هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ
هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ / وتاللهِ يروي آكلٌ ليسَ يشبعُ
ظُماءَةُ جوفٍ أجَّ شوقاً إلى الورى / وبعضَ الظما قد يلتظي حينَ ينقعُ
ومسغبَةٌ لا يبلغُ الخلقُ دفعها / وإن بطنَ الأحياءَ في الأرضِ أجمعُ
فيا بارئ الدنيا حنانيكَ إنما / طغى الناسُ جهلاً بالذي كنتَ تشرعُ
لكلٍّ فؤادٌ غيرَ أن طبيعةً / من الشرِّ بينَ القلبِ والقلبِ تقطعُ
وكلٌّ جرى فيهِ دمٌ غيرَ أنني / أرى الحرص طفلاً من دمِ الناسِ يرضعُ
وبينَ المنى والنفسِ للشرِّ موقفٌ / فإن لم تزعهُ النفسُ أقبلَ يسرعُ
وكل ضعيفَ الرأي منفتلُ الهوى / عن الحزمِ يمنى بالهوانِ فيخضعُ
وتاللهِ إن الذنبَ للمرءِ أهلُهُ / ففي أي شكلٍ تطبعُ الطينَ يطبعُ
وأعجبُ ما في الناسِ أن يتألموا / إذا أوجعتهم نكبةٌٌ ثم يوجعوا
وأن يخدعَ الإنسانُ غيرَ مجاملٍ / ويجزعُ إن أمسى كذلكَ يخدعُ
وفي الناسِ حقٌ ما يزالُ وباطلٌ / ولكنهم للحقِّ بالباطلِ ادعوا
لحى اللهُ دهراً شدَّ بالقوةِ الهوى / فكلُّ قويٍّ شاءَ ما شاءَ يتبعُ
وهبْ أن هذا الظلمَ كانَ سياسةً / فمن قال ان الظلمَ في الظلمِ يشفعُ
لعمركَ لو تبني السياسةُ حجرةً / بغيرِ قلوبِ الناسِ باتتْ تزعزعُ
ولو رفعوها فوقَ غيرِ ضِعافِهم / لما وجدوها آخرَ الدهرِ ترفعُ
إذا لم يكن للضعفِ حولٌ فمن إذاً / بتلكَ القوى غيرُ الضعيفِ يُفجَّعُ
حنانيكَ يا ربُّ الضعافِ فهم كما / تحملُ قيدَ الأرجلِ الضخمِ أصبعُ
وويلاهُ ما هذهِ الحروبُ ومن أرى / فقِدْماً عهدنا الوحشَ في الوحشِ يطمعُ
معايبُ إلا أن كم من فظيعةٍ / لها مصدرٌ إن ينكشفْ لكَ أفظعُ
فويجَ الورى همْ سعرُّوها وبعضهم / لها حطبٌ والبعضُ فيها موقعُ
ونقعٍ دجوجيٍّ ترى السُّحبَ فوقَهُ / لما راعها من برقهِ تتقطعُ
إذا انفرجتْ للريحِ فيهِ طريقةٌ / نجتْ وبها حَمَّى تئزُّ وتسطعُ
وإن طالعتْهُ الشمسُ تذهلُ فلا ترى / أمغربها في النقعِ أم ذاكَ مطلعُ
وقد كشفتْ تلكَ العجوزُ نقابها / وقالتْ لأهليها قفوا ثمَّ ودعوا
وألقى الردى صيحاتهِ دافعاً بها / لذاكَ فمُ الموتِ اسمهُ اليومَ مِدفعُ
على عصبةٍِ لم يظلموا غيرَ أنهم / مفاتيحُ أمَّا قيلَ أغلق موضعُ
تعاطوا كؤوسَ الموتِ في حومةِ الوغى / وذاكَ رنينُ الكأسِ بالكأسِ تقرعُ
وللهِ ما اشهى الردى بعدَ ضيقةٍ / تكونُ طريقاً للتي هي أوسعُ
كأنهم والموتُ حانَ نزولهُ / سجودٌ يخافونَ العذابَ ورُكَّعُ
كأنَّ ثيابَ الموتِ كنَّ بواليا / عليهِ وبالأرواحِ أمستْ تُرَقَّعُ
كأن الردى إذ حجلَ الجندُ حولهُ / وقد عطشوا حوضٌ من الماءِ مترعُ
كأنَّ فمَ الميدانِ أصعدَ زفرةً / من الجيفِ لملقاةِ للهِ تَضْرعُ
زلازلُ ويلٍ ما تني الأرضُ تحتها / تهزهزُ حتى أوشكتْ تتصدَّعُ
إذا نفعتْ ضرتْ وما خيرُ نعمةٍ / تضرُّ الورى أضعافَ ما هي تنفعُ
كذاكَ أرى الدنيا فتاةً شنيعةً / فإن ولدتْ جاءتْ بما هو أشنعُ
كأني بهذي الأرضِ قلباً معلقاً / وما ملكٌ إلا لهُ الحرصُ أضلعُ
كأنْ قدْ غدا الإنسانُ وحشاً فلا أرى / يعززُ إلا المرءِ واديهِ مسبعُ
وإن يأمرِ الملكِ الذي ليسَ تحتهُ / سريرٌ من القتلى يسمعُ
ولن تصبحَ الدنيا سلاماً ورحمةً / على أهلها ما دامَ في الناسِ مطمعُ