المجموع : 6
فريدةُ حسنٍ وجهُها البدرُ طالعُ
فريدةُ حسنٍ وجهُها البدرُ طالعُ / أشاهد معنى لطفِها وأطالعُ
تجلّت وكل الحادثات مغاربٌ / فجلَّت وكل الحادثات مطالع
ولاحت لعيني وهي نور فأَعدَمت / ظلامَ سواها واستنارت مرابع
وكانت ولا شيءٌ كما هي لم تزل / كذلك والأشياء منها وقائع
نفتني بأنوار التجلي وأثبتت / فكلي لها منها إليها ودائع
وعندي لها أنواع عشق تفصلت / على قدر ما تبديه منها البراقع
تثنت فقالوا لاح ثان وثالث / على الزور والبهتان منهم ورابع
ولو وحَّدوها طبق ما زعموا لما / رأوا غيرها في كل ما هو واقع
فهل من فتىً يا غافلون أدلُّه / عليها فيحظى بالذي هو طامع
وتنفتح الأبوابُ بعد انغلاقها / ويدخل بيت العز من هو قارع
نعم هو هذا لو ثبتم على التقى / كما أنا أدري واستقلت مطالع
وسلمتم الأحوال لله كلها / وفيه استقمتم ما ثناكم منازع
تريدون لكن بالأماني وصالها / فيدفعكم وهمُ السوى ويمانع
ولا صدق إلا في مراد نفوسكم / لكم وأعاقتكم دعاوى قواطع
وأين اقتحام الحرب من ذاكر لها / ولا يشبه الشبعان من هو جائع
ومن يخطب الحسناء يسنح بمهرها / وطالب شهد لم تخفه اللواسع
رويدك مهلاً إن للحق عصبة / وما منهمو إلا وبالحق صادع
أقاموا على محض اليقين بناءهم / وجامدهم من هيبة الأمر مائع
وداموا على صدق الإرادة والرجا / وهم كل قرم للخطوب يقارع
وقد عمروا أوقاتهم بحضوره / وعندهم الدنيا ديارٌ بلاقع
وأعلى العلى من دون دون نعالهم / يعز بهم متبوعهم والمتابع
هي الشمس أبدت ما سواها أشعة / إذا غربت نحن النجوم الطوالع
أشارت بجفن العين فافتتن الورى / ولا قلب إلا وهو حيران والع
وأبصرها طرفي وذلك طرفها / فكان لها منها بصير وسامع
وأحببتها بل تلك كانت هي التي / قديما أحبتني فزال التقاطع
وقد ملأت عيني بأنوار قدسها / ومنها لغزلان الجمال مراتع
وما الكل إلا صورة مستحيلة / كماء له موجٌ وفيه فواقع
وما الماء إلا الروح والموج أنفس / فواقعها الأجسام وهي الجوامع
وتلك تقادير بها الأمر ظاهر / ومن خلف هذا كله الذات واسع
صدقتك جاء الحق والباطل انتفى / وزالت تماثيل الخيال الخوادع
ومخطوبة الأرواح ألقت لثامها / عن الوجه منها وهو بالنور ساطع
فأفنت جميع الكائنات وهيمت / رجالاً وهت منهم عليها الأضالع
وكم فتنت في عشقها من متيم / إذا ذكرت منه تفيض المدامع
صلت بالمصلَّى مهجتي بفراقها / ونلتُ مُنىً إذ لي مِنىً هو جامع
وجادت على كل الذوات بذاتها / فلا ذات إلا ذاتها يا مدافع
وكل صفات الكون فهي صفاتها / وتنزيهها في الكون بالكون شائع
ولا قائم إلا بها في وجوده / ولا صانع إلا بها هو صانع
ألفت قديماً حبَّها وهو حب ما / أحب فكانت ما أنا فيه والع
وقرت بها عيني غداة عرفتها / فمن عينها تجري لعيني منابع
وبانت وما بانت فلا شيء غيرها / سوى أننا عنها بروق لوامع
إذا أسفرت عن وجهها برقعَ السوى / هدت كلَّ ضال في الورى هو ضائع
وإن سترت بالغير وجه جمالها / أضلت عقولاً تعتلي فتقارع
ولولا دفاع الناس بعضاً ببعضهم / لهدت كما قال الإلهُ صوامع
ونحن أولاء المؤمنين بحسنها / عداوتنا سم حذارك ناقع
ومن رامنا بالسوء فالله دائماً / كما جاء في القرآن عنا يدافع
ألمت بنا والكون كالليل مظلم / فلم تشعر الواشون إذ هم هواجع
وزارت على رغم الأعادي فانكروا / زيارتها قالوا خيال يرافع
وما ذاك إلا أنني كنت فارساً / ببيدائها والغير في السير ظالع
محجبة إلا على كل محرم / لها قرَّبتْهُ فهو للوتر شافع
ومقبلة لكن على كل تارك / سواها بها عنها إليها يسارع
أعارت معاني الكون ثوب صفاتها / وكل معار للمعيرة راجع
وأودعت الأشياء سر وجودها / ولا بد يوما أن ترد الودائع
ظهرنا بها لا بل بنا ظهرت وقد / تساوت دوانٍ ههنا وشواسع
ولا دين إلا حبها عند أهلها / فكم نحوها من ساجد وهو راكع
إليها صلاة القوم أين توجهوا / وقبلتهم وجه لها يتلامع
وبالماء ماء الروح من أمرها لهم / وضوء وغسل دائم متتابع
وإن خالطوا الأغيار كانت جنابة / لهم رفعها فرض على القوم قاطع
وإن لم يكن ماء هناك تيمموا / صعيداً له طيب من الجسم ضائع
هو الحق لاقوا من سواه نجاسة / فمنها قد استنجوا وزالت فظائع
وعن غيره لم ينطقوا فتمضمضوا / وشموه باستنشاقهم فهو ذائع
وعمّا سواه كان غسل وجوههم / لكي يقبلوا عنه له ويسارعوا
وغسل يديهم من جميع أمورهم / بتغويضهم فيه تنال المطامع
وتثليث هذا الغسل شكل مثلث / به ظهرت ممن براه صنائع
وقد مسحوا فيه رؤوس رياسة / فما الذل إلا وصفهم والتواضع
وقد غسلوا أقدامهم في قيامهم / بخدمته عن كل ما هو مانع
وقد كبروه عن مدى وصفهم له / برفع يديهم ظاهراً وهو رافع
وأثنوا عليه بالذي هو أهله / ومنه استعاذوا فهو ضار ونافع
وهم باسمه قاموا ليتلوا كلامه / فما منهمو إلا به هو خاشع
وإن ركعوا مالوا إليه بكلهم / وصاروا لديه والقلوب خواضع
وإن سجدوا يفنوا ويبقوا به له / إذا سجدوا الأخرى وتبدو بدائع
وفيهم سكونٌ من قعود تشهُّدٍ / له وانقضى تحريكهم والتنازع
وقد سلموا طوعاً إليه وأسلموا / ومنهم له التسليم للسوء دافع
ولا مال عند القوم إلا نفوسهم / تجارتهم فيها غلت والبضائع
وقد أنفقوها حين آتوا زكاتهم / على الحق لم يقطع به عنه قاطع
وأدوا إليه فطرة فطروا بها / وما غيروها والقلوب طوائع
وصاموا عن الأغيار فيه وأفطروا / على وجهه مذ غاب للكون طالع
وفي الحج كانوا بيت عزته فهم / بنشأتهم طافوا فست وسابع
وقد رملوا في ذا الطواف تدللاً / عليه وفخر عندهم فيه بارع
ولما بدا من قلبهم حجر الهدى / له استلموا إذ منه بانت أصابع
وفي عرفات الوصل حازوا تقرباً / بوقفتهم فيها فزالت موانع
ونالوا مُناهم في مِنى وبها رموا / جمارَ همومٍ كلهنَّ مصارع
وقد ودعوا البيت العتيق وأقبلوا / على أصلهم في العلم وهو مواضع
وفي عيد نحر الهجر فازوا بذبحهم / ضحايا طباع هن فيهم لواسع
ذبيحة نفس قطعُ عرقِ فسادِها / إلى أن يفي منها خؤونٌ مخادع
وأخذ لقيط القلب في مسجد الحجى / مهم له تسعى الكرام المصاقع
ومن يلتقط سراً بتعريفه له / يرد على الروح الإلهي ضائع
وغيبة مفقود عن الكون حكمها / كموت له في كل أمر يضارع
وحب معاني الحق إخراج عشرها / خراجٌ لأرباب الجهالة قاطع
وجزية كفار النفوس يكون عن / يدٍ وصغارٍ حيث قرر واضع
ومن نال صيد الغيب كلبُ هواه أو / أعيقت ببازي القلب طير سواجع
فقد فاز بالقصد الذي هو راكب / إليه على خيل وهن الطبائع
وواهب ذات الخال ظلمة كونه / تعوضه نوراً به هو لامع
وقد آجر الأقوام إمكانهم له / فأجرتهم إنعامه المتسارع
وباعوا نفوساً في هواه نفيسةً / له فاشتراها حين أوجب بائع
فقال لهم فاستبشروا إذ ببيعكم / توليتكم فالكلُّ عندي مطاوع
وإن جهاد القلب للنفس واجب / عليهم لفتح الروح فهو المصارع
وقد دخلوا بالملك في قلعة الأنا / فليس لهم عما يرومون دافع
وقادوا أسارى كلَّ خُلْقٍ مُذمَّمٍ / وفاز شجاع بالغنائم دارع
وقد شاركوه في الوجود فثامن / لفسخ اشتراك كان منهم وتاسع
وقد كفل الرحمن أرزاقهم لهم / وطالب بالأعمال وهي منافع
فإن الدعاوى ألزمتهم كفالة / بأعمالهم والكل منه نوابع
وتوكيلهم للحق أنتج قربهم / إليه وهذا للكمال ذرائع
أحال بهم يوما عليهم فأفلسوا / وقد أصبحوا بعضٌ لبعض يتابع
ولما إليه بالحوالة ردَّهم / لهم بالفنا كانت لديه يتابع
ونحن له وقفٌ لأجل صفاته / وقد عمرت منا لهنَّ المزارع
وقاض قضى بالحق والروح شاهد / فكان لحق النفس منها مقامع
ودعوى الغنى تعطي الخصومة في الهوى / وقد جمعت للعاشقين مجامع
وجاءت بأنواع الشهادات أمة / على الحق زكتها صفات بوارع
وهذا نكاح الأمر عقد محقق / ومن كل شيء خَلْقُ زوجين بادع
شهدنا على إيجابنا وقبولنا / وكانت لنا بالحضرتين وقائع
وزفت عروس القرب ليلة قدرنا / وفي ذَكَرِ الذكر استلذَّ المجامع
وإنزالُهُ القرآن قد حملت به / فروج قلوب بالعلوم تدافع
وبت طلاق الصبر زوج فتى الهوى / ثلاثاً على سلمى فكيف يراجع
ولو دفعت كل الذي هو ملكها / على طلقة ما كان قلبي يخالع
وبُرَّتْ يمينٌ واليمين ثلاثة / غموسٌ بحكم الغير للغير رائع
ولغو على أهل المجاهدة احتوى / ولا إثم فيه لكن القلب جازع
ومنعقد وهو الذي بين قومنا / تلذ به عند اللقاء المسامع
كلام على حكم العيان مفصل / به الغيث من سحب الحقائق هامع
وتكفيره في حنثه ستر كل ما / بدا فثمار الحظ منه أيانع
ومن يأخذ الدنيا بشفعة داره / من الحق لما باعها فهو باخع
ومن رد عبداً آبقاً كان أجره / عظيماً على مولاه فهو الموادع
وإحيا موات النفس بالذكر واجبٌ / ليسعد فيها بالحراثة زارع
وقتلك معنى الروح بالروح يقتضي / قصاصاً بسيف الحق إذ هو شارع
وإن أخذت من وصفها ديةً له / فذلك حكم للقصاص يضارع
وهيأت الأقوام أرض نفوسهم / فكان المساقي شيخهم والمزارع
وإقرارهم بالحق حجتهم على / سواه وكلٌّ لابسُ الأمر خالع
وإعطاء رأس المال وهو وجودهم / إليه اقتضى ربحاً وضل المخادع
مضاربة منه قديماً مع الذي / له كل ما في الكائنات توابع
وإن غصبوا أوصافهم من ذواتها / أغارت عليهم منه خيل طلائع
وفي الصلح عن دعوى المغايرة اختفوا / فهم منه في الدنيا غيوث هوامع
وقد رهنوه بالديون قلوبهم / وماض وحال لا يفي ومضارع
حدود الهوى قامت عليهم بربهم / فلم يعتدوها والحدود روادع
ومن يدعي ملكاً فذلك سارق / يمد يداً فالحق لليد قاطع
وعينيك فاسمع لا تَمُدَنَّ قال في / إمامٍ فكيف المقتدي وهو تابع
وخمر السوى منه إذا شرب امرؤٌ / عليه بأنواع الخطوب مقارع
وزانيةٌ لم تحصن الفرج عن سوىً / لها الرجم بالحرمان حد يمانع
وقذف أولي التشبيه يوجب حدهم / سياطَ بعادٍ عن حماه قوارع
وقد كان بالتقوى وصيته لنا / غداة بدت سبلٌ ولاحت مشارع
به منه تقوانا فلا ندعي لنا / وجوداً ونرضى حكمه ونطاوع
وميراثه منا بميراثنا له / فرائض كانت منه فينا بواضع
فَثَمِّنْ وثلث إرث أم كتابنا / على حكمها في قسمتي لا أنازع
ولا يرث المحجوب منهم بحاجب / على العين حكمٌ قررته الشرائع
وبالعول إن زادت سهام أولي الحجى / خيالاً تراءته العيون الهواجع
أعد نظراً ما زاد شيءٌ على الذي / عملت ولكن لجة وزعازع
وقام وصي الحق يحفظ بالهدى ال / يتيم الإلهيْ والجميع مراضع
وفقه الهوى فرض على القوم درسه / وكم ناله شيخ وكهل ويافع
ومن كان مقداماً يَلِجْ كل لجة / إليه وإن ضجت عليه الضفادع
وأهل طريق الله قد ألفوا السرى / وطال بطاحٌ دونهم وأجارع
وغابوا عن الأكوان في الغيب حيث لم / يكن ههنا إلا الشخوص الخوادع
ومدت لهم منه يد أقدسية / تبايعهم فيها رأوا فتبايعوا
هم القوم لا يشقى الجليس بهم إذا / لهم كان في سر وجهر يطاوع
وقد زهدوا في الزهد عما سواه إذ / رأوا الزهد معنىً للعقول يخادع
وعن توبة تابوا وهذا مقامهم / لهم هو من فوق المقامات رافع
وتقواهم التقوى على كل حالة / لديهم عن التقوى وتلك بدائع
وما ورع إلا عن الورع اقتفوا / وما منهمو إلا عن القنع قانع
وفاتوا مقامات السلوك لأنها / على أوجه الأسرار منهم مقانع
وقاموا بوصف الذات في غيب غيبه / له فيه ختم مثل ما كان طابع
وتمت معانيهم على كلماته / وماء الهدى من عينهم هو نابع
وزال الذي كانوا يظنون أنه / سواهم له عز عن الكل شاسع
وقد كان وهماً ذاك عند عقولهم / كمثل رقوم أظهرتها المدامع
وقد بدلت أرض لهم غير أرضها / كذاك سموات وزالت طوالع
وقد برزوا للواحد الأحد الذي / بهم هو فيه عالم ثم صانع
وكانوا كما كانوا على الحالة التي / بها أزلاً كانوا كلم يك واضع
كما أنه باق بما هو فيه من / قديم وهذا الأمر للوهم قامع
بدايتهم كانت نهايتهم به / ومهيعهم آلت إليه المهايع
وفي العلم كل هكذا مترتب / حضور له ما قد مضى والمضارع
فمن يعلم العلم القديم يرى الذي / أقول وتُرمى عن حمير براذع
وتخفى علوم للعقول حوادث / عناكبها تبني البيوت خوادع
ولم يك ذا إلا بتعليمه ولا / يعلم إلا من لديه يوادع
وما كان فيه فهو يبدو له به / وما لم يكن فيه فما هو واقع
هيولا شهدنا أنها نور نوره / لها صور شتى به تتدافع
وألوانها ذات الفنون فأزرق / سماويُّ لونٍ ثم أبيض ناصع
وأسود غربيبٌ وأخضر ناضرٌ / وأحمر قاني ثم أصفر فاقع
ظواهر منه فيه عنه له به / بواطن أفناها من الذات لامع
وبالحق أنزلنا وبالحق نازل / لقد حققته العارفون المصافع
وما الحق إلا واحد فهو عالم / وعلم ومعلوم ثلاث قوارع
ومن ههنا ألهى التكاثرُ أمة / محققها من كوثر هو جارع
وذلك نهر الجنة العذب ماؤه / وفي الحوض أنبوبان منه شوارع
هو الحوض منه كل من نال شربة / فلا ظمأ يلقى ولا هو جازع
ويطرد عنه كل من تبع الهوى / وتمزيقه ديناً بدنياه راقع
أباريقه قوم به امتلأوا وهم / نجوم بآفاق العلوم سواطع
يضيء بهم ليل السراة إلى الحمى / ومنهم رجوم للطغاة قوامع
حنانيك عش إن فزت منهم بواحد / سعيداً قرير العين غصنُك يانع
وكن عبده لا عبد حظ وشهوة / فما أنت ناويه على القلب طابع
وهذا مقام حف بالبؤس والأسى / وما ناله إلا الشجاع المقارع
ودم طالباً منه التحقق فيه لا / سواه تجده عنك فيك يسارع
وإن زدت صدقاً في محبته له / به زدت قرباً واهتدى منك ضائع
وزالت معاني الغير في العين وانطوت / مسافة نفس بالمحال تخادع
وكنت كما قد كنت من قبل لم تكن / وكان كما قد كان وهو الموادع
عليم بذات منه تجلى عليه في / معاني صفات كلهن بوادع
وفيه زمان والمكان تداخلا / وكيفٍ وكمٍّ وهو للكل جامع
له الكل وهو الكل وهو منزه / عن الكل فاعرف واعتبر يا منازع
تصاويره فيه تماثيله له / تقاديره منه فروض بوارع
من العدم امتدت إلى العدم انتهت / خيلات عقل واحد يتلامع
وما هو إلا النور نور محمد / تبدى من النور الذي هو طالع
فنور على نور كذا قال ربنا / وذلك مشفوع لديه وشافع
وأعلاهما النور الإلهيُّ شأنه ال / تكبر والأدنى هو المتواضع
وذلك لا يفنى وذا كل لمحة / بأيدي الفنا ثم البقا يتتابع
تجليه يبقيه به واستتاره / فناء له في الفكر والحس قالع
هو العقل عقل الكل فرد جوهر / يلوح ويخفى عن ضيا وهو شارع
هو الروح روح الكل والقلم الذي / به الكل مكتوب له اللوح واضع
وعرش وكرسي تجسم فيهما / له صورة تحويهما وأضالع
وفي كل شيء سر أمر ملبس / بخلق جديد للخفاء مسارع
كبرق عن الذات النزيهة لامع / فيا لك برق من حمى الحب لامع
سرت نسمات الروح من روضة الحمى / فعطرني طيب من الحب ضائع
وعطرت الأنفاس مني بنفحها / جميع الورى حتى استطيبت مصانع
وقامت دعاة الحق بالحق عن يدي / تعاهد أرباب التقى وتبايع
فَحَيَّهَلا يا قوم نحو حقيقتي / فإن طيوري بالجمال سواجع
وحوضي ملآنٌ ومائي مروَّقٌ / وروضي بأنواع المحاسن يانع
وباعي طويل والزمان مساعد / لنا وعيون الدهر عنا هواجع
وكاسات أفراحي براحي وراحتي / دهاق وأيامي المواضي رواجع
علي سلامي في الورى يوم مولدي / وموتي وبعثي ماهمى الدهر هامع
رفعتَ مقامي منّةً وتفضُّلا
رفعتَ مقامي منّةً وتفضُّلا /
وكلمتني بالعلم والحلم والوَلا /
ومنك ملأت الكف لي لا من الملا /
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلى / تباركت تعطي من تشاء وتمنع
عروس التجلي في فؤادي تنجلي /
وإن وعائي بالمعارف ممتلي /
وأرجوك يا مولاي يا ذا التفضُّل /
إلهي وخلاقي وحرزي وموئلي / إليك لدى الإعسار واليسر أفزع
إذا كنت بي في جملة الأمر معتني /
وقد نلت هذا الحظ من فضلك السني /
فلست أبالي مع عيوبي قبلتني /
إلهي لئن خيبتني أو طردتني / فمن ذا الذي أرجو ومن أتشفع
أنا العبد عبد الرق في كل حالتي /
ولست بعبد في الرخا أو لشدتي /
لك الأمر في الحرمان أو في عطيتي /
إلهي لئن جلت وجمت خطيّتي / فعفوك من ذنبي أجلُّ وأوسع
إذا سلكت دنياي بالحال سُبْلَها /
وأظهرت الأيام في العبد جهلها /
فلست يئوساً بل أقول لعلها /
إلهي لئن أعطيت نفسيَ سُؤلها / فها أنا في روض الندامة أرتع
إليك رخائي ينتمي وإضاقتي /
ومنك أرى سكري بدا وإفاقتي /
وهب أنني أخرت عن سير ساقتي /
إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي / وأنت مناجاتي الخفية تسمع
بحبك ثوبي في البرية منصبغ /
ولازال بالأشواق جلدي يندبغ /
وقلبي على الحالين من حرِّه لدغ /
إلهي فلا تقطع رجائي ولا تزغ / فؤادي فلي في سيب جودك مرتع
جداري على تأسيس جدواك قد بُني /
ولا زال قلبي بالتذكر يعتني /
وإني أنادي كلما الوجد حثني /
إلهي أجرني من عذابك إنني / أسيرٌ ذليل خائف لك أخضع
رفعت إلى علياء ذاتك قصتي /
عساك تسيغ الآن بالقرب غصتي /
إذا مت بالتوحيد طبق محجتي /
إلهي فآنسني بتلقين حجتي / إذا كان لي في القبر مثوى ومضجع
أنا العبد ملقى بالرجا وسط لجةٍ /
ورُجَّتْ غراماً أرضُ نفسي برجةٍ /
ولست أرى عذراً ولا بعض حجةٍ /
إلهي لئن عذبتني ألف حجةٍ / فحبل رجائي منك لا يتقطع
سألتك تعفو عن ذنوبي تفضلا /
فإني لقد أكثرت فيك التوكلا /
فبالمصطفى المختار أدعو توسلا /
إلهي أذقني برد عفوك يوم لا / بنونَ ولا مالٌ هنالك ينفع
حديث غرامي فيك لازال شائعا /
وأنت اشتريت النفس مذ كنت بائعا /
فجد لي بأمن منك لا تك رائعا /
إلهي إذا لم ترعني كنت ضائعا / وإن كنت ترعاني فلست أضيع
عليك ثنائي من جميعي بألسني /
على كل فعل من فعالك بي سني /
أتيت بذنب قد لوى عنك مرسني /
إلهي إذا لم تعف عن غير محسنِ / فمن لمسيء بالهوى يتمتع
هو العبد من مولاه بالمنة ارتقى /
غداة له كأس المحبة قد سقى /
عليك اتكالي قد عدمت لك البقا /
إلهي لئن قصرت في طلب التقى / فلست سوى أبواب فضلك أقرع
دفعت عذول الحب عنيَ بالتي /
وفيك فتى أصبحت نحوك ما فتي /
فإن عثرت رجلي وجلت خطيتي /
إلهي أقلني عثرتي وامح حوبتي / فإني مقر خائف متضرع
محبك لما إن وجدت له فَنِي /
فهيهات أن تلقاه بالغير معتني /
وها أنا راجي الفضل ما عنك انثني /
إلهي لئن خيبتني أو طردتني / فما حيلتي يا رب أم كيف أصنع
جمالك باه في الملاحة باهرُ /
ومنه يواقيت بدت وجواهرُ /
أأبقى ومنه قد تجلت مظاهرُ /
إلهي حليفُ الحبِّ بالليل ساهرُ / يناجي ويبكي والمغفل يهجع
مقاميَ أضحى بانتسابك عاليا /
فأخرجت من أصداف علمي لآليا /
وحزبي أولوا التحقيق راموا مراميا /
وكلهمو يرجو نوالك راجيا / وإلا فبالذنب المدمر أصرع
لوجهك قوم أُولعوا بجلاله /
وكلٌّ تفاني طامعاً في وصاله /
فبدل لنا نقص الهدى بكماله /
إلهي بحق الهاشمي وآله / وحرمة أبرار همُ لك خُشَّع
أنِر وقت مركوم السوى مدلهمِّهِ /
وأخرجه من هم الكيان وغمِّهِ /
ولا تحرم المشتاق نيل مهمِّهِ /
إلهي بحق المصطفى وابن عمه / لرحمتك العظمى وفي الخلد أطمع
ظهورك بي عندي أراه علامةً /
على أنك المسدى إلي كرامةً /
وإن رامت الأغيار مني انتقامةً /
إلهي يُمَنّيني رجائي سلامةً / وقبح خطيّاتي علي يشنّع
مقام الترجي للنوال هو الذي /
أقام فؤادي بالتودد يغتذي /
وإن لساني في ثنا مدحه بذي /
إلهي فإن تعفو فعفوك منقذي / وحضرة أخيار همُ لكَ خُضَّع
إمام الهدى إني وراءك مقتدي /
ولي فيك قلبٌ من تشوُّقِهِ صدي /
وقد بت أستجدي بأحشاء مُكْمَد /
إلهيَ فانشرني على دين أحمد / منيباً تقيّاً قانتاً لك أخضع
سماء العطايا قد رفعت لها يدي /
وأصبحت أرجو زهر روضتك الندي /
وأشهدت هذا الباب في كل مشهدي /
ولا تحرمنّي يا إلهي وسيدي / شفاعته العظمى فذاك المُشَفَّع
هو المصطفى المختار طه محمدُ /
نبي الهدى رؤياه للعين إثمدُ /
سلامك من عبد الغني له يدُ /
وصلِّ عليه ما دعاك موحِّدُ / وناجاك أخيار ببابك رُكَّع
سريت ولا ردٌّ هناك ولا منعُ
سريت ولا ردٌّ هناك ولا منعُ /
إلى أن تساوى عندي الأصل والفرع /
وإني لحيران وفرقي هو الجمع /
إذا قلت يا الله قال لمن تدعو / وإن أنا لا أدعو يقول ألا تدعو
على الحب أرواحاً بذلت وأنفسا /
وقد طبت في روض المحبة مغرسا /
أقول وكم قد قلت في القرب مجلسا /
لقد فاز باللذات من كان أخرسا / وخُصص بالراحات من لا له سمعُ
تكاثر وجد القلب سراً وجهرة
تكاثر وجد القلب سراً وجهرة /
وصبري عني في الهوى زاد نفرة /
ولما حسا قلبي من الكاس حسوة /
تمنيت من ليلى على البعد نظرة / لتطفي جوىً بين الحشى والأضالع
جرى طمعي في حب ليلى بما جرى /
وليلى توارت عن عيونيَ في الورى /
سألت عسى ألقي الخيال الذي سرى /
فقالت نساء الحي تطمع أن ترى / بعينك ليلى مت بداء المطالع
رثت لي نساء الحي في نيل قربها /
وقلن اصطبر ما أتت ممن تنبَّها /
وها هي عنك الحسنَ تستر والبَها /
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها / سواها وما طهرتها بالمدامع
هي السر سر الغيب فيك تسترا /
وقد ضل منك العقل حتى تحيرا /
وهيهات تلقاها ولو كنت في الكرى /
وتلتذّ منها في الحديث وقد جرى / حديث سواها في خروق المسامع
ألا يا لقومي كيف أروى من الظما /
وعيني ترى الأغيار والعين في العمى /
وما الصب إلا منشد قد ترنما /
أجلّك يا ليلى عن الغير إنما / أراك بقلب خاشع لك خاضع
أخ لي بظهر الغيب أرعى ودادَهُ
أخ لي بظهر الغيب أرعى ودادَهُ / ويرعى ودادي يا رعى الله من يرعى
أهيم به في الحب وهو يهيم بي / فيا خيبة الواشى إذا رام أن يسعى
أزال عن الوجه الجميل قناعَهُ
أزال عن الوجه الجميل قناعَهُ / وأظهر فينا علمه وأطلاعَهُ
فزالت جميع الكائنات حقيقة / وصار افتراق الكل عندي اجتماعه
مليح له منه عليه شواهد / متى أمر المضنى بأمر أطاعه
وما الكل إلا فيه مضنى جماله / ولا شرَّ لا عصيان فاسكن رباعه
هو الخير محض الخير والشر فرضه / وتقديره للعقل بان فراعه
بدا ينجلي للكل في كل صورة / ولا صورة إلا أراها اختراعه
وعن صور الأكوان فهو منزه / وإن كان فيها قد أبان ارتفاعه
هو الشمس أضحى والجميع ظلاله / هو البدر أمسى كل شيء شعاعه
متى اجتمع الإنسان يوماً بغيره / وصدق غيراً كان ذاك وداعه
ولا رؤية إلا له تلك رؤية / وكل سماع صار عندي سماعه
هو الظاهر المعروف في كل ظاهر / هو الباطن المجهول يخفى شياعه
رأيت عيوني المبصرات عيونه / وأدركت باعي في التناول باعه
ووصف بوصفٍ واحدٍ ضربَ واحدٍ / وذات بذاتٍ واكتفيت نزاعه
دنا فتدلى فالتقينا فلم أكن / وكان على ما كان يبدي التماعه
وقلَّب قلبي في سواه ولا سوى / زماناً أراني مكرَهُ وخداعه
إلى أن تصافينا على الودِّ وانمحت / رسوم جهول فيه قاسى طباعه
وأشهدني ظلمي فشاهدت ظلمتي / تجلِّي جمالٍ للعقول أشاعه
وبالعدل منه في أظهر نوره / تجلِّي جلالٍ سرُّ قلبي أذاعه
فأعطى فؤادي بالذي هو آخذ / علوم كمالٍ قد قرأت رقاعه
صدقت فكرر ذكره يا محدثي / فإن جبان القرب صار شجاعه
وأروَى بماء العلم منه عطاشه / وأشبعَ بالتحقيق فيه جياعه
وقام فأغنى عن قيام قيامة / بإيمان صدق عنده ما أضاعه
وعرِّج رفيقي فالمعالم أشرقت / بمن قد وجدنا في الرحال متاعه
وصرنا ملوكاً في رعايا صفاته / به وفتحنا بالغناء قلاعه
ولا تلتفت للحاسدين فإنهم / يقاسون من حبل الوداد انقطاعه
وهم في العمى عنه فلا يبصرونه / وهل تشبه الثيران فيه سباعه
وسامح ولا تعتب فحرمانهم كفى / بهم غضباً منه فصاروا رعاعه
وما في يدهم غير دعوى وعندهم / سراب شراب لا يزالون قاعه
رأوه فتاهوا فيه واندهشوا به / وكل يعاني ودَّهُ وسواعه
ولو شاء أبدى في فناهم وجوده / وأسمعهم بالنفخ فيهم يراعه
وإلا فبالتسليم للحق من ذوي / درايته فازوا فنالوا استماعه
ولكنه عن كل ما هو فاعل / فليس بمسئول لترجو دفاعه
فمن شاء أعطاه على رغم غيره / ومن شاء بالحرمان أبدى امتناعه