القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مِهْيار الدَّيْلمِي الكل
المجموع : 4
صديقٌ يداري الحزنَ عنك مماذقُ
صديقٌ يداري الحزنَ عنك مماذقُ / ودمعٌ يُغبُّ العينَ فيك منافقُ
وقلبٌ إذا عانى الأسى طلبَ الأسى / لراحته من رقّ ودّك آبقُ
بكى القاطنون الظاعنون وقوَّضَ ال / حُلولُ وصاحت بالفراق النواعقُ
ولكنني بالأمس لم تسر ناقةٌ / بمختلَس مني ولم يحدُ سائقُ
سلا عنه في أيّ المفاوز فاتني / وطرفي له راعٍ وطِرفِيَ سابقُ
تباغضنا الدنيا على حبّنا وإن / رأت مللاً ظلّت خِداعاً تُوامقُ
سوى أننا نغترُّ يا يومَ وبلها / بعاجلةٍ والآجلاتُ الصواعقُ
تصدّت بزور الحسن تقنصنا وما / زخارفها إلا رُبىً وخنادقُ
تبسَّمُ والثغرُ المقبِّل ناهشٌ / وتحسرُ والكفّ المصافح حابقُ
أتأمل منها حظوةً وهي عانس / ولم يحظ أقوام بها وهي عاتقُ
أمات أخي في الودّ أم غاض زاخرٌ / من العيش عني أم تقوّضَ شاهقُ
أظلَّ غمامٌ ثم طلَّ حِمامُهُ / وقد كنتُ في عمياءَ وهي بوارقُ
أعُدُّ له الأيّامَ أرجو شفاءَه / ولا علمَ لي أنّ المنونَ تسابقُ
وأعدِلُ بالخوف الشكوكَ تعلُّلاً / فيا سوءَ ما جرّت عليّ الحقائقُ
بمن لستُ أنسى من رواحٍ وبُكرةٍ / مضى صابحٌ بالأمس قبلي وغابقُ
دعوت فما لي لم أُجَبْ إنّ عائقاً / أصمَّك عني أن يلبِّي لعائقُ
تخطَّى الدواءُ الداءَ وهو مجرَّبٌ / وفات طبيباً رأيُهُ وهو حاذقُ
خفرناك حقَّ الودّ إذ أنت آمن / وخنّاك يوم الموت إذ أنت واثقُ
وقمنا فأوسعنا إليك طريقَهُ / وحولَك منا جحفلٌ متضايقُ
نخالفك القصدَ اعتماداً وكنت من / تساق إلى أهوائنا فتوافقُ
رحيباً على الطرّاق منا فما لنا / بَعِلنا جميعاً يوم جاءك طارقُ
طوى معشرٌ ذاك التنافسَ واستوى ال / حسودُ المعادي فيك لي والموافقُ
وغاضت مودَّاتٌ أقضَّت وقُطِّعتْ / عُرىً كنت وصّالاً لها وعلائقُ
سروري حبيس في سبيلك وقفهُ / ولذة عيشي بعد يومك طالقُ
تمسَّك بما كنَّا عليه ولا تحُلْ / عهودٌ وإن حال الردى ومواثقُ
وكن لي على ما كنتَ أمسِ معوِّدي / غداً مستعِدّاً إنني بك لاحقُ
أتتك السواري الغادياتُ فأفرغتْ / عليك مِلاءً والجواري الشوارقُ
ولو لم يكن إلا البكاءُ لأنبتت / عليك بما تُجرِي الحِداقُ الحدائقُ
رَثيت بعلمي فيك حتى كأنها / تملِّي عليّ القولَ تلك الخلائقُ
وهل يبلغ القولُ الذي كنت فاعلاً / ولم تسمع الحقَّ الذي أنا ناطقُ
وأُقسم ما أعطتك فضلَ فضيلةٍ / أقولُ بها في مائق وهو فائقُ
وكيف يناجَى نازحُ السمع فائتٌ / عليه مَهيلٌ من ثرىً متطابقُ
إذا الحيّ يوماً كان في الحيّ كاذباً / نِفاقاً فإن الحيّ في الميت صادقٌ
مضى صاحبي عني وقد شاب ودّنا / فيا ليتَ هذا والوداد مُراهقُ
بجهدك لا تألفْ خليلاً فإنها / بقدر مسرّات الألوفِ البوائقُ
أشاقك من حسناء وهناً طُروقُها
أشاقك من حسناء وهناً طُروقُها / نعم كُلُّ حاجاتِ النفوس يشوقُها
سرت أَمماً والأرضُ شحطٌ مزارُها / كثيرٌ عواديها قليلٌ رفيقُها
تَخفَّى وما إن يكتم الليلُ بدرَه / وهل فارةٌ فُضّت بخافٍ فتيقُها
لعمر الكرى ما شاء ما شبَّه الكرى / هلالٌ محيّاها وصهباءُ ريقُها
يمثّل حسناء الخيالُ لمغرمٍ / حبيبٍ إليه زُورها وحقيقُها
حلفتُ لواشيها ليزدادَ غيظه / عليَّ وخيرُ المقسمين صدوقُها
لئن ضرّني بالهجر أني أسيرها / لما سرّني بالغدر أني طليقُها
أرى كبدي للشوق أنّى تنسَّمتْ / رياحُ النّعامى غَضُّها ووريقُها
فريقين عند الحاجبيّة باللوى / فريقٌ وعندي بالعراق فريقُها
وأتبع ذكراها إذا اعترض اسمُها / وإن فترت أحشاؤها لي وموقُها
شرارة قلبٍ ليس يخفَى حريقُه / وزحمة عين ليس يطفو غريقُها
وكم مسحتْ يوماً على السّبْق غُرَّتي / وقد عزَّ حلباتِ الوفاء سَبوقُها
عذيريَ من قلبٍ صحيحٍ ألوفةٍ / وإخوانِ عِلّاتٍ كثيرٍ خروقُها
ودنيا خداعٍ كالقذاة بمقلتي / وإن ملأتها من جمالٍ يروقُها
متى كنتُ في شرط الأمانيّ عبدَها / فإني على شرط العفاف عتيقُها
وأعلم منها أين تُمطرُ سُحبُها / فلا تخدعنّي بالخلاب بروقُها
وعاذلةٍ قالت رُمِ الحظَّ تلقه / وما كلُّ طَلّاب الحظوظ لَحوقُها
قضت عادةُ الأيّام أن صريحَها / قليلٌ إذا درّتْ وعزّ مَذيقُها
فناشطها في غالب الأمر مجدبٌ / خميصٌ ويرعاها بطيناً ربيقُها
أفي هذه الأشباح أهلٌ لمطلب / عفيف أبت أخلاقها وفسوقُها
رعَى اللّه آمالاً إليهم بعثتها / ضياعاً كأني في الفرات أريقُها
إذا كان سعدٌ وهو أكرم من مشت / به وله أيدي الركاب وسُوقُها
نبا وقسا على القوافي فؤادُه / فمن بعدَهُ حنّانُها وشفيقُها
لمن تُبضَع الأشعار يرجَى نَفاقُها / إذا كسدت يا سعدُ عندك سُوقها
إذا أقصِيتْ في العرب يوماً وأهملت / ففي العجم تُرعَى ليت شعري حقوقُها
لئن كنتَ نشئاً أو لساناً عدوَّها / فإنك علماً وانتساباً صديقُها
ألست الذي عزَّت عليه قصائدي / كما قيل حتى ليس شيءٌ يفوقُها
وأعطيتني عذراءَ نعمى هنيئة / متى كُتمتْ فاشهد بأني سَروقُها
إلى أن توهّمت الليالي قد ارعوت / لتُرقَعَ من جدواك عندي فُتوقُها
وقلتُ أمانٍ قد أقرّت نَوارها / به ودنت من مجتناي سَحوقها
بسعدٍ هوت عنقاؤها فتحكَّمي / مُرادكِ يا نفسي وباضَ أَنوقُها
ولم يك فيها غير باعثِ نعمةٍ / لعاقلها بالشكر من لا يموقُها
مَن الشعراءُ القائمون مَقاوِمي / لديك ومَن ذا إن سكتُّ نطوقُها
مجالسُ تُخلَى لي بحقٍّ صدورُها / وأرضٌ يخلَّى لي بسيفٍ طريقُها
وأنت وإن هجنتها العامَ شاهدٌ / لها كيف يأتي حلوُها ورشيقُها
وكم طرِبٍ لي وهو يُنشِد نفسَه / إلى الحول يصبو نحوَها ويتوقُها
يكاد بما تحلو وتصفو لسمعه / ينضُّ لساناً نحوها يستذيقُها
عدوُّك مثلي يوم آبتْ خفائفاً / قِلاصُ المطايا من رسومي ونوقُها
مددتُ لها كفي فلمّا ثنيتُها / على اليأس ما إن كدت ردّاً أطيقُها
فيا خجلةً في خيبة فاض وَرْسُها / حياءً بما خابت وغاض خَلوقُها
ويا طرفةً في مقلةٍ ذاب لو جرى / على الخدّ خلطاً دُرّها وعقيقُها
سأخطو إليك الحادثاتِ ولو غدت / تلوح سيوفاً لم يرعني بريقُها
وأهجرُ أرضاً أسلمتني وهادُها / عساه بقربي منك يعصِمُ نِيقُها
سيوسعها لي حسنُ رأيك آجلاً / فلا يحرجنّي عاجلاً منك ضيقُها
من العار لولا أنّ طيفَكِ يطرقُ
من العار لولا أنّ طيفَكِ يطرقُ / عُلوقُ الكرى بالعينِ والقلبُ يعشقُ
خيالٌ من الزوراء صدَّقتُ فرحةً / به خدَعاتِ الليل والصبحُ أصدقُ
عجبتُ له أدنى البعيدَ وسمَّح ال / بخيلَ وأهدى النومَ وهو مؤرَّقُ
طوى رملتَيْ يبرينَ لا هو شائمٌ / ولا خائلٌ من روعة البين مشفقُ
يمثِّل من خنساء غَيْرَى بأن ترى / سوى وجهها شمساً على الأرض تُشرِقُ
فنبَّه من أيام جَمعٍ لبانةً / يكاد لها جمعُ الضلوع يفرَّقُ
لدى ساعةٍ أما الضجيع فصارِمٌ / وأما الوثيرُ من وسادٍ فَمِرفَقُ
وفي الركب هاماتٌ نشاوَى من الوجَى / وأيدٍ طريحاتُ الكلالِ وأسؤقُ
وشُعثٌ أراق السيرُ ماءَ مَزادهم / وهمَّاتُهم فيه رَوايا تَدفَّقُ
بهم فوق لسعاتِ الرحال تململٌ / وفيهم إلى أخرى الأماني تشوّقُ
كأن لهم عند الكواكب حاجةً / فأحشاؤهم مثلُ الكواكب تخفقُ
يُسرُّون من نجدٍ حديثاً عيونُهم / به في الأحاديث المريبة تنطِقُ
ورامٍ بنجدٍ خضَّب السهمَ من دمى / على ما اتقيتُ وهو بعدُ يفوّقُ
حبائل ما كانت وليست لحاظُه / لها كُفَّةٌ منّي بعضوٍ تَعَلّقُ
هنيئاً له أني أداوَى بذكره / وقد يئست مني الأساةُ فأفرِقُ
وأني جديد العهد مع كلّ غدرةٍ / وكلّ هوىً لا يحمل الغدرَ مخلِقُ
مريرةُ خُلْقٍ في الوفاء وشيمةٌ / أنستُ بها والنافرُ المتخلِّقُ
وقوَّدني للحبّ أولُ زاجر / أخبُّ على حكم الزمان وأَعنقُ
وقد كنت صعباً في مماكسة الهوى / فعلّمني جورُ النوى كيف أرفُقُ
وبصّرني بالناس قلبٌ ممرَّنٌ / ولحظٌ على ظنّ العيون محقِّقُ
صديقيَ منهم أين كنتُ مموَّلاً / ثريّاً عدوّي أينما أنا مملقُ
لوامعُ قولٍ كالسراب بلالهُ / بطيءٌ وسَرَّ العينَ ما يترقرقُ
وشرٌّ عليَّ من عدوٍّ مكاشفٍ / صديقٌ طوى لي غشَّه متملِّقُ
ولكنَّ فذَّاً منهمُ صحَّ وحدَهُ / عليَّ وسبري في الرجال معمِّقُ
فذاك ابن أيّوب وإن لم نقس به / بصيرٌ بعوارتِ الأمور محَدِّقُ
غريبٌ دعيٌّ في المكارم شفَّه / على عُجمهِ منك القعيدُ المعرِّقُ
لك السوددُ العِدُّ الحلالُ ومجدُه / رُقُوعٌ بأيدي السارقين تُلَفَّقُ
يلوم على تقصيره عنك حظَّه / وآفته الحدثانُ والعتقُ أسبقُ
ومتسعٌ يوم الخصام بصوته / وباب الكلام الفصلِ عنه مضيَّقُ
إذا ملأت فاه الخطابةُ سَرَّه / وما كلّ آلات الفصيح التشدّقُ
وحاسدُ إقبالي عليك بخُلّتي / ومدحيَ حلوٌ منهما ومنمَّقُ
يرى فَركةً بي عن سواك ومسرحاً / وعندك قلبي بالمودّة مُوثَقُ
وفي الناس من يبغي مكانَك من فمي / وقلبيَ مشتاقٌ ورهنُك أغلقُ
ومحتجب بالملك يَشرَق بابُه / بموكبه الغاشي ويُرجَى ويُفرَقُ
دعانِي لِمَا أدركتَ مني ففاته / لسمعيَ أن أُصطاد نسرٌ محلِّقُ
أراد برفدٍ طيبٍ ما ملكتَه / بودًّ وريحانُ المودّة أعبقُ
وعاب أناسٌ حشمتي وتأخُّري / بنفسي وأبوابُ المطالب تُطرقُ
وقالوا تقدّم قد تموَّل ناقصٌ / وأنت وأنت الواحدُ الفضلِ مخفِقُ
ويا بردَ صدري لو حُرِمتُ بعفّتي / ويسريَ لو أني بفضليَ أُرزقُ
تسمَّعْ فإنّ الإنبساطَ يقصُّها / أحاديثَ في سوق المحبة تنفُقُ
هل المهرجان اليومَ إلا نذيرةٌ / بهجمةِ أيّام من القُرِّ تُزهقُ
مصاعيبُ ترمي كالمصاعيبِ في الدجى / لُغاماً على الآفاق يطفو ويغرقُ
ترى الليلة الدهماء شهباءَ تحته / ويُصبح منه أخضرُ اللون أَبلقُ
إذا ولِيتْ كفُّ الشَّمال التئامَه / فليس لكفّ الشمس منه مفرّقُ
وإن مسّ جسماً عارياً مسَّ مُحرقاً / على برده والثلجُ كالنار تُحرقُ
فهل أنتَ منه حافظي بحصينةٍ / تمرُّ بها تلك السهامُ فتزلَقُ
تضمّ إلى الدفء الجمالَ فوجهها ال / رَقيقُ وَقاحٌ ليلةَ القُرّ يُصفَقُ
موافقةٍ لوناً وليناً كأنما / تجارَى بعطفيها نضارٌ وزِئبقُ
رعى أبواها من خَوارزمَ هضبةً / ترفُّ عليها الغادياتُ وتُغدِقُ
ودبَّا على أمنٍ وخصبٍ فلفَّقا / بجسميهما جسماً يقي ويُمرِّقُ
وقيضَ لها طَبٌّ فلاءم بينها / صَناعٌ إذا ولّيتَه متأنِّقُ
أخو سفرٍ من إصبهان وِلادُهُ / وبغداد منشاه مُجلٍّ مدقِّقُ
كأن الذي سدَّى وألحمَ روضةٌ / تَفَتَّحُ من حوك الربيع وتُشرِقُ
لها شافعٌ عند القلوب بأحمرٍ / حكى دمَها تحنو عليه وتُشفِقُ
وقرّبها عند النفوس بأسودٍ / على أبيضٍ أو أبيضٍ فيه أزرقُ
ومهما تكن من مُرسِلٍ أو مصوّرٍ / فرأيك في التقريب منه الموفَّقُ
وأحظى لديَّ من صحيحٍ ببُطئهِ / مَخيطٌ له ريحٌ بنشرك يَفتُقُ
ويُفسدها عندي المِطالُ فربما / تُسابق لفظَ الوعد حزماً فتسبِقُ
سواءٌ إذا عجّلتها زِينَ منكبٌ / جمالاً بها أو ليث بالتاج مَفرِقُ
ويقبح عند الودّ والمجدِ أنني / أُرَى عطلاً منها وأنت مطوَّقُ
أما والنقا لولا هوى ظيبةِ النقا
أما والنقا لولا هوى ظيبةِ النقا / لما قلتُ حيّا اللّه داراً ولا سقَى
ولا أرسلتْ عيني مع الليل لحظَها / ترودُ السحابَ الجَونَ من أين أبرقا
خليليَّ دعوى الودّ بابٌ موسَّعٌ / ولكن أرى بابَ التصادق ضيّقا
ألم تر يوم الجو ما كنت مبصراً / فلِمْ دمعيَ الجاري ودمعُك قد رقا
نجوتَ وفي أسرِ الهوى لك صاحبٌ / فهل أنت مغنٍ عنه أن رحتَ مطلَقا
سل الجيرة الغادين هل مُودَع الهوى / أمينٌ وهل بعد التفرُّق ملتقى
وأين الظباءُ العاطيات إلى الصِّبا / يجاذبنه الأغصانَ ريَّانَ مورِقا
حلفتُ بدين الحبِّ يومَ سويقةٍ / أليّةَ مغلوبٍ تألَّى ليصدُقا
لَمَا بعث القاريُّ زُرق نبالهِ / بأقتلَ من تلك العيونِ وأرشقا
كأنَّ فؤادي عند صائحةِ النوى / وقد رقَّ ضُعفاً أن يجيشَ فيخفُقا
أديمٌ تفرَّاه الزمانُ فلم تجدْ / به نَغَلاً أيدي الخوالقِ مُخلِقا
ولمّا اتقى نبلَ الوشاة بصبره / رمته وشاةُ الدمع من حيثما اتقى
حَمَى اللّه عيشاً إن حمَىَ العيشَ باللوى / تكدّر بعدي صفوُه وترنَّقا
ورئماً بجنبَيْ غُرَّبٍ ما تمتّعتْ / لحاظي به حتى أخيف فشرَّقا
ضممتُ عليه مغرماً ساعةً يدي / وخلّيت لمّا رعتهُ عنه مشفِقا
ولم أك لمّا صِدتُه فسرحته / بأول قنّاصٍ تجنّى فأخفقا
وأعلم لو أن الشبيبةَ كُفَّتي / هناك لأمسى في حباليَ موثَقا
أليلَ سوادي ما أرى الصبحَ سَرّني / فمن ردَّ لي ذاك الظلامَ فأغسقا
أبيت تَنزَّى بين جنبيَّ لسعةٌ / لذكرِك شافي عضِّها غيرُ من رقى
أبَى خُلُقُ الأيّام إلا إساءةً / وأحسن حيناً كُلفةً وتخلُّقا
أعاتبُها لو كان يجدي عتابُها / ومن حالَمَ الخرقاءَ أصبح أخرقا
تعجَّبُ مني أختُ عذرةَ أن رأت / بحبلِ بني الدنيا رجائي معلَّقا
وقد عهدتني منهُمُ ناصِلَ المنى / إذا لمسوا ودّي تفلَّت مزلَقا
وقالت متى استذرى وقد كان مصحراً / وخبَّ وقد كنا عهدناه مُعنِقا
إليكِ فإني ما انحططتُ لرفدهم / وبي نَهَضانٌ عنه أن أتحلَّقا
وما كلّ يوم يأكل المرءُ ما جنت / يداه له قسراً ويشربُ ما استقى
وإني على ما قد ألِمتُ محسَّدٌ / أكابدُ مفئوداً عليَّ ومُحنقا
بُليت بمغتابين لحمَ أخيهمُ / يبيت وما جاعوا لديهم ممزَّقا
إذا سَرَحتْ عنّي من الفضل هجمةٌ / أحالوا عليها عاقرين وسُرَّقا
رمَونيَ إذ أضحوا هَواناً أخامصاً / ذُنابَى وأن أصبحت في الفضل مَفرِقا
أحدّوا أظافيري فلم أحتلبهمُ / ولا لحمَ إلا ما أرى فيه مَعرَقا
جنايةُ جهلٍ جرّها الحلمُ عنهمُ / وما كنتُ أخشى أن أرى الحلم مُوبقا
ولما رأيت العفوَ لا يستردُّهم / ولا العتبَ صيّرتُ العتابَ التفرُّقا
طرحتهمُ طرحَ السِّقاء تفجّرت / مخارزُه بالماء حولَين مُخلِقا
لئن نُفضتْ باليأس كفّيَ منهمُ / وأصبحتُ مما يغمر العيشَ مملقا
فلي من ربيب النعمة اليومَ نعمةٌ / تردُّ الصِّبا جذلانَ والعمرَ مونِقا
خلائقُ إمّا ماءُ كَرْمٍ مرقرَقاً / أُغادَى به أو ماءُ مُزنٍ مصفَّقا
كأن الصَّبا جرّت عليه ذيولَها / أصيلاً وفأرَ المسك عنها تفتَّقا
أغرُّ هلاليٌّ صحيفةُ وجهه / إذا طلعتْ لم تُبق للشمس مَشرِقا
ترى الحسن فيها واقفاً متحيّراً / وماءَ الحياءِ فوقها مترقرِقا
بليلُ يدِ المعروف لو مرّ كفُّه / على الصَّلد من أحجارِ سلمى تدفّقا
يرى المالَ وِزراً في الرقاب مجمَّعاً / فيعيا به حتى يراه مفرَّقا
من النفر المطفين جدبَ بلادهم / بماءِ الندى الجاري إذا العامُ أحرقا
ميامين تلقى الخيرَ يوم لقائهم / إذا خفتَ يُسرَى أو تعيَّفتَ أبلقا
طِوال العمادِ طيّبٌ نشرُ أرضهم / حييُّون حتى تطرقَ الحربُ مَطرَقا
إذا ناهز الضيفُ البيوتَ تبادروا / له فاستوَوا فيه غنيّاً ومخفقا
حَموا مجدهم بالسمهريّ تطاعناً / وبالكَلِم المربي على الطعن منطِقا
تؤم الفتى منهم حليماً فإن تقل / يقل مفحماً لدى الخصوم ومرهقا
إذا أشعل الأبطالُ في الحرب شوكةً / وَطَوها حفاةً أرجلاً ثمّ أسؤقا
بكلّ غلامٍ لا ترى السيفَ يحتمى / ولا الموتَ في نصر الحفيظة يتّقى
إذا قام ساوى الرمحَّ حتى يمسَّه / بغاربه أو طالَ عنه محلِّقا
تمارت له أيدي القوابل إذ بدا / أيبرز نَصلاً أم جبيناً مُطرَّقا
يدلُّ عليه بشرُه قبل نطقه / سنا الصبح أمّ الفجرَ ثمّ تألّقا
يطُرّ سناناً كاللسان حلت له ال / نفوسُ إذا اشتاق الدماءَ تذوَّقا
لهم قَصَبٌ في المجد زدت مصلّياً / عليها وإن مرّوا أمامك سُبَّقا
وما ضرّ ساري ليلةٍ لو تناثرت / كواكبُها ما امتدَّ للقمر البقا
لك المجدُ يلقى حاجبُ الشمس دونه / مواقفَ جَدٍّ لم يجد عنه مرتَقى
مناسبُ ودَّ النجمُ لو تستضيفه / إليها دعيّاً أو تسمّيه ملحَقا
تمكَّن إسماعيلُ منه ورهطُه / مكانَ تمنَّى البدرُ لو أنه ارتقى
إذا عقَد النادي الفخارَ عددتُهم / أباً فأباً حتى عددتُ الموفَّقا
أبوك الذي أعيا الملوكَ جذابُهُ / فأعطَوه ليناً ما اشتهى وترفُّقا
تَداركَهم والشرُّ يفغَرُ نحوهم / فأمسكَ فيه دون ذاك المخنَّقا
دَعَوهُ وأطرافُ الرماح تنوشهم / لَحاقِ فلبّاهم فأُكرِمَ مُلحِقا
فأنشَرهم مَوتى وأنقذَ بالقنا / نعيمَهم المعتادَ من قبضةِ الشقا
له صارمٌ ريّانُ من دمِ بعضهم / وآخرُ يحمي بعضه أن يمزَّقا
حَمَى بين كِرمانٍ إلى الثغر سيفُه / وعمَّ بلادَ الجوْرِ عدلاً وطبَّقا
ولم يُبقِ فوق الأرضِ للخوف مَسرَحاً / ولا لَجناح الظلم في الجوْر مَخفَقا
وما مات حتى أبصر العيش ذلَّةً / وحملَ الأذى غُلّاً على الحرّ مُوبِقا
ولما أراد الدهرُ تعطيلَ جيدِهِ / من الشرف اختارَ الحسام فطوَّقا
فَداك من الأقران أبترُ لم يكن / عتيقاً ولا في المجد مثلَك مُعرِقا
إذا لفَّه المضمارُ يومَ عريكةٍ / بنقعك ولَّى يسأل الأرضَ مَنفَقا
يرى مثلَ عينيه لأسودِ قلبه / عدوّاً على أخرَى قناتك أزرقا
أبثُّك عن قلبٍ أحبَّك صادقاً / إذا كان حبٌّ خدعةً وتملُّقا
وُصِفتَ له قبلَ اللقاء فشقتَهُ / فلمّا التقينا صاده كَرَمُ اللقا
وأصبحتَ من قومٍ عليه أعزّةٍ / قضى الدهرَ مختصّاً بهم متحقِّقا
فزارك من أبكاره بكريمة / من الخيّرات الغرِّ صوناً ورونقا
عزيزٌ على غير الكرام افتراعها / وإن ساق أعناقَ المهورِ وأصدَقا
ولما رددتُ الراغبين ولم أدع / عليها لرامٍ بالمنى متسلَّقا
أتاني بشيرُ الخير أن قد خطبتَها / فما كدتُ مسروراً به أن أصدِّقا
وزدتُ يقيناً فيك أنّك واحدٌ / إذا اخترتَ كنتَ العارفَ المتأنِّقا
فأشرفُ نفسٍ همّةً نفسُ ماجدٍ / يبيت إلى أمثالها متشوِّقا
فراعِ أباً في حفظها لم يجدْ لها / سَواءك كفئاً ما تنخَّلَ وانتقَى
لئن سُمتَنيها بادئاً بِطلابها / لَتستثمرنْ منها الثَناء المنمَّقا
كجوهرةِ الغوّاصِ دلّاهُ حظُّه / عليها فأهوَى ما استطاع وعمَّقا
وابرزها بيضاءَ تنصُفُ كفَّه / وميضاً ترى وجهَ الغنى فيه مشرِقا
وقد أفسد الناسُ المقالَ فلا ترى / لكثرةِ مَن يرضى المحالَ محقِّقا
أرى العيدَ والنيروزَ جاءا فأعطيا / أماناً من الأحداثِ فيك وموثقا
فغادِ بذاك لذّةَ العيش مُصبِحاً / ورواحْ بهذا سُنّة الدِّين مُغبِقا
وأعطِ وخذْ عمرَ الزمان محكَّماً / وضحِّ وعيِّدْ ناحراً ومشرِّقا
فلو كانت الأيامُ تَنطِقُ أفصحَا / بما فيك من حسن الثناء وأنطقا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025