المجموع : 10
لعلَّ زَماناً بالثويَّةِ راجعُ
لعلَّ زَماناً بالثويَّةِ راجعُ / مَضى وهوَ في قَلبي مَدا الدّهر رابعُ
تَذكّرتُ نجداً ذُكْرَةً فكأنّما / تحمّل رَأسي مائلُ الرّأس ظالعُ
تَعرّقتِ الرَّوحاتُ منه فَصِيلَهُ / فَما هو إلّا أَعظُمٌ وأضالعُ
وَكيفَ بِنجدٍ بعد أنّ مطيَّنا / تسادكُ بالغَوْرين منه الأكارعُ
يَطَأْنَ الرُّبا وطءَ النّزيف فكلّما / هبطن الرُّبا سالتْ بهنّ الأجارعُ
خَليليّ هَل رَميُ البلادِ إِليكُما / برَحْلِيَ ممّا شفّني اليومَ نافعُ
وَهل لي إِلى مَن كنتُ أَهواهُ مِنكما / وَقد حَرّم الواشونَ جَدْواه شافعُ
عَشِيّةَ أَغْرَوا بِي العيونَ وسطّروا / مِنَ الوَجْدِ ما تُمليهِ عنّي المدامعُ
لَقَد ضَلَّ قَلبٌ بات في كلّ ليلةٍ / يُصادِي بُنيّاتِ الهوى ويصانعُ
يَصدّ ويَدنو بينَ يَأسٍ ومَطمعٍ / فلا هو وصّالٌ ولا هو قاطعُ
فَقل لأسيلاتِ الخدودِ أَتيننا / يخادعن منّي صاحباً لا يُخادَعُ
أَرَدْتُنّ قلبي للهوى وهو مُتعَبٌ / فإنّي وقلبي اليومَ منكنّ وادعُ
وقد كنتُ جرّبتُ الهوى وعرفتُهُ / فما فيهِ إِلّا ما تجرّ المطامعُ
وَقولٌ أَتاني مُعرباً عن مودّةٍ / فَجاءَ كَما كانت تَشاءُ المَسامعُ
وَلوجٌ إلى قلبِي عَلوقٌ بخاطري / كما عَلِقَتْ بالرّاحتين الأصابعُ
مديحٌ تولّى الفكرُ تنميقَ نسجِهِ / وليس كوَشْىٍ نمَّقَتْهُ الصّوانعُ
كأنِّيَ لمّا أَنْ مَشتْ في مفاصلي / حُمَيّاهُ في نِهيٍ من الخمرِ كارعُ
فيا عَلَمَ العلم الّذي يُهتدى بِهِ / كما في السُّرى تهدي النجومُ الطَّوالعُ
أَضَفْتَ إلىَّ الفضلَ منك تفضّلاً / وَأثنيتَ عمداً بالّذي أنت صانعُ
وَألقَيتَ مَنّاً في مديحٍ نَظَمْتهُ / على كاهلٍ لا تمتطيه الصّنائعُ
ومثلُك من قد كنتُ قبل وصالهِ / أَحِنُّ اِشتِياقاً نحوه وأنازعُ
ولمّا رَآني الدّهرُ لا أَرتضي له / صنيعاً وأكْدَتْ منه عنّي الذّرائعُ
سَقاني بكَ العَذْبَ الزُّلالَ وإنّما / أطلْتُ الظّما حتَّى حَلتْ لي المشارعُ
وقد كنتُ لا أرضى نصيباً أصبتُهُ / وإنّي بقِسْمي من ودادِك قانعُ
إِذا ما رعاكَ اللَّهُ لي بحفاظِهِ / فلستُ أُبالي أنّ غيرك ضائعُ
وَما ضرّ من فارقتُ من كلّ نازحٍ / وقد لفّ لي شملاً بشملك جامعُ
فدونَك قولاً جاء عَفْوَ بديهةٍ / وَإنَّ مقالاً لو تَعَمّدتُ واسعُ
لِغَيرِ الغَواني ما تُجِنّ الأضالعُ
لِغَيرِ الغَواني ما تُجِنّ الأضالعُ / وَغير التّصابي ما أرَتْهُ المدامعُ
وَيا قَلب ما أزمعتَ عَوْداً إلى الصِّبا / فتطمعَ في أنْ تَزْدَهِيك المطامعُ
تَضيق لأنْ أَرسى بِساحتك الهَوى / وَأنت على ما أحرج الدّهرُ واسعُ
وَيوم اِختَلسنا من يد الحذْرِ لحظةً / وَقَد آذَنَتنا بِالفراقِ الأصابعُ
عَذرتَ اِمرَءاً أَبدى الأَسى وَهوَ حازِمٌ / وَصمّ عَلى عُذّالِهِ وهو سامعُ
خَليليَّ إنّ الدهرَ جَمٌّ عديدُهُ / ولكنّه ممّنْ أُحِبُّ بلاقعُ
وخُبِّرتما أنّ الوفاءَ تقارضٌ / فما لي أُعاطي صفوَهُ مَن يُمانعُ
أَلا في بَشاشاتِ الرّجال ودونها / جوانحُ في أثنائها الغيظُ ناقعُ
وما زالتِ الأيّامُ مَثْنى ومَوْحَداً / يراوِدْن مِنِّي شيمةً لا تُطاوعُ
رَضيت بِميسورِ الحظوظ قناعةً / إِذا اِمتدَّ في غيِّ الطّماعةِ قانعُ
وَعوراءَ يستدعي النفوسَ اِقتِرافُها / تَنكّبها ناءٍ عَن السّوءِ نازعُ
تَحيّزتُ عنها لا أهمُّ بوَصلِها / كَما اِنحاز عَن ضمنِ العِذارين خالعُ
وَشُمٍّ منَ الفتيانِ حصّنتُ سرّهمْ / وَسِرُّ الفَتى ما بينَ جنبيهِ ذائعُ
سَرَوْا يَسأَلونَ الدّهرَ ما في غُيوبِهِ / وَليسَ لَهمْ غيرَ التّجاربِ شافعُ
إِذا صُدّ عن نُجحِ المَطالبِ جاهدٌ / تَخلّف عَن كَسبِ المَحامدِ وادِعُ
إِلَيك ذعرتُ الهِيمَ عن كلّ بُغيَةٍ / أَسِفُّ إِلى أَمثالِها وأُسارعُ
وَسوَّمتُها يسترجفُ الأرضَ مرُّها / وتُحيي سوادَ اللّيلِ والفجرُ طالعُ
وَلَولاك لَم تنفُضْ حشايَ مَسرَّةٌ / ولو كثرتْ منها إلىَّ الذّرائعُ
وَأَنتَ الّذي لَو لَم أفِضْ في ثنائِهِ / تحمّل عنّي القولَ ما هو صانعُ
شَديدُ ثَباتِ الرّأي بين مواطنٍ / رياحُ الخطوبِ بينهنّ زعازعُ
وَقورٌ فإنْ لاذتْ به أرْيحيّةٌ / فلا الحِلمُ مغبونٌ ولا الجَدُّ خاشعُ
ويقظانُ ما ضامَ التفرّدُ حزمَه / ولا قبضتْ من بَسْطَتيْهِ المجامعُ
تقصّتْ نهاياتِ المعالِي أُصولُه / وساعفها فرعٌ على النّجمِ فارعُ
كريمٌ إذا هزّ الرّجاءُ عطاءَهُ / تقاصر باع الغيثِ والغيثُ هامعُ
رَمى وَلهَ الحُسّادِ قَرْمٌ مُصَمِّمٌ / بِيَأسٍ تحرَّته النّفوسُ النّوازعُ
إِذا بادَروه المأثَرُاتِ شآهمُ / ودونَ المَدا منهمْ طليحٌ وظالعُ
وَدونَ بلوغِ الطّالبين مكانَه / طريقٌ على ربِّ الحفيظة شاسِعُ
وَكَم بَحثوه عَن خَفايا عيوبِه / فَشاعتْ مَعانٍ تصطفيها المسامعُ
وَما النّاسُ إلّا واحِدٌ غيرَ أنّهمْ / تفاوَت منهمْ في الفِعال الطّبائعُ
فِداؤك مَن يَتلو النّدى بِنَدامةٍ / وَقَد مَرَقَتْ من راحتيه الصّنائعُ
بَعيدٌ عَنِ الآمالِ لا يستخفّه / سؤالٌ ولا يرجو عطاياه طامعُ
وَقَد علم الأقوامُ أنّك فيهمُ / سِنانٌ إلى قلبِ المُلِمّاتِ شارعُ
وَهزّوك مسنونَ الغِرارين أُخلصتْ / نَواحيهِ وَاِجتاحَتْ قَذاه الوقائعُ
وَلَمّا نَبَتْ آراؤهمْ وأَظَلَّهم / مِنَ الأمرِ مسوَدُّ المخايِلِ رائعُ
تَداركتَهمْ والشّملُ قد رثّ حبلُهُ / وَأَضربَ عن مُستشرِي الخَرقِ راقعُ
بِعَزمٍ به مُستَسلَفُ النّصرِ كافلٌ / وَحزمٌ به مستأنَفُ النُّجحِ تابعُ
كَفيتَهمُ الدّاني وشَيّعتَ ما مضى / برأيٍ توخّاه الذي هو واقعُ
وَمُنكتم الأضغان أوْلاكَ بِشْرَه / وفي صدره غِلٌّ لحقّك مانعُ
يَجرُّ أَباطيلَ الحديثِ إذا اِرتَقى / إلى فَهمِهِ ذكرٌ لمجدك شائعُ
إِذا أبهتَته من مساعيك خلَّةٌ / تمنّى لها أنّ العيون هواجعُ
نَدبتَ لَهُ حِلْماً يداوي شرورَه / وَبعضُ الحِجى في مُلتَوِي الجَهلِ ضائعُ
تَراخَ وَخَفّضْ مِن همومك فالّذي / تطالبُهُ الآمالُ ما أنتَ جامعُ
وَقَد راجَعَتْ تلكَ الأمور وأقبلتْ / إِليك بما تهوى سنون رواجعُ
وَخلفُ الّذي أَرخى به الدّهرُ كفَّهُ / حُقوقٌ لَها هذي الوفودِ طلائعُ
نَضوتَ زمانَ الصّومِ عنك كما نضا / رداءَ الحَيا سبطٌ من الرّوضِ يانعُ
وما العيدُ إلّا ما صبحتَ طلوعَه / وَبلّجهُ فجرٌ بوجهك ساطعُ
وهُنِّيتَهُ عُمْرَ الزّمانِ مُسَلّماً / يَفوت الرّدى أَو تَختَطيكَ الفجائعُ
أَبِالبارقِ النّجديِّ طرفُك مُولَعُ
أَبِالبارقِ النّجديِّ طرفُك مُولَعُ / يخُبّ على الآفاقِ طوراً ويُوضِعُ
ولمّا أراد الحيُّ أن يتحمّلوا / ولم يبقَ لِي في لُبْثَةِ الحيِّ مَطمعُ
جرتْ لِي حياتي من جفوني صبابةً / وظنّ الغبيُّ أنّما هي أدمعُ
فَليتَ المَطايا إذ حَملن لنا الهوى / حُدِينَ عَشيّاً وهْيَ حَسْرى وظُلّعُ
فإِنْ لم يكونوا أنذروا بفراقهمْ / وفاجَأَنا منه الرُّواءُ المروِّعُ
فَقَد صاحَ قَبل البين لِي بفراقهمْ / غرابٌ على فرعِ الأراكةِ أبقعُ
سَلامٌ على ملكِ الملوك يقودُه / وليٌّ يناجِي بالتّحايا فيُسمِعُ
مقيمٌ على دار الحِفاظِ وطالما / تناسى رجالٌ للحِفاظ فضيّعوا
وأنتَ الّذي فُتّ الملوكَ فكلّهمْ / خلالك ينحو أو طريقَك يتبعُ
فما لك إلّا في السّماء مُعرَّسٌ / وما لك إلّا مَضجَعَ الشّمسِ مَضجعُ
فَإِنْ يكُ قومٌ لم يضرّوا وينفعوا / فإنّك فينا قد تضرّ وتنفعُ
وإنّك من قومٍ كأنّ وجوهَهمْ / كواكبُ في ليل المعارك تطلُعُ
تُساعِي لَهمْ نَحو العليّاتِ أرجلٌ / وتبسطُ منهمْ في الملمّاتِ أذرُعُ
وَما اِمتُقِعَتْ ألوانُهمْ في شديدةٍ / تُهابُ ولونُ اليوم لونٌ مولَّعُ
شِفاههمُ مِن كلّ عَوْراءَ قفرَةٌ / ودارُهُمُ من كلّ شنعاءَ بَلقَعُ
وَأَيديهمُ تجري إِذا جَمَدَ الحَيا / على المُعتفين بالعطايا وتَهمعُ
سِراعٌ إلى داعي الصّريخ شجاعةً / وَفي كلّ كفٍّ منهُم البيضُ تلمعُ
فَإِنْ طَعَنوا يومَ الكريهة أوسعوا / وإنْ أطعموا عند المجاعةِ أشبعوا
وَإِنْ وُزِنوا كانوا الجبالَ رزانةً / وَكم طائشٍ منهمْ إلى الموتِ مُسرِعُ
فَما فيهُم إلّا هُمَامٌ مُرَفَّعٌ / بحيث الثّريا أو غلامٌ مشيَّعُ
وَكَم لَك في يومٍ شهدتَ بهِ الوغى / وما لكَ إلّا الضّربَ والطّعنَ أدرعُ
وَفي كفّك العَضبُ اليمانيُّ قاطعاً / وما كلُّ سيفٍ كان في الكفّ يقطعُ
وَأَنتَ عَلى رَخْوِ العِنانِ كأنّه / منَ الضُّمْرِ طاوٍ ليس يروي ويشبعُ
وَليسَ تَرى إلّا الأسنّةَ رُعَّفاً / وبيضَ الظُّبا ماءَ التّرائبِ تكرعُ
وَقَد عَلِموا لمّا سرى البغيُ فيهمُ / وطارتْ بهمْ نكباءُ للغدرِ زَعْزَعُ
وَلَم تَرَ إلّا شَملَ عِقْدٍ مُفرَّقاً / وَإِلّا عهوداً منهُمُ تتقطّعُ
وَقد حال منهمْ كلُّ شيءٍ عهدتَهُ / فَأَحفظُ منهمْ للذّمامِ المضيِّعُ
بأنّك رُضتَ الحِلْمَ حتّى لبِستَهُ / شِعاراً ولكنْ ليس يُنضى ويُخْلَعُ
وَعاد الّذي قَد كان بالأمسِ شامساً / إليك مطيعاً وهو عَوْدٌ موَقَّعُ
وَلَو شِئتَ لمّا أنْ تَرَيّبتَ منهمُ / وَراموا الّذي لا يُرتَضى وتولّعوا
أطَرْتَهمُ تحت السّنابك في الثّرى / كما طار بالبيداء زِقٌّ مُزَعْزَعُ
فلم يُلقَ منهمْ بعد ذلك سامعٌ / ولم يبقَ منهمْ بعد ذلك مُسمِعُ
قنعتُ بخطّي منك ذخراً أعدُّهُ / ولستُ بشيءٍ يُقنِعُ النّاسَ أقنعُ
فما لِيَ إلّا تحتَ ظِلّكَ موئلٌ / وَلا لِيَ إلّا في رياضك مَرْتَعُ
وَلا كانَ لِي إلّا عليك إقامةٌ / وَلا كانَ لِي إِلّا برَبْعِك مَرْبَعُ
وَلا قيّضَ اللّهُ التفرّقَ عنكمُ / ولا عَنَّ نأْيٌ بيننا وتصدُّعُ
فلو أنّني ودّعتكمْ يومَ فُرقةٍ / لَما كدتُ إلّا للحياةِ أودّعُ
وإمّا تكونوا لِي وفي طيّ قبضتِي / فلستُ بشيءٍ غيركمْ أتطلّعُ
وإنْ كنتمُ لِي ناصرين على العِدا / فما إنْ أُبالِي فرّقوا أو تجمّعوا
وَوُدِّي لَكمْ لا يَستفيق ضَمانةً / وَما كنتُ إلّا بالّذي زان أولعُ
يُعنِّفُني قومٌ بأنّي أُطيعكمْ / وَلم يرضكمْ إلّا الّذي هو أَطوعُ
وَلم يَلحُني في نُصحِكمْ غير كاشِحٍ / وإِلّا اِمرؤٌ في الغِشّ بالغيب مولَعُ
ولو أنصفوا لم يعذِلونِيَ في هوىً / لِقلبِيَ لا يُلوِي ولا هو يَنزَعُ
وَقَد زعزعوا لكنْ لمَن ليسَ يَنْثني / وقد هدّدوا لكنْ لمن ليس يفزَعُ
وكم رَمْيَةٍ لم تُصْمِ ممَّن رمى بها / وكم قولةٍ من قائلٍ ليس تُسمَعُ
فإنَّ خِطاراً أنْ تهيجوا مفوَّهاً / له كَلِمٌ تفرِي البلادَ وتقطعُ
وما ضرَّني أنّي قُذفتُ بباطلٍ / وما زلتُ عُمْرَ الدهرِ بالحقّ أصدَعُ
وَما راعَني ذاكَ الّذي رَوّعوا بهِ / فَلا اِنتيشَ مِن غَمّائها المتروّعُ
وَإِمّا نَبا بِي أَجْرَعٌ فاِجتَويتُهُ / فَلي دونه منّاً منَ اللَّه أجرعُ
فدونَكها فيها معانٍ سترتُها / وأنتَ عليها دون غيرك أوقعُ
ولم يكنِ التّعريضُ مِنِّيَ خِفيةً / وَلَكِنّني ما اِسطَعتُ للشّرّ أدفعُ
إذا قلتُ فيكم كنتُ للقول مُفصِحاً / وكم عيَّ بالقول اللسانُ مُتَعْتعُ
وكم ليَ في مدحي لكمْ من قصائدٍ / لهنَّ على الآفاقِ في الأرض مَطْلَعُ
فهنّ جبالٌ والقصائد كلُّها / هباءٌ ونبعٌ والأقاويلُ خِرْوَعُ
وهُنّيتَ هذا العيدَ واِبقَ لمثلهِ / وَأَنفُ الّذي يَبغي لكَ السّوءَ أجدَعُ
تَروحُ وَتَغدو في الزّمان مُحَكَّماً / عَلى النَّاس تُعطي مَن تَشاء وتمنعُ
وَغُصنُك لا يذوِي مَدا الدّهر كلِّه / وركنُك لا يبلى ولا يتضعضعُ
تعالوْا إلى ما بيننا من تجرُّمٍ
تعالوْا إلى ما بيننا من تجرُّمٍ / ومن ذاك ما تُحنى عليه الأضالعُ
نَقُلْ فيه لا تثريبَ يوماً عليكُمُ / كما قال مَن أثنتْ عليه القوارعُ
فعُمْرُ التَّلاحي في الهوى غيرُ عامرٍ / وعيشٌ به هجرُ الأحبّةِ ضائعُ
أمِنْ أجل أن أعفاك دهرُك تطمعُ
أمِنْ أجل أن أعفاك دهرُك تطمعُ / وتأمن في الدنيا وأنتَ المروَّعُ
فإنْ كنتَ مغروراً بمن سمحتْ به / صروف اللّيالي فهي تُعطي وتمنعُ
شفاءٌ وأسقامٌ وفقرٌ وثَرْوَةٌ / وبَعْدَ اِئتِلافٍ نَبوَةٌ وتصدُّعُ
تأمّلْ خليلي هل ترى غيرَ هالكٍ / وإلّا مُبقىً هُلْكُهُ متوقّعُ
فَما بالُنا نَبغي الحياةَ وإنّما / حياةُ الفتى نَهجٌ إلى الموتِ مَهْيَعُ
لنا كلَّ يومٍ صاحبٌ في يد الرّدى / وماضٍ إلى دار البِلى ليس يرجعُ
ومَغْنى جميعٍ فرّق الدَّهر بينهم / ودارُ أنيسِ أوحَشَتْ فهي بَلْقَعُ
وخَرْقٌ نُرجِّيه بسدِّ فروجِهِ / وآخرُ لا يخفى ولا هو يُرقَعُ
تحسَّى الرّدى لَخْمٌ وأبناءُ حِمْيَرٍ / وقيدَ إلى الأجداث عادٌ وتُبَّعُ
وآلُ نِزارٍ زَعْزَعتْ من عروشهمْ / بأيدي الرَّزايا السّود هوجاءُ زَعْزعُ
ولم يبق من أبناء ساسانَ مُخبرٌ / ولم يبدُ من أولادِ قيصر مُسمِعُ
ولم يُنجهمْ منه عديدٌ مُجمّع / ولم يَثْنِهمْ عنه مَشيدٌ مُرَفَّعُ
فلا مِعْصَمٌ فيه سِوارٌ مُعَطَّنٌ / ولا مَفْرِقٌ يَعلوه تاجٌ مُرَصَّعُ
كَأنّهُمُ بعدَ اِعتِلاءٍ وَصولةٍ / أَديمٌ مفرّىً أَو هَشيمٌ مُذَعْذَعُ
وَلَيس لَهمْ إلّا بِناءٌ مُهَدَّمٌ / وركنٌ بمَرِّ الحادثاتِ مُضَعْضَعُ
وَقَطّع عنّي معشري وأصادِقي / وَشَملُ اِمرئٍ فاتَ الرّدى متقطّعُ
وكانوا وعزَّاتُ الزَّمانِ ذليلةٌ / لديهمْ وأجفانُ المنيَّاتِ هُجَّعُ
متى عجِموا كانوا الصّخورَ وإنْ هُمُ / دُعوا يومَ مكروهٍ أجابوا فأسرعوا
وإنْ شهدوا الهيجاءَ والسُّمرُ شُرَّعٌ / فَذاكَ عرينٌ لا أباً لك مُسبِعُ
تفانَوْا فماضٍ بانَ غيرَ مودَّعٍ / تعاجَلَهُ صرفُ الرّدى أو مودَّعٌ
أَلا قُلْ لِناعِي جعفرِ بنِ محمّدٍ / وأسمَعني يا ليت لم أكُ أسمعُ
فما لك منِّي اليومَ إلّا تَلَهُّفٌ / وإلّا زَفيرٌ أو حنينٌ مُرَجَّعُ
وإلّا عِضاضٌ للأباهِم من جوىً / وهل نافعٌ أنْ أدْمِيَتْ لِيَ إصبعُ
ولو كانت الأقدار تُوقَى وقَتكَ مِن / نُيوبِ الرّدى أيدٍ طوالٌ وأَذرُعُ
وَقَومٌ إِذا ما أَطعَموا بأكفّهمْ / طِوالَ القَنا لحمَ التَّرائبِ أشبعوا
كِرامٌ إذا ضَنَّ الغمامُ تدفّقوا / وإنْ أقحطَ العامُ الشّماليُّ أمْرَعوا
وَإنْ طَلبوا صَعْباً منَ الأمرِ أرهقوا / وإنْ طرقوا بابَ العظيمةِ قعقعوا
مَعاقِلهمْ ما فيهمُ مِن بسالةٍ / وَلَيس لَهمْ إِلّا القنا السُّمْرَ أدْرُعُ
وبيضاً تراهنّ العيون وعهدُها / بَعيدٌ بأيمانِ الصّياقلِ تلمعُ
وما فيهمُ والحربُ تقتنصُ الطُّلى / بِأَيدي الظّبا إِلّا الغلامُ المُشَيَّعُ
صحبتُ به عصرَ الشّبابِ وطيبَه / وكنتُ إلى نجواه في الهمِّ أفزعُ
وللسّرِّ منّي بين جنبيه مَسكَنٌ / حميٌّ أبيٌّ شاحطٌ مُتمنِّعُ
وكم رامه منّي الرّجالُ وإنّما / يرومون نجماً غارباً ليس يطلعُ
فلِي جَزَعٌ باقٍ عليه وإن عفا الت / تَجمّل ما في أضلُعي والتّصنُّعُ
ولم أسْلُهُ لكنْ تجلّدت كي يرى / شَموتٌ بِحُزْنِي أنّ صدرِيَ أوسعُ
وقالوا عهدنا منك صبراً وحِسْبَةً / وفي الرُّزءِ لا يجري لعينيك مدمَعُ
فقلتُ مصيباتُ الزّمان كثيرةٌ / وبعض الرّزايا فيه أدهى وأوجعُ
ذكرتُك والعينان لا غَرْبَ فيهما / فلم تبقَ لِي لمّا ذكرتُك أدمُعُ
وَما زُلتَ عن قلبي وإنْ زُلت عن يدي / وقد تنزع الأقدار ما ليس يُنزعُ
فإنْ ترقَ عيني من بكاءٍ تجمّلاً / فمن دونها قلبٌ بفقدك موجَعُ
وَإنْ غبتَ عن عَيني فما غبتَ عن حَشىً / مُقَلْقِلَةٍ تحنو عليك وأضلعُ
وما بعد يومٍ أمطَرَتْكَ مدامعي / لعينِيَ مَبْكىً أو لقلبيَ مَجزَعُ
وكم قلّبتْ كفّاي من ذي مودّةٍ / فَلم يَلقَنِي إلّا الملومُ المقرَّعُ
عرفتُك لمّا أنْ وفَيْتَ وما وَفَوْا / وحين حفظتَ العهدَ منِّي وضيّعوا
فنعمَ مشيراً أنتَ والرّأيُ ضيِّقٌ / ونعم ظهيراً أنت والخطب أشنعُ
وإنّ غناءً بعد هُلْكِكَ أصْلَمٌ / وإنّ وفاءً بعد فقدك أجْدَعُ
وليس لإخوانِ الزّمان وقد سُقوا / فراقَك صِرْفاً من يضرّ وينفعُ
عهدتُك لا تعنو لبأسٍ ولم تَبِتْ / وخدُّك من شكوى الشّدائد أضرعُ
وَعَزّ على قلبي بأنّك مفردٌ / أُناجيك لَهْفاً نائماً ليس تسمعُ
وَأَنّك مِن بعدِ اِمتِناعٍ وعزّةٍ / تُحَطُّ على أيدي الرّجالِ وتُرفعُ
فَما لَكَ مَهجوراً وأنتَ مُحبَّبٌ / وما لك مبذولاً وأنت المُمَنَّعُ
وقد كنتَ صَعْباً شامسَ الظّهر آبياً / وأنتَ لرَحْلِ الموت عَوْدٌ مُوَقَّعُ
وما ذاك عن عجزٍ ولا ضَعْفِ قوّةٍ / وَلَكنّه الأمر الّذي ليس يُدفعُ
وما سرّني أنّي نبذتُك طائحاً / بغبراءَ لا تدنو ولا تتجمّعُ
وأودعتُ بطنَ الأرضِ منك نفيسةً / وهلْ مودَعٌ في التُّربِ إلّا المُضَيَّعُ
سَقى قَبرَك الثّاوي بِمَلساءَ قفرةٍ / غَزائرُ من نسجِ العشيّات هُمَّعُ
كأنّ السّحابَ الجَوْنَ يَنطِفُ فوقه / ركائبُ يحملن الهوادجَ ضُلَّعُ
وَلا زالَ مَطلولَ التّراب وحولهُ / مِنَ الرّوض مُخضرُّ السّباسب مُمْرِعُ
وجِيد بريحانٍ وَرَوْحٍ ورحمةٍ / وناء بما فيه الشّفيعُ المشفّعُ
ويوم وقفنا للوداعِ وكلُّنا
ويوم وقفنا للوداعِ وكلُّنا / يُطَفِّحُ يومَ البينِ عينيه أدمعا
رأينا حُلوماً عارياتٍ ولم نجدْ / منَ الصَّبرِ إِلّا واهياً متقطّعا
وَلَم تَسمع الآذان إِلّا تشاهقاً / وإِلّا حنيناً يوم ذاك مُرَجَّعا
فيا لك يوماً فاضحاً لمُتَيَّمٍ / ويا لك مبكىً للعيون ومَجْزَعا
كأنّا وقد سلَّ الفراقُ عقولَنا / سلكنا جنوناً أو كرعنا المُشَعشَعا
كأنَّ عيوناً يُمطر الدَّمعَ هَدْبُها / غصونٌ مَطيراتُ الذَّوائبِ هُمَّعا
ولو شئتِ لمّا أزمع الحيُّ رَوْحَةً
ولو شئتِ لمّا أزمع الحيُّ رَوْحَةً / أشرتِ إلينا بالبنانِ المُقَمَّعِ
فما بان ماضٍ بان وهو مودَّعٌ / وقد بان كلَّ البين غيرَ مودَّعِ
وصَدَّكِ قومٌ عن زيارةِ مُقْلتِي / فلِمْ لمْ تزورِي القلبَ ساعةَ مضجعي
وحاذرتِ وصلاً يعرف النّاسُ حالَه / فما ضرّ من وَصْلٍ ولا أحدٌ معي
قصدتَ بيأْسي منكَ إقذاءَ ناظري
قصدتَ بيأْسي منكَ إقذاءَ ناظري / فأعفيتَنِي من أنْ أذِلّ لمطمعِ
فَلم تكُ إلّا نافعاً غيرَ ضائرٍ / وَكَم ذا أَخذنا النّفعَ من غير مَنْفَعِ
فحسبُكَ لا تزدَدْ قبيحاً مجدَّداً / فإنّ الّذي قد بان لِي منك مُقنِعي
فلو اِنّنِي أنصفتُ نفسي لصُنتُها
فلو اِنّنِي أنصفتُ نفسي لصُنتُها / ونزّهتُها عن أنْ تذلَّ لمطمعِ
وما لي وأبوابَ الملوكِ وموضعي / منَ الفضلِ والتّجريبِ والفضل موضعي
وما لهُمُ ما لِي منَ العلم والتُّقى / ولا معهمْ يوماً من الحلمِ ما معي
وَهل أنا إلّا طالبُ النّقصِ عندهم / وإلّا فَفضلي يعلم اللّهُ مُقنِعِي
وهل لصحيحِ الجلدِ من مُتَمَعَّكٍ / لذي العُرِّ والجلدِ المُفَرّى بمضجعِ
وَما أَنا بالرّاجي لِما في أَكفِّهِم / فلِمْ نحوهُهمْ يا ويحَ نفسي تطلُّعي
ولِمْ أنا مرتاعٌ لما يجلبونَهُ / وما زلتُ في الأقوامِ غيرَ مُروَّعِ
وقد عشتُ دهراً ناعمَ البال راكباً / من الخَفْضِ في أقتادِ عَوْدٍ مُوَقَّعِ
أبيّاً فلا ظُفْرُ الظُّلامةِ جارحِي / هناك ولا داعي الملامةِ مُسمِعِي
وما زال هذا الدّهرُ يُخسِرُ صَفْقَتِي / ويُبدِلُ نَبْعِي كلَّ يومٍ بخِرْوَعِ
إلى أنْ أراني حيثُ شئتَ سفاهةً / لكلّ مُلَوّىً عن جميلٍ مُدَفَّعِ
فعدِّ مقرَّ الضّيمِ إنْ كنتَ آنفاً / ودعْ جانباً تُخزى بساحتِهِ دَعِ
فمصرعُ مَن ولّى من الذُّلِّ هارباً / ببيضِ الوغا أو سُمرها غيرُ مَصرعِ
دعوا اليومَ ما عُوِّدتُمُ من تصبُّرٍ
دعوا اليومَ ما عُوِّدتُمُ من تصبُّرٍ / فإنّ نزاعي غالبٌ لنزوعي
فما القلبُ منّي فارغاً من تذكّرٍ / ولا العينُ منّي غيرَ ذات دموعِ
ولو كنتُ مسطيعاً جعلتُ صبابةً / مكان دموعي في البكاءِ نجيعي
ففيما تركتُ لا يُخاف تردُّدي / وفيما وهبتُ لا يُخاف رجوعي
وكيف بقائي لا أموت وإنّما / ربوعُ الأنامِ الهالكين ربوعي
وما أنَا إلّا منهُمُ وعليهِمُ / إِذا ما اِنقضى عمري يكون طلوعي
أَلَمْ ترَ هذا الدّهرَ كيف أَظَلّنا / على غفلةٍ منّا بكلِّ فظيعِ
وكيفَ اِنتقى عَظمِي وشرّد صَرْفُهُ / رُقادي وأودى عَنْوَةً بهجوعي
وجرّ على شوك القَتادِ أخامِصِي / وأضرم ناراً في يبيسِ ضلوعي
وأكرعنِي حزناً طويلاً ولم أكنْ / لغيرِ الّذي أختاره بكَروعِ
رمانِي بخطبٍ لا يكفكفُ وَقعهُ / سوابقُ أفراسِي ونسجُ دروعي
وما عاصِمي منه حُسامي وذابِلِي / ولا ناصري رَهْطِي به وجميعي
أتانِي ضُحىً لا دَرَّ دَرُّ مجيئه / فعاد وما هاب النّهارَ هزيعي
وضاعَفَ من شَجْوِي ورادف حزنَهُ / خضوعي عليه راغماً وخشوعي
وصيّر في وادي المصائبِ مسكني / وفي جانب الحزنِ الطّويل ربوعي
وقالوا بركن الدين ولّتْ يدُ الرَّدى / فخرّ صريعاً وهو خيرُ صريعِ
فشبّوا لهيبَ النّارِ بين جوانحي / وجثّوا أُصولي بالجَوى وفروعي
ومرّوا وقد أبقوا بقلبِيَ حَسْرةً / وذرّوا طويلَ اليَأس منه بروعي
فلو كنتُ أسطيع الفداءَ فديتُهُ / وأعيا بداء الموت كلُّ جميعي
وشاطرتُهُ عمري الّذي كان طالعاً / عليه بما أهواه خيرَ طلوعِ
وَقالوا اِصطَبر والصّبرُ كالصّبر طعمُهُ / إذا كان عن خَرْقٍ بغير رَقوعِ
وَعَن رَجلٍ لا كالرّجالِ فضيلةً / وعن جبلٍ عالِي البناءِ رفيعِ
وعزّاك مَن سقّاك كلَّ مرارةٍ / وحيّاك مَن لقَّاك كلَّ وجيعِ
ولو كنتُ أرجو عودَه لاِحتسبتُه / ولكنّه ماضٍ بغير رجوعِ
كأنِّيَ ملسوعٌ وقد قيل لِي مضى / وما كنتُ من ذي شوكةٍ بلَسيعِ
فأيُّ اِنتِفاعٍ بالرّبيع وإنّه / زَماني وقد ولّى الرّدى بربيعي
وَبِالعيشِ مِن بعد اِمرئٍ كان طيبه / ويُبدلُ منه ضيّقاً بوسيعِ
وبالمال من بعد الّذي كان مُخْلِفاً / لِكلِّ الّذي أفْنَته كفُّ مُضِيعِ
وبالعِرْضِ من دون الّذي كان رمحُهُ / يقارع عنه الدَّهرَ كلَّ قريعِ
ذَمَمْتُ سواك المالكين لأنّهمْ / تولَّوْا وما أوْلَوْا جميلَ صنيعِ
ولم تكُ منهمْ مِنَّةٌ بعد مِنَّةٍ / ولا نزعوا أثوابهمْ لنزيعِ
فكم بين مُعطٍ للأمانِي وسالبٍ / وبين مُجيعٍ لِي وقاتلِ جوعي
ولمّا رأيتُ الفضلَ فيه أطعتُه / وما زلتُ للأملاكِ غيرَ مطيعِ
ألمْ تَرَنِي لمّا بلغتُ فناءَه / عقرتُ بعيري أو قطعتُ نسُوعي
وقد علم الأقوامُ أنَّك فيهم الن / نفوعُ إذا لم يعثُروا بنفوعِ
وأنّك تُؤوي الخائفين من الورى / ذُرا كلِّ مَرهوب الشَّذاةِ رفيعِ
وأنّك لمّا صرّح الخوفُ في الوغى / بيومٍ صقيل الغُرّتين لَموعِ
وللخيلِ من نسج الغبارِ براقعٌ / وأجلالُها من صوبِ كلِّ نجيعِ
ولو لمْ تبضّعْ بالطّعانِ لحومُها / لآبَتْ وما سالتْ لنا ببضوعِ
أخذتَ لواءَ النّصرِ حتّى ركزتَه / بيُمناك من أرضِ اليقينِ بِقيعِ
ولم تهبِ البيضَ الصّوارمَ والقَنا / يَرِدْن إذا أُورِدْنَ ماءَ ضلوعِ
ولمّا ذكرتُ الموتَ يوماً وهَوْلَهُ / تقاصرَ خَطْوِي واِقشعرّ جميعي
وما أَنَا إلّا في اِنتظارٍ لزائرٍ / قَدومٍ على رغم الأُلوفِ طَلوعِ
يمزّق أَثوابَ الّذي كنتُ أكتسِي / وينزعها بالرّغمِ أيَّ نزوعِ
ويهدم ما شيّدتُهُ وبنيتُهُ / ويَحصُدُ من هذي الحياةِ زُروعي