تباعدت عن ريحان ريحك والعصف
تباعدت عن ريحان ريحك والعصف / وأعرضت يا لمياء عن نفحة العرف
توسطت أزهار الربيع جديبة / وكيف يكون الجدب في الكلأ الوحف
خيال الكرى ما مر منك بمقلة / فرحت من الأشجان مطروفة الطرف
سهرت وغلمان الحدائق نوم / أهم حرس الأزهار أم فتية الكهف
وجاورت هاتيك القصور شواهقاً / بدار بلا بهو وبيت بلا سقف
طوى السائح المقتص صفحة ذكرها / وأصبح مكسوراً لها قلم الصحفي
ومر عليها الشاعر الفحل مطرقا / كأن لم يكن في شعره بارع الوصف
أجارة هذا القصر نوحك مزعج / لآنسة فيه أكبت على العزف
أدرت الرحى في الليل يقلق صوتها / وجارتك الحسناء تنقر بالدف
تطوف عليها بالكؤوس نواصعاً / كواعب أتراب طبعن على اللطف
يرشفنها ما ساغ بالكأس شربة / وشربك من ضخ وكأسك من كف
لو اسطاع هذا الصرح شح بظله / على بيتك العاري عن الستر والسجف
إلى أين يعلو في القرون حديده / أهل بات في أمن من الهد والنسف
يحاول نطح الكبش وهو ببرجه / ويذهل عما راع قارون بالخسف
ألا قتل الانسان ماذا يريده / وقد جاز حد المسرفين أما يكفي
أبى أن يساوي نوعه في شؤونه / فجار على صنف ورّق على صنف
وعالج لا عن حكمة ضعف نفسه / متى عولج الضعف المبرح بالضعف
فيا بنت من حي الركائب والدجى / على صهوات الحي منسدل السدف
ومن نبه الجزار من سنة الكرى / لينحرها غير المسنات والعجف
سمعت الأغاني فاسنمالك لحنها / وملت وحاشا للخلاعة والقصف
نشدتك ما أحلى من غير حلية / فجيد بلا طوق واذن بلا شنف
إذا طرق الجاني عريشك لابساً / فضاضة وجه قد من جلدة العسف
أيرجع في خفي حنين كما أتى / بغير جنان أم تراجع في خف
ترومين منه العطف أني ولم نكن / سمعنا لصماء الحجارة من عطف
تنسمت نشر الورد وهو لأهله / ومالك منه غير شمك بالأنف
ولو علموا أن النسيم يسوقه / لساقوكم يا أبرياء إلى العرفي
متى نبلغ الغايات سعياً بأرجل / تعامت خطاها عن مقاومة الرسف
إذا ما قطعنا للإمام فراسخاً / نرد مسافات من الخلف للخلف
وقفنا نرى ما لا يصح ارتكابه / وليس لنا أمر فنثبت أو ننفي
نرى يا مريض القلب منك ابن علة / يعالجها جهلاً بمشمولة صرف
وتختار موبوء المواطن للشفا / ومن ذا الذي في موطن الداء يستشفي
ومن فرّ في لذاته عن بلاده / كمن فر عن طيب الحياة إلى الحتف
سواء فرار المرء في شهواته / إلى حيث يردي أو فرار من الزحف
فمن لك يا هذي البلاد بمصلح / يقول لأيدي العابثين ألا كفي
ويجعلهم صفاً لرأي وراية / فإن خالفوه يضرب الصف بالصف