إِليكِ غصوني يا طيور الحقائقِ
إِليكِ غصوني يا طيور الحقائقِ / ليسمع في ذا الفجر صوت حدائقي
فما إن ارى كالحسن ابدع صامت / يجلُّ بهِ في الشعر ابدعُ ناطقِ
وافخم اصوات الطبيعة راعدٌ / يجلجلُ في الآفاق من حسن بارقِ
فيا خالق الدنيا منىً وحقائقاً / ليعرفهُ أهل المنى والحقائقِ
لقد يبصر المرءُ السما ونجومها / وما في العُلى من معجزات خوارقِ
ويبصر ما أبدعتَ في الأرض كلها / مغاربها القُصوى معاً والمشارقِ
ويبصر ما اجملتَ من متناسب / عجيب وما فصَّلت من متناسقِ
يرى كل هذا ساكن القلب وامقاً / بالحاظه واللحظ حُبُّ المنافقِ
بلى ويرى من كبرهِ كل رائع / ضئيلاً كأن المرءَ في رأس شاهقِ
ولكن متى يبصر بحسناءَ ينتفض / ويستشعر المخلوق هيبة خالقِ
يرى لحظها مسترسلاً في فؤَادهِ / يفكك ما بين المنى من علائقِ
وتغمرهُ من حسنها كل موجة / يميل عليها القلب مثل الزوارقِ
وتملأُهُ شوقاً يطيف بروحهِ / فيُشعرها الإِجلالُ من كل شائقِ
وتتركهُ في الحسّ كالروح نفسها / وكالفكر في ذوق المعاني الدقائقِ
هناك يرى في كل مبتسمٍ ضيا / ينيرُ من الآمال في كل غاسقِ
هناك يرى فجراً لكوكب قلبهِ / وناهيك من نجم على الفجر خافقِ
هناك حواشي الفجر رفَافةُ الندى / تمجُّ رشاش الكوثر المتدافقِ
هناك باقصى الفجر اجملُ مشرقٍ / يرى منهُ نور الله أَجمل شارقِ
لعمري لقد كانت لحواءَ فطنة / وكان أبونا آدمٌ غير حاذقِ
قضى قبل ان يمضي من الخلد ساعةً / وليس بهِ الاَّ اهتمام المُفارقِ
بئيسٌ على ما كان مكتئب لما / يكون بصدر واهن الصبر ضائق
فلم يغتنم من ساعة لم تَعُد لهُ / وكان بها من ساعة جِدَّ واثقِ
ولكن حواءَ الجميلة أسرعت / خواطرها كالبارق المتلاحقِ
رأت انها جفَّت على قلب آدم / ولمَّا تزل في ظل فنينان وارقِ
فكيف اذا ما غادرا الخلد بتَّةً / وعاد عليها آدم عود حانقِ
وهبَّت اعاصير الجدال وانشأت / سحائبهُ يرمينها بالصواعقِ
وكانت ترى في جنة الخلد جوهراً / يسمونهُ في الخلد قلب المعانقِ
ولما اتى وقت الخروج وعرّيا / سوى الحلة الخضراء دون المناطقِ
مشى آدمٌ يشكو لها متباطئاً / ولكنها زمَّت فماً غير ناطقِ
فأَعجبهُ منها السكوت ولم تكن / لتسكت في شيءٍ سكوت موافقٍ
وظن بها من روعة الحزن حكمةً / تبصّرها في امر هذي العوائقِ
ولو فتحت فاها الملائكُ عندها / لكانت رأَت فيهِ جريمة سارقِ
فقد اخذت حواءُ جوهرة الهوى / وفازت بحظ في المحبة فائقِ
فحين رآها آدم في ابتسامها / رأَى الحب ابهى ما يكون لرامقِ
ومرَّ بعينيه الشعاع وسحرهُ / يريهِ الهوى احلام يقظان صادقِ
ففي القبلة الاولى درى حاضر المنى / وفي القبلة الأخرى نسي كل سابقٍ
لذاك نرى حب الجواهر فطرة / لكل النسا معدودة في الخلائقِ
وما برحت آثار جوهرة الهوى / تلألأُ في كل ابتسامٍ لعاشقِ