القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي الجارم الكل
المجموع : 3
سَنا الشرق من أيِّ الفراديس تَنْبعُ
سَنا الشرق من أيِّ الفراديس تَنْبعُ / ومن أيِّ آفاقِ النُبوَّةِ تلمَعُ
وفي أيِّ أطواء القُرونِ تنقَّتْ / بمصباحِكَ الدنيا يَشُبُّ ويسطَع
طلعتَ على الأهرام والكونُ هامدٌ / وأشرقتَ بالإلهام والناسُ هُجَّع
طلعتَ شُعاعاً عبقريّاً كأنَّما / من الحقِّ أو نورِ البصائرِ تطلُع
وجمَّعتَ أسرارَ العقولِ فهل دَرَتْ / مخابىءُ فِرعونٍ بما كنتَ تجمَع
وجمَّلتَ أفْقَ الشرقِ والأرضُ كلُّها / سُهوبٌ تضلُّ العينُ فيهنّ بَلْقَع
أذاك ابتسامُ الغِيدِ ما أشرقتْ به / ثناياكَ أم زَهْرُ الرُّبا المتضوِّعُ
رأيتَ ابنَ عِمْرانٍ على الطُّورِ شاخصاً / يُهيبُ به الوحيُ الكريمُ فيسمَع
وأبصرتَ عيسَى ينشُرُ الرفْقَ والرضا / ويستَلُّ أحقادَ القلوبِ وينزِعُ
وشاهدتَ وَسْطَ الجَحفَلَيْنِ محمداً / وبين هُدى الإيمان والشركِ مَصْرَع
إذا صال فالدنيا مَجَرُّ رِماحِه / وإنْ قال فالأيامُ عَيْنٌ ومسْمَع
ألم تَرَهُ في بُرْدَةِ الليلِ ساجداً / ومنه دُروعُ الرومِ حَيْرَى تفَزَّع
سنا الشرق أشرق وابعث النور ساطعاً / يشُقُّ دياجير الظلام ويصدَع
أعد شمسَك الأولَى إلى الأفْقِ مثلما / أعاد ضياءَ الشمسِ للأفْقِ يُوشَع
نزَفنا دموعَ المقلتين تفجُّعاً / فهل مرةً أجدَى علينا التفجُّع
وعشنا بآمالٍ كأطيافِ نائمٍ / يروِّعها من دهرِنا ما يروِّع
شعاعُك تاريخٌ ونورُك حِكمةٌ / ولمحُك آمالٌ ونهجك مَهْيَع
إذا ضيّع التاريخَ أبناءُ أمّةٍ / فأنفُسَهُم في شِرْعَةِ الحقِّ ضيِّعوا
أبَى الدهرُ أنْ ينقادَ إلاّ لَعْزمةٍ / يخِرُّ لها الدهرُ العَتِيُّ ويخنَع
وسرُّ العلا نفسٌ كما شاءتِ العلا / طَموحٌ ورأيٌ من شَبا السيفِ أقْطع
ومَنْ يتجنّبْ في الحياة زحامَها / فليس له في ساحةِ المجدِ مَشْرَعُ
خذي مصر أسباب السماء لموطنٍ / من العز لا يسمو إليه التطلع
سحرتِ عيونَ الخافقيْنَ كأَنّما / بأرضِك سحرٌ للفراعين مُودَع
قِبابٌ ترومُ السُحْبُ إدراكَ شأوِها / ومن دونه أعناقُهنّ تَقَطَّع
وآثارُ عِرفانٍ تُضيءُ كأنّما / تناثر حول النيل عِقْدٌ مُرَصّع
دعُونا نباهي بالحياةِ فطالما / طَوى أمَم الشرقِ الحياءُ المُقنَّع
خلعنا رِداءً رَثّ من طُولِ لُبْسهِ / وكُلُّ رداءٍ رثّ باللّبْس يُخْلَع
صحا الشرقُ وانجاب الكَرَى عن عيونه / وليس لمن رام الكواكبَ مَضْجَع
إذا كان في أحلامِ ماضيه رائعاً / فنهضتُه الكُبْرى أجلُّ وأروع
توحّد حتى صار قلباً تحوطه / قلوبٌ من العُرْبِ الكرام وأضلُع
وأرسلها في الخافقيْنِ وثيقةً / لها الحبُّ يُمْلى والوفاءُ يوقِّعُ
لقد كان حُلْماً أن نرَى الشرقَ وَحْدةً / ولكن من الأحلامِ ما يُتَوقَّع
إذا عُدِّدتْ راياتُه فهي رايةٌ / وإنْ كثُرتْ أوطانُه فهي موضع
فليست حدودُ الأرضِ تفصِلُ بيننا / لنا الشرقُ حدٌّ والعُروبةُ مَوْقِع
تذوبُ حُشاشاتُ العواصمِ حسرةً / إذا دَمِيَتْ من كفِّ بغداد إصْبع
ولو صُدِعَتْ في سَفح لُبنانَ صخرةٌ / لدكَّ ذُرا الأهرامِ هذا التصدُّعُ
ولو بَرَدَى أنّتْ لخطبٍ مياهُه / لسالتْ بوادي النيلِ للنيل أدمُع
ولو مَسَّ رَضْوَى عاصفُ الريح مَرّةً / لباتت له أكبادُنا تتقطّع
أولئك أبناءُ العُروبة ما لهم / عن الفضلِ منأى أو عن المجد مَنْزَعُ
هُمُ في ظِلالِ الحقِّ جمعٌ موحدٌ / وعند التقاء الرأي فردٌ مُجمَّع
وقد يُدرِكُ الغاياتِ رأيٌ مُدرَّع / إذا ناءَ بالأمرِ الكَمِيُّ المدرَّع
لهم أملٌ لا ينتهي عند مطلبٍ / لقد ذَلّ من يُعطَى القليلَ فيقنَع
غُبارُ رحَى الهيجاء في لَهَواتِهم / من الشهْدِ أحْلَى أو من المسكِ أضْوَع
إذا لم يكن حِلْمُ الحليمِ بنافعٍ / فإنّ صِدامَ الجهلِ بالجهلِ أنفع
سلوا عنهُمُ عَمْرواً وسَعْداً وخالداً / ومُلْكاً له يرنو الزمانُ فيخشَع
تحدّثتِ الدنيا بهم في شبابِها / وجاءت إلى أبنائِهم تتطلَّع
فيا زعماءَ الشرق والشرقُ أمّةٌ / على الدهرِ لا تفنَى ولا تتضعْضَعُ
نزلتم كأطيافِ الربيعِ بشاشةً / يُضاحِككُم روضٌ من النيلِ مُمْرِع
وخلّفتُمُ أهلاً كراماً وأرْبُعاً / فحيّاكم أهلٌ كرامٌ وأرْبُع
هنا عَلَمُ الشرقِ الذي في يمينكم / ستعنو له الأيامُ والدهرُ أجْمَع
فسيروا بحمدِ اللّه للحقِّ عُصْبةً / وإنْ أسرعتْ دُهْمُ الليالي فأسرعوا
ففي همَّةِ الفاروقِ أفياءُ عِزّةٍ / وركنٌ على اللأْواء لا يتزعزع
دعانا إلى الجُلّى فأكْرِمْ بمنْ دعا / إلى الوَحْدَةِ الوثْقى وأعْزِز بمَنْ دُعوا
مليكٌ له عزمٌ هو السيفُ ماضياً / ورأيٌ إذا ما أظلم الشكُّ ألْمَع
أعاد إلى الشرقِ الشبابَ وقد مضَى / وأًَيأسُ ما يُرجَى الشبابُ المودِّعُ
فلا زال دَوْحاً للعروبة وارفاً / يُغَنِّي بِذكْراه الزمانُ ويسجَع
طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ
طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ / وأَشْرَقتَ مِثْل النَّجْمِ في الأُفْقِ يَلْمَعُ
وأَقْبَلتَ تَبْني الْمَجْدَ في كلِّ مَوْضِعٍ / فَلم يَخْلُ من آثارِ مَجْدِكَ مَوْضِع
خَوالِدُ آثارٍ تَمَنَّى مِثالَهَا / عَلَى الدَّهْرِ رَمْسيسُ العَظيمُ وخَفْرَع
بَنَوْهَا لِمَا بَعْدَ الْحَيَاةِ وأَبْدَعُوا / وإِنك تَبْنِي للحَيَاةِ وتُبْدِع
مَعاهِدُ عِلْمٍ تَنْشُرُ النُّورَ والهُدَى / وتَطْوِي ظَلاَمَ الْجَهْلِ مِنْ حَيْثُ تَسْطَع
وآثارُ فَضْلٍ في البِلاَدِ رَفَعْتَها / كما كَان إِسْمَاعيلُ للْبَيْت يَرْفَع
إِذا تُمِّمَتْ من فَيْضِ جَدْواك نِعْمَةٌ / فأَنْتَ بأُخْرَى سَاهِرُ الطَّرْفِ مُولَع
جَرَيْتَ عَلَى آثارِ آبائِكَ الأُلَى / مَضَوْا ثُمَّ أَبْقَوْا ذِكْرَهَم يَتَضَوَّع
هُمُ غَرَسُوا دَوْحَ الحَضَارةِ وارفاً / تُظَللُنا مِنْهُ غُصُونٌ وأَفْرُع
أفي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ نَدَاكَ صَنيِعةٌ / تُعِيدُ إِلَى مِصْرَ الشَّبَابَ وتَرْجع
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ للمَلِيك عَزِيمةٌ / تَخِرّ لَهَا شُمُّ الجِبَالِ وتَخْشَع
مَلَكْتَ زِمَامَ النِّيلِ يا شِبْهَ فَيْضِهِ / فَلْم يَبْقَ في مِصْرٍ بيُمْنِك بَلْقَع
وعَلَّمتَه مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ خَلَّةً / فما سَالَ إِلاّ وَهْوَ بالتِّبْرِ مُتْرَع
عَلَوْتَ مَطَاهُ وَهْوَ للأَرْض مَشْرَعٌ / وأَنْتَ لآمالِ الرَّعِيَّةِ مَشْرَع
فسَالَ يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً بمالكٍ / لَهُ المَجْدُ تَاجٌ بالْجَلالِ مُرَصَّع
وأَشْرقَ إِقْلِيمُ الصَّعِيدِ بطَلْعةٍ / تَخِرُّ لهَا الأَعْنَاقُ طَوْعاً وتَخْضَع
بَدَتْ مِثْلَ مِصْبَاحِ السَّماءِ تَعَاونَتْ / عَلَى تِمِّهِ في الأُفْقِ عَشْرٌ وأَرْبَع
لدَى مَوْكِبٍ ما سَارَ فيه ابنُ مُنْذِرٍ / ولا نَالَه في سالِفِ الدَّهْر تُبَّع
يُحِيطُ به نُورُ الإِلهِ ونَصْرُهُ / وتَحْرُسُهُ عَيْنُ الإِلهِ وتَمْنَع
سَمِعْتُ بِه حتى إذا ما رأَيْتُهُ / رأَيْتُ بِعَيني فَوْقَ ما كُنْتُ أَسْمَع
وللشَّعْبِ قَلْبٌ حَوْلَ رَكْبِكَ خافِقٌ / ورَأْيٌ عَلَى الإِخْلاَصِ والود مُجْمِع
يزَاحِمُ كيْ يَحْظَى بنَظْرةِ عاجِلٍ / فَيَبْهَرُهُ من نُورِ شَمْسِك مَطْلَع
هُتَافٌ مِنَ الْحُبِّ الصَّميمِ انْبِعاثُهُ / تُرَدِّدُهُ أَصْدَاؤهُ وتُرَجِّعُ
مَلَكْتَهُمُ مُلْكَ الْكَرِيمِ فأَخْلَصُوا / وقُدْتَهُمُ نَحْوَ المَعَالِي فأَسْرَعُوا
فَخاراً سُيُوطٌ فِيكِ خَيْرُ مُمَلَّكٍ / تَحُجُّ لَهُ آمالُ مِصر وتُهْرَع
بَدَا مِثْلَ ما يَبْدُو الرَّبيعُ بَشَاشَةً / ووَافَى كَمَا وَافَى الرَّجاءُ المُمَنَّع
فماؤُكِ سَلْسَالٌ وطَيْرُك صادِحٌ / وغُصْنُك ريّان ووَادِيك مُمْرع
فُؤاد ابْقَ لِلْقُطْر الْخَصِيبِ تَحُوطُهُ / وتَدْفَعُهُ نَحْوَ الْحَيَاةِ فيُدْفَع
وعاشَ بِك الفَارُوقُ في ظِلِّ نِعْمةٍ / يَلُمّ شَتَاتَ المَكْرُمَات ويَجْمَع
أَتَدْرِي العُلاَ مَنْ شَيَّعتْ حينَ شَيَّعوا
أَتَدْرِي العُلاَ مَنْ شَيَّعتْ حينَ شَيَّعوا / ومَنْ ودَّعتْ يومَ الرَّحِيلِ وَوَدَّعُوا
بَكَيْنا فَلَمْ يَشْفِ البُكَا حُرْقَةَ النَّوَى / وَلكِن إذا ضَاق الفَتَى كَيْف يَصْنَعُ
تَهِيجُ بنا الذِّكْرَى فَيغْلِبُنا الأَسَى / وتدرِكنا رُحْمَى الإِلهِ فنَخْضَع
هو المَوْتُ سَهْمٌ في يَدِ اللّه قَوْسُهُ / فَلا الحزْمُ يَثْنِيه ولا الكَفُّ تَدْفَع
نَرُوحُ إِلى حاجَاتِا وَهْوَ راصِدٌ / وننثرُ من آمالِنا وهو يَجْمَعُ
بِنَفْسي أميناً في ثِيابِ شَبابِه / يَطِير به الأمْسُ الذي لَيْسَ يَرْجعُ
أقام كمَا تبْقَى الأَزَاهِيرُ لَمْحةً / وزَالَ كما زَال الْخَيالُ المَودِّع
فَقَدْناهُ فِقدانَ الكَمِيِّ سلاحَه / وما بين قِيدِ الرمحِ والرمحِ إِصْبع
فقدناه حتى قد فقدنا وجودَنا / فهل بَقِيَتْ إلاّ جُفونٌ وأدمع
فقدناه فِقْدانَ الأليفِ أليفَه / يصيحُ به في كل روضٍ ويسجَع
يسائلُ عنه الأفقَ والطيرُ حُوَّمٌ / ويستخبرُ الأمواهَ والطيرُ شُرَّعُ
يَدِفُّ فيحوي الأرضَ منه تأملٌ / ويعلو فيعلو النجمَ منه تطلُّع
يظنُّ حفيفَ الدوحِ خَفْقَ جَناحِه / إذا همستْ منه غصونٌ وأفْرعُ
ويحسَبُ تَحنانَ الغديرِ هَديلَه / فيحبِسُ من زَفْراتِهِ ثم يَسْمع
لقد ملَّتِ الغاباتُ مما يجوسُها / وملَّ صِماخُ الليلِ ممّا يُرَجِّع
له أنَّةُ المجروحِ أعيا طبيبَه / وضجَّ لما يشكو وسادٌ ومَضْجَع
كأنَّ جَناحَيْهِ شِراعُ سفينةٍ / دهتها من الأرواحِ نَكْباءُ زَعْزَع
تضاحِكُهُ الآمالُ حِيناً فيرتجي / ويَجْبَهُهُ اليأسُ العبوسُ فيخشَع
لدَى كلِّ عُشٍّ صاحباه وعُشُّه / خليُّ من الأُلاَّفِ فَقْرٌ مُصَدَّع
عَزاءً عزاءً أيها الطيرُ إِنما / لكل امرىءٍ في ساحةِ العمرِ مَصْرَعُ
فأَين من الطيرِ الهديلُ وَوُلْدُهُ / وأين من الأملاكِ كِسْرَى وتُبَّعُ
طواهم خِضَمُّ لا يُنادَى وليدُه / يطوِّحُهم آذِيُّهُ المتدفِّع
رمتني الليالي قبلَ نَعْيكَ رَمْيَةً / عرَفتُ بها كيف القلوبُ تَقَطَّع
نِصالٌ حِدادٌ قد ألِمْتُ لحَمْلِها / وأعْلَمُ أني هالكٌ حين تُنْزَع
فلما رماني سهمُك اليومَ وانطوتْ / عليه جُنوبٌ خافقاتٌ وأضْلع
أَمِنْتُ على قلبي السهامَ فلم يَعُدْ / به بعد خطبِ الأمسِ واليومِ مَوْضِع
أأنسَى أميناً والشبابُ يَحُفُنَّا / جديداً وروضُ الوُدِّ بالوُدِّ مُمرِعُ
بأرضٍ إذا غَصَّ النَّهارُ بِغَيْمِها / فوجهُ أمينٍ أينما لاح يَسطَع
نَسِيتُ به أهلي ويا رُبُّ صاحبٍ / أبرُّ من ابن الأم قلباً وأنفع
يغالبني شوقٌ إلى الفنِّ رائعٌ /
ويجذِبُه مَيْلٌ إِلى العِلم أرْوَع /
نروحُ ونغدو لاهِيَيْنِ ولم نكن / نخاف رزايا الدهرِ أو نتوقَّع
ونضحَكُ للدنيا اللعوبِ وزُورِها / ونمرَحُ في زَهْوِ الشباب ونرتَع
وكنا نرَى الأيامَ أحلامَ نائمٍ / فأيقظنا منها الأليمُ المُرَوِّع
وكانت غِناءً كلُّها ثم أصبحت / وليس بها إلاَّ الرثاءُ المفَجِّع
أتذكرُ إذ نمشي إلى الدرسِ بُكْرَةً / بِنُوتِنْجِهامٍ تستحِثُّ فأُسرع
وقد حجب الشمسَ الضبابُ كأنَّما / تلا الليلَ ليلٌ عاكرُ اللونِ أسْفَعُ
بلادٌ كأنَّ الشمسَ ماتت بأُفْقِها / فظلّتْ عليها أعينُ السُّحْبِ تَدمَع
كأنَّ المصابيحَ الخوافقَ حَوْلَنا / سيوفُ وَغىً في ظلمةِ النَّقْعِ تلمَع
كأنَّ بياضَ الثلجِ يُنْثَرُ فوقَنا / صحيفتُك البيضاءُ بل هي أنصع
تُناقِلني حُلْوَ الحديث كأنَّه / وقد رقَّ معناه الرحيقُ المُشَعْشَع
خِلالٌ كريماتٌ أرق من الصبا / وأنضرُ من وَشْيِ الرياضِ وأضْوع
وَلِعْتُ بها عُمْري وأكْبَرْتُ ربها / وإني بأخلاقِ الكرامِ لمُولَع
وقد كنتَ عفَّ النفسِ واللفظِ والنُّهى / فلا الرأْيُ مأفونٌ ولا القولُ مُقْذِع
تكُدُّ كما كدَّ النِمالُن وترتوي / زُلالاً من العلم الصحيح وتَكْرَعُ
فتىً طَلب الدُّنيا كَرِيماً فنَالَها / ولَيْس له فيها سِوَى المجْدِ مَطْمَعُ
وسَعْيث كَبِيرِ النَّفْسِ مُكْبِرٌ / وسَعْيُ صَغيرِ النَّفْسِ مُخضِع
وأعْظَمُ أَخْلاقِ الفَتَى هِمَّةُ الفَتَى / وعَزْمٌ حَدِيدُ النَّصل لا يَتَزَعْزَع
إذَا وَفَّقَ اللّهُ امْرأً في طِلاَبِه / دَنَا الصَّعْبُ وانْقَاد العَسِير المُمَنَّع
قَنِعْنا بما دُونَ القَليلِ ولَمْ تَكُنْ / بِغَيْرِ جَلِيلاتَ المَطَالب تَقْنَع
وعُدْتَ وفي يُمْنَاكَ أَسْمَى شَهادةٍ / وأَشْرَفُ عُنْوانٍ لمِصْرَ وأَرْفَع
رَسمتَ لشُبَّانِ البِلاَدِ طَرِيقَهمْ / فأَبْدَعْتَ فيما قَدْ رَسَمْت وأَبْدَعُوا
ومَنْ طَلَب المَجْدَ المَنِيعَ فَما له / سِوَى سِيرَةِ الأَبْطَالِ في النَّاس مَهْيَعُ
وقد كُنْتَ في كُلِّ المَناصِبِ سَيِّداً / تَزِينُك في الدُّنْيا خَلاَئِقُ أَرْبَع
فَحْزمٌ كما ترْضى العُلاَ وتواضُعٌ / وعَزْمٌ كما تَرْضَى العُلا وترَفُّعُ
لَكَ البسْمَةُ الزَّهْرَاءُ تَلْمَعُ كالضُّحَى / وتُدْفىء مِنْ قَلْبِ الجَبَانِ فيَشْجُع
حَرِيصٌ على وُدِّ الصَّدِيق كأَنَّما / مَودَتُه العَهْدُ الذي لا يُضَيَّع
إِذا قَرأَ الأَوْرَاقَ للرَّأْيِ فاتَّئِدْ / فقَدْ قَرَأ الأَوْرَاقَ للرَّأْيِ أَلْمع
وإن صَدَعَتْ بالحُكْم يوماً شِفَاهُهُ / فلَيْس بغَيْرِ الْحَقِّ والعَدْلِ تَصْدَع
عَجِبْتُ لصَدْرٍ ضَاقَ بالدَّاءِ حِلْمُه / وأَرْجَاؤُه مِنْ شَاسِع البِيد أَوْسَعُ
مَرِضْت فقُلنْا مَشْرِفيُّ بِغمْده / تَوارَى ونَجْمٌ عَنْ قَلِيلٍ سيَطْلُع
ولَمْ نَدْرِ أَنَّ المَوْتَ باسِطُ كَفِّه / إلى الغُصْنِ في رَيْعَانِه وهو مُونِع
وأَنّ النَّوَى الْحَمْقَاءَ شَدَّتْ رِحَالَها / وأَنّ أَمِينَ الرَّكْبِ للبَيْن مُزْمِعُ
وأَنَّ المَعَالِي والمَكَارِمَ والحِجَا / سيَضْمنَها قَفْرٌ من الأَرْضِ بَلْقَع
وأَنَّ قَضَاء اللّهِ حُمَّ فمَا لَنَا / مَحِيصٌ ولا مِمَّا قَضَى اللّهُ مَفْزَع
إِذا بَرَعَ الطِّبُّ الحَدِيثُ فَقُلْ لَهُ / يَدُ المَوْتِ أَمْضَى مِنْ يَدَيْك وأَبْرَع
وإنّ الفَتَى ماضٍ وماضٍ طَبيبُه / وعائدُه مِنْ بَعْدِه والمُشَيِّع
أَمِينُ وظِلُّ المَوْتِ يَفْصِلُ بيْننَا / سَبَقْتَ وإِنِّي عَنْ قَلِيلٍ سأَتْبع
ونَرْجع للْحُسْنَى كَمَا كَانَ عَهْدُنا / فَلاَ نَشْتَكِي هَمّاً ولا نَتَوجَّع
وما مَاتَ مَنْ أَبْقى ثَنَاءً مُخلَّداً / وذِكْراً يُسَامِي النَّيِّراتِ وَيفْرَع
إِذا ذَهَب المِسْكُ الذَّكِيّ فإِنّه / يَزُول وَيبْقَى نَشْرُه المُتَضَوِّع

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025