المجموع : 4
دَعُوا عَبَرَاتي تَنْبري من شؤونها
دَعُوا عَبَرَاتي تَنْبري من شؤونها / فلن تصرفوا تَوكافَهُنّ عن الوكفِ
ويحملُ دمعُ العين عن قلبيَ الأسى / ولكنه يبدي هوايَ الذي أُخْفي
صَفَا ليَ من وِرْدِ الشبيبةِ ما صَفَا
صَفَا ليَ من وِرْدِ الشبيبةِ ما صَفَا / وجادَ زماني بالأماني فأنصفا
وشنّفَ أذْني بالهوى حُسْنُ منطقٍ / بنجواه غازلتُ الغزال المشنّفا
لياليَ كانتْ بالسرورِ منيرةً / وكان قناعي حالكاً لا مُفَوّفا
وشربيَ من نَسْلِ الغمام سلالةً / تعُودُ من العنقودِ في الدنّ قرقفا
مُعَتّقَةً حمراءَ ينساغُ صِرْفها / إذا الماءُ فيها بالمزاج تَصَرّفا
كماءِ عقيقٍ في الزّجاجِ مُنَظّمٍ / عليه من الإزباد دُرّاً مجوّفا
تَوقَّدَ في كفِّ المنادم نورها / ولكنه بالشرب في فمه انطفا
تطوفُ بها مَمشوقَةُ القدّ زَرفَنَتْ / من المِسكِ في الكافور صُدْغاً مُعَطَّفَا
إذا أعرضتْ في الدّل ذلّ أخو الهوى / وصاغَ لها لفظَ الخضوع المُلطّفا
هنالك خَفّتْ بي إلى اللهو صبوَةٌ / وَثَقّلَت الكاساتُ كفّي بما كَفَى
كأنّيَ لم أقنصْ نَوَاراً من المها / ولم أجنِ عذْبَ الرّشْفِ من مُرّة الجفا
ذكرتُ الحمى والساكنيه ودونه / خِضَمّ عليه تنبري الرّيحُ حرجفا
ولمَّا أقلُّوا يوم بينهمُ على / هلال السُّرَى للشمس خدراً مسجفا
وألْقَتْ حُلاها من يديها وعَطّلَتْ / من الحلي فيه جيدَ رئم تَشَوّفا
سقى الأقحوان الطلُّ عفّة / وعضّتْ من الحُزْنِ البنانَ المُطَرّفا
ولما جرى الدرّ الرطيب بِخَدّها / وسال إلى الدر النظيم توقّفا
وأين تراهُ ذاهباً عن جنى فمٍ / كأنّ رضابَ الكأس منه ترشّفا
أما وشبابٍ بالمشيب اعتبرتُهُ / فأشْرَقْت عيني بالدّمُوع تأسّفا
لقد سرتُ في سهب المديح هدايةً / ومثليَ فيه لا يسيرُ تعَسّفا
ولو كنتُ من دُرِّ الدّراري نظمته / لكانَ عليّ منه أعلى وأشرفا
همامٌ من الأملاك هزّ لواءهَ / وأوضَعَ حوْلَيْهِ الجيادَ وأوجفا
شجىً ذكره للروم كالموت إن جرى / أخافَ وإن أوفى على النفس أتلفا
ذَبوبٌ عن الإسلام مَدّ لجيشِهِ / جناحاً عليه بالأسِنّةِ رفرفا
يردّ عن الضرب الحديدَ مُثَلَّماً / ويثني عن الطّعنِ الوشيجَ مُقَصَّفا
إذا ظَلّلَتْهُ الطيرُ كانت أجورها / جسوماً ثَنى عن طَعنها الزُّرْقَ رُعّفَا
نسورٌ وعقبانٌ إذا هي أقبلتْ / محلِّقَةً سَدّتْ من الجوِّ نَفْنَفا
وتحسبها في نقعِهِ رَقْمَ بُرْقُعٍ / يجولُ على وجهٍ من الشمس مُسْدَفا
حمى ما حمى من بَيْضَةِ الدّين سيفُهُ / وأشفق في ذاتِ الإله وعنَّفا
ومن عَدَمٍ أغنى ومن حيرةٍ هدى / ومن ظمإٍ أروى ومن مرضٍ شفى
كريمُ السجايا لوذَعِيُّ زَمانِهِ / تَهَذّبَ من أخلاقه وتظرّفا
إذا عَنّ رأيٌ كالسها في ضيائهِ / ولم يكفِ أذكى رأيُهُ الشمس فاكتفى
سما في العلا قدراً فأدرك ما سما / إليه وأصمى سَهْمُهُ ما تهدفا
سكوبُ حيا الكفين لا ناضبُ النّدى / ولا مخلفٌ وعداً إذا الغيث أخلفا
تريه خفيّاتِ الأمورِ بصيرةٌ / كأنّ حجابَ الغيب عنها تكشّفا
بذكْرِ ابن يحيى عَطّرَ الدهرَ مَدحُنَا / وَخَلّدَ فيه ذكرنا وتشرّفا
جوادُ بنانِ البذلِ منه غمائمٌ / تَصُوبُ على أيدي بني الدّهر وُكّفا
عليم بسرّ الحرب من قبل جهرها / وقرع الصفا بين الفريقين بالصفا
يقارع منهم حاسراً كلّ مُعْلَمٍ / أفاضَ عليه الفارسيَّ المضعفا
عصاهُ لتأديبِ العُصاةِ إِذا بَغَوْا / غِرَارُ حسامٍ يَقْرَعُ الهامَ مرهفا
على أنّه راسي الأناة مُخَدَّعٌ / إذا زاغ حلم عن ذوي الحزم أو هفا
بنو الحرب أنتُم أَرضعَتكُم ثديّها / فمفترق الأقدام فيكم تألّفا
إذا ما بدا طعْنُ الكماةِ وضربهم / كنَقْطٍ وشكلٍ منه أعجمت أحرفا
لك الخيلُ تسري الليلَ من كل سلهبٍ / ترى بطنه من شدة الركض مُخْطَفا
له قلم في الأذن تحسَبُ أنه / بِنَصرك للتوقيع في الجيش حُرِّفا
إذا وطئت شمَّ الجبال نَسَفْنَها / وغادَرنَها قاعاً لعينيك صفصفا
فيا ملكَ العصر الذي ظلّ عدله / على الدين والدنيا صفا منه ما صفا
نداك بطبعٍ للعفاةِ ارتَجَلْتَهُ / وغيرك رَوّى في نداه تَكَلُّفَا
وكم من فقير بائس قد وصلته / فأضحى غنيّاً يسحب الذيل مترفا
لمدحك أضحت كلّ فكرةِ شاعرٍ / مصنّفةً منه غريباً مصنفا
وإن كنتُ عن حَفْلِ العُلى غائباً فلي / ثناءٌ كعَرْفِ المسكِ بالفضل عَرّفَا
أحِنّ إلى العشرين عاماً وبينَنَا
أحِنّ إلى العشرين عاماً وبينَنَا / ثلاثون يمشي المرءُ فيها إلى خلفِ
ولو صحّ مشيٌ نحوه لابتَدَرتُهُ / فجئتُ الصِّبا أحبو على العينِ والأنْفِ
ومشمولةٍ راحٍ كأنّ حبابها
ومشمولةٍ راحٍ كأنّ حبابها / إذا ما بدا في الكأسِ درٌّ مَجوَّفُ
لها من شقيقِ الرّوْضِ لونٌ كأنّما / إذا ما بدا في الكأس منه مُطَرّفُ
سَرَيْتُ على برْقٍ كأنّ ظلامَهُ / إذا احمرّ ليلٌ أسوَد باتَ يرعفُ