المجموع : 25
أجبت منادي الحب من قبل ما دعا
أجبت منادي الحب من قبل ما دعا / فإن شئتما لوماً وإن شئتما دَعا
ليَ الله قلباً صير الوجد شرعةً / وجفناً قريحاً صير الدمعَ مشرعا
كنافة لحظٍ خلفتني من الهنا / قَصِيًّا وفكري للهموم مجمَّعا
وسالف عهدٍ بالعقيق ذكرته / فعاد بدُرّ المدمعين مرصّعا
يخوفني بالسقم لاحٍ وليت من / عنانيَ أبقى فيّ للسقم موضعا
بَليت فلو رامتنيَ العين ما رأت / ولو أنَّ فكري عارض السمع ما وعى
ورُبَّ زمانٍ كان لي فيه مالكٌ / حبيبٌ سعى منه الفراق بما سعى
فلما تفرقنا كأني ومالكي / لطول اجتماع لم نبتْ ليلةً معا
من الغيد لو كان الملاح قصيدة / لكان سنا خدّيه للشمس مطلعا
أدار عليّ الدمع كأساً وطالما / أدارَ عليّ البابليّ المشعشعا
كأن التلاقي كان وفراً تسرعت / أيادي ابن شادٍ فيه حتى تضعضعا
إذا لم يكن للغيث في العام نجعة / فحسبك بالملك المؤيد منجعا
مليك أعاد الشعر سوقاً بدهره / فجئت إلى أبوابه متبضعا
ووالله لولا باعثٌ من مديحه / لأصبح بيتُ الشعر عندي بلقعا
أتَعذَلُ أقلامُ المدائح إن غدت / له سجداً لا للأنام وركّعا
فدت طلعة البدر المنير أبا الفدا / وإن كان أعلى من فداها وأرفعا
ألم ترَ أنا قد سلونا بأرضهِ / مراداً لنا في أرض مصرَ ومرتعا
إذا ابن تقيّ الدِّين جاد نباته / علينا فلا مدّت يدُ النيل أصبُعا
أما والذي أنشى الغمام وكفّه / فجادَ وقد ملَّ السحاب فأقلعا
لقد سُمعت للأوَّلين فضائلٌ / ولكنَّ هذا الفضلَ ما جازَ مسمعا
سحاب كما ترجى السحائب حفَّلاً / وبأسٌ كما تنضى الصواعق لمعا
وعلم ملأنا صحفه من فنونه / فكانت على الأيامِ برداً موشعا
وذكرٌ له في كلِّ قلبٍ محبَّةٌ / على ابن عليّ يعذر المتشيِّعا
له الله ما أزكاه في الملك نبعة / وأعذب في سقيا المكارم منبعا
هو الملك أغنى ماء وجهي وصانهُ / فإن تقصر الأمداح لم يقصر الدّعا
غدت كلّ عامٍ لي إليه وفادةٌ / فيا حبَّذا من أجل لقياه كلّ عا
تطوَّقت تطويقَ الحمامِ بجودِه / فلا عجبٌ لي أن أحوم وأسجعا
قضى الله إلاَّ أن يقومَ لقاصدٍ / بفرض فإن لم يلقَ فرضاً تطوَّعا
حلفت لقد ضاع الثنا عند غيره / ضياعاً وأمَّا عنده فتضوَّعا
سرى طيفها حيثُ العواذل هُجَّع
سرى طيفها حيثُ العواذل هُجَّع / فنمّ علينا نشرهُ المتضوع
وباتَ يعاطيني الأحاديث في دجىً / كأنَّ الثريَّا فيه كأسٌ مرَصَّع
أجيراننا حيى الربيع دياركُم / وإن لم يكن فيها لطرفيَ مربع
شكوت إلى سفحِ النقا طول نأيكُم / وسفحُ النقا بالنأي مثلي مروَّع
ولا بدَّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ / يواسيك أو يسليك أو يتوجَّع
فديت حبيباً قد خلا عنهُ ناظرِي / ولم يخلُ منه في فؤاديَ موضع
مقيم بأكنافِ الغضا وهيَ مهجةٌ / وإلا بوادِي المنحنى وهي أضلع
أطالَ حجازَ الصدِّ بيني وبينه / فمقلته الحورا ودمعي ينبع
لئن عرضت من دون رؤيتهِ الفلا / فيا رُبَّ روضٍ ضمَّنا فيه مجمع
محلّ ترى فيه جوامعَ لذَّةٍ / بها تخطب الأطيار والقضب تركع
قرأنا بهِ نحو الهنا فملابس / تجرّ وأيدٍ بالمدامة ترفع
وقد أمنتنا دولةٌ شادَوِية / فما نختشِي اللأوا ولا نتخشَّع
مدائحها تمحو الآثام ورفدها / يعوّض من وفر الغنى ما نضيع
رعى الله أيامَ المؤيد إننا / وجدنا بها أهل المقاصد قد رُعوا
مليكٌ له في الجودِ صنعٌ تأنَّقت / معانيه حتى خلتهُ يتصنَّع
وعلياء لو أنَّا وضعنا حديثها / وجدنا سناها فوق ما كانَ يوضع
مُذال الغنى لو حاولت يدُ سارق / خزائنه ما كانَ في الشرعِ يقطع
أرانا طباقَ المال والمجد في الورى / فذلك مبذولٌ وهذا ممنَّع
وجانس ما بين القراءة والقرى / فللجود منه والإجادة مطلع
توقَّد ذهناً واسْتفاضَ مكارماً / فأعلم أن الشهبَ بالغيث تهمع
وصان فجاجَ الملك عدلاً وهيبةً / فلا جانبٌ إلاَّ من الروضِ مرتع
عزائم وضَّاح المحامد أروعٌ / إذا قيل وضَّاح المحامد أروَع
تفرق أحمال النّضار يمينه / لمَّا راح بالسمر الطوال يجمَّع
ولا عيبَ في أخلاقه غير أنه / إذا عذلوه في الندى ليس يرجع
له كلّ يوم في السيادة والعلى / أحاديثَ تملي المادحين فتبدع
إذا دَعتِ الحربُ العوانُ حسامه / جلا أفقها والرُّمح للسن يقرع
وإن مشت الآمال نحو جنابه / رأت جود كفَّيه لها كيفَ يهرع
فلا تفتخر من نيل مصر أصابع / فما النيل إلا من يمينك أصبع
أيا ملكاً لما دعته ضراعتي / تيقنت أن الدهر لي سوف يضرع
قصدتك ظمآناً فجدت بزاخرٍ / أشقّ كما قد قيل فيه وأذرع
وفي بعض ما أسديت قُنعٌ وإنما / فتىً كنت مرمى ظنّه ليس يقنع
لك الله ما أزكى وأشرف همةً / وأحسن في العلياء ما تتنوع
مديحك فرضٌ لازمٌ لي دينه / ومدح بني العليا سواكَ تطوّع
أما ونجوم الحسن أعيى طلوعها
أما ونجوم الحسن أعيى طلوعها / لقد بليت أجسادَنا وربوعها
لقد سيرت تلك النجوم يدُ النوى / فهلا كتسيار النجوم رجوعها
تركت جمادى كلّ عين قريرةٍ / وقد جرَّ أذيال السيول ربيعها
وأعددت أجفاني منازلَ للبكى / فولى وما يدرِي الطريق هجوعها
فدىً للغواني مسلمٌ فتكت به / وحلّ لهاتيك العيون صريعها
أساكنة بالجزع إن مدامعي / سيرضيك منها بالعقيق نجيعها
أبت لي دموعِي أن أماكس في الهوى / فحسنك يشريها وجفني يبيعها
وأسهرت أجفاني وإن كنت ساهراً / ومحترقاً في الغيد لولا شموعها
ليَ الله نفساً لا يخفُّ نزاعها / إليكَ وروحاً لا يكفُّ نزوعها
وأغيد فتَّان اللواحظ فاتك / يروق حشا عشَّاقه ويروعها
سعى بالحميّا في نشاوى تهافتت / عليها بأيدٍ ما تكاد تطيعها
فيا لكَ من ألباب قوم تنكَّرت / مصانعها منها وأقوت ربوعها
أخادِع آمالي بكأسٍ وشادنٍ / وقد يقتضي آمال نفسٍ خدوعها
وقد أشتكِي همِّي إلى أريحيةٍ / ولوعِي بأكناف الحمى وولوعها
تكاد من الذكرى إذا ما تنفسَّت / تناثر من شجوٍ عليها نسوعها
وتسعدني الورقاء منها نواحها / بغصنٍ ومن أجفان عيني هموعها
تطوقت من جود ابن يحيى كطوقها / فلله أطواق اللّهى وسجوعها
أخو الكلمات الغرّ تندِي غمامها / وينفح ريَّاها وتزكو زروعها
وذو الدّوحة العلياء أرست أصولها / وطابت مجانيها وطالتْ فروعها
بحور اللّهى والعلم فيهم بسيطها / وكاملها منهم وعنهم سريعها
إذا أسرة الفاروق قامتْ لمفخرٍ / أقرَّت لعلياها السراة جميعها
تصول وتحمي شرعةً نبويةً / فأسيافها منهم ومنهم دروعها
ألم ترَ علياهم بطلعة أحمدٍ / كما نض عن عبق الرياض سريعها
على يدِه البيضاء آي يراعةٍ / ينعم جانيها ويشقى لسيعها
معوّد سحر البيان فبينما / تروق ذوي الألباب أمست تروعها
فرائد لا ترضى ابن عبَّاد عبدها / ويعلو على وصف البديع بديعها
لئن حفظت مصرٌ وشامٌ برأيه / لقد حفظت بطحاؤها وبقيعها
وقد بثّ فيها العدل حتى بأمنها / مها الرمل تمسي والهزبر ضجيعها
ربيب العلى والعلم تفديك مهجة / تضلع من خلفي فداك رضيعها
أفدتَ يدي وفراً ونطقي بلاغةً / لفضليك يعزى صنعها وصنيعها
وفرّجت بالنعماء حالي وفكرتي / وقد ضاقَ بالأنكادِ عني وسيعها
وأمّن يا ربّ السيادة والتقى / برجواك خوف الرحلتين وجوعها
ومثلك من أسدى لمثلي أنعماً / تسرّ وآفاق البلاد تذيعها
فخذْها بتفويف الثنا كلّ حلةٍ / لها من مقاماتِ المقالِ رفيعها
لأنجمها وصل السعود بذكرِكم / إذا أنجمٌ أخنت عليها قطوعها
وهنئت بالأعوامِ يصفو جديدها / عليك بإقبالٍ ويطوى خليعها
مدى الدهر في علياءٍ تبهر أعيناً / فما لمحات العين إلاَّ ركوعها
يخيل لي برقٌ من الثغر لامع
يخيل لي برقٌ من الثغر لامع / فيسبقه غيثٌ من الجفنِ هامع
ويرفع طرفي للصبابة قصةً / فتجرِي على عاداتهنَّ المدامع
بروحِيَ من قالَ الرقيب لحسنهِ / على كلّ حين من وصالك مانع
ومن كلّ يومٍ في هواها متيمٌ / يموت ولوَّامٌ عليه تنازع
تدافعني فيها الوشاة عن الأسى / وما لشهودِ الدمع والسقم دافع
وذي عذلٍ في الحبّ لا هو ناظرٌ / إلى حسن من أهوى ولا أنا سامع
مضى في الهوى قيس وقد جئتُ بعدهُ / فها أنا للمجنون في الحبِّ تابع
تذكّرني الورقاء بالرّمل معهداً / فهل نجم أوقاتي على الرّمل طالع
وتشدو على عيدانها فتثير لي / كمائن وجدٍ ضمنتها الأضالع
وذكرى شهابٍ كانَ لي من ورائِه / إلى مالكٍ لي في الصبابة شافع
وأوقات أنسٍ بين شادن وشادنٍ / كما اقْترح اللذّات راءٍ وسامع
وكأس لغيري أصفر من نضارها / ولي من لمى المحبوب للهمِّ فاقع
تعوَّضت عنها بارْتشاف مديرها / كما حرّمت منها عليَّ المراضع
وقضيتها أوقات لهوٍ كأنما / عفا الدهرُ عنها فهوَ يقظان هاجع
زمان الهوى والفوْدُ أسود حالكٌ / وعصر الصبى والعيش أبيض ناصع
إذا ابْيضَّ مسود العذار فإنما / هوَ الصبح للّذّات بالليلِ قاطع
لعمري لقد عادَ النعيم لفاقدٍ / وقد طلعت للشامِ نعم المطالع
وزارة شمسيّ الثنا يعتلى بهِ / محلّ ويدنو نوره والمنافع
هنيئاً لأفق الشام يا شمسَ مصره / بأنك بالتدبير للشام طالع
وأنك لا كالشمس ظلّك سابغٌ / ولكن لأهل الزيغ وقدك قامع
وأنَّ نماء الخلق والرزق لم يزل / إلى الشمسِ عن إذنٍ من الله راجع
وأنك يا موسى لذو القلم الذي / تهشّ به أهل الحيا وتدافع
عصاً لبلادِ الشام فيها مآرب / ومن يدك البيضاء فيها صنائع
فراعنة الكتاب عن ظلمنا ارجعوا / فقد جاء موسى والعصا والقوارع
وذو الهيبة اللاتي بها يزع الورى / وما ثمّ إلا خوفك الله وازع
إذا المرء خافَ الله خافت من اسمِه / أسود الفلا والعاديات الرواتع
لنعم الوزير الباسط اليد أنعماً / وأدعية للملك جذلان وادع
أخو الزّهد والتدبير إما تهجّدٌ / وإما يراع ساجد الرأس راكع
ولو لم يجدنا غيث جدواه جادَنا / بفضلِ دعاه شائع الغيث ذائع
تقصر أفكار العدى عن خداعهِ / ويخدعه في الجودِ من لا يخادع
أنا ابن كثيرٍ في رواية جوده / ومن كلّ بأسٍ عاصم ثم نافع
يقوم مقام النيل في مصر فضلهُ / إذا جرَّت الأقلامَ تلك الأصابع
ويغني عن الأنواء في الشامِ عدلُهُ / وعدل الفتى للخصبِ نعم المزارع
أتانا وقد ضنَّ السحاب بقطرةٍ / فجادَ وأجدى نيله المتدافع
ولما وجدنا للثراء زيادةً / علمنا بأن الشام للخير جامع
كذا فليدبر دولةً ورعيَّةً / وزيرٌ لجمع المال والجود بارع
ألم ترني من بعد ذلٍّ وفاقةٍ / بظلّ نداه والعناية راتع
ألم ترني في طوق نعماه ساجعاً / ولا عجبٌ إنَّ المطوّق ساجع
وسابق ظنِّي لا الوسائل قدمت / ولا قرَّبتني من حماه الشفائع
وعجّل معلومي وما كنت واصلاً / إلى ربعه والشهر للشهر رابع
وأصلح منِّي ظاهراً ثم باطناً / فلا أنا عريانٌ ولا أنا جائع
إليك ابن تاج الدين درّ مدائح / بداية مهديها إليك بدائع
وإني وإن باكرتُ بالمدح منشداً / لداعٍ بأستار الأجنة ضارع
نباتيّ لفظ قد حلا وتكررت / إليكَ بهِ للأنام المطمع
وقد كانَ من حيث الإضاعة ضائعاً / فها هو من حيث التضَّرع ضائع
تقول رياض المزهرات لزهرِه / بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
لك الله في كلّ الأمور مؤيد / يمدّك بالدهرِ الذي هو طائع
ولا ترفع الأيام ما أنت خافض / ولا تخفض الأيام ما أنت رافع
تذكر جرعاء الحمى فتجرعا
تذكر جرعاء الحمى فتجرعا / كؤس الأسى بالدمعِ راحاً مشعشعا
وفارق جيران الغضا غير أنه / به أودع القلب الشجيّ وودَّعا
يكرِّر لثم الترب حتَّى كأنه / يحاول ختماً للذي فيه أودعا
فأدمعهُ قد صرنَ ألفاظ شجوه / وألفاظه من رقَّةٍ صرنَ أدمعا
أقولُ وقد راجعت بالشام ذكرهم / ألا قاتلَ الله الحمام المرجعا
يذكرني عهد العقيق كأنه / بلؤلؤِ دمعي صارَ عقداً مرصَّعا
عسى كلّ عام زورة لمفارق / فيا حبَّذا من أجل لمياء كلّ عا
إمام الهدى والعلم هنئت مقصداً / سعيداً وعوداً بالقبولِ ومرجعا
يطوف ويسعى للإمام الذي سعى / وطاف بذيَّاك الحمى وتمتَّعا
تكاد ستور البيت تجذب برده / لعرفان محمود الشمائل أروعا
لعمري لقد سرّ المقام وأهله / بزورة أوفى الزائرين وأورعا
فإن ملأ الإحسان كمّ مجاور / فقد ملأ الحجر المحامد والدعا
وهنئ أفق الشام رجعة نير / مليٍّ بإسعاد الرعيَّة والرعا
تحييه أغصان البلاد كأنما / هوت سجداً نحو الأمام وركَّعا
وتلثم حتى مبسم الغيث في الثرى / بدور لآثار الركائب مطلعا
لك الله ما أتقى وأنقى سريرة / وأرفع قدراً في الأنامِ وأنفعا
وأكرم في الأنساب والفضل جمة / وأشرف في الدنيا وفي الدين موضعا
وأندى يداً لو أورقت عود منبر / لما عجب الرائي وإن قيل أينع
كرامات من مدّت يداً دعواته / ظلالاً إلى أن عمَّت الناس أجمعا
إليك خطيب الشام لابن خطيبها / براعة مدح كانَ برّك أبرعا
مديحك فرض لازم لي فطالما / بدأت فأسديت الجميل تطوّعا
أذاتَ الحجى إن الحجاب ليمنع
أذاتَ الحجى إن الحجاب ليمنع / عن اللفظ حتى في رثائك يسمع
ولكنَّ تطويقي لهىً ناصرية / تحث على أني أنوح وأسجع
ولم لا وقد أبصرته متحرّقاً / بفرقة حبّ راحلٍ ليسَ يرجع
أيسرع لي بالمالِ جوداً ولا أرى / بماءِ جفوني جائداً أتسرَّع
وأما دموعي بالبكاء كأنها / على صحن خدِّي من دمِ القلب تهمع
لقد عمَّنا ما خصَّه من رزيةٍ / بأمثالها تدمي الجفون وتدمع
رزية من كانت له أصل بهجة / وكلّ بهيج ضمنها يتفرَّع
فما ليَ لا أرثي تقاها وفضلها / وأرثي له والقلب حرَّان موجع
وأندب للمحراب قنديل غرَّةٍ / بنورِ التقى طول الدجى يتشعشع
وأندب للمعروف والبرّ راحةً / ترى راحة تعبانها حين ينفع
وأندبها للتربِ من حجب العلى / وديعة أستار إلى عدن تودع
وأندبها لليومِ صوماً وللدجى / صلاةً وأذكاراً ونسكاً يوزَّع
وللبيت بيت الفضل كدر صفوه / وللبيت من ذات الصفا حين يهرع
فيا لكَ من بيتٍ جديدٍ بكى لها / وبيتٍ عتيقٍ نحوها يتطلَّع
ويا لكَ من حزنٍ يتجدَّد عندنا / بهِ حزن يعقوب الذي كادَ يقلع
وحزن أخٍ قد جاورته كرامة / لها وإلى بيتِ الكرامات ينزع
وحزن كبار أو صغار تتابعوا / أسوداً وغزلاناً تسير وتتبع
هو الموت كأساً من حميّا حمامها / ومن حسراتٍ قبلها تتجرَّع
وصرف لأرواح البريَّة ناقدٌ / على أنه في أخذ نقديه مجمع
وسبع ليال دائراتٍ على الورى / بنوع افتراس فيهمو ليس يشبع
ألا في سبيل الله نقد عزيزةٍ / تولَّت وأبقت لاعج الحزن يرتع
سلامٌ ورضوانٌ عليه ورحمةٌ / وروحٌ وريحانٌ وخمرٌ منوَّع
على جهةٍ إن قيل ستّ فإنها / عليها من الستّ الجهات تفجع
يعزّ عليها نار حزنٍ تمسّه / وتلك بجنَّات العلى تتمتَّع
ولو بلغت ما مسَّه من مصابها / لكادت به في جنَّة الخلد تجزع
وما رحلت حتى رأت فيه كلماً / تمنَّت فليس من حمام تروع
ولو خيِّرت لم ترضَ إلاَّ بقاءَه / ونقلتها فليهنها القصد أجمع
وكم مرَّةٍ فدَّاه بالنفسِ نطقها / فقد صحَّ ما كانت له تتوقَّع
وشيعها بالبرِّ زاداً تسنناً / فلله منه سنَّة وتشيّع
تهنَّ بنو نعش لمطلع نعشها / نعم وبنات النعش أيَّان تطلع
وما هيَ إلاَّ روعةٌ من رزيةٍ / ولكنْ لها ثبت العزائم أروع
بليغ عرفنا صنعة اللفظ عندهُ / فما قدرُ ما في وعظه يتصنَّع
سقى لحدها الروضيّ غيث كأنه / نداه علينا وارفٌ وممرَّع
وخفف عن أحشاه وهجاً لو أنه / سحائب ضيف عن قريب تقشع
طمعنا بحدس في رجوع مفارق / وفي غير من قد وارت الأرض يرجع
وإن منع الماضون من سعيهم لنا / فإنا عن المسعى لهم ليس نمنع
على اليمن والنعمى قدوم أحبّةٍ
على اليمن والنعمى قدوم أحبّةٍ / تخبّ بهم عيسُ الرّكاب وتوضع
لركبهم المصريّ قلبي هدية / على أن دمعي بالمسرّة ينبع
أمولايَ نورَ الدين هنئت حجةً / زَكا لكمُ فيها مسيرٌ ومرجع
أتمت مساعيك الزّكية نسكها / وما فاتنا من جود كفّك منجع
فإن فازَ مولانا بحجٍّ أتمه / فها نحن في نعمائه نتمتّع
وإن لم يكن في وقفةٍ جمعيّة / فها نحن فيكم بالهنا نتجمّع
مدائحنا فيكم وفي مثل بيتكم / فروضٌ وفي بعض الأنام تطوّع
يقولون تبكي والديار قريبة
يقولون تبكي والديار قريبة / إذا بعدت أوطانهم كيف تصنع
دعوا مقلتي العبرى تجود بمائها / عسى أن حزن من الجفن يوضع
وثقت بتنكيد الفراق فأسبلت / جفوني وعجلت الذي أتوقع
وما هي إلا مهجة ذاب شطرها / فسالت بها من فوق خدي أدمع
وعما قليل ينفذ البين سهمه / فلا مهجة تبقى ولا دمع يهمع
لئن ضاع مثلي عند مثلك إنني
لئن ضاع مثلي عند مثلك إنني / لعمر المعالي عند غيرك أضيع
متى تنجع الشكوى إذا أنا لم أجد / لديك اعتناءً غير أنك تسمع
وما كان صعباً لو مننت بلفظة / تردّ بها عني الخطوب وتردع
وقلت امرؤ للشكر والأجر قابلٌ / وللبرِّ فيه والصنيعة موضع
ومغترب عن قومه ودياره / أساعده والله يعطي ويمنع
سأصبر حتى تنتهي مدة الجفا / وما الصبر إلا بعض ما أتجرع
عسى ظلمة الحيّ التي قد تعرضت / سحابة صيفٍ عن قريب تقشع
على أنني راضٍ بما أنا صانع / وصول الولا لو أنني أتقطّع
حبست لضيق الرزق حبس حمامة / فها أنا فيكم بالمدائح أسجع
وأصبح فكري كالعبير سواده / إذا نفحته جذوةٌ يتضوّع
حلفت لها بالعادِيات دموعي
حلفت لها بالعادِيات دموعي / وبالمورِيات النار وهي ضلوعي
لئن كان من قد لامني غير مبصر / محاسنها إني لغيرُ سميع
محجّبةٌ تفترّ عن مبسمٍ كما / ينظّم في أزكى الأنام بديعي
فريد العلى والعلم والحلم والتّقى / فيا لفريدٍ حائزٍ لجميع
يضوع قريضي في الورى بامْتداحه / وما جوده لي في الورى بمضيع
أصوغ بسيطاً في الثناءِ وكاملاً / على وافرٍ من جوده وسريع
ولا عيب في إحسانه غير أنني / شرهت فما لي اليوم وصف قنوع
بشهر ربيعٍ قد أتيتُ مهنئاً / وكلّ زماني منه شهر ربيع
فلا زالَ من خدَّام مدحي لفضله / صوابي ونجحي مقبلاً وشفيعي
ألا ربّ ذي ظلم كمنت لحربه
ألا ربّ ذي ظلم كمنت لحربه / فأوقعه المقدار أيّ وقوع
وما كانَ لي إلاَّ سلاح تهجد / وأدعية لا تتّقى بدروع
وهيهات أن ينجو الظلوم وخلفه / منصّلة أطرافها بدموع
أيا تاجَ دين الله شكراً لأنعمٍ
أيا تاجَ دين الله شكراً لأنعمٍ / أجبتَ بها راجيك من قبل ما دعا
وأبقيتها تستنطق الخلق بالثنا / وتشهد بالأجر الملائك أجمعا
وإن قصرت عن بارعِ الحمد قدرتي / فوالله ما قصَّرت عن نافع الدعا
لقد قنعت رجواي من قبل ما رأت
لقد قنعت رجواي من قبل ما رأت / شهاب العلى والعلم في الشام يطلع
فلمَّا رأتك الآن أسفر وجهها / وأقسم لا والله لا تتقنَّع
فما الغيث إلاَّ من بنانك قطرة / وما الغيث إلاَّ من يمينك أصبع
وناعورةٌ كانت قضيباً فأصبحت
وناعورةٌ كانت قضيباً فأصبحت / إلى القضبِ شوقاً كالحمامة تسجع
شكوتُ لها ضرّ الغرام وحالها / كحالي بكاءً أو حنيناً يرجع
ولا بدَّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ / يواسيك أو يسليك أو يتوجّع
أمين العلى والعلم هنئت حجَّةً
أمين العلى والعلم هنئت حجَّةً / وعوْداً لديه الأجر والذكر أجمع
وقصداً سعيداً لم تضع فيه ثروةً / وما ضاع إلاَّ نشرها المتضوّع
تمتَّع مولانا بعمرة حجَّةٍ / وها نحنُ في نعمائه نتمتَّع
أيا ملكاً فاقَ الكرام وفاتهم
أيا ملكاً فاقَ الكرام وفاتهم / أما آنَ أن تحظى لديكَ ذرائعِي
أيحسن بعدِي عن بلادك بعد ما / عرفت بقولٍ في صفاتك بارع
وما أسَفي إنَّ الثواء يفوتني / ولكن لقدرٍ عند غيرك ضائع
قدمت أميراً في بني الدهر آمراً
قدمت أميراً في بني الدهر آمراً / على الدهرِ يصغي سامعاً ويطيع
ولا عجب للشهر وافقَ مقدماً / فكلّ زمان في حماك ربيع
وعيشك لولا سقم جسمي والبكى
وعيشك لولا سقم جسمي والبكى / لما كانَ سرِّي في هواكَ بذائع
لئن لم يسر في بحر شعري فقد سرى / بأشعار سقمي في بحورِ مدامعي
سلت مهجة قد كان صدعها الأسى
سلت مهجة قد كان صدعها الأسى / فلا آخذ الله الأسى بصدوعها
وعيناً على حالي بعاد وجفوة / عفا الله عمَّا قد جرى من دموعها
وقائلة لي بعد ما شابَ مفرقي
وقائلة لي بعد ما شابَ مفرقي / وفكري في تيه الشبيبة يرتع
أترجع عن لهو الصبا بملامةٍ / فقلت ولا والله بالشيب أرجع