المجموع : 11
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ / شُروقٌ لأفقٍ غابَ عنه شُروقُ
كأنّ نجومَ الليل دُرٌّ وبينها / تلألؤ إيماضِ الوميضِ بروقُ
وَما خلتُ إلّا الوَرْسَ في الأفقِ إنّه / متى لم يَكُنْهُ الورس فَهْوَ خَلوقُ
كأنّ نجيعاً خالط الجوَّ أو جَرَتْ / لنا بين أثناء الغمامِ رحيقُ
يلوح ويخفى ثم يدنو وينتئي / ويوسع من مجراه ثمّ يضيقُ
فما خفقتْ إِلّا كذاك جوانحٌ / ولا نبضتْ إلّا كذاك عروقُ
وشوّقنِي إيماضُه نحو أوجهٍ / لهنّ سناءٌ والمشوقُ مشوقُ
ودون اللّوى ظبْيٌ له كلُّ ما هوى / عَلوقٌ بحبّاتِ القلوب لَصوقُ
له حكمُهُ منّي ومن دون عَطفه / عليَّ غزيرُ اللُّجَّتين عميقُ
وأولَعُ بالبُقيا عليه وما له / إلى جانب البُقيا عليَّ طريقُ
وما وَعدُهُ إلّا اِختلاجةُ خُلَّبٍ / وَإِلّا سرابٌ بالفلاةِ خَفوقُ
فمن لستُ مودوداً إليه أودّه / وَمَن ليس مشتاقاً إليَّ يشوقُ
وإنّي على مَن لا هوادَة عنده / ولا شَفَقٌ منه عليَّ شفيقُ
فيا داءَ قلبي ما أراك تُغِبُّنِي / ويا سُكرَ قلبي ما أراك تفيقُ
بنفسِيَ من ودّعتُه يومَ ضارجٍ / وجَفنِيَ من فيضِ الدّموعِ غريقُ
وكلّفنِي من ثِقْلِ يومِ وداعِهِ / بلابلَ لا يسطيعهنَّ مطيقُ
يُغِلْنَ اِعتزامَ المرءِ وهْوَ مصمّمٌ / ويَهْدِمْنَ ركن الصّبر وهو وثيقُ
وليلةَ بِتْنا وهو حانٍ على الهوى / بعيدُ النّوى شَحْطَ الأذاة سحيقُ
وقد ضلَّ فيه الكاشحون وقُطّعتْ / عوائقُ كانت قبل ذاك تعوقُ
ونحن كما شاء العدوّ فإنّه / شَجٍ بالّذي نهوى وشاء صديقُ
فعَرْفُ الوصالِ يومَ ذاك مُنَشَّرٌ / وعذبُ المُنى صِرْفٌ هناك مَذوقٌ
فَلم تَك إلّا عفّةٌ ونزاهةٌ / وَإِلّا اِشتكاءٌ للغرامِ رقيقُ
وَإِلّا اِنتجاءٌ بالهوى وتحدّثٌ / صقيلُ حواشي الطُّرَّتين أنيقُ
عليه من الجاديّ فَغْمةُ نَشرةٍ / وَفيهِ ذكيُّ المَنْدَلِيِّ سَحيقُ
فَما زالَ منّا ظامئُ الحبِّ ناقعاً / إلى أن تبدّتْ للصّباحِ فتوقُ
وَأَقبل مَوْشِيَّ القميص إذا بدا / وكلّ أسيرٍ بالظّلام طليقُ
يقوِّض أطنابَ الدّياجي كأنّما / ترحّل من بعض الدّيار فريقُ
فَما هو إلّا قُرحةٌ لدُجُنَّةٍ / وَإلّا فَرأسٌ للظّلامِ حليقُ
وَشُرِّد بِالبطحاءِ حتّى كأنّه / بِكارُ فلاةٍ راعهنَّ فنيقُ
فإن لم يكن ثغرُ الدُّجى متبسّماً / فسيفُك يا أُفقَ الصّباحِ ذَلوقُ
وإن لم يكن هذا الصّباح بعينه / فجانبُ شرق الرّكب فيه حريقُ
فلم يبقَ للسّاري سُرىً في لبانةٍ / ولا لِطَروقٍ للرِّحالِ طُروقُ
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه / فألّا وضوءُ الصّبحِ للعين مُشرِقُ
وزِدْتَ مِطالاً عن لقاء مُصَحَّحٍ / وأوْسَعَنا منك اللّقاءُ المُزَوّقُ
فأَحْبِبْ به من طارقٍ بعد هَدْأَةٍ / على نَشوةِ الأحلامِ لو كان يصدقُ
ولمّا تفرّقنا ولم يكُ بيننا / هُنالك لولا النّومُ إلّا التفرُّقُ
تطايَرَ وصلٌ غرّنا فكأنّه / رداءٌ سحيقٌ أو مُلاءٌ مُشَبْرَقُ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ / ومن دونَ مسراه اللّوى والأبارِقُ
ألمّ بنا لم ندر كيف لِمامُهُ / وقد طالما عاقته عنّا العوائقُ
فلّلهِ ما أولَى الكرى في دُجُنَّةٍ / جَفَتْها الدّراري طُلَّعٌ وبوارقُ
نَعِمْنا به حتى كأنّ لقاءنا / وَما هو إلّا غايةُ الزُّورِ صادقُ
فما زارني في اللّيل إلّا وصبحُنا / تُسَلُّ علينا منه بِيضٌ ذَوالِقُ
فَكيفَ اِرتَضيتَ اللّيلَ واللّيلُ مُلْبِسٌ / تَضِلُّ به عنّا وعنك الحقائقُ
تُخيّل لِي قُرْباً وأنتَ بنجوةٍ / وتوهمني وصْلاً وأنت المفارقُ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / وقلبي بمن فيها رهينٌ معلّقُ
وَأَقريهمُ منّي السّلامَ وبيننا / رِتَاجٌ ومسدولٌ من الترب مُطبَقُ
ولو أنّنِي أنصفتُ مَنْ في ترابها / لما رحتُ عنه مُطلقاً وهو موثَقُ
وأنّ له منّي قليلاً جوانحٌ / خَفَقْنَ وعينٌ بالدّموع تَرَقْرَقُ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ / وقلتَ لنا هم خيرُ مَنْ أنَا خالقُ
وإنْ كنتُ قد قصّرتُ سعياً إلى التُّقى / فإنّي بهمْ إنْ شئتَ عندك لاحقُ
هُمُ أنقذوا لمّا فَزِعتُ إليهمُ / وقد صَمّمت نحوي النُّيوبُ العوارقُ
وهم جَذَبوا ضَبْعي إليهمْ من الأذى / وقد طرقتْ بابي الخطوبُ الطّوارقُ
ولولاهُمُ ما نلتُ في الدِّينِ حُظوَةً / وَلا اِتّسَعَتْ فيه عليَّ المضائقُ
ولا سيّرتْ فضلي إليها مغاربٌ / ولا طَيَّرَتْهُ بينهنّ مشارقُ
ولا صَيّرتْ قلبي من النّاسِ كلّهمْ / لَها وَطَناً تأوي إليه الحقائقُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ / وخِلٌّ نآنِي ما نَبَتْ بي خَلائِقُهْ
ومُضطجِعٌ في ريبِ دهرٍ مُسَلَّطٍ / تُطالعني في كلّ فجٍّ طوارقُهْ
ومُلتَفِتٌ في إثْرِ ماضٍ مُغَرِّبٍ / تراماهُ أجراعُ الرّدى وأبارقُهْ
فثَلْمٌ على ثَلْمٍ وزُرْءٌ مضاعفٌ / على فتقِ رُزْءٍ ضلّ بالدّهرِ راتقُهْ
مصائبُ لو أُنزِلْنَ بالشّمسِ لم تُنِرْ / وَبالبدر لم تُمْدَدْ بليلٍ سُرادِقُهْ
فمُعْتَبَطٌ خولِسْتُهُ ومؤجَّلٌ / تلبّث حتّى خِلتنِي لا أُفارقُهْ
تجافَى الرّدى عنه فلمّا أمِنْتُهُ / سقانِيَ فيه مُرَّ ما أنا ذائِقُهْ
فسُرَّ به قلبي فغال مسَرَّتِي / زمانٌ ظلومٌ للسّرورِ يسارقُهْ
أرى يومَه يومي وأشعرُ فقدَه / بأنّي وإنْ طال التّلَوُّمُ لاحقُهْ
وكم صاحبٍ عُلِّقْتُهُ فتقطّعَتْ / بأيدي المنايا من يديَّ علائقُهْ
وكيف صفاءُ العيش للمرء بعدما / تغيّبَ عنه رَهْطُهُ وأصادِقُهْ
فللّهِ أعوادٌ حَمَلْنَ عشيّةً / خبِيئةَ بيتٍ لا يرى السّوءَ طارقُهْ
على الكرمِ الفَضْفاضِ لُطَّتْ ستورُهُ / وبالبرِّ والمعروفِ سُدَّتْ مخارقُهْ
وَليسَ بهِ إلّا العفافُ وما اِنطَوَتْ / على غير ما يُرضي الإلهَ نمارِقُهْ
قيامُ سوادِ اللّيل يَندى ظلامُهُ / وصومُ بياضِ اليومِ تُحمى ودائِقُهْ
فدَتْني كما شاءتْ وما شئتُ أنّها / فَدَتْنِي ولا كانَ الّذي حُمَّ سابقُهْ
وَلَو أَنّني أَنصَفتُها من رعايتي / وقابلتُه رُزءاً بما هو لائقُهْ
لأكرعتُ نفسي بعدها مَكرعَ الرّدى / تصابحه حزناً لها وتغابقُهْ
سقى جَدَثاً أصبحت فيه مُجَلْجلٌ / رواعدُهُ ما تنجلي وبوارقُهْ
يُطيحُ الصَّدا الدّفَّاعُ منه وتَرْتوي / مغاربُهُ من فيضه ومشارقُهْ
لئِن غبتِ عن عيني فربّ مُغيَّبٍ / يروحُ وأبصارُ القلوبِ روامقُهْ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ / وقولوا له إذْ ضلّ أين طريقُهُ
فما الشّوقُ والأشجانُ إلّا صَبوحُهُ / وما الهمُّ والأحزانُ إلّا غَبوقُهُ
فإنْ أنتما لم تُسعداه بعبرةٍ / فلا تُنكرا إن سحّ بالدّمعِ مُوقُهُ
طوَى الموتُ أهلي بد طيِّ أصادِقي / ولمّا يُقِمْ مَن بانَ عنه صديقُهُ
فثُكلٌ على ثُكْلٍ ورُزْءٌ يسوقُهُ / إلى الكَبِدِ الحَرَّى عليه سَؤوقُهُ
وَما المَرءُ إِلّا عرضةٌ لمصيبةٍ / فطوراً بنوهُ ثم طوراً شقيقُهُ
وَما الدّهرُ إلّا تَرْحَةٌ بعد فرحةٍ / فلا كان منه بِرُّهُ وعقوقُهُ
أتاني من الطّرّاقِ ما يَقرحُ الحَشا / وكم طارقٍ لي لا يُوَدُّ طُرُوقُهُ
وقالوا معزُّ الدّينِ تاه به الرّدى / وسُدَّ به في وَسْطِ قاعٍ خُروقُهُ
فأَلْهَبَ خوفاً ليس يخبو حريقُهُ / وأعقب سكراً ليس يصحو مُفيقُهُ
وذاك ذهابٌ ليس يدنو إيابُهُ / وَوَشكُ غروبٍ ليس يُرجى شُروقُهُ
كأنّي وقد فارقتُهُ شِعْبُ منزلٍ / تحمّل عنه راغمين فريقُهُ
وإِلّا فصَدْيانٌ على ظهر قفرةٍ / وَما ماؤه إلّا السّرابُ ورِيقُهُ
فَليسَ الّذي تَجري به العينُ ماؤها / ولكنّه ماءُ الحياةِ أُريقُهُ
فمنْ لسرير الملك يركب متنَهُ / فيعلو به إِشرافُهُ وسُموقُهُ
ومَنْ لصفيحِ الهند يُنْثَرُ حولَه / فديغُ رؤوسٍ في الوغى وفليقُهُ
ومَنْ للقنا تحمرّ منه ترائبٌ / كأنّ خَلوقَ المعرسات خَلوقُهُ
ومَنْ للجيادِ الضُّمَّرِ القُودِ قادَها / إلى موقفٍ دَحْضُ المقامِ زليقُهُ
ومَنْ يحمل العِبْءَ الرّزينَ تكرّماً / إذا كَلَّ عن حَمْلِ الثّقيلِ مُطيقُهُ
ومَنْ لثغور الملك يرتُقُ فتقَها / إِذا اِلتاث ثَغْرٌ أو تراءَتْ فتوقُهُ
فتىً كان رنّاتِ السّيوفِ سَماعُهُ / وفيضَ نجيع الذّابلاتِ رحيقُهُ
وَلَم تُلفِهِ إِلّا وَفوق فَقارِهِ / جَليلُ الّذي يَقتادنا ودقيقُهُ
وقد علم الأملاك أنّك فُتَّهُمْ / وإلّا فقلْ مَن ذا الّذي لا تفوتُهُ
فإن نزلوا في الفخر هضباً رفيعةً / فمنزلُك الأعلى من الفخرِ نِيقُهُ
وأنّك من قومٍ كفى الخطبَ بأسُهمْ / وقامتْ بهمْ في معظم الأمر سوقُهُ
إذا ما جرى منهم كريمٌ إلى ندىً / مضى لم يَعُقْهُ دونه ما يَعوقُهُ
وفيهمْ شعابُ الملك تجري وعندهمْ / إذا وَشَجَتْ أغصانُه وعروقُهُ
وإن تنكُص الأقدامُ جُبناً فما لهمْ / إلى المجدِ إلّا شَدُّهُ وعنيقُهُ
قَضى اللَّهُ لِي من بعدك الحزنَ والأسى / وليسَ بمردودٍ قضاءٌ يسوقُهُ
وما كنتُ أخشى أنْ تَبِيتَ وبيننا / بعيدُ المدا شَحْطُ المزارِ سحيقُهُ
وأنِّيَ موفورٌ وأنتَ مُحَمَّلٌ / بثِقْلِ الثَّرى ما لا أراك تُطيقُهُ
يُفيقُ الرّجالُ الشّاربون من الكَرى / وسكرك من خمر الرّدى لا تُفيقُهُ
ولِمْ لا أقيك السّوءَ يوماً وطالما / وقيتَ من الأمر الذُّعاف مَذوقُهُ
ولمّا عرانِي ما عرانِيَ واِلتَوى / عليَّ أخٌ فيما عرا وشقيقُهُ
تشمّرتَ لِي حتَّى أضاء ظلامُهُ / وطاوعَ عاصيه وأرحَبَ ضيقُهُ
فَإنْ تمضِ فالأنواءُ تمضي وإِنْ تَغِبْ / فقد غاب عنّا من زمانٍ أنيقُهُ
وإن تَعْرَ منّا اليومَ فالغصنُ يُغتَدى / وريقاً زماناً ثُمّ يَعْرى وريقُهُ
فما لفؤادي بعد يومك بهجةٌ / ولا شاق قلبي بعده ما يشوقُهُ
ولا لسلوٍّ خَطْرَةٌ في جوانحي / ولا لجفوني طعمُ يومٍ أذوقُهُ
سلامٌ على قبرٍ حَلَلْتَ ترابَه / وهبّ عليه من نسيمٍ رقيقُهُ
وَمِن حوله وَشيُ الرّياض مُنَشَّرٌ / وفيه من المسك الذّكيّ فتيقُهُ
فإنْ ضاقت الأرضُ الفضا بعد فقده / فقد وسعته تربةٌ لا تضيقُهُ
مررنا عليه منشئين لقبره / غمامَ دموعٍ والحنينُ يسوقُهُ
ومِن قلّةِ الإنصافِ عيشيَ بعده / وفي الكفّ منّي لو أردتُ لُحوقهُ
لمن ضَرَمٌ أعلى اليَفاعِ تعلّقا
لمن ضَرَمٌ أعلى اليَفاعِ تعلّقا / تألَّقَ حتّى لم يجد متألِّقا
إخالُ بهِ يخفى ويبدو مكانه / وينأى ويدنو في دجى اللّيلِ أوْلَقا
كأنّ شموساً طالعاتٍ خلالَه / وإلّا وَرِيساً من مُلاءٍ تمزّقا
ذكرتُ به عصراً تصرّم طيّباً / وعيشاً سرقناه بوَجْرَةَ مُشرِقا
وريّانَ من خمر الكرى طولَ ليلِهِ / يهون عليه أنْ أبِيتَ مؤرّقا
ويحرمنا منه النّوالَ تجنّباً / ويُعرِضُ عنّا بالوصال تعشّقا
وَشنباءَ تستدعي العَزوفَ إلى الصِّبا / فَيعلقها السّالِي الّذي ما تعلّقا
تضِنُّ على الظّامي إليها بريقِها / وإنْ هي سَقَّتهُ الأراكَ المُخَلَّقا
وَلمّا اِلتَقينا للوداعِ رَقَتْ لها / دموعٌ ودمعي يوم ذلك ما رَقا
ولمّا مررنا بالظّباءِ عشيّةً / علَوْن النَّقا وَهْناً بأوفى من النَّقَا
سفرن فأبدلن الدّياجِيَ بالضُّحى / وأجريْنَ من تلك العشيّات رَوْنقا
فَمِسْنَ غصوناً واِطّلَعْن أهِلَّةً / وفُحْنَ عبيراً أو سُلافاً معتّقا
وعيّرْنَنِي شيباً سيُكسَيْنَ مِثلَهُ / وَمن ضلّ عن أيدي الرّدى شاب مَفْرقا
وهل تاركٌ للمرء يوماً شبابَه / صباحٌ وإمساءٌ ومنأى ومُلْتَقى
فقلْ للعِدا كَمْ ذا الطّماحُ إلى الّذي / علا قبلكمْ نحو السّماءِ مُحلِّقا
أَراحَكُمُ ذاك الّذي لِيَ مُتعِبٌ / وَنوّمكمْ ذاك الّذي لِيَ أرّقا
وَلَستمْ سواءٌ واِمرؤٌ في مُلِمَّةٍ / خمدتُمْ بها خوفَ الحِذارِ وأشرقا
وَلَم يَقْرِها إِلّا الصّفيحَ مُثلَّماً / وإلّا الوَشيجَ بالطِّعانِ مُدَقّقا
وشهّاقةً ترنو نجيعاً كأنّما / خرقتَ به نَوْءَ الحيَا فتخرّقا
فتحتُ لهمْ قعراً عميقاً كأنّنِي / فتحتُ بها باباً إلى الموتِ مُغْلَقا
تحكّكتُمُ منه بصلِّ تنوفةٍ / ثوى لا يذوق الماءَ فيمنْ تذوّقا
يَرُمُّ وما إرْمامُهُ لمخافةٍ / ويُخشَى الرّدى ممّنْ أرمَّ وأطْرَقا
يمُجُّ سِماماً من فروجِ نُيوبِهِ / متى ما رقاها القومُ صَمَّتْ عن الرُّقى
وبحرُ النّدى يَمُّ الرَّدى لمُرِيغِهِ / إِذا صابَ أغنى أو إذا صَبَّ أغرقا
وليثاً ترى في كلّ يومٍ بجنبه / لصرعاه أعضاداً قُطعن وأسؤقا
شديدَ القُوى إنْ غالبَ القِرْنَ غاله / وَإِنْ طلبَ الأمر الّذي فات ألحقا
وإن هاجه يوماً كَمِيٌّ رأيتَهُ / مُكِبّاً على أوصالِهِ مُتَعَرِّقا
فَفخراً بنِي فِهْرٍ بأنِّيَ منكُمُ / إذا عِيق عن عليائها مَن تعوّقا
تطولون بِي قوماً كما طُلتُ معشراً / بكمْ سابقاً في حَلْبَةِ المجدِ سُبَّقا
وكنتُ لكمْ يوم التّخاصمِ منطقاً / فصيحاً وفي يوم التَّجالد مَرْفِقا
وَلَمّا اِدّعيُتمْ أنّكمْ سادةُ الورى / وألصقتُمُ بالمجد كنتُ المصدَّقا
ولم تخفقوا لمّا طلبتمْ نجابتي / وكم طالبٍ هذي النّجابةَ أخفقا
وما كان ثوبُ الرَّوْعِ يوماً عليكُمُ / وفي كفِّيَ العَضْبُ اليَمانِيُّ ضيّقا
خذوا الفخرَ موفوراً صحيحاً أديمُهُ / وخلّوا لمن شاء الفخارَ المُشَبْرَقا
وَلمّا بنيتُمْ ذُرْوَةَ المجد والنّدى / هزأتُمْ بقومٍ يبتنون الخَوَرْنَقا
وحرّقتُمُ بالطّعنٍ ناراً غزيرَةً / فأنسيتُمُ مَن كان يُدعى المُحرِّقا
وحلّقتُمُ في شامخاتٍ من العُلا / فأخزيتُمُ مَن كان يُدعى المُحَلَّقا
وودّ رجالٌ أنّنِي لم أفُتْهُمُ / تماماً وأفضالاً ومجداً ومُرتَقى
وأَنِّيَ ما حُزتُ الفخارَ مغرِّباً / كما حزتُهُ دون الأنامِ مشرّقا
وأنِّيَ ما أنصبتُ في طرقِ العُلا / قلوباً وأجساماً وخيلاً وأينُقا
فَلا تَغضبوا من سابقٍ بَلَغ المَدا / وَلوموا الّذي لم يُعْطَ سَبْقاً فيسبقا
ولم أرَ مِن بعد الكمال بناظري / مِنَ النّاسِ إلّا مُغضَباً بِيَ مُحنَقا
وَماذا عَلى الرّاقي إلى قُلَلِ الذرا / ذُرا المجدِ بلْ مَن لم ينلها ولا اِرتَقى
فكم أنا مُزْجٍ كلَّ يومٍ قصيدةً / ومُهدٍ إِلى راوٍ كلاماً مُنَمَّقا
وليس بشافٍ داءَ قلبِيَ مِقْوَلي / وإنْ كان مرهوبَ الشّباةِ مُذَلَّقا
أَروني اِمرءاً من قبضةِ الدّهرِ مارقا
أَروني اِمرءاً من قبضةِ الدّهرِ مارقا / ومن ليس يوماً للمنيّةِ ذائقا
هو الموتُ ركّاضٌ إلى كلّ مهجةٍ / يُكِلُّ مطايانا ويُعيي السّوابقا
فإنْ هو ولّى هارباً فهو فائتٌ / وإنْ كان يوماً طالباً كان لاحقا
فكم ذا تغول النّائباتُ نفوسَنا / وتستلب الأهلين ثمّ الأصادقا
وكم ذا نُعير المُطمعات عيونَنا / ونُدنِي إلى ريح الغرورِ المناشقا
ونعشق في دار الفَناءِ مواطناً / يعرّين منّا لم يكنّ معاشقا
ونشتاق إمّا قالياً أو مقاطعاً / فيا شائقاً لِي ما أضرّك شائقاً
ولو أنّني وفّيت حقَّ تجاربي / قطعتُ من الدّهرِ العَثورِ العلائقا
نُطاح إلى الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / ونوسِدُ في قَفْرِ التّراب المرافقا
فيا خبراً أذرى العيونَ جوامداً / وأبقى القلوبَ السّاكناتِ خوافقا
أتاني طَروقاً وهو غيرُ مُحبَّبٍ / وَكَم جاء ما لا تَشتهي النّفسُ طارقا
وددتُ وداداً أنّه غير صادقٍ / وكم قاتلٍ ما كنتُ أهواه صادقا
أصابك من سهم الرّدى ما أصابني / وكان لجلدي قبل جلدك خارقا
ولو أنّنِي حُمّلتُ ثِقْلَك كلَّه / حملتُ عَلوقاً بالّذي كنتُ عالقا
فإن يَكُ غصنٌ من غصونك ذاوياً / قد أبقت الأيّامُ أصلَك باسقا
وإن يَكُ نجمٌ غار بعد طلوعه / فقد ملأتْ منك الشّموسُ المشارقا
أزال الرَّدى منّا على الرّغم تَلْعَةً / وأبقى لنا منك الجبالَ الشَّواهقا
وما ضرّ والسِّربالُ باقٍ على الفتى / إذا شعَّثَثْ منه اللّيالِي البنائقا
وفيك وفي صِنْوٍ له عوضٌ به / إذا نحن أنْصَفْنا الخُطوبَ الطّوارقا
وساء به مَن سرّنا بمكانه / وأفناه مَن أعطاه بالأمس رازقا
حُرمناهُ حظّاً بعد أنْ أخذتْ لنا / على حظّنا منك اللَّيالي المواثقا
وما كنتُ أخشى أنْ يَسُدَّ به الرّدى / فُروجَ الليالي دوننا والمخارقا
وأنْ يحجبَ الصُّفّاحُ بيني وبينه / ويودعه وسْطَ العَراءِ الشّقائقا
فيا أيّها ذا العادلُ المُقْرَمُ الّذي / رضيناه خلْقاً كاملاً وخلائقا
تَعَزَّ عن الماضي ردىً بثوابه / وَكُن بالّذي يَجزِي على الصَّبرِ واثقا
فليس لمخلوقٍ وإن عضَّه الرّدى / فضاق ذراعاً أنْ يعارض خالقا
هل العزُّ إلّا في متونِ السّوابقِ
هل العزُّ إلّا في متونِ السّوابقِ / تصرّفها قِدْماً حُماةُ الحقائقِ
وما أَرَبِي إلّا لقاءُ عصابةٍ / ذوي مُهَجاتٍ ما حَلَوْنَ لذائقِ
يسود فتاهمْ لم يُوَفَّ شبابُهُ / ويُدعى إلى الجُلّى ولمَّا يراهِقِ
صفحتُ عنِ الأهواءِ إلّا اِرتياحةً / تَعارَضُ من قلبٍ إلى المجد تائقِ
أُنقِّبُ إِلّا عن عَضِيهةِ صاحبٍ / وَأَسأَل إلّا عَن خدور العواتقِ
أَتُستَلَبُ الأيَّامُ لم يروِ غُلّتِي / دِراكُ طعانٍ في صدور الفيالقِ
ولم تُرَ خيلي شُرَّعاً في كتيبةٍ / تُغيّبُ أشخاصَ الجبال الشَّواهقِ
ولو شئتُ والحاجاتُ منّي قريبةٌ / منعتُ بياضَ الشيبِ أخذَ مفارقي
سقطتُ وراءَ الحزمِ إِنْ لم أَشُنَّه / على الجَوْرِ يوماً مستطيرَ البوائقِ
مليئاً بتشييد المعالي إذا مضى / أقام بِناهُ في بطون المهارِقِ
تخوّفني الخرقاءُ أوْبَةَ خائفٍ / وما الحزمُ سلطاناً على كلّ عائقِ
لحَا اللَّهُ أحداثَ الزّمان فإنّها / ركائبُ لم تُسنَدْ إِلى حفظ سائقِ
رَأيتُ اِضطِرابَ المرء والجدُّ عاثرٌ / كما اِضطرب المَخنوق في حبل خانقِ
وما نَقَصَ المقدورُ من حظّ عاقلٍ / بِقدرِ الّذي أَسناه من حظّ مائقِ
خليليَّ ما لي لا أَعافُ مجانباً / فأصرِمَه إِلّا بهجو موافقِ
ألا جنّباني ما نبا بخلائقي / وحسبُكما ما كان وَفْقَ خلائقي
ولا تسألا عن خبرةٍ بات علمها / يصدّع ما بيني وبين الأصادقِ
أراني متى جرّبتُ ودَّ مواصلٍ / تَقارب سعيي في اِتّباع مفارقِ
يخالسني هذا العَلاءَ معاشرٌ / ولكنّ قولاً يُهتدى غيرُ صادقِ
ولمّا بدا لِي الكاشحون فصرّحوا / تمنّيتُ أيّام العدوّ المنافقِ
بني عمّنا لا تبعثوها ذميمةً / تقرّب صفوَ الكأس من كفّ ماذقِ
أضنّاً بتأثيل المودّةِ بيننا / وبذلاً لتقطيع القوى والعلائقِ
وَفَيْنا على تلك الهَناتِ وأعرضَتْ / طرائقنا عن بعض تلك الطّرائقِ
وما بدّلَتْ منّا الولايةُ شيمةً / لِنَاءٍ بعيدٍ أو قريبٍ ملاصقِ
وقد كان فيما كان خرقٌ لنافذٍ / وسَوْمٌ لمستامٍ وقولٌ لناطقِ
وهَمٌّ كتكرارِ المَلامِ شباتُهُ / تَغَلْغَلُ في قلبٍ قليل المرافقِ
يطوّحني في كلّ عرضِ تنوفةٍ / ويقذفني من حالقٍ بعد حالقِ
وَبينَ وجيفِ اليَعْمَلاتِ وَوَخدِها / بلوغٌ لباغٍ أَو سلوٌّ لعاشقِ
أما وأبي الفتيانِ ما اِلتَثْتُ فيهمُ / وقد جزعوا بالعِيسِ هَوْلَ السّمالِقِ
ولمّا رفعناهنّ من جوّ ثَهْمَدٍ / يُعارضن أصواتَ الحَصا بالشّقاشق
بدأْن السُّرى واللّيلُ لم يَقْنَ لونُهُ / وقد شَحُبَتْ منه وجوه المشارقِ
إِلى أنْ تبدّى الصّبحُ يجلو سوادَه / فلم يبق منه غيرُ ثوبٍ شُبارِقِ
ولولا اِبنُ موسى ما اِهتدين لطيِّهِ / ولو وُصِلَتْ أبصارُها بالبوارقِ
فَتىً لا يُجِمُّ المالَ إِلّا لِمَغْرَمٍ / ولا يستعدُّ الزّادَ إلّا لطارقِ
تجاوز آمالَ العُفاةِ وأشرفتْ / يداه على فيض الغيوث الدّوافق
إِذا همّ لم يسترجع الرّيثُ همَّهُ / ولم تُعتَرضْ حاجاتُه بالعوائقِ
يحيط بأقطار الأمور إذا سعى / وكم طالبٍ أعجازَها غيرُ لاحقِ
وما ضَلّ وَجهُ الرّأي عنه وإنّما / تقاضاه من وجه الظُّنونِ الصّوادِقِ
وقد ساورته النّائباتُ فأقشعتْ / وَما حَظِيَتْ إلّا بنَهْلَةِ شارقِ
لك الفَعَلاتُ البِيضُ ما غُضّ فضلُها / بتالٍ ولم تُغلَبْ عليها بسابقِ
تفرّدْتَ في إبداعها واِتّباعُها / يفوتُ إذا رامَتْه طَوْلُ الحزَائقِ
معالمُ تستقصي الثّناءَ وتنتمِي / إلى شَرَفٍ فوق السّماكين سامقِ
ولمّا رأى الأعداءُ سِلْمَك مَغْنَماً / خرقتَ لهمْ بالحربِ سُحْبَ الصّواعقِ
ضِرابٌ كشقّ الثّاكلاتِ جيوبَها / وطعنٌ كأفواه المَزادِ الفواهِقِ
بِكلّ فتىً يغشى الهِياجَ وصدرُه / فَسيحُ النَّواحي بين تلك المضائقِ
فإنْ هربوا أهدَوْا عيوباً لعائبٍ / وإنْ أقدموا أهدَوْا رؤوساً لفالقِ
يَهابُ الرّدى مَن لم تُعِرْه صرامةً / وَجأشاً على خَوض الرّدى غيرَ خافقِ
وما زلتَ والحالاتُ شتّى بأهلها / هلالَ نديٍّ أو غمامةَ بارقِ
أبَى العيدُ إلّا أن يعود صباحُه / كما عاد موموقٌ إلى قربِ وامقِ
ولَليوم ما تَلْقَى المطايا مُشيحةً / تَقَلْقَلُ في أكوارها والنّمارقِ
بركبٍ أراق السّير ماءَ وجوههمْ / ولوّحَها تهجيرُهمْ في الودائقِ
وَما هو إلّا نازلٌ طلب القِرى / فعقِّرْ له بالبِيضِ حُمْرَ الأيانقِ
بقلبيَ منكِ الهمُّ والحزنُ والأسى
بقلبيَ منكِ الهمُّ والحزنُ والأسى / وقلبُكِ ما يدري بما أنَا لاقِ
وعندكِ رِقّي والهوى أنتِ كلُّهُ / ولكنّني عبدٌ مَنَيْتِ إباقي
وَما أَنتِ إِلّا فرقةٌ بعد أُلْفَةٍ / وإلّا فَإِعراضٌ مكانَ فراقِ