أليلَتَنا إذ أرْسَلَتْ وارداً وَحْفَا
أليلَتَنا إذ أرْسَلَتْ وارداً وَحْفَا / وبتنا نرى الجوزْاءَ في أُذنِها شَنفا
وباتَ لنَا ساقٍ يقومُ على الدّجَى / بشمعةِ نجمٍ لا تُقَطُّ ولا تُطْفى
أغَنُّ غضيضٌ خفّفَ اللّينُ قَدَّهُ / وثقّلَتِ الصّهباءُ أجفانَهُ الوُطْفا
ولم يُبْقِ إرعاشُ المُدامِ لَهُ يَداً / ولم يُبْقِ إعناتُ التثنّي له عِطفا
نَزيفٌ قضاهُ السِّكْرُ إلاّ ارتجاجَهُ / إذا كَلَّ عنه الخصْرُ حمَّله الرِّدفا
يقولون حِقْفٌ فوقه خَيْزُرانَةٌ / أما يعرِفونَ الخَيْزُرانَةَ والحِقفا
جعلنا حشايانا ثيابَ مُدامِنَا / وقدَّتْ لنا الظلماءُ من جِلدِها لُحفا
فمن كَبِدٍ تُدْني إلى كَبِدٍ هوىً / ومن شَفَةٍ تُوحي إلى شَفَةٍ رَشْفا
بعيشك نَبِّهْ كأسَه وجُفونَهُ / فقد نُبِّهَ الإبريقُ من بعدِ ما أغْفى
وقد وَلّتِ الظّلماءُ تقفو نجومَها / وقد قام جيشُ الفجرِ للّيل واصْطفّا
وولّتْ نجُومٌ للثُّرَيّا كأنّهَا / خواتيمُ تَبْدو في بَنان يدٍ تَخْفى
ومَرّ على آثارِهَا دَبَرَانُهَا / كصاحبِ رِدءٍ كُمِّنتْ خيلُه خَلفا
وأقبَلَتِ الشِّعرى العَبورُ مُكِبّةً / بمِرْزَمِها اليَعبوبِ تَجنُبُهُ طِرْفا
وقد بادَرَتْها أُخْتُها منْ ورائِها / لتَخْرُقَ من ثِنيَيْ مَجرَّتها سِجفا
تخافُ زَئيرَ الليثِ يَقدُمُ نَثرَةً / وبَرْبَرَ في الظلماء يَنسِفها نَسْفا
كأنّ السِّماكَينِ اللّذينِ تَظاهَرا / على لِبْدَتَيْهِ ضامِنانِ له حَتْفا
فذا رامحٌ يُهوي إليه سِنانَهُ / وذا أعزَلٌ قد عَضَّ أنمُلَهُ لَهْفا
كأنّ رقيبَ النجمِ أجدَلُ مَرْقَبٍ / يُقلِّبُ تحتَ الليل في ريشه طَرفا
كأنّ بني نَعشٍ ونعشاً مَطافِلٌ / بوَجرةَ قد أضْللنَ في مَهمَهٍ خِشفا
كأنّ سُهَيْلاً في مطالِعِ أُفقهِ / مُفارِقُ إلْفٍ لم يَجِدْ بعدَه إلفا
كأنّ سُهاها عاشِقٌ بين عُوَّدٍ / فآوِنَةً يَبدو وآونَةً يَخْفى
كأنّ مُعلَّى قُطبِها فارسٌ لَهُ / لِواءانِ مركوزانِ قد كرِه الزحفا
كأنّ قُدامَى النَّسرِ والنَّسرُ واقعٌ / قُصِصْنَ فلم تَسْمُ الخَوافي به ضعفا
كأنّ أخاه حينَ دَوّمَ طائِراً / أتى دون نصفِ البدر فاختطفَ النصفا
كأنّ الهَزيعَ الآبنُوسيَّ لونُهُ / سَرَى بالنسيج الخُسرُوانيِّ مُلتفّا
كأنّ ظلامَ الليلِ إذ مالَ مَيْلَةً / صريعُ مُدامٍ باتَ يشرَبُها صِرفا
كأنّ عمودَ الفجرِ خاقانُ عسكرٍ / من التركِ نادى بالنجاشيّ فاستخفى
كأنّ لِواءَ الشمسِ غُرَّةُ جعْفَرٍ / رأى القِرْنَ فازدادتْ طلاقته ضِعفا
وقد جاشَتِ الدأماءُ بِيضاً صَوارِماً / ومارنَةً سُمْراً وفَضْفاضَةً زَغْفا
وجاءتْ عِتاقُ الخيل تَردي كأنّها / تَخُطُّ له أقلامُ آذانها صُحْفا
هنالك تلقى جعفراً غيرَ جَعْفَرٍ / وقد بُدِّلَتْ يُمْناهُ من رِفْقها عنفا
وكائِنْ تَراهُ في الكريهةِ جاعِلاً / عزيمتَهُ بَرْقاً وصولتَه خَطْفا
وكائِنْ تراه في المقامةِ جاعلاً / مَشاهدَه فَصْلاً وخطبتَه حَرْفا
وتأتي عطاياهُ عِدادَ جُنُودِهِ / فما افترقتْ صِنفاً ولا اجتمعتْ صِنفا
ويَعْيَا بما يأتي خطيبٌ وشاعِرٌ / وإن جاوز الإطناب واستغرق الوصفا
هوَ الدهرُ إلاّ أنّني لا أرى له / على غير من ناواه خَطباً ولا صَرْفا
إذا شَهِدَ الهيجاءَ مَدّتْ لهُ يداً / كأنّ عليها دُمْلُجاً منْهُ أو وقْفا
وصالَ بها غضبانَ لو يستقي الذي / تُريقُ عواليه من الدّم ما استَشفى
جزيلُ الندى والباس تصدُرُ كفُّه / وقد نازلَتْ ألفاً وقد وهبَتْ ألفا
يدٌ يستهلُّ الجود فيها معَ النّدى / ويعبَقُ منها الموتُ يومَ الوغى عَرفا
وما سُدّدَ الأملاكُ من قبل جعفَرٍ / ولا أنكرُوا نُكراً ولا عرفوا عُرفا
هُمُ ساجَلوه والسَّماحُ لأهْلِهِ / فأكدَوا وما أكدى وأصْفَوا وما أصفى
إذا أصْلدوا أورى وإن عجِلوا ارتأى / وإن بخِلوا أعطى وإن غَدروا أوفى
فللمجدِ ما أبقَى وللجودِ ما اقتَنى / وللناسِ ما أبدى وللّهِ ما أخفى
يغولُ ظُنونَ المُزْنِ والمُزْنُ وافِرٌ / ويُغرِق موْجَ البحرِ والبحرُ قد شَفّا
فلو أنّني شَبّهْتُهُ البحرَ زاخِراً / خَشيتُ بكونِ المدحِ في مثله قذْفا
وما تَعْدِلُ الأنواءُ صُغرى بَنانِهِ / فكيْفَ بشْيءٍ يعدِلُ الزَّند والكفّا
مليكُ رقابِ الناسِ مالِكُ وُدِّهم / كذلك فليستَصْفِ قوماً من استصْفى
فتىً تَسْحَبُ الدّنيا بهِ خُيَلاءَهَا / وقد طمَحتْ طَرفاً وقد شَمختْ أنفا
وتسْألُهُ النّصْفَ الحوادثُ هَونةً / وكانتْ لقَاحاً لم تسَلْ قبله النصفا
وكانتْ سماءُ اللّهِ فوْقَ عِمادِهَا / إلى اليْوم لم تُسقِطْ على أحَدٍ كِسفا
وقد مُلِئَتْ شُهْباً فلمّا تمرّدَتْ / حَوالَيْه أعداءُ الهدى أحدثتْ قَذفا
ألا فامزِجوا كأسَ المُدامِ بذكْرِهِ / فلن تجِدُوا مَزْجاً أرَقَّ ولا أصْفى
تَبَغْددَ منْهُ الزّابُ حتى رأيْتُهُ / يهبّ نسيمُ الروض فيهِ فيُستَجفى
تكادُ عقودُ الغانياتِ تَؤودُهُ / رَفاهِيَةً والجوُّ يَسْرِقُه لُطْفا
بحيْثُ أبو الأيّامِ يَلحَفُني لهُ / جَناحاً وأُمُّ الشمس تُرضِعُني خِلفا
فلا منزِلاً ضَنكاً تَحُلُّ ركائبي / ولا عَقَداً وَعْثاً ولا سَبْسَباً قُفّا
تسيرُ القوافي المذهَباتُ أحوكُها / فتمضي وإن كانتْ على مجدكم وقفا
منَ اللاء تغدو وهي في السلم مركبي / ولو كانتِ الهيجاءُ قدَّمتُها صَفّا
يمانِيّةٌ في نَجْرِها أزدِيّةٌ / أُفصّلُها نَظماً وأُحْكِمُها رَصْفا
صرفتُ عِنانَ الشعر إلاّ إليكُمُ / وفيكم فإني ما استطعتُ لكم صَرفا
وما كنْتُ مَدّاحاً ولكنْ مُفَوَّهاً / يُلبّى إذا نادى ويُكفى إذا استكفى
أبا أحمدٍ قد كان في الأرض مَوئِلٌ / فلم أبغِ لي ركْناً سواكَ ولا كهفا
وأنتَ الذي لم يُطلِع اللّهُ شَمسَهُ / على أحَدٍ منْهُ أبَرَّ ولا أوفى
وما الشمس تكسو كلَّ شيء شُعاعَها / بأسبغَ عندي من نَداك ولا أضفى
أخذتَ بضَبعي والخطوبُ رَوَاغِمٌ / فسُمتَ زماني كلّهُ خُطّةً خَسفا
فمن كَبِدٍ لمّا اعتلَلتَ تقطَّعَتْ / ومن أُذُنٍ صَمّتْ ومن ناظرٍ كُفّا
وقد كان لي قلْبٌ فغودرَ جَمْرَةً / عليك وعيشٌ سجسجٌ فغدا رَضفا
ولم أرَ شيئاً مثلَ وصْلِ أحِبّتي / شِفاءً ولكن كان بُرؤكَ لي أشفى
وكيفَ اتّراكي فيك بَشّاً ولوعَةً / ولم تتّرِك رُحماً لقومي ولا عطفا
أمنْتُ بكَ الأيّامَ وهي مخوفَةٌ / ولو بيديكَ الخُلدُ أمّنْتَني الحَتْفا