
وَأَيُّ حَيَاةٍ لاِمْرِئٍ إِنْ تَنَكَّرَتْ / لَهُ الْحَالُ لَمْ يَعْقِدْ سُيُورَ الْمَنَاطِقِ
فَمَا قُذُفَاتُ الْعِزِّ إِلَّا لِمَاجِدٍ / إِذَا هَمَّ جَلَّى عَزْمُهُ كُلَّ غَاسِقِ
يَقُولُ أُنَاسٌ إِنَّنِي ثُرْتُ خَالِعاً / وَتِلْكَ هَنَاتٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَلائِقِي
وَلَكِنَّنِي نَادَيْتُ بِالْعَدْلِ طَالِبَاً / رِضَا اللَّهِ وَاسْتَنْهَضْتُ أَهْلَ الْحَقَائِقِ
أَمَرْتُ بِمَعْرُوفٍ وَأَنْكَرْتُ مُنْكَراً / وَذَلِكَ حُكْمٌ فِي رِقَابِ الْخَلائِقِ
فَإِنْ كَانَ عِصْيَاناً قِيَامِي فَإِنَّنِي / أَرَدْتُ بِعِصْيَانِي إِطَاعَةَ خَالِقِي
وَهَلْ دَعْوَةُ الشُّورَى عَلَيَّ غَضَاضَةٌ / وَفِيهَا لِمَنْ يَبْغِي الْهُدَى كُلُّ فَارِقِ
بَلَى إِنَّها فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ / عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْ مَسُوقٍ وَسَائِقِ
وَكَيْفَ يَكُونُ الْمَرْءُ حُرَّاً مُهَذَّباً / وَيَرْضَى بِمَا يَأْتِي بِهِ كُلُّ فَاسِقِ
فَإِنْ نَافَقَ الأَقْوَامُ فِي الدِّينِ غَدْرَةً / فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ غَيْرُ مُنَافِقِ
عَلَى أَنَّنِي لَمْ آلُ نُصْحَاً لِمَعْشَرٍ / أَبَى غَدْرُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا قَوْلَ صَادِقِ
رَأَوْا أَنْ يَسُوسُوا النَّاسَ قَهْرَاً فَأَسْرَعُوا / إِلَى نَقْضِ مَا شَادَتْهُ أَيْدِي الْوَثَائِقِ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الظُّلْمُ قَامَتْ عِصَابَةٌ / مِنَ الْجُنْدِ تَسْعَى تَحْتَ ظِلِّ الْخَوَافِقِ
وَشَايَعَهُمْ أَهْلُ الْبِلادِ فَأَقْبَلُوا / إِلَيْهِمْ سِرَاعاً بَيْنَ آتٍ وَلاحِقِ
يَرُومُونَ مِنْ مَوْلَى الْبِلادِ نَفَاذَ مَا / تَأَلَّاهُ مِنْ وَعْدٍ إِلَى النَّاسِ صَادِقِ
فَلَمَّا أَبَى الْحُكَّامُ إِلَّا تَمَادِيَاً / وَحَالَ طِلابُ الْحَقِّ دُونَ التَّوَافُقِ
أُنَاسٌ شَرَوْا خِزْيَ الضَّلالَةِ بِالْهُدَى / نِفَاقاً وَبَاعُوا الدِّينَ مِنْهُم بِدَانِقِ
فَجَاؤُوا إِلَيْهِمْ يَنْصُرُونَ ضَلالَهُمْ / بِخُدْعَةِ مُغْتَالٍ وَحِيلَةِ سَارِقِ
فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا فِي الْبِلادِ وَأَيْقَنُوا / بِعَجْزِ الْمُحَامِي دُونَهَا وَالْموَاثِقِ
أَقَامُوا وَقَالُوا تِلْكَ يَا قَوْمُ أَرْضُنَا / وَمَا أَحَدٌ مِنَّا لَهَا بِمُفَارِقِ
وَعَاثُوا بِهَا يَنْفُونَ مَنْ خِيفَ بِأْسُهُ / عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ تِلْكَ إِحْدَى الْبَوائِقِ
وَأَصْبَحَ وَادِي النَّيلِ نَهْبَاً وَأَصْبَحَتْ / إِمَارَتُهُ الْقَعْسَاءُ نُهْزَةَ مَارِقِ
فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فَلا تَسَلْ / سِوَايَ فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْحَقَائِقِ
فَيَا مِصْرُ مَدَّ اللهُ ظِلَّكِ وَارْتَوَى / ثَرَاكِ بِسَلْسَالٍ مِنَ النِّيلِ دَافِقِ
وَلا بَرِحَتْ تَمْتَارُ مِنْكِ يَدُ الصِّبَا / أَرِيجَاً يُدَاوِي عَرْفُهُ كُلَّ نَاشِقِ
فَأَنْتِ حِمَى قَوْمِي وَمَشْعَبُ أُسْرَتِي / وَمَلْعَبُ أَتْرَابِي وَمَجْرَى سَوَابِقِي
بِلادٌ بِهَا حَلَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي / وَنَاطَ نِجَادَ الْمَشْرَفِيِّ بِعَاتِقِي
إِذَا صَاغَهَا بَهْزَارُ فِكْرِي تَصَوَّرَتْ / لِعَيْنِي فِي زِيٍّ مِنَ الْحُسْنِ رَائِقِ
تَرَكْتُ بِهَا أَهْلاً كِرَاماً وَجِيرَةً / لَهُمْ جِيرَةٌ تَعْتَادُنِي كُلَّ شَارِقِ
هَجَرْتُ لَذِيذَ الْعَيْشِ بَعْدَ فِراقِهِمْ / وَوَدَّعْتُ رَيْعَانَ الشَّبَابِ الْغُرانِقِ
فَهَلْ تَسْمَحُ الأَيَّامُ لِي بِلِقَائِهِمْ / وَيَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا مَشُوقٌ بِشَائِقِ
لَعَمْرِي لَقَدْ طَالَ النَّوَى وَتَقَطَّعَتْ / وَسَائِلُ كَانَتْ قَبْلُ شَتَّى الْمَوَاثِقِ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ سَاءَتْ صُرُوفُهَا / فَإِنِّي بِفَضْلِ اللهِ أَوَّلُ وَاثِقِ
فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ / وَيَرْجِعُ لِلأَوْطَانِ كُلُّ مُفَارِقِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025