شقيٌّ أجنَّته الدياجي السوادفُ
شقيٌّ أجنَّته الدياجي السوادفُ / سليبَ رقادٍ أرَّقته المخاوفُ
ترامى به ليلٌ كأنَّ سواده / به الأرض غرقى والنجوم كواسفُ
إلى أين تمضي أيها التائه الخطى / يساريك برقٌ أو يباريك عاصفُ
رأيتكَ في بحر الظلام كأنما / إلى الشاطئ المجهول يدعوك هاتفُ
تخوض الدُّجى سهمانَ والنجمُ حائر / يسائل من ذاك الشقيُّ المجازفُ
طريداً يفرُّ الوحشُ من وقع خطوه / ويعزبُ عن الصِّلِّ والصلُّ واجفُ
كأن إله الشرِّ يقتحم الورى / أو أن الردى في برده الرثِّ زاحفُ
فوا عجباً لم تحملِ الأرضُ مثله / ولا طاف منه بالدجنَّة طائفُ
يخاف الثرى مسراهُ وهو يخافه / وبينهما يسري الدجى وهو خائفُ
ترى أيُّ سرٍ في الظلام محجَّبٍ / أليس له من نبأة القلب كاشفُ
أجبْني طريدَ الأرض إني يهزني / إليك هوىً من جانب الغيب شاغفُ
فردَّدَ ذاك الطيفُ صوتاً محبَّباً / إليَّ كلحنٍ ردَّدته المعازفُ
وقال أجل إني الطريدُ وإنه / لسرٌّ تهز القلبَ منه الرواجفُ
أتسألكَ الأفلاك عني أنا الذي / رمته الدياجي والرعودُ القواصفُ
أجلْ إن ذاتي يا نجيَّ تنكرت / لعينك لكنَّ القلوبَ تعارَفُ
وما أنا إلا من بني الأرض ناءَ بي / مقيمُ عذابي والشقاءُ المحالفُ
وما كان هذا النوءُ والموج والدجى / ليرهبَ نفساً حقَّرتْ ما تصادفُ
سواءٌ لديها أشرق الفجرُ أم سجت / غياهبُ في سرِّ الدجى تتكاثفُ
هي الأرض مهدُ الشرِّ من قبل خلقنا / ومن قبل أن دبَّت عليها الزواحفُ
غذتها الضحايا بالجسوم فأخصت / وأترعها سيلٌ من الدمِّ جارفُ
وهيهات تشفي غُلَّةً من دمائنا / ويا ليتَ ترويها الدموعُ الذوارفُ
ولي قصةٌ يُشجي القلوبَ حديثُها / ويعجز عن تصويرها اليوم واصفُ
دعوتُ إلى حرِّية الرأي معشراً / ثقافتهم ضربٌ من العلم زائفُ
يرون بأنَّ العيشَ لذاتُ ماجنٍ / وأن قصاراهُ حُلىً وزخارفُ
إذا لمحوا نور الحقيقة أغمضوا / وقالوا ألا أين الضياءُ المشارفُ
عجبتُ لهذا العقل حُراً فما له / من الوهم يُمسي وهو في القيد راسفُ
هو الحقُّ في الكوخ الحقير فحيِّه / وليس بما تُزهي هناك المقاصفُ
هنا تصدقُ الإنسانَ عاطفةُ الهوى / إذا كذبت ربَّ القصورِ العواطفُ
لقد سئمت نفسي الحياةَ وما أرى / بديلاً عن الكأس التي أنا راشفُ
أيُجحد في الشرق النبوغُ ويُزدرى / ويشقى بمصر النابهونَ الغطارفُ
يجوبون آفاقَ الحياة كأنهم / رواحلُ بيدٍ شردتها العواصفُ
طرائدَ في صحراءَ لا نبعَ واحةٍ / يرقُّ ولا دانٍ من الظلِّ وارفُ
ألا إنَّ لي قلباً طعيناً تحوطه / عصائبُ تنزو من دمي ولفائفُ
أقلتهُ أحنائي ذماءً ولم أزَلْ / به في غمار الحادثات أجازفُ
كما رفَّ نسرٌ راشه السهم فارتقى / خفوقَ جناحٍ وهو بالدمِّ نازفُ
أتيتُ إلى هذا المكان تهزني / إليه عهودٌ للشباب سوالفُ
أردِّدُ فيها للطفولة والصِّبا / أحاديثَ شتَّى كلهن طرائفُ
أودِّعها قبل الفراقِ وإنني / أفارقها والقلب لهفانُ كاسفُ
إلى حيث ينمو الرأيُ حُراً تذيعه / من الحقِّ فيها ألسنٌ وصحائفُ
لعلّ بلاداً ما علتني سماؤها / ولا نبهتْ فيها لذكري عوارفُ
أعيش بها حُرَّ العقيدة هاتفاً / برأييَ إمَّا أسعدتني المواقفُ