أَشِيرِي إِلَى عَاصِي الهَوَى يَتَطَوَّعِ
أَشِيرِي إِلَى عَاصِي الهَوَى يَتَطَوَّعِ / وَنادِي المُنَى تُقْبِلْ عَلَيْكِ وَتَسْرِعِ
أَفَقْراً فَتاةَ الرُّومِ وَالحُسْنُ مَغْنَمٌ / وَطُهْراً وَهَذَا العصْرُ عَصْرُ تَمَتُّعِ
إِلَى كَمْ تَطُوِفينَ الرُّبُوعَ تسَوُّلاً / تبِيعِينَ صَوْتَ الْعَودِ لِلْمُتسَمِّعِ
لَقَدْ كانَ عَهْدٌ لِلْفَضِيلَة وَانْقَضَى / وَأَبْدَعَ هَذَا العَهْدُ أَمْراً فَأَبْدعِي
وَلوْ شِئْتِ قَالَ الْحُبُّ إِمْرَةَ قَادِرٍ / لِمُجْدبِ هَذَا العَيْشِ أَزْهِرْ وَأَمْرِعِ
وَلِلقَفْرِ كُنْ صرْحاً مَشِيداً لأُنْسِهَا / وَلِلصَّخْرِ كُنْ رَوْضاً وَأَوْرِقْ وَأَفْرِعِ
وَلِلْظُّلْمَةِ الْخَابِي بِهَا النَّجْمُ أَطْلِعِي / لَهَا أَنْجُماً إِنْ تَغْرُبِ الزُّهْرُ تَسْطَعِ
فَتَاةٌ كمَا تَهْوَى النُّفُوسُ جَمِيلَةٌ / مُنَزَّهَةٌ عَنْ رِيبَةٍ وَتَصَنُّعِ
تُخَالُ مُحَلاَّةً وَمَا ثَمَّ مِنْ حِلىً / سِوَى أَدَبٍ وَفْرٍ وَحُسْنٍ مُمَنَّعِ
هَضِيمةُ كَشْحٍ مَا بِهَا مِنْ خَلاَعَةٍ / وَيَكْذِبُ مَا فِي مَشْيِهَا مِنْ تخَلُّعِ
بَيَاضٌ يَغارُ الْعَاجُ مِنْهُ نقَاوَةً / وَيَحْجُبُهُ لَوْنُ الْحيَاءِ كَبُرْقُعِ
وَعَيْنَانِ سَوْدَاوَانِ يَنْهَلُّ مِنْهُمَا / ضِيَاءٌ كَمَسْكُوبِ الرَّحِيقِ المُشَعْشَعِ
تَمُدُّ يَدَيْهَا لِلسُّؤَالِ ذَلِيلَةً / فَإِنْ سُئِلَتْ مَا يُنْكِرُ النُّبْلُ تَمْنَعِ
فِللَّه تِلْكَ الْكَفُّ تُبْسَطُ لِلنَّدَى / وَلَوْ طَلَبَتْ مُلْكاً لَفَازَتْ بِأَرفَعِ
تَوَدُّ قُلُوبُ النَّاسِ لوْ بُذِلتْ لَهَا / كَبَعْضِ عَطَاءِ المُحْسِنِ المُتَبَرِّعِ
رَآهَا فتى خَالٍ فَمَلَّكَ حُسْنَها / قِيَادَ الْهَوَى فِي قَلْبِهِ المُتَوَزِّعِ
وَكانَ ضَعِيفَ الرَّأْيِ فِي أَمْرِ نَفْسهِ / رَقِيقَ حَوَاشِي الطَّبْعِ سَهْلَ التَّطَبُّعِ
أَدِيباً صَبِيحَ الوَجْه بَيْنَ ضُلُوعهِ / فُؤَادُ جَوَادٍ بِالمَحَامدِ مُوزَعِ
غَنِيّاً عَلَى البَذْلِ الْكَثِيرِ مُوَطَّأً / لَهُ كَنَفُ العَلْيَاءِ فِي كٌلِّ مَفْرَعِ
فَغَازَلَهَا يَوْماً فعَفَّتْ فَظَنَّهَا / تُشَوِّقُهُ بِالصَّدِّ عَنْهُ لِمَطْمَعِ
وَأَنَّى عَلَى فَقْرٍ تَعِفُّ طَهَارةً / ولاَ عِفَّةٌ إِلاَّ بِرِيٍّ وَمَشْبَعِ
فَسَامَ إِلَيْهَا عِرْضَهَا سَوْمَ مُشْتَرٍ / وأَغْلَى لَهَا مَهْرَ الشَّبَابِ المُضَيَّعِ
عَلَى زَعْمِ أَنَّ المَال وَهْوَ شَفِيعُهُ / يَكُونُ لَدَى الحَسْنَاءِ خَيْرَ مُشَفَّعِ
وَلكِنْ تَعَالَتْ عَنْ إِجَابَةِ سُؤلِهِ / وَرَدَّتْ عَلَيْهِ المَالَ رَدَّ تَرَفُّعِ
فَمَا زَادَهَا إِلاَّ جَمَالاً إِبَاؤُها / وَمَا زَادَهُ إِلاَّ صبابَةَ مُولَعِ
وأَدْرَكَهَا فِي رَوْضَةٍ فَخَلاَ بِهَا / بِمَرْأَى رَقِيبٍ لِلْعَفَافِ وَمَسْمَعِ
فلَمَا اسْتَبَانَتْ فِي هَوَاهُ نَزَاهْةً / أَجَابَتْ إِلى النَّجْوَى وَلَمْ تَتَوَرَّعِ
وَقالَتْ لَهُ إِني فتَاةٌ عَلِيلَةٌ / عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ طَارِئٍ مُتَوَقَّعِ
تنَاوَبَنِي جُوعٌ وَبَرْدٌ فَأَقْلَقَا / دَعَائِمَ صَدْرِي الْخَائِرِ المُتَصدِّعِ
وَبِي ضَعَةٌ فِي الْحَالٍ حَاذرْ قِصَاصَهَا / وَمِثْلُكَ إِنْ يُقْرَنْ بِمِثْلِي يُوضَعِ
وَإيَّاكَ حُبّاً دُونَهُ كُلُّ شِقْوَةٍ / تُعَانِي بِهِ دَائِي وَتُفْجَعُ مَفْجَعِي
لَكَ الْجَاهُ فَاخْتَرْ كُلُّ نَاضِرَةِ الصِّبَا / رَبِيبَةِ مَجْدٍ ذَاتِ قَدْرٍ مُرَفَّعِ
وَكِلْنِي إِلى هَمِّي فَإِنِّي غَرِيقَةٌ / بِبَحْرٍ مِنَ الآلامِ وَالذُّلِّ مُتْرَعِ
إِذَا لَحَظَتْ عَيْنِي النَّعِيمَ فَإِنَّه / ليَنْفِرُ مِنِّي نِفْرَهُ المُتَفَزِّعِ
سُقِيتُ الرَّزَايَا طِفْلَةً ثُمَّ هَذِهِ / ثُمالةُ تِلْكَ الْكَأْسِ فَلأَتَجَرَّعِ
فَقَالَ لَهَا بَلْ يَشْهَدُ اللّهُ بَيَنَا / وَأَسْقَامُ قَلْبِي الْوَالِهِ المُتَوَجِّعِ
وتَشْهَدُ هَذِي الشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا / وَمَا حَوْلَنا مِنْ نُورِهَا المُتَفَرِّعِ
وَيَشْهَدُ ذَا الرَّوضِ الأَرِيضُ وَدوْحُهُ / وَمَا فِيهِ مِنْ زَهْرٍ وعِطْرٍ مُضَوَّعِ
وَهَذِي الظِّلاَلُ الْبَاسِطَاتُ أَكُفَّهَا / وَهَذِي الشِّعَاعُ المُؤمِئَاتُ بِأَذْرُعِ
وَهَذِي المِيَاهُ النَّاظِرَاتُ بِأَعْيُنٍ / وَهَذِي الْغُصُونُ المُصْغِيَاتُ بِمَسْمَعِ
بِأَنِّيَ لاَ أَبْغِي سِواكَ حَلِيلَةً / وَمَهْمَا تَسُمْنِي صَبْوَنِي فِيكِ أَخْضَعِ
وَأَنِّيَ أَقْلِي صِحَّتِي وَشبِيبَتِي / إِذَا لَمْ تكُونِي فِيهِمَا مُتَمَتَّعِي
لِعَيْنَيْكِ أَرْضى بِالْحَيَاةِ بَغِيضَةً / عَلَيَّ فَإِنْ عُوجِلْتِ بِالْبَيْنِ أَتْبَعِ
فَقَالَتْ لَهُ مَسْرُورَةً وَهْيَ قَدْ جَئَتْ / لَدَيْهِ بِذُلِّ الْعَابِدِ المُتَخَشِّعِ
أَفِي حُلُمٍ أَمْ يَقْظَةٍ مَا سَمِعْتُهُ / فَإِنَّ سُرُورِي فرْط مَا زَادَ مُفْزِعِي
لَعَمْرُكَ مَا قَرَّتْ عُيُونٌ بِمَنْظَرٍ / وَلاَ طَرِبَتْ نَفْسٌ بِلَحْنٍ مُوَقَّعِ
وَلاَ رَوِيَتْ ظَمْأَى الرَّيَاحِينِ بِالنَّدَى / فَعَادَتْ كَأَزْهَى مَا تَكُونُ وَأَبْدَعِ
وَلاَ آنسَ المَلاَّحُ بُشْرَى مَنَارَةٍ / لَهُ بِلِقَا أَهْلٍ وَصَحْبٍ وَمَرْبَعِ
كَمَا طِبْتُ نَفْساً بِالَّذِي أَنْتَ قَائِلٌ / وفارَقَنِي الْيَأْسُ الَّذِي كانَ مُوجِعِي
ومَا أَنَا إِلاَّ حُرَّةٌ مُسْتَرَقَّةٌ / لِفَضْلِكَ مَهْمَا تأْمُرِ القَلْبَ يَصْنَعِ
وَأَجْزِيكَ عَنْ عُمْرٍ إِليَّ أَعَدْتَهُ / بِحُبِّي وَإِخْلاَصِي عَلَى العُمْرِ أَجْمَعِ
وَقَدْ خَتمَا هَذِي الْعُهُودَ بِقُبْلَة / وأَكَّدَهَا صِدْقُ الْغَرَامِ بِمَدْمَعِ
حَيَاتُكَ مَا سَاءَتْ وَسَرَّتْ كَمَرْكَبٍ / عَلَى سفَرٍ راسٍ قَلِيلاً فَمُقْلِعِ
فَإِمَّا انْقَضَتْ فَالْحَادِثَاتُ جَمِيعُهَا / تزُولُ زَوَالَ الْعَارِضِ المُتَقَشِّعِ
أَتَنْظُرُهَا حَسْنَاءَ جَمَّلَهَا الرَّدَى / لِيَسْطُو عَلَيْهَا سِطْوَةَ المُتَشَفِّعِ
عَلَى وَجْهِهَا مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ مَسْحَةٌ / تُذِيبُ فُؤَادَ الْعَاشِقِ المُتَطَلِّعِ
يَقُولُ وَقَدْ أَلْقَى عَيَاءً بِنَفْسِهِ / عَلَى الأَرْضِ كالنِّضْوِ الطَّلِيحِ الْمضَلَّعِ
فَجَعْتَ فُؤَادِي يَا زَمَانَ بِخَطْبِهَا / فَلَيْتَكَ مَرْزُوءُ الْفُؤادِ بِأَفُجَعِ
عَرُوسٌ لِعَامٍ لمْ يَتِمَّ صَرَعْتَهَا / وَلوْ شِئْتَ لمْ تَضْرِبْ بِأَمْضى وَأَقْطعِ
فَبَاتَتْ عَلَى مَهْدِ الضَّنى مَا لِجَفْنِهَا / هُجُوعٌ وَلاَ جَفْنِي يَقَرُّ بِمَهْجَعِ
وَكانَتْ رَبِيعاً لِي فَأَقْوَتْ مَرَابِعِي / مِنَ الزَّهْرِ وَالشَّدْوِ الرَّخِيمِ المُرجَّعِ
أَقُولُ لَهَا وَالدَّاءُ يُنْحِلُ جِسْمَهَا / عزَاءَكِ لاَ بَأْسٌ عَلَيْكِ فَتَجْزَعِي
كَذبْتُ عَلَى أَنَّ الأَكَاذِيبَ رُبَّمَا / أَطَالتْ حَيَاةً لِلْحبِيبِ المودِّعِ
وَلَكِنْ أَرَاهَا يَنْفُثُ الدَّمَ صَدْرُهَا / فَأَشْعُرُ فِي صَدْرِي بِمِثْلِ التَّقَطُّعِ
وَأَحْنو عَلْيهَا حِنْيَةَ الأُمِّ مُشْفِقاً / وهَيْهَاتَ تَحْمِيهَا مِنَ البَيْنِ أَضْلُعِي
وَأَرْنُو إِليْهَا بَاسِماً مُتَكَلَّفاً / فَتَفْشِي مِرَاراً سِرَّ خوْفِي أَدْمُعِي
وَما غَرَّهَا مِنِّي افْتِرَارٌ وَإِنَّمَا / يَدُلُّ عَلَى اليَأْسِ انْكِشَافُ التَّصَنُّعِ
إِذَا افْتَرَّ ثَغْرِي مِنْ خِلاَلِ كَآبَتِي / عَلَى مَا بِقَلْبِي مِنْ أَسى وَتَفَجُّعِ
فقَدْ يَبْسِمُ الْبَرْقُ البَعِيدُ وَإِنَّهُ / لذُو ضَرَمٍ مُفْنٍ وَرَعْد مُرَوِّعِ
فَبَيْنَا يُنَاجِي نفْسَهُ وَفُؤَادُهُ / كَشِلْوٍ بِأَنْيَابِ الْغُمُومِ مُبَضَّعِ
دَعَتْهُ وَقَالَتْ يَا حَبِيبِيَ إِنَّهُ / دَنَا أَجَلِي فالزَمْ عَلَى الْقُرْبِ مَضْجَعِي
مَتَى تَبْتَعدْ أُوجِسْ حِذَاراً مِنَ الرَّدَى / وَلَكنَّنِي أَسْلُو الرَّدَى إِنْ تَكنْ مَعِي
أَيُذْكِرُكَ التَّوْدِيعُ أَوَّلَ مُلْتَقىً / كَشَفْنَا بِهِ سِتْرَ الغَرَامِ المقَنَّعِ
وَحِلْفَتَنَا أَنْ لاَ يُصَدِّعَ شَمْلَنَا / فِرَاقٌ عَلَى رَغْمِ الزَّمَانِ المصَدِّعِ
فَعِشْ سَالِماً وَاغْنَمْ شَبَابَكَ مُطْلَقاً / مِنَ العَهْدِ وَلأُجْعَلْ فِدَاكَ بِمَصْرَعِي
وَمَا كَانَ ذَاكَ العَهْدُ إِلاَّ وَدِيعَةً / تَلقَّيُتَها مِنْ ذِي وَفَاءٍ سَمَيْذَعِ
وَعِنْدَ النَّوَى تُوفَى الأَمَانَاتُ أَهْلَهَا / وَيُنْهَى إِلى أَرْبَابِهِ كُلُّ مُوَدعِ
وَلَكِنْ إِذَا مَلَّكْتَ قَلْبكَ فَاحْتَفِظْ / بِرَسْمِي وَحَسْبِي فِيهِ أَصْغَرُ مَوْضِعِ
فَأَصْغَى إِلَيْهَا وَهْوَ يَشْهَدُ نَزْعَهَا / وَيَنْزِعُ فِي آلاَمِهِ كُلَّ مَنْزِعِ
وَقَالَ أَبَى اللهُ الخِيَانَةَ فِي الْهَوى / فَإِنْ لَمْ أَمُتْ بِالْعَهْدِ فَلأَتَطَوَّعِ
فَيَا بَهْجَةَ البَيْتِ الَّذِي هُوَ بَعْدَهَا / كَدَارِسِ رَسْمٍ فَاقِدِ الأُنْسِ بَلْقَعِ
وَيَا زَهْرَةَ الْحُبِّ الَّتِي بِذُبُولِهَا / ذُبُولُ فُؤَادِي النَّاشِيءِ المُتَرَعْرِعِ
لَئِنْ تَنْزِلِي دَارَ الْفنَاءِ وَحِيدَةً / فَلاَ كَانَ قَلْبِي فِي الْهَوَى قَلْبَ أَرْوَعِ
وَإِنْ عُدْتُ فِيمَنْ شَيَّعُوكِ فَلاَ يَكُنْ / بِمَوْتِيَ لِي مِنْ صَاحِبٍ وَمُشَيِّعِ
وَلَمَا أَجَابَتْ دَاعِيَ البَيْنِ مَوْهِناً / أَجَابَ كَمَا شَاءَ الوَفَاءُ وَمَا دُعِي
أَصَابَتْ سِهَامُ اليَأْسِ مَقْتَلَ قَلْبِهِ / فَمَا نُعِيَتْ حَتَّى عَلَى إِثْرِهَا نُعِي
عَلَى أَنَّهَا الدُّنْيَا اجْتِمَاعٌ وَفُرْقةٌ / وَتَخْلُفُ دَارَ البَيْنِ دَارُ التَّجَمُّعِ