المجموع : 6
أَما إِنَّهُ لَولا الخَليطُ المُوَدِّعُ
أَما إِنَّهُ لَولا الخَليطُ المُوَدِّعُ / وَرَبعٌ عَفا مِنهُ مَصيفٌ وَمَربَعُ
لَرُدَّت عَلى أَعقابِها أَريحِيَّةٌ / مِنَ الشَوقِ واديها مِنَ الهَمِّ مُترَعُ
لَحِقنا بِأُخراهُم وَقَد حَوَّمَ الهَوى / قُلوباً عَهِدنا طَيرَها وَهيَ وُقَّعُ
فَرُدَّت عَلَينا الشَمسُ وَاللَّيلُ راغِمٌ / بِشَمسٍ لَهُم مِن جانِبِ الخِدرِ تَطلُعُ
نَضا ضَوءُها صِبغَ الدُجُنَّةِ فَاِنطَوى / لِبَهجَتِها ثَوبُ السَماءِ المُجَزَّعُ
فَوَاللَهِ ما أَدري أَأَحلامُ نائِمٍ / أَلَمَّت بِنا أَم كانَ في الرَكبِ يوشَعُ
وَعَهدي بِها تُحيي الهَوى وَتُميتُهُ / وَتَشعَبُ أَعشارَ الفُؤادِ وَتَصدَعُ
وَأَقرَعُ بِالعُتبى حُمَيّا عِتابَها / وَقَد تَستَقيدُ الراحَ حينَ تُشَعشَعُ
وَتَقفو إِلى الجَدوى بِجَدوى وَإِنَّما / يَروقُكَ بَيتُ الشِعرِ حينَ يُصَرَّعُ
أَلَم تَرَ آرامَ الظِباءِ كَأَنَّما / رَأَت بِيَ سيدَ الرَملِ وَالصُبحُ أَدرَعُ
لَئِن جَزِعَ الوَحشِيُّ مِنها لِرُؤيَتي / لَإِنسِيُّها مِن شَيبِ رَأسِيَ أَجزَعُ
غَدا الهَمُّ مُختَطّاً بِفَوَدَيِّ خِطَّةً / طَريقُ الرَدى مِنها إِلى النفسِ مَهيَعُ
هُوَ الزَورُ يُجفى وَالمُعاشَرُ يُجتَوى / وَذو الإِلفِ يُقلى وَالجَديدُ يُرَقَّعُ
لَهُ مَنظَرٌ في العَينِ أَبيَضُ ناصِعٌ / وَلَكِنَّهُ في القَلبِ أَسوَدُ أَسفَعُ
وَنَحنُ نُزَجّيهِ عَلى الكُرهِ وَالرِضا / وَأَنفُ الفَتى مِن وَجهِهِ وَهوَ أَجدَعُ
لَقَد ساسَنا هَذا الزَمانُ سِياسَةً / سُدىً لَم يَسُسها قَطُّ عَبدٌ مُجَدَّعُ
تَروحُ عَلَينا كُلَّ يَومٍ وَتَغتَدي / خُطوبٌ كَأَنَّ الدَهرَ مِنهُنَّ يُصرَعُ
حَلَت نُطَفٌ مِنها لِنِكسٍ وَذو النُهى / يُدافُ لَهُ سُمٌّ مِنَ العَيشِ مُنقَعُ
فَإِن نَكُ أُهمِلنا فَأَضعِف بِسَعيِنا / وَإِن نَكُ أُجبِرنا فَفيمَ نُتَعتِعُ
لَقَد آسَفَ الأَعداءَ مَجدُ اِبنِ يوسُفٍ / وَذو النَقصِ في الدُنيا بِذي الفَضلِ مولَعُ
أَخَذتُ بِحَبلٍ مِنهُ لَمّا لَوَيتُهُ / عَلى مِرَرِ الأَيّامِ ظَلَّت تَقَطَّعُ
هُوَ السَيلُ إِن واجَهتَهُ اِنقَدتَ طَوعَهُ / وَتَقتادُهُ مِن جانِبَيهِ فَيَتبَعُ
وَلَم أَرَ نَفعاً عِندَ مَن لَيسَ ضائِراً / وَلَم أَرَ ضَرّاً عِندَ مَن لَيسَ يَنفَعُ
يَقولُ فَيُسمِعُ وَيَمشي فَيُسرِعُ / وَيَضرِبُ في ذاتِ الإِلَهِ فَيوجِعُ
مُمَرٌّ لَهُ مِن نَفسِهِ بَعضُ نَفسِهِ / وَسائِرُها لِلحَمدِ وَالأَجرِ أَجمَعُ
رَأى البُخلَ مِن كُلٍّ فَظيعاً فَعافَهُ / عَلى أَنَّهُ مِنهُ أَمَرُّ وَأَفظَعُ
وَكُلُّ كُسوفٍ في الدَرارِيِّ شُنعَةٌ / وَلَكِنَّهُ في الشَمسِ وَالبَدرُ أَشنَعُ
مَعادُ الوَرى بَعدَ المَماتِ وَسَيبُهُ / مَعادٌ لَنا قَبلَ المَماتِ وَمَرجِعُ
لَهُ تالِدٌ قَد وَقَّرَ الجودُ هامَهُ / فَقَرَّت وَكانَت لا تَزالُ تَفَزَّعُ
إِذا كانَتِ النُعمى سَلوباً مِن اِمرِىءٍ / غَدَت مِن خَليجَي كَفِّهِ وَهيَ مُتبَعُ
وَإِن عَثَرَت سودُ اللَيالي وَبيضُها / بِوَحدَتِهِ أَلفَيتَها وَهيَ مَجمَعُ
وَإِن خَفَرَت أَموالَ قَومٍ أَكُفُّهُم / مِنَ النَيلِ وَالجَدوى فَكَفّاهُ مَقطَعُ
وَيَومٍ يَظَلُّ العِزُّ يُحفَظُ وَسطَهُ / بِسُمرِ العَوالي وَالنُفوسُ تُضَيَّعُ
مَصيفٍ مِنَ الهَيجا وَمِن جاحِمِ الوَغى / وَلَكِنَّهُ مِن وابِلِ الدَمِ مَربَعُ
عَبوسٍ كَسا أَبطالَهُ كُلَّ قَونَسٍ / يُرى المَرءُ مِنهُ وَهوَ أَفرَعُ أَنزَعُ
وَأَسمَرَ مُحمَرِّ العَوالي يَؤُمُّهُ / سِنانٌ بِحَبّاتِ القُلوبِ مُمَتَّعُ
مِنَ اللاءِ يَشرَبنَ النَجيعَ مِنَ الكُلى / غَريضاً وَيَروى غَيرُهُنَّ فَيَنقَعُ
شَقَقتَ إِلى جَبّارِهِ حَومَةَ الوَغى / وَقَنَّعتَهُ بِالسَيفِ وَهُوَ مُقَنَّعُ
لَدى سَندِبايا وَالهِضابِ وَأَرشَقٍ / وَموقانَ وَالسُمرُ اللَدانُ تَزَعزَعُ
وَأَبرَشَتَويمٍ وَالكَذاجِ وَمُلتَقى / سَنابِكِها وَالخَيلُ تَردي وَتَمزَعُ
غَدَت ظُلَّعاً حَسرى وَغادَرَ جَدُّها / جُدودَ أُناسٍ وَهيَ حَسرى وَظُلَّعُ
هُوَ الصُنعُ إِن يَعجَل فَنَفعٌ وَإِن يَرِث / فَلَلرَيثُ في بَعضِ المَواطِنِ أَسرَعُ
أَظَلَّتكَ آمالي وَفي البَطشِ قُوَّةٌ / وَفي السَهمِ تَسديدٌ وَفي القَوسِ مَنزَعُ
وَإِنَّ الغِنى لي إِن لَحَظتُ مَطالِبي / مِنَ الشِعرِ إِلّا في مَديحِكَ أَطوَعُ
وَإِنَّكَ إِن أَهزَلتَ في المَحلِ لَم تُضِع / وَلَم تَرعَ إِن أَهزَلتَ وَالرَوضُ مُمرَعُ
رَأَيتُ رَجائي فيكَ وَحدَكَ هِمَّةً / وَلَكِنَّهُ في سائِرِ الناسِ مَطمَعُ
وَكَم عاثِرٍ مِنّا أَخَذتَ بِضَبعِهِ / فَأَضحى لَهُ في قُلَّةِ المَجدِ مَطلَعُ
فَصارَ اِسمُهُ في النائِباتِ مُدافِعاً / وَكانَ اِسمُهُ مِن قَبلُ وَهوَ مُدَفَّعُ
وَما السَيفُ إِلّا زُبرَةٌ لَو تَرَكتَهُ / عَلى الخِلقَةِ الأولى لَما كانَ يَقطَعُ
فَدونَكَها لَولا لَيانُ نَسيبِها / لَظَلَّت صِلابُ الصَخرِ مِنها تَصَدَّعُ
لَها أَخَواتٌ قَبلَها قَد سَمِعتَها / وَإِن لَم تَزِع بي مُدَّةً فَسَتسَمَعُ
أَنوحَ بنَ عَمروٍ إِنَّ ما حُمَّ واقِعٌ
أَنوحَ بنَ عَمروٍ إِنَّ ما حُمَّ واقِعٌ / وَلِلأَجنُبِ المُستَعلَياتِ مَصارِعُ
أَلَم يُختَرَم عَمرٌو وَعَمرٌو فَوَدَّعا / وَلاقى الحُوَيّانِ المَنايا وَماتِعُ
فَصَبراً فَفي الصَبرِ الجَلالَةُ وَالتُقى / وَلا إِثمَ إِن خُبِّرتُ أَنَّكَ جازِعُ
فَقَد يَأجُرُ اللَهُ الفَتى وَهوَ كارِهٌ / وَما الأَجرُ إِلّا أَجرُهُ وَهوَ طائِعُ
دُموعٌ أَجابَت داعِيَ الحُزنِ هُمَّعُ
دُموعٌ أَجابَت داعِيَ الحُزنِ هُمَّعُ / تَوَصَّلُ مِنّا عَن قُلوبٍ تَقَطَّعُ
عَفاءٌ عَلى الدُنيا طَويلٌ فَإِنَّها / تُفَرِّقُ مِن حَيثُ اِبتَدَت تَتَجَمَّعُ
تَبَدَّلَتِ الأَشياءُ حَتّى لَخِلتُها / سَتَثني غُروبَ الشَمسِ مِن حَيثُ تَطلَعُ
لَها صَيحَةٌ في كُلِّ روحٍ وَمُهجَةٍ / وَلَيسَت بِشَيءٍ ما خَلا القَلبَ تُسمِعُ
أَإِدريسُ ضاعَ المَجدُ بَعدَكَ كُلُّهُ / وَرَأيُ الَّذي يَرجوهُ بَعدَكَ أَضيَعُ
وَغودِرَ وَجهُ العُرفِ أَسوَدَ بَعدَما / يُرى وَكَأَنَّهُ كَعابٌ تَصَنَّعُ
وَأَصبَحَتِ الأَحزانُ لا لِمَبَرَّةٍ / تُسَلِّمُ شَزراً وَالمَعالي تُوَدِّعُ
وَضَلَّ بِكَ المُرتادُ مِن حَيثُ يَهتَدي / وَضَرَّت بِكَ الأَيّامُ مِن حَيثُ تَنفَعُ
وَأَضحَت قَريحاتُ القُلوبِ مِنَ الجَوى / تُقاظُ وَلَكِنَّ المَدامِعَ تُربَعُ
عُيونٌ حَفِظنَ اللَيلَ فيكَ مُجَرَّماً / وَأَعطَينَهُ الدَمعَ الَّذي كانَ يُمنَعُ
وَقَد كانَ يُدعى لابِسُ الصَبرِ حازِماً / فَقَد صارَ يُدعى حازِماً حينَ يَجزَعُ
وَقالَت عَزاءً لَيسَ لِلمَوتِ مَدفَعٌ / فَقُلتُ وَلا لِلحُزنِ لِلمَوتِ مَدفَعُ
لِإِدريسَ يَومٌ ماتَزالُ لِذِكرِهِ / دُموعٌ وَإِن سَكَّنتَها تَتَفَرَّعُ
وَلَمّا نَضا ثَوبَ الحَياةِ وَأَوقَعَت / بِهِ نائِباتُ الدَهرِ ما يُتَوَقَّعُ
غَدا لَيسَ يَدري كَيفَ يَصنَعُ مُعدِمٌ / دَرى دَمعُهُ في خَدِّهِ كَيفَ يَصنَعُ
وَماتَت نُفوسُ الغالِبِيّينَ كُلِّهِم / وَإِلّا فَصَبرُ الغالِبِيّينَ أَجمَعُ
غَدَوا في زَوايا نَعشِهِ وَكَأَنَّما / قُرَيشٌ قُرَيشٌ يَومَ ماتَ المُجَمِّعُ
وَلَم أَنسَ سَعيَ الجودِ خَلفَ سَريرِهِ / بِأَكسَفِ بالٍ يَستَقيمُ وَيَظلَعُ
وَتَكبيرُهُ خَمساً عَلَيهِ مُعالِناً / وَإِن كانَ تَكبيرَ المُصَلّينَ أَربَعُ
وَما كُنتُ أَدري يَعلَمُ اللَهُ قَبلَها / بِأَنَّ النَدى في أَهلِهِ يَتَشَيَّعُ
وَقُمنا فَقُلنا بَعدَ أَن أُفرِدَ الثَرى / بِهِ ما يُقالُ في السَحابَةِ تُقلِعُ
أَلَم تَكُ تَرعانا مِنَ الدَهرِ إِن سَطا / وَتَحفَظُ مِن آمالِنا ما يُضَيَّعُ
وَتَلبَسُ أَخلاقاً كِراماً كَأَنَّها / عَلى العِرضِ مِن فَرطِ الحَصانَةِ أَدرُعُ
وَتَبسُطُ كَفّاً في الحُقوقِ كَأَنَّما / أَنامِلُها في البَأسِ وَالجودِ أَذرُعُ
وَتَربُطُ جَأشاً وَالكُماةُ قُلوبُهُم / تَزَعزَعُ خَوفاً مِن سُيوفٍ تَتَزَعزَعُ
وَأُمنِيَّةُ المُرتادِ تُحضِرُكَ النَدى / فَيَشفَعُ في مِثلِ المَلا فَيُشَفَّعُ
فَأُنطِقَ فيها حامِدٌ وَهوَ مُفحَمٌ / وَأُفحِمَ فيها حاسِدٌ وَهوَ مِصقَعُ
أَلا إِنَّ في ظُفرِ المَنِيَّةِ مُهجَةً / تَظَلُّ لَها عَينُ العُلى وَهيَ تَدمَعُ
هِيَ النَفسُ إِن تَبكِ المَكارِمُ فَقدَها / فَمِن بَينِ أَحشاءِ المَكارِمِ تُنزَعُ
أَلا إِنَّ أَنفاً لَم يَعُد وَهوَ أَجدَعٌ / لِفَقدِكَ عِندَ المَكرُماتِ لَأَجدَعُ
وَإِنَّ اِمرِءاً لَم يُمسِ فيكَ مُفَجَّعاً / بِمَجلودِهِ في عَقلِهِ لَمُفَجَّعُ
أَصَمَّ بِكَ الناعي وَإِن كانَ أَسمَعا
أَصَمَّ بِكَ الناعي وَإِن كانَ أَسمَعا / وَأَصبَحَ مَغنى الجودِ بَعدَكَ بَلقَعا
لِلَحدِ أَبي نَصرٍ تَحِيَّةُ مُزنَةٍ / إِذا هِيَ حَيَت مُمعِراً عادَ مُمرِعا
فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَشبَهَ ساعَةً / بِيَومي مِنَ اليَومِ الَّذي فيهِ وَدَّعا
مَصيفٌ أَفاضَ الحُزنُ فيهِ جَداوِلاً / مِنَ الدَمعِ حَتّى خِلتُهُ عادَ مَربَعا
وَوَاللَهِ لا تَقضي العُيونُ الَّذي لَهُ / عَلَيها وَلَو صارَت مَعَ الدَمعِ أَدمُعا
فَتىً كانَ شَرباً لِلعُفاةِ وَمَرتَعاً / فَأَصبَحَ لِلهِندِيَّةِ البيضِ مَرتَعا
فَتىً كُلَّما اِرتادَ الشُجاعُ مِنَ الرَدى / مَفَرّاً غَداةَ المَأزَقِ اِرتادَ مَصرَعا
إِذا ساءَ يَومٌ في الكَريهَةِ مَنظَراً / تَصَلّاهُ عِلماً أَن سَيَحسُنُ مَسمَعا
فَإِن تُرمَ عَن عُمرٍ تَدانى بِهِ المَدى / فَخانَكَ حَتّى لَم يَجِد فيكَ مَنزَعا
فَما كُنتَ إِلّا السَيفَ لاقى ضَريبَةً / فَقَطَّعَها ثُمَّ اِنثَنى فَتَقَطَّعا
أَلا صَنَعَ البَينُ الَّذي هُوَ صانِعُ
أَلا صَنَعَ البَينُ الَّذي هُوَ صانِعُ / فَإِن تَكُ مِجزاعاً فَما البَينُ جازِعُ
هُوَ الرَبعُ مِن أَسماءَ وَالعامُ رابِعٌ / لَهُ بِلِوى خَبتٍ فَهَل أَنتَ رابِعُ
أَلا إِنَّ صَبري مِن عَزائي بَلاقِعٌ / عَشِيَّةَ شاقَتني الدِيارُ البَلاقِعُ
كَأَنَّ السَحابَ الغُرَّ غَيَّبنَ تَحتَها / حَبيباً فَما تَرقا لَهُنَّ مَدامِعُ
رُبىً شَفَعَت ريحُ الصَبا لِرِياضِها / إِلى الغَيثِ حَتّى جادَ وَهوَ هَوامِعُ
فَوَجهُ الضُحى غَدواً لَهُنَّ مُضاحِكٌ / وَجَنبُ النَدى لَيلاً لَهُنَّ مُضاجِعُ
كَساكِ مِنَ الأَنوارِ أَصفَرُ فاقِعٌ / وَأَبيَضُ ناصِعٌ وَأَحمَرُ ساطِعُ
لَئِن كانَ أَمسى شَملُ وَحشِكِ جامِعاً / لَقَد كانَ لي شَملٌ بِأُنسِكِ جامِعُ
أُسيءُ عَلى الدَهرِ الثَناءَ فَقَد قَضى / عَلَيَّ بِجَورٍ صَرفُهُ المُتَتابِعُ
أَيُرضِخُنا رَضخَ النَوى وَهوَ مُصمِتٌ / وَيَأكُلُنا أَكلَ الدَبا وَهوَ جائِعُ
وَإِنّي إِذا أَلقى بِرَبعِيَ رَحلَهُ / لِأُذعِرُهُ في سِربِهِ وَهوَ راتِعُ
أَبو مَنزِلِ الهَمِّ الَّذي لَو بَغى القِرى / لَدى حاتِمٍ لَم يُقرِهِ وَهوَ طائِعُ
إِذا شَرَعَت فيهِ اللَيالي بِنَكبَةٍ / تَمَزَّقَ عَنهُ وَهوَ في الشَرعِ شارِعُ
وَإِن أَقدَمَت يَوماً عَلَيهِ رَزِيَّةٌ / تَلَقّى شَباها وَهوَ بِالصَبرِ دارِعُ
لَهُ هِمَمٌ ما إِن تَزالُ سُيوفُها / قَواطِعَ لَو كانَت لَهُنَّ مَقاطِعُ
أَلا إِنَّ نَفسَ الشِعرِ ماتَت وَإِن يَكُن / عَداها حِمامُ المَوتِ فَهيَ تُنازِعُ
سَأَبكي القَوافي بِالقَوافي فَإِنَّها / عَلَيها وَلَم تَظلِم بِذاكَ جَوازِعُ
أَراعي ضَلالاتِ المُروءَةِ مُهمَلٌ / وَحافِظُ أَيّامِ المَكارِمِ ضائِعُ
وَعاوٍ عَوى وَالمَجدُ بَيني وَبَينَهُ / لَهُ حاجِزٌ دوني وَرُكنٌ مُدافِعُ
تَرَقَّت مُناهُ طَودَ عِزٍّ لَوِ اِرتَقَت / بِهِ الريحُ فِتراً لَاِنثَنَت وَهيَ ظالِعُ
أَنا اِبنُ الَّذينَ اِستُرضِعَ الجودُ فيهِمُ / وَسُمِّيَ فيهِم وَهوَ كَهلٌ وَيافِعُ
سَما بِيَ أَوسٌ في السَماءِ وَحاتِمٌ / وَزَيدُ القَنا وَالأَثرَمانِ وَرافِعُ
وَكانَ إِياسٌ ما إِياسٌ وَعارِقٌ / وَحارِثَةٌ أَوفى الوَرى وَالأَصامِعُ
نُجومٌ طَواليعٌ جِبالٌ فَوارِعُ / غُيوثٌ هَوامِيعٌ سُيولٌ دَوافِعُ
مَضَوا وَكَأَنَّ المَكرُماتِ لَدَيهِمُ / لِكَثرَةِ ما أَوصَوا بِهِنَّ شَرائِعُ
فَأَيُّ يَدٍ في المَجدِ مُدَّت فَلَم تَكُن / لَها راحَةٌ مِن جودِهِم وَأَصابِعُ
هُمُ اِستَودَعوا المَعروفَ مَحفوظَ مالِنا / فَضاعَ وَما ضاعَت لَدَينا الوَدائِعُ
بَهاليلُ لَو عايَنتَ فَضلَ أَكُفِّهِم / لَأَيقَنتَ أَنَّ الرِزقَ في الأَرضِ واسِعُ
إِذا خَفَقَت بالبَذلِ أَرواحُ جودِهِم / حَداها النَدى وَاِستَنشَقَتها المَطامِعُ
رِياحٌ كَريحِ العَنبَرِ المَحضِ في النَدى / وَلَكِنَّها يَومَ اللِقاءِ زَعازِعُ
إِذا طَيِّئٌ لَم تَطوِ مَنشورَ بَأسِها / فَأَنفُ الَّذي يُهدى لَها السُخطُ جادِعُ
هِيَ السُمُّ ما يَنفَكُّ في كُلِّ بَلدَةٍ / تَسيلُ بِهِ أَرماحُهُم وَهوَ ناقِعُ
أَصارَت لَهُم أَرضَ العَدُوِّ قَطائِعاً / نُفوسٌ لِحَدِّ المُرهَفاتِ قَطائِعُ
بِكُلِّ فَتىً ما شابَ مِن رَوعِ وَقعَةٍ / وَلَكِنَّهُ قَد شِبنَ مِنهُ الوَقائِعُ
إِذا ما أَغاروا فَاِحتَوَوا مالَ مَعشَرٍ / أَغارَت عَلَيهِم فَاِحتَوَتهُ الصَنائِعُ
فَتُعطي الَّذي تُعطيهِمُ الخَيلُ وَالقَنا / أَكُفٌّ لِإِرثِ المَكرُماتِ مَوانِعُ
هُمُ قَوَّموا دَرءَ الشَآمِ وَأَيقَظوا / بِنَجدٍ عُيونَ الحَربِ وَهيَ هَواجِعُ
يَمُدّونَ بِالبيضِ القَواطِعِ أَيدِياً / وَهُنَّ سَواءٌ وَالسُيوفُ القَواطِعُ
إِذا أَسَروا لَم يَأسِرِ البَأسُ عَفوَهُم / وَلَم يُمسِ عانٍ فيهِمُ وَهوَ كانِعُ
إِذا أَطلَقوا عَنهُ جَوامِعَ غُلِّهِ / تَيَقَّنَ أَنَّ المَنَّ أَيضاً جَوامِعُ
وَإِن صارَعوا في مَفخَرٍ قامَ دونَهُم / وَخَلفَهُمُ بِالجَدِّ جَدٌّ مُصارِعُ
عَلَوا بِجُنوبٍ موجِداتٍ كَأَنَّها / جُنوبُ فُيولٍ ما لَهُنَّ مَضاجِعُ
كَشَفتُ قِناعَ الشِعرِ عَن حُرِّ وَجهِهِ / وَطَيَّرتُهُ عَن وَكرِهِ وَهوَ واقِعُ
بِغُرٍّ يَراها مَن يَراها بِسَمعِهِ / فَيَدنو إِلَيها ذو الحِجى وَهوَ شاسِعُ
يَوَدُّ وِداداً أَنَّ أَعضاءَ جِسمِهِ / إِذا أُنشِدَت شَوقاً إِلَيها مَسامِعُ
تُحاوِلُ شَيئاً قَد تَوَلّى فَوَدَّعا
تُحاوِلُ شَيئاً قَد تَوَلّى فَوَدَّعا / وَهَيهاتَ مِنهُ أَن يَعودَ فَيَرجِعا
خَشُنتَ عَلى التَأديبِ فَهماً وَمَنطِقاً / وَلِنتَ عَلى الأَيّامِ ليتاً وَأَخدَعا
وَأَقبَلَتِ الأَيّامُ تَرتادُ مَصرَعاً / لِجَنبِكَ فَاِرتَد إِذ تَيَقَّنتَ مَضجَعا