ذَكَرتَ الصِبا فَاِنهَلَّتِ العَينُ تَذرِفُ
ذَكَرتَ الصِبا فَاِنهَلَّتِ العَينُ تَذرِفُ / وَراجَعَكَ الشَوقُ الَّذي كَنتَ تَعرِفُ
وَكانَ فُؤادي قَد صَحا ثُمَّ هاجَني / حَمائِمُ وُرقٌ بِالمَدينَةِ هُتَّفُ
كَأَنَّ الهَديلَ الظالِعَ الرِجلِ وَسطَها / مِنَ البَغى شِرّيبٌ يُغَرِّدُ مُتَرَفُ
يُذَكِّرنَنا أَيّامَنا بِعُوَيقَةٍ / وَهَضبِ قُساسٍ وَالتَذَكُّرُ يَشعَفُ
وَبيضاً يَصَلصِلنَ الحُجولَ كَأَنَّها / رَبائِبُ أَبكارِ المَها المُتَأَلِّفُ
فَبِتُّ كَأَنَّ العَينَ أَفنانُ سِدرَةٍ / عَلَيها سَقيطٌ مِن نَدى اللَيلِ يَنطُفُ
أُراقِبُ لَوحاً مِن سُهَيلٍ كَأَنَّهُ / إِذا ما بَدا مِن آخِرِ اللَيلِ يَطرِفُ
يُعارِضُ عَن مَجرى النُجومَ وَيَنتَحي / كَما عارَضَ الشَوكَ البَعيرَ المُؤَلَّفُ
بَدا لِجرّانِ العَودِ وَالبَحرُ دونَهُ / وَذو حَدَبٍ مِن سَروِ حِميَرَ مُشرِفُ
فَلا وَجدَ إِلّا مِثلَ يَومِ تَلاحَقَت / بِنا العيسُ وَالحادي يِشُلُّ وَيَعنُفُ
لَحِقنا وَقَد كانَ اللُغامُ كَأَنَّهُ / بِأَلحي المَهارى وَالخَراطيمِ كُرسُفُ
فَما لِحِقَتنا العيسُ حَتّى تَناضَلَت / بِنا وَقَلانا الآخِرُ المَتَخَلِّفُ
وَكانَ الهِجانُ الأَرحَبِيُّ كَأَنَّهُ / بِراكِبِهِ جَونٌ مِنَ اللَيلِ أَكلُفُ
وَفي الحَيِّ مَيلاءُ الخِمارَ كَأَنَّها / مَهاةٌ بِهَجلٍ مِن أَدَيمٍ تَعَطَّفُ
شَموسُ الصِبا وَالأَنسِ مَخطوفَةُ الحَشا / قَتولُ الهَوى لَو كانَتِ الدارُ تُسعِفُ
كَأَنَّ ثَناياها العِذابَ وَريقَها / وَنشوَةَ فيها خالَطَتهُنَّ قَرقَفُ
تُهينُ جَليدَ القَومِ حَتّى كَأَنَّهُ / دَوٍ يَئِسَت مِنهُ العَوائِدُ مُدنَفُ
وَلَيسَت بِأَدنى مِن صَبيرِ غَمامَةٍ / بِنَجدٍ عَلَيها لامِحٌ يَتَكَشَّفُ
يُشَبِّهُها الرائي المُشَبِّهُ بَيضَةً / غَدا في النَدى عَنها الظَليمُ الهَجَنَّفُ
بِوَعساءَ مِن ذاتِ السَلاسِلِ يَلتَقي / عَلَيها مِنَ العَلقى نَباتٌ مُؤَنَّفُ
وَقالَت لَنا وَالعيسُ صُعرٌ مِنَ البُرى / وَأَخفافُها بِالجَندَلِ الصُمِّ تَقذِفُ
وَهُنَّ جُنوحٌ مُصغِياتٌ كَأَنَّما / بُراهُنَّ مِن جَذبِ الأَزِمَّةِ عَلَّفُ
حُمِدتَ لَنا حَتّى تَمَنّاكَ بَعضُنا / وَأَنتَ اِمرُؤٌ يَعروكَ حَمدٌ فَتُعرَفُ
رَفيعُ العُلا في كُلِّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ / وَقَولُكَ ذاكَ الآبِدُ المُتَلَقَّفُ
وَفيكَ إِذا لا قَيتَنا عَجرَ فِيَّةٌ / مِراراً وَما نَستيعُ مَن يَتَعَجرَفُ
تَميلُ بِكَ الدُنيا وَيَغلِبُكَ الهَوى / كَما مالَ خَوّارُ النَقا المُتَقَصِّفُ
وَنُلقى كَأَنّا مَغنَمٌ قَد حَوَيتَهُ / وَتَرغَبُ عَن جَزلِ العَطاءِ وَتُسرِفُ
فَمَوعِدُكَ الشَطُّ الَّذي بَينَ أَهلِنا / وَأَهلِكَ حَتّى تَسمَعُ الديكَ يَهتِفُ
وَتَكفيكَ آثاراً لَنا حَيثُ نَلتَقي / ذُيولٌ نُعَفّيها بِهِنَّ وَمُطرَفُ
وَمَسحَبُ رَيطٍ فَوقَ ذاكَ وَيَمنَةٍ / يَسوقُ الحَصى مِنها حَواشٍ وَرَفرَفُ
فَنُصبِحُ لَم يُشعَر بِنا غَيرَ أَنَّهُم / عَلى كُلِّ ظَنٍّ يَحلِفونَ وَنَحلِفُ
وَقالَت لَهُم أُمُّ الَّتي أَدلَجَت بِنا / لَهُنَّ عَلى الإِدلاجِ آنى وَأَضعَفُ
فَقَد جَعَلَت آمالُ بَعضِ بَناتِنا / مِنَ الظُلمِ إِلّا ما وَقى اللَهُ تُكشَفُ
وَما لِجِرانِ العودِ ذَنبٌ وَما لَنا / وَلَكِن جِرانُ العودِ مِمّا نُكَلَّفُ
وَلَو شَهِدَتنا أُمُّها لَيلَةَ النَقا / وَلَيلَةَ رُمحٍ أَزحَفَت حينَ نُزحِفُ
ذَهَبنَ بِمِسواكي وَقَد قُلتُ قَولَةً / سَيوجَدُ هَذا عِندَكُنَّ وَيُعرَفُ
فَلَمّا عَلانا اللَيلُ أَقبَلتُ خُفيَةً / لِمَوعِدِها أَعلو الإِكامَ وَأَظلِفُ
إِذا الجانِبُ الوَحشِيُّ خِفنا مِنَ الرَدى / وَجانِبِيَ الأَدنى مِنَ الخَوفِ أَجنَفُ
فَأَقبَلنَ يَمشينَ الهُوَينا تَهادِياً / قِصارَ الخُطا مِنهُنَّ رابٍ وَمُزحِفُ
كَأَنَّ النُمَيرِيَّ الَّذي يَتَّبِعنَهُ / بِدارَةِ رُمحِ ظالِعُ الرِجلِ أَحنَفُ
فَلَمّا هَبَطنَ السَهلَ وَاِحتَلنَ حيلَةً / وَمِن حيلَةِ الإِنسانِ ما يَتَخَوَّفُ
حَمَلنَ جِرانَ العَودِ حَتّى وَضَعنَهُ / بِعَلياءَ في أَرجائِها الجِنُّ تَعزِفُ
فَلا كِفلَ إِلّا مِثلُ كِفلٍ رَأيتُهُ / لِخَولَةَ لَو كانَت مِراراً تَخَلَّفُ
فَلَم أُرِ كِفلاً مِثلَ كِفلٍ رَأِيتُهُ / لَخَولَةَ لَولا وَعدُها ثُمَّ تُخلِفُ
فَلَمّا اِلتَقَينا قُلنَ أَمسى مُسَلَّطاً / فَلا يُسرِفَنَّ الزائِرُ المُتَلَطِّفُ
وَقُلنَ تَمَتَّع لَيلَةَ اليَأسِ هَذِهِ / فَإِنَّكَ مَرجومٌ غَداً أَو مُسَيَّفُ
وَأَحرَزنَ مِنّي كُلَّ حُجزَةِ مِئزَرٍ / لَهُنَّ وَطاحَ النَوفَلِيُّ المُزخَرَفُ
فَبِتنا قُعوداً وَالقُلوبُ كَأَنَّها / قَطاً شُرَّعُ الأَشراكِ مِمّا تَخَوَّفُ
عَلَينا النَدى طَوراً وَطَوارً يَرُشُّنا / رَذاذٌ سَرى مِن آخِرِ اللَيلِ أَوطَفُ
وَبِتنا كَأَنّا بَيَّتَتنا لَطيمَةٌ / مِنَ المِسكِ أَو خَوارَةُ الريحِ قَرقَفُ
يُنازِعنَنا لَذّاً رَخيماً كَأَنَّهُ / عَوائِرُ مِن قَطرٍ حَداهُنَّ صَيِّفُ
رَقيقُ الحَواشي لَو تَسَمَّعَ راهِبٌ / بِبُطنانَ قَولاً مِثلَهُ ظَلَّ يَرجُفُ
حَديثٌ لَو اِنَّ البَقلَ يولي بِنَفضِهِ / نَما البُقلُ وَاِخضَرَّ المُصَنِّفُ
هُوَالخُلدُ في الدُنيا لِمَن يَستَطيعُهُ / وَقَتلٌ لِأَصحابِ الصَبابَةِ مُذعِفُ
وَلَمّا رَأَينَ الصُبحَ بادَرَ ضَوءَهُ / دَبيبُ قَطا البَطحاءِ أَو هُنَّ أَقطَفُ
وَأَدرَكنَ أَعجازاً مِنَ اللَيلِ بَعدَ ما / أَقامَ الصَلاةَ العابِدُ المُتَحَنِّفُ
وَما أُبنَ حَتّى قُلنَ يا لَيتَ أَنَّنا / تُرابٌ وَلَيتَ الأَرضَ بِالناسِ تُخسَفُ
فَإِن نَنجُ مِن هَذي وَلَم يَشعُروا بِنا / فَقَد كانَ بَعضُ الخَيرِ يَدنو فَيُصرَفُ
فَأَصبَحنَ صَرعى في الحِجالِ وَبَينَنا / رِماحُ العِدا وَالجانِبُ المُتَخَوِّفُ
يُبَلِّغُهُنَّ الحاجَ كُلُّ مُكاتَبٍ / طَويلِ العَصا أَو مُقعَدٌ مُتَزَحِّفُ
وَمَكمونَةٌ رمداءُ لا يَجذَرونَها / مُكاتَبَةٌ تَرمي الكِلابَ وَتَحذِفُ
رَأَت وَرَقاً بيضاً فَشَدَّت حَزيمَها / لَها فَهيَ أَمضى مِن سُلَيكٍ وَأَلطَفُ
وَلَن يَستَهيمَ الخُرَّدَ البيضَ كَالدُمى / هِدانٌ وَلا هِلباجَةُ اللَيلِ مُقرِفُ
وَلا جَبِلٌ تِرعِيَّةٌ أَحبَنُ النَسا / أَغَمُّ القَفا ضَخمُ الهِراوَةِ أَغضَفُ
حَليفٌ لِوَطبى عُلبَةٍ بَقَرِيَّةٍ / عَظيمُ سَوادِ الشَخصِ وَالعودُ أَجوَفُ
وَلَكِن رَفيقٌ بِالصِبا مُتَبَطرِقٌ / خَفيفٌ ذَفيفٌ سابِغُ الذَيلِ أَهيَفُ
قَريبٌ بَعيدٌ ساقِطٌ مُتَهافِتٌ / فَكُلُّ غَيورٍ ذي فَتاةٍ مُكَلَّفُ
فَتى الحَيِّ وَالأَضيافِ إِن نَزَلوا بِهِ / حَذورُ الضُحى تِلعابَةٌ مُتَغَطرِفُ
يَرى اللَيلَ في حاجاتِهِنَّ غَنيمَةً / إِذا قامَ عَنهُنَّ الهِدانُ المُزَيَّفُ
يُلِمُّ كَإِلمامِ القُطامى بِالقَطى / وَأَسرَعُ مِنهُ لَمَّةً حينَ يَخطَفُ
وَأَصبَحَ في حَيثُ اِلتَقَينا غُدَيَّةً / سِوارٌ وَخَلخالٌ وَبُردٌ مُفَوَّفُ
وَمُنقَطِعاتٌ مِن عُقودٍ تَرَكنَها / كَجَمرِ الغَضا في بَعضِ ما يُتَخَطرَفُ
وَأَصبَحتُ غِرّيدَ الضُحى قَد وَمِقنَني / بِشَوقٍ وَلَمّاتُ المُحِبّينَ تَشعَفُ
ونلن سقاطاً من حديث كأنّه / جنى النحل في أبكار عودٍ نقطّفُ
وإن ظلام الليلُ ينكَبُ تحتَهُ / رجالٌ ويمضي الأحوذيُّ المثقَّفُ
وإنا ذحمنا كلّ نجدةٍ سيّدٍ / بطينٍ ولا يحزنك إلا المهَفهَفُ
ألا من لقلب لا يزالُ كأنّهُ / يدا لامعٍ أو طائرٍ يتصرّفُ
طفن بغطريف كأنّ حبّيهُ / بدارةٍ رمحٍ آخر الليل مصحفُ