المجموع : 4
دعا فأجابوا والقلوبُ صَوادِفُ
دعا فأجابوا والقلوبُ صَوادِفُ / وقالوا اسْتَقمنا والهَوى مُتجانِفُ
مَضَى العهدُ لا حربٌ تُقامُ ولاأذىً / يُرامُ ولا بَغْيٌ عنِ الحقِّ صَارِفُ
لهم دَمهُم والدّينُ والمالُ ما وَفَوْا / فإن غَدروا فالسّيف وافٍ مُساعِفُ
سياسةُ من لا يَخدعُ القولُ رأيَهُ / ولا يَزدهيهِ باطلٌ منه زَائِفُ
رَسولٌ له من حكمةِ الوَحْيِ عاصمٌ / ومن نُورهِ في ظُلمةِ الرأيِ كاشِفُ
يُسالِمُ من أحبارِهم وسَراتِهم / رِجالاً لهم في السّلمِ رأيٌ مُخالِفُ
يَغيظهُم الإسلامُ حتَّى كأَنَّما / هُوَ الموتُ أو عادٍ من الخطبِ جَارفُ
إذا هَتَفَ الدّاعي بهِ اهْتَاجَ نَاقِمٌ / وأعْوَلَ مَحزونٌ وأجْفَلَ خائِفُ
إذا ما تَردَّى في الضّلالةِ جاهِلٌ / فما عُذرُ مَن يأبَى الهُدى وَهْو عَارِفُ
يَقولونَ قَوْلَ الزُّور لا عِلَم عندَنا / كَفَى القومَ عِلماً ما تَضُمُّ المصاحفُ
لهم من سنَا التَّوراةِ هادٍ وللعَمى / رُكامٌ على أبصارِهم مُتكاثِفُ
دَنا الحقُّ من بُهتانِهم ورَمَى بهم / إلى الأمدِ الأقصَى هَوىً مُتقاذِفُ
عَنا ابْنَ أُبيٍّ من هَوى التّاج لاعجٌ / وطافَ به من نَشوةِ المُلكِ طائفُ
جَرى راكِضاً مِلءَ العنانَيْنِ فانتحى / له قَدرٌ ألقَى به وَهْوَ راسِفُ
فما مِثلُه في مَشهدِ الإفكِ فارحٌ / ولا مِثلهُ في مَشهدِ الحقِّ آسفُ
ظُنونٌ يُعفّيها اليقينُ ودَولةٌ / من الوهمِ تذروها الرياحُ العواصفُ
يُهيبُ بأضغانِ اليهود يَشُبُّها / عَداوةَ قومٍ شرُّهم متضاعفُ
وما بَرَحَ الحَبْرُ السَّمينُ يَغرُّهم / ويأكلُ من أموالِهم ما يُصادِفُ
أعدُّوا له المرعىَ فَراحَ مُهبَّلاً / كَظنِّكَ بالخِنزيرِ واتاهُ عَالِفُ
يَنوءُ بِجَنْبيهِ ويرتجُّ ماشياً / إذا اضطربتْ منه الشَّوى والرَّوانفُ
رَماهم بها عَمياءَ لم يَرْمِ مَعشراً / بأمثالها أحبارُهُم والأساقفُ
فقالوا غَوى ابنُ الصّلتِ وانفضّ جمعهم / يُريدون كعباً وَهْوَ خَزيانُ كاسِفُ
رَمَى الصادقُ الهادِي لَفِيفَة نفسِهِ / بصداعةٍ تَنشقُّ منها اللّفائفُ
فأما لَبيدٌ فَاسْتعانَ بسحرِه / رُويداً أخا هاروتَ تلك الطرائفُ
أعندك أن السّحرَ للّهِ غالبٌ / تأمَّلْ لبيدٌ أيَّ مهوىً تُشارِفُ
وَشاسُ بنُ قيسٍ هاجَها جاهليَّةً / تَطيرُ لِذكراها الحلومُ الرَّواجفُ
يُقلِّبُ بين الأوسِ والخزرجِ الثَّرى / وقد وَشجتْ فيه العُروقُ العواطِفُ
يُذكّرهُم يومَ البُعاثِ وما جَنْت / رِقاقُ المواضِي والرماحُ الرواعِفُ
غَلتْ نَخواتُ القومِ ممّا استفزَّهم / وراجعَهم من عازِبِ الرأيِ سالِفُ
وخَفّوا يُريدونَ القِتالَ فَردَّهم / نبيٌّ يَردُّ الشَّرَّ والشّرُّ زاحِفُ
دعاهم إلى الحُسنَى فأقبلَ بعضُهم / يُعانِقُ بعضاً والدُّموعُ ذوارِفُ
أتى ابنُ سلامٍ يُؤثِرُ الحقَّ مِلّةً / وينظرُ ما تأتي النُّفُوسُ العوازِفُ
تسلّلَ يستخفي وأقبلَ قومُه / وللؤمِ منهم ما تَضمُّ الملاحِفُ
فقيل اشهدوا قالوا عرفناه سيّداً / تجلُّ مَساعيه وتعلو المواقفُ
هو المرءُ لا نأبَى من الدّينِ ما ارْتَضى / ولا نَدَعُ الأمرَ الذي هو آلِفُ
فلمّا رأوهُ خارجاً يَنطُق التي / هي الحقُّ قالوا عاثِرُ الرأيِ عاسِفُ
ظننّا بهِ خَيراً ولا خيرَ في امرئٍ / أبوه أبو سُوءٍ على الشرِّ عاكِفُ
ظلمناهُ لم يُوصَفْ بما هو أهلُه / فماذا له إن أخطأ الرُّشدَ واصِفُ
تَرَامَوْا بألقابٍ إذا ما تتابعْت / تتابعَ شُؤبوبٌ من الذمِّ واكِفُ
أهاب أبو أيوب ردوا حلومكم / أعند رسول الله تلقى المآزف
وقال الرسولُ اسْتَشعِرُوا الحلمَ إنّما / يَسودُ ويستعلِي الحليمُ المُلاطِفُ
أتُؤذونَ عبدَ اللّهِ أن يتبعَ الهُدى / فيا ويحَهُ من مؤمنٍ ما يُقارِفُ
أهذا هو العهدُ الذي كان بيننا / أهذا الذي يَجْنِي العقيدُ المحالِفُ
تَولَّوا غِضاباً ما تَثوبُ نُفوسُهم / ولا تَرْعَوِي أحقادُهم والكتائِفُ
يُذيعونَ مكروهَ الحديثِ وما عَسى / يقولون والفُرقانُ بالحقِّ هاتِفُ
إذا بَعثوا من باطلِ القولِ فتنةً / تَلقّفها من صادقِ الوحيِ خاطِفُ
يُشايِعهُم في القومِ كلُّ مُنافقٍ / إلى كلِّ ذِي مَشنوءَةٍ هو دالِفُ
شَديدُ الأذى يُبدِي من القولِ زُخرفاً / وكالسّمِّ منه ما تُواري الزَّخارفُ
زَحالفُ سُوءٍ ما يَكفُّ دبيبُها / وأهونُ شيءٍ أن تَدُبَّ الزّحالِفُ
أقاموا على ظُلمٍ كأنْ لم يكنْ لهم / من العدلِ يوماً لا محالةَ آزفُ
لكلِّ أُناسٍ يعكفون على الأذى / مَعاطِبُ من أخلاقِهِم ومتالفُ
رُويدَ يَهودٍ هل لها في حُصونِها / مِنَ البأسِ إلا ما تَظنُّ السّلاحِفُ
يَظنُّونَ أنْ لنْ يَنسِفَ اللّهُ ما بنوا / ولن يثبتَ البنيانُ واللّهُ ناسِفُ
سَيلقَوْنَ بُؤساً بعد أمنٍ ونعمةٍ / فلا العيشُ فيّاحٌ ولا الظلُّ وارِفُ
كذلك يَشقى الجامحُ المتعسِّفُ
كذلك يَشقى الجامحُ المتعسِّفُ / ويركبُ متن الظُّلمِ مَن ليس يُنصِفُ
يَموتُ بِسُوءِ الرأيِ مَن ساءَ خُلقه / وللمرءِ ذِي التقوى عن الغَيِّ مَصْرَفُ
أضاعَ الزبيرُ الأمرَ والأمرُ مُقبِلٌ / وآثر حَدَّ السَّيْفِ والسَّيفُ يَصدُفُ
سَعَى ثابتٌ يَجزِيه سالِفَ صُنعِه / لَدَى مُحسنٍ يُسدِي الجميلَ ويَعطفُ
فقال رَسولَ اللهِ جئتُكَ شافعاً / لشيخٍ دعاني ضارعاً يتلهّفُ
حباني دمي يوم البعاث وفكَّني / وتلك يد بيضاء للشيخِ تُعرفُ
فَهَبْهُ رسولَ اللهِ لي إنّني به / على ما ترى من شأنهِ لَمُكَلَّفُ
فقال فعلنا ثم عادَ شَفِيعُه / يُبَشِّرُه بالعفوِ والشيخُ يَرجُفُ
فَجدَّ له في المُحسنِ السَّمحِ مَطمعٌ / وقال حَياةٌ شرُّها ليس يُوصَفُ
بنيَّ وأهلي ليس لي إن فقدتُهم / سِوى الموتِ إنّي عن حياتي لأعزِفُ
فلما تسنَّى الأمرُ قال لثابتٍ / أنَبقى بلا مالٍ فَنَشقَى ونتلَفُ
وجادَ رسولُ اللهِ بالمالِ رحمةً / وبِرّاً فراحَ الشيخُ يهذِي ويَهرفُ
يسائل عن كعبٍ وساداتِ قومِهِ / ويُطرِي سجاياهم فيغلو ويُسرِفُ
توجَّعَ لمّا قِيلَ ذاقوا حِمامَهم / وقال أُريدُ الموتَ فالعيشُ أخوفُ
خُذِ السَّيفَ واضرب يا ابن قيسٍ فإنّهم / هم الصحبُ مالي بعدهم مُتَخلَّفُ
كفى حزناً يا صاحبي أن تَضُمّني / ديارٌ بهم كانت تُحَبُّ وتُؤلَفُ
أرِحْنِي أرحني يا ابنَ قيسٍ بضربةٍ / تبيتُ لها نفسي تَرِفُّ وتَنطِفُ
تَزوّدتُ من نَأْيِ الأحبّةِ غُلّةً / فهل أنت للصّادي المعذّبِ مُسْعِفُ
فقال معاذَ اللَّهِ لستُ بفاعلٍ / ومِثْلِيَ يأبَى ما تُريدُ ويأنَفُ
وجاءَ به يلقى الزُّبيرَ على أسىً / يُغالِبُه والموتُ بالشَّيخِ يَهتفُ
وقال اسْقهِ رِيِّ الغليلِ مِنَ الردَى / فطاحَ به ماضي الغِرَارَيْنِ مُرهفُ
فيا لكَ من رأيٍ سفيهٍ ومركبٍ / كريهٍ وخطبٍ فادحٍ ليسَ يُكشَفُ
قَضَى ثابتٌ حَقَّ المروءَةِ وافياً / وبَرَّ رسولُ اللَّهِ والبِرُّ مجحفُ
ولكنّ شيخَ السُّوءِ أهلكَ نَفْسَهُ / وذُو الجهلِ يُرمَى من يَدَيْهِ ويُقْذَفُ
أَعيدوا لَنا عَصرَ الجِهادِ مُظَفَّراً
أَعيدوا لَنا عَصرَ الجِهادِ مُظَفَّراً / وَزيدوهُ عَصراً مِن جَمالٍ وَزُخرُفِ
وَجِدّوا بِنا إِنَّ الحَياةَ مَنازِلٌ / وَإِنّا سَئِمنا مَنزِلَ المُتَخَلِّفِ
فَيا قُربَ ما بَينَ الحَياةِ وَبَينَنا / إِذا ما تَبَدَّلنا مَطاراً بِمَوقِفِ
أَلا ثَقِّفوا الشَعبَ الَّذي نامَ جَدُّهُ / فَما مَلَكَ الدُنيا كَشَعبٍ مُثَقَّفِ
أَلا فَاِنظُروا دُنيا النُسورِ وَسابِقوا / إِلى المَجدِ فيها كُلَّ نَسرٍ مُرَفرِفِ
دَعوها حَياةً مَن يَبِت راضِياً بِها / يَبِت نِضوَ داءٍ ذي عَقابيلَ مُتلِفِ
أَرى كُلَّ نَهّاضٍ إلى المَجدِ صاعِداً / بِعَزمٍ مَتى يَركَب جَناحَيهِ يَعصِفِ
إِلى الأُفُقِ الأَعلى بَني مِصرَ فَاِنهضوا / سِراعاً وَرُدّوا غارَةَ المُتَخَطِّفِ
إِلى الغايَةِ القُصوى فَسيروا عَلى هُدىً / وَخَلّوا سَبيلَ الحائِرِ المُتَعَسِّفِ
أراك على ما يُرهقُ النّاسَ من أذىً
أراك على ما يُرهقُ النّاسَ من أذىً / بمنزلةِ الثّاوى المُقرِّ على الخَسفِ
أهانَ عليك النّاسُ أم لستَ بارحاً / طِوالَ الليالي تضربُ الكفَّ بالكفِّ
لقد رِيعَ سِربُ الدّهرِ ممّا تجرّعوا / بأيدي الأعادي من بَلاءٍ ومن حَتْفِ
نقِمنا الأذى منهم مَشُوباً فأمطروا / جوانبَ مصرٍ كلَّها من أذىً صِرفِ
أما كان في بُؤسِ الحياةِ وما جَنَتْ / صُروفُ اللّيالي من أذى العيشِ ما يكفي