المجموع : 6
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مكلماً
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مكلماً / كفاحاً وأبداه لعيني التواضعُ
وأرضعني ثدي الوجودِ تحققاً / فما أنا مفطومٌ ولا أنا راضعُ
ولم أقتل القبطيّ لكنْ زجرتُه / بعلمي فلم تعسر عليَّ المواضع
وما ذبح الأبناء من أجلِ سطوتي / ولا جاء شرّير ببطشي رافع
فكنت كموسى غير أني رحمة / لقومي فلم تحرمُ عليَّ المراضع
لغزتُ أموراً إن تحققت أمرها / بدا لك علمٌ عند رَبِّك نافع
إذا كان أنهار المعارفِ أربعة
إذا كان أنهار المعارفِ أربعة / على عدد الأخلاط والحكم أمعه
وذلك حكم الحقِّ في حقِّ خلقه / فأين يكون الشخصُ قال أنا معه
علمت بما في الغيب من كل كائن
علمت بما في الغيب من كل كائن / وما لا فما قلنا وما أدراك السمعُ
على أنني ما كنتُ إلا موحِّداً / بتوحيدِ فرق ما يخالطه جمعُ
علا الحقُّ في الإدراك عن كلِّ حادثٍ / وهل يدرك التنزيه ما قيد الطبعُ
علاه بها عقلاً وليس بذاته / وليس لمخلوقٍ على حمله وسع
عبيد وفي التحقيق ربٌ كصورةٍ / وليس له ضرٌّ وليس له نفع
عظيم على من أو جليلٌ من أجل من / تعالى فلا فطر لديه ولا صَدْع
عزيزٌ ذليلٌ بائسٌ ذو غنى / ولكن عمن إذ هو السيبُ والمنع
عبدناه بالفقرِ الذي قام عندنا / ولو قام ضدَّ الفقرِ لم ندرِ ما الصنع
علينا من التقوى رقيبٌ مُسلَّطٌ / نقيٌ وقيّ فهو لي الوتر والشفع
علوتُ عن التنزيه معنى وما علا / عن الحكمِ والتشبيه فليدع من يدعو
ألا إنني العبد المليكُ السميدع
ألا إنني العبد المليكُ السميدع / ولي منزلٌ من رحمةِ الله أوسعُ
ومن رحمةِ الله العظيمِ جوده / وهذا غريبٌ في العلومِ فاجمعوا
له كلَّ برهانٍ عسى تدركونه / وليس له في عالم الفكر موضع
لقد وسعَ الحقُّ المبينُ بصورة / إلى مجدها تعنو الوجوه وتخضع
أنا الأزليّ العينُ والمحدث الذي / له في قلوبِ الكونِ حظٌ وموقع
أنا فيضه السامي أنا عرشُ ذاته / أنا العالم العلويّ بل أنا أرفع
أنا العربيّ الحاتميّ أخو الندى / إلى حضرتي تغدو المطيُّ وترجع
ثقالاً وقد كانت بهم في وروده / خفافاً فتعدو للنوالِ وتوضع
لنا في زمانِ الخصبِ ملهىً وملعبٌ / وفي وقتِ جدبِ الأرض مَرعى ومَرتع
أنا عدله الساري أنا سرُّ كونه / أنا فضله الماضي الذي ليس يرجع
أنا المسجد الأقصى أنا الحرم الذي / إلى بيته تعدو النياق وتسرع
إلى مهبط الأسماءِ تقنعُ أرؤساً / ونحو استواءِ الأرض تسمو وترفع
إذا ما دعا داع تلبي من الحشى
إذا ما دعا داع تلبي من الحشى / هويته فهو المجيبُ لمن دعا
فما أنا إلا عينه ليس غيره / ولستُ بذي مزج ولا أنا بالوعا
فمن قال إن القول بالحدِّ واحد / فذلك قولٌ ليس يدريه من وعى
من العلم إلا رسمه لا وجوده / وإن مصيبَ الحقِّ من قال أجمعا
إذا عاينتْ عينٌ لعينٍ كلامه / على ألسن الأرسال بالحسِّ مصرعا
فلا بدَّ من صوتٍ يعين حرفه / ولا بدَّ من حرفٍ فقد ثبتا معا
فيا منكرَ التركيب في كلِّ ناطقٍ / وفي نطقه لو كنتَ بالحق مولعا
رأيت وجودَ الحقِّ عين كوائن / أمنت لها من غير أن تتصدّعا
إذا كان نظمي عين نثري فمن هما / فقل لهما يا صاح للحقِّ وارجعا
رعى الله عبداً منصفاً ذا حقيقة / كما أنه بالحقِّ للحقِّ قد رعى
إذا نظرت عيني فأنت الذي ترى
إذا نظرت عيني فأنت الذي ترى / وإن سمعت أذني فلستَ سوى سمعي
وإنَّ قوايا كلها ومحلها / وجودك يا سرِّي كما جاء في الشرعِ
ولا حكم من طبع إذا ما تكونه / فإن كنته كان التحكم للطبع
إذا كنت عيني حين أبصركم بكم / فقد أمنت عيناي من علة الصدع
إذا فَرَّقَت اسماؤه عين صورتي / على صورتي فيه أحن إلى الجمع
فاحمده حمدَ المحامد كلها / واشكره في حالة الضرِّ والنفع
وارقب أحوالي إذا كان عينها / واشهده في صورة الوهب والمنع
لقد أثرت لما أغارت جيادُه / بميدانه شحباً كثيراً من النَّقع
فما قرع بابِ الله والبابُ انتمُ / كما أنت ذاتي حين أشرعُ في القرعِ
واشهده عند اللوى وانعطافه / وإن كمال الحق في مشهد الجزعِ
وصورته في الدرِّ أكملُ صورة / وصورةُ عين الكونِ أكمل في الجزع
أما وجلال النازعاتِ وغرقها / لقد شهدت عيني الطوالع في النزع
إذا لم يكن فرعٌ لأصلِ وجودنا / وهل ثمر تجنيه إلا من الفرعِ
وصعقٌ وجودُ الحقِّ في دارِ غربتي / فلا صقعٌ أعلى في المنازلِ من صعقي
ألا إنه يخفي مع الوتر عينه / ويظهرها للعين في حضرةِ الشفع
ألا كل ما قد خامر العقل خمره / وإن كان في مزر وإن كان في تبع
لقد رفعت للعينِ أعلامُ هديه / وضمن كيد الحقِّ في ذلك الرفع
ولولا دفاعُ الله هدّت صوامع / لرهبان ديرٍ فالسلامةُ في الدفعِ
لقد سحت في شرقِ البلاد وغربها / وما حفيت نعلي ولا انقطعتْ شِسعي
وفي عرفات ما عرفت حقيقتي / ولا عرفت حتى أتيتُ إلى جمع
ولما شهدناها وجئت إلى منى / بذلت له بالنحر ما كان في وسعي
حصبتُ ندوّى جمرة بعد جمرة / ببضع من الأحجار بورك من بضع
ولما أتيتُ البيت طفتُ زيارة / حنينا بها من فوق أرقعة سبع
عنايةُ ربي أدركت كلَّ كائنٍ / من الناسِ في ختم القلوبِ وفي الطبع
ومن أجل ذا لم يدخل الكبر قلبهم / على موجد الصنع الذي جل من صنع
ولولا وجودُ السمع في الناس ما اهتدوا / وليس سوى علمِ الشريعةِ والوضع
فكم بين أهل النقلِ والعقلِ يا فتى / وهل تبلغ الألباب منزلة السمع