أَيا كَعبَة كانَت مُنى المُتَطَوِّفِ
أَيا كَعبَة كانَت مُنى المُتَطَوِّفِ / تَحَرَّفتُ وَالمُشتاقُ لَم يَتَحَرَّفِ
وَرَوضاً كَأَن لَم تَغن بِالأَمسِ أَرضهُ / وَلا أَخَذت مِن حُسنِهِ كُلَّ زخرَفِ
عَهِدتُكَ تَشفي النَفسَ مِن كُلِّ عِلَّةٍ / فَما بالها تَعتلّ مِن حَيثُ تَشتَفي
أَفاقَت مِنَ الثكلِ البَواكي وَلَم أفِق / بَل اِزدَدتُ لَيسَ الطَبع مِثلُ التَكَلُّفِ
أَبعدكَ وَالدَمعُ الَّذي عَزّ هيّن / دَمُ العَينِ يَرقا أَو لَظى القَلب يَنطَفي
عَقَقتُكَ إِن لَم أَبكِ بِالدَمِ كُلّه / وَإِن لَم أَمُت بَينَ البُكا وَالتَأَسُّفِ
فَرُزؤُكَ قَدَّ اليَومَ كُلَّ مُسَرَّدٍ / وَفَلَّ غراري كُلّ أَبيَض مُرهَفِ
هُوَ الدَهرُ لا يَرعى الكَريمَ فَيَرعَوي / وَلا صَرفُهُ يَكتَفُّ عَنهُ فَيَكتَفي
ولكِن أَشَدُّ النائباتِ عَلى الفَتى / مُفارقَةُ الأَحبابِ بَعدَ التَأَلُّفِ
وقربُ أَعاديهِ وَشَكواهُ دَهرهُ / إِلى ذي شماتٍ أَو إِلى غَير مُنصفِ
عَفاء عَلى الدُنيا البغيّ فَإِنَّما / بشاشَتُها كَالبارِقِ المُتخَطِّفِ
زَكا اِبني في تِسعٍ وَأربَعَةٍ لَهُ / وَلَم أَزكُ في خَمسينَ عاماً وَنَيِّفِ
تَشاغَلتُ فيها بِالقَريضِ عَنِ التقى / وَلَم يَشتَغِل إِلّا بِلَوحٍ وَمُصحَفِ
تَقَدَّمَ وَاِستَأخَرتُ عَن دَرَجاته / وَقيلَ اِسعَ في اِدّراكِهِ وَتَلَطَّفِ
فَشَتّانَ مَثواهُ وَمَثوايَ آنِفاً / وَمَوقِفَهُ يَومَ الحِسابِ وَمَوقِفي
إِذا وَسَمتني يا بنيّ خَطيئَتي / فَلا تَنكِرَن وَجهي هُنالِكَ وَاِعرِفِ
وَخُذ بِيَدي وَاِضرَع لِرَبِّكَ شافِعاً / لِيَجمَعَنا في رَوضَةٍ فَوقَ رَفرَفِ
مَعَ المُجتَبين المُصطَفين وَكَيفَ لي / بِفَوزي مَع مَن يَجتَبيهِ وَيَصطَفي
وَقَد ذُبتُ في حُبِّ الغَواني غِوايَةً / وَقَبَّلتُ أَطرافَ البنانِ المُطَرَّفِ
وَسَمّيت بِاِسمِ الحرّ عَبداً مَدَحتهُ / فَقُلتُ كَريم الجدِّ وَهوَ اِبنُ مقرفِ
وَذمتُ أُناساً لَو حَلمتُ لِجَهلِهِم / رَبِحتُ وَنَقَّفتُ الَّذي لَم أنقّفِ
وَعِشتُ بِمَغصوبِ المُلوكِ كَأَنَّني / أَموتُ طوىً لَو عفتهُ لِلتَعَفُّفِ
وَجَرَّرتُ أَذيالَ المفوّفِ أَشيَباً / وَغَيرُ مَليحٍ أَشيَبٌ في مفوّفِ
وَثَوبُ التُقى في عَينِ كُلِّ حَقيقَةٍ / بِهِ الشَيخُ أَبهى مِن فَتىً مُتظَرِّفِ
بَكيتُ عَلى اِبني وَالنَذيرُ يَقولُ لي / عَلى نَفسِكَ اِبكَ الدَهر ثَقّلت خَفّفِ
بنيكَ قَد أَوفى وَأَنتَ عَلى السرى / تَغُرُّكَ آمالٌ بِوَعدٍ مسوّفِ
أَفق أَيُّها المَغرورُ إِنَّكَ مُنتَشٍ / كَأَنَّكَ مَصبوحٌ يعلُّ بِقَرقَفِ
أَيُغني غَداً عَبد الغنيّ بِوَقفَةٍ / لِمُلتَفِتٍ يَلقاهُ أَو مُتَشَوِّفُ
أَمِ الحور وَالولدان يَثنينَ طَرفَهُ / عَنِ المُذنِبِ المُستَشفِعِ المُتَلَهِّفِ
أَنا أَعلَمُ اِبني راحِماً مُتَعَطِّفاً / فَمَن لي غَدا بِالراحِمِ المُتَعَطِّفِ
عَسى وَلَعَلَّ اللَهَ يَرحَمُني بِهِ / فَيَغفِرَ ذَنبَ المُرتَجي المُتَخَوِّفِ
شهابٌ لِظُلماتِ المُلِمّاتِ ثاقِبٌ / وَشِبلٌ لِآثارِ الضَراغِمِ مُقتَفي
لَهُ صَبرُ أَيّوبٍ عَلى ما أَصابَهُ / وَإِن غَيَّرَت مِنهُ مَحاسِنُ يوسُفِ
أَلَحَّ عَلَيهِ ما أَلاحَ بِنورِهِ / وَأَعيا حَكيماً أَن يُجيب بِأَحرُفِ
وَقَد رابَهُ مِنهُ تَوَرُّمُ نَرجسٍ / غَضيضٍ وَنِسرينٍ وَوَردٍ مُضعَّفِ
وَنَثرُ عَقيقٍ ذابَ فيهِ دِماؤُهُ / جَرى مِثلَ جَمعي ثُمَّ لَم يَتَوَقَّفِ
رَقيتُكَ يا اِبني وَالحِمامُ مَقدَّر / إِذا جاءَ لَم تَنفَع رُقى كُلّ مُدنفِ
وَلَم أَنسَ وَجدي إذا تَشَهَّدت مُخلِصاً / وَصَوتُكَ ممّا رقّ بِالسقمِ قَد خَفي
فَلَمّا تَوَفَّتكَ المَلائِكُ طيّباً / وَقالوا سَلامٌ سِر إِلى اللَهِ تزلفِ
بَدا الجُوَيبَكي ثُمَّ كَفكَفَ دَمعهُ / وَأَسبلتُ دَمعي غَيرَ أَن لَم أُكَفكفِ
وَصَلّى عَلَيكَ القاضِيانِ وَلَو دَرى / أَعَزُّ مُلوكِ الأَرضِ لَم يَتَخَلَّفِ
وَرُبَّ فَقيهٍ لَم يُصَلِّ عَلَيكَ مِن / عَداوَتِهِ في حَدِّكَ المُتَغَطرِفِ
عَلى أَنَّني أَنّبتُ مَن لَم يُؤنّبوا / وَزُرتُ وَأَسعَفتُ اِمرءاً غَير مُسعفِ
ولَيسَ كَريماً مَن يَخونُ صَديقَهُ / وَلكِنَّما الحُرُّ الكَريمُ الَّذي يَفي
بَنو عَصرِنا إِلّا أَقَلّ بَقِيَّةٍ / إِذا اِنتَقَدوا كَالدِرهَمِ المُتزيّفِ
يُصلّي عَلَيكَ اللَهُ كَيفَ عِبادُهُ / وتبكي الأَعادي كَيفَ عَينُ المُشعفِ
أَلَستَ مِنَ الأَشرافِ فِهرِ اِبنِ مالِكٍ / وَلَيسَ شَريفُ القَدرِ كَالمُتَشَرِّفِ
أَلَم تَكُ طِفلاً دونَكَ الكَهلُ وَالفَتى / وَدونَكَ في حِلمٍ نِهايَة أَحنَفِ
أَلَم تَبدُ أَخلاقُ الشُجاعِ وَذي النَدى / عَلَيكَ وَطَبعُ العالمِ المُتَفَلسِفِ
سَلامٌ عَلى قَبرٍ حَواكَ فَنوِّرَت / نَواحيهِ مِن سُحبٍ بِكَفَّيكَ وكَّفِ
كَأَنّي وَقَد أوديتُ بدَّلت مِن حَياً / بِمَحلٍ وَمِن ريحٍ بليلٍ بِحرجفِ
عَكَفتُ عَلى الأَحزانِ بَعدَكَ جافِياً / لِقَبرِكَ إِنّي لَستُ أَبرَحُ مُعكفِ
وَهَل أَنتَ إِلّا نورُ عَيني سَلَبتَهُ / فَأَيُّ اِهتِداءٍ لي وَأَيُّ تَصَرُّفِ