ألا أيها الوادي المقدّس بالندى
ألا أيها الوادي المقدّس بالندى / وأهل الندى قلبي إليك مشوق
ويا أيّها القصر المنيف قبابه / على الزاب لا يسدد عليك طريق
ويا ملِكَ الزاب الرفيعَ عمادُه / بقيتَ لجمع المجد وهو فريق
على مالك الزاب السلام مردّدا / وريحان مسك بالسلام فتيق
خليل من يهدي إليه تحيتي / سقاه الحيا الوسميّ وهو غريق
فما أنس لا أنسَ الأمير إذا غدا / يروع بمرأى ملكه ويروق
ولا الجود يجري في صفيحة وجهه / إذا لاح من ذاك الجبين شروق
وهزَّتَه للمجد حتى كأنما / جرت في سجاياهُ العِذابِ رحيق
كثيرُ دليلِ الخيرِ في الوجهِ واضحٌ / جميلُ المحيا واللسانُ طليق
أما وأبي تلك الشمائل إنها / دليل على أن النجارَ عتيقُ
فكيف بصبر النفس عنه ودونه / من الأرض مغبر الفجاج عميق
وموحشة الأقراب يبدو سرابها / كما قُيِّدت بين الفِحَالَةِ نوق
حلفت له بالراقصات يهزُّها / إلى اللَه وخدٌ دائم وعنيق
لقد بات يسري في جنوبك لابسا / لعزمك طَبُ بالجياد رفيق
فسار وسارت لفه وأمامه / غمائم نصر تحتهنّ شروق
وتسعةُ آلاف عليها عجاجة / مسوّمة راياتهنّ خفوق
شهاب من الهيجا بكفّك ثاقب / له خلف أفواه الدروب طريق
إذا كذب الناس اللقاء فعنده / يقين كفرقان الكتاب صدوق
عجبت لمن حال الرجال بقربه / ومن ظنّ أن العائقات تعوق
إذا طاعة الأعداء لم تشف صدره / شفاه صبوح من دم وغبوق
به عرفت تلك الأعاريبُ قهرَها / فلا مارق يُخشَى عليه مَروق
فقد غدتِ الآجام وهي حدائق / وعاد زئير الليث وهو شهيق
سننتَ ليحيى سُنَّةً يقتدى بها / ففت ومنه في الأمور لحوق
كأنّك منه قيدَ مرأى ومسمَعٍ / وإن هزَّهُ قلبٌ إليك خفوق
يراك أمام الجيش حتى كأنه / حُذياكَ ثاوٍ أو إليكَ لصيق
فلا هو عن مرآك فيه مغيَّبٌ / ولا هو عن ذكراك فيه مُفيق
ويرضيك منه قلبُ الأمر حولٌ / فتوق لما يُعيي الأنامَ رَتُوق
أمنت على يحيى العدوّ ولم يكن / ليرفَعَ في ربّ العُقابِ أنوقُ
هو المرء لا ينفك يرحب ذرعه / لذا الروعِ ما دام المِكر يضيق
فتى لا يصير الغمضُ بين جفونه / ولا طعمه في ناظريه يروق
إذا الدرعُ ذابت في الهجير حسبته / بفيءٍ له بين الفُرات حديث
كأن عليه من أذى القيظ كلَّةً / تُزَرّ إذا ما اشتدّ منه ودوق
تفوق وتعلو أنت باللَه وحدَه / وباسمك يعلو قدرُه ويفوق
إليك أجاب الشرق عن صافناته / وعنه جوادٌ في الجياد عريق
من الدهم ورد اللون شيبَ بكمتةٍ / كما شيب بالمسك الفتيق خلوق
فلو ميز منه كلُّ لون بذاته / جرى سَبَجٌ منه وذاب عقيق
تهلّل مصقول النواحي كأنّه / إذا حال ماء المسك فيه غريق
إذا جئته من خلفه وأمامه / تثاءب ضرغام وشال فنيق
له منخر لا يملك البُهرُ أمره / ولا مسرح الأنفاس فيه يضيق
وينصب للهيجاء سمعا كأنه / سنان عتيد للطعان ذليق
وينظر من عيني رؤوم على طلا / تراعيه بالوعساء فهوَ يروق
ويخطو على صمّ خفاف وقوعها / ثقيلٌ يُردّ الصخرَ وهو فليق
تنافسُ فيه أعينٌ ومسامعٌ / وتكبو رياح خلفه وبُروق
فإما تشاهده يجاري فإنه / سينشقُّ عنه النقعُ وهو سبوق
أما وأبي الطرقِ المجنبِ إنه / حريٌّ بأن يحظى لديك خليق
فلا يشربنَّ الماء وهو مكدرٌ / ولا لبن الكوماءِ وهو مذيق
أأوصي به من علم الناس برها / ولا يتقفى البرَّ منه عقوق
هو المكرم الخيلَ الكريمَ نجارُها / وفارسُها والمشرفي دلوق
ومسكنُها الآطام وهي مشيدةٌ / وملحفها القومي وهو أنيق
وناتجُها تعزى إليه إذا اعتزت / عناجيج جردٌ كلهن عتيق
ألا أيها الحقّ المبين الذي انتحى / على باطل الأيام فهو زهوق
تعودَ عاداتٍ من الخير كلُّها / بعيد على من أمهنّ سحيق
فمنهن منعُ الجار حتى كأنما / له في ذرى المزن الكنهورِ نيق
ونصرك للحقّ الذي أنت أهله / وعونك للملهوف وهو رهيق
وإن سبقت منك المواعدُ أنجزَت / وإن أخذ الميثاق فهو وثيق
إذا فارق المرءُ الرفيعُ مكانُه / فليس له إلا عليك طريق
فمن كان لا يرعى بقربه ذمةً / فأنت أخٌ للابعدين شقيق
رأيتُ جميعَ الناس عندك أسوةً / وإن كان فيهم كاشح وصديق
كأنك من كلّ الطباع مركب / فأنت على كلّ العباد شفيق
وكنت يدَ المنصور منصورِ هاشمٍ / لذا البطش إذا أيدي الفوارس سوق
حسام وغاه إذا غدا ومجنَّه / إذا خيف من ريب الزمان طروق
وما كنت إلا البدر يوري بك الدجى / وقد عمّ آفاق البلاد غسوق
رمى بك آسادَ الأسنة والقنا / وقد فغرَت منهُم إليك شُدوق
هو الشعب إذ لم تملك القول ألسن / وإذا لم تسغ برد الشراب حُلوق
فكن كيف شاء الناس أو شئت كائنا / فليس لسهم الملك غيرك فوق
ولا تشكر الدنيا على نيل رتبة / فما نلتها إلا وأنت حقيق
رضى الله في ذا السخط منك على اللهى / فلا شيء في الدنيا أراك تُليق
وآليت لا آلوك شكرا على التي / غدت لي وسقا زيد فيه وُسوق
وإن أكفر النعمى وألقاك مثقلا / بأعبائها إني إذن لسروق
أأنساك إذ لا يسمع الصوت نبأة / وإذ أنا مغشي عليّ صعوق
وإذ أنا لم تنهض بجسميَ قوّة / وإذ لم يُبَلَّل من لساني ريق
وأخلفتني إذ لا يد المُزنِ سمحةٌ / علي ولا قلب الزمان رفيق
وكم لك عندي من يد يمنية / لها حسَبٌ في المكرمات عريق
وما عابَها من نائبات وعُود / سوى انني في بحرهنّ غريق
فإن كنتَ بالإحسان لا بدّ مُغرقي / فلا يلقينِّي البحرُ وهو عميق
يكلّ لساني عنكمُ وهو صارم / حسام وينبو الفكر وهو دقيق
بحقّكمُ أن تملكوا الناس أعبُدا / سواء رقيق منهمُ وعتيق
فأنتم نقلتم شيمةَ الدهر راغما / وشُدّ بكم فيه ثأى وفتوق
فثقف حتى ليس فيه تأوّد / وطهر حتى ليس فيه فسوق
لكم أحكَمَت حوكَ الجلابيب عبقَرٌ / ونسجَ سَلُوقي الحديد سَلُوق
ولا ضيرَ في أن تحسدوا إن ذلكم / ليجمل في عليائكم ويليق
وما ضركم من حاسديكم على العلى / وأيامكم تحدو بهم وتسوق
قضى الله أن يرعى الأنامَ حقوقَكم / وليس عليكم للأنام حقوق
لقد كرُمَت أحسابُكم ونفوسُكم / وطابت فروع منكمُ وعروق