المجموع : 7
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ / مزاميرَ عزّافٍ أغاريدَ ساجعِ
لِطافاً بأفواه الرُّاة نوافذاً / إلى القلب يجري سحرهُا في المسامع
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها / وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين وقولِهم ْ : / أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ / أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً / لِطافاً مجاريها غِرارَ المنابع
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً / إذا لم أُشاورْهُ ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً / وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ / متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ / بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً / وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ / يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما / تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي / شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ / شَكاةٌ بأخرى دامياتِ المقاطع
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها / ولا هي مما يتقى بالمباضع
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها / برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ / نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع
حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني / حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع
وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً / وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع
وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً / لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع
تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً / من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع
تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها / على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي
على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ / تلوحُ له أشباحُها في الطلائع
فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ / يدٌ ويدٌ بين الحشا والأضالع
فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ / فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع
ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً / شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع
ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا / براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع
حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ / إلى القبرِ أخرى وهي أمُّ الفجائع
وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ / مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها / مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها / ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ / مليءٍ وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ / تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع / تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ / ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع
وكُنَّ بريقاً في عُيوني وهِزَّةً / بجسمي وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي
وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً / مِن النوم يَسري في العيون الهواجع
ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها / إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع
وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي / وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع
وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ / وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع
ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ / وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع
تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع / ورحتُ بوسقٍ من " أديبٍ " و " بارع "
وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ / خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع
وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ / بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع
ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ / أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع
طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً / حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع
وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي / وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي
ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى / ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع
رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي / سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع
وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ / فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع
نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني / على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع
أنا اليومَ إذ صانعتُ أحسنُ حالةً / وأُحدوثةً منّي كغير مصانع
خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها / إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي
بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه / إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع
وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا / حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع
تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي / تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي
فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ / ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع / وأشكو الليالي لو لشكواي تسمع
أكل زماني فيك هم ولوعة / وكل نصيبي منك قلب مروع
ولي زفرة لا يوسع القلب ردها / وكيف وتيار الأسى يتدفع
أغرك مني في الرزايا تجلدي / ولم تدر ما يخفي الفؤاد الملوع
خليلي قد شف السها فرط سهدها / فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأني وقد رمت المواساة في الورى / أخو ظمأ مناه بالورد بلقع
كأن ولاه الأمر في الأرض حرمت / سياستهم أن يجمع الحر مجمع
كأن الدراري حملت ما أبثه / إلى الليل من شكوى الأسى فهي ضلع
كأن بلاد الحر سجن لمجرم / وما جرمه إلا العلى والترفع
ستحملني عن مسكن الذل عزمة / باسعافه دون البرية أطمع
أرى لك في هذا التورع مقصداً / وإلا فما ضب الفلا والتورع
تلفعت بالتقوى وثوبك غيره / فلله ذياك الضلال الملفع
لعل زماناً ضيعتني صروفه / يرق فيرعى فيه قدر مضيع
وخلاً أساء الظن بي إن بدت له / حقيقة ما أخفي عن الشر يقلع
إليك زماني خذ حياة سئمتها / هي السم في ذوب الحشاشة ينقع
وإني وإن كنت القليل حماقة / فلي مبدأ عنه أحامي وأدفع
ولو أنني أعجلت خيفت بوادري / ولكن صبر الحر للحر أنفع
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا / يُجيد نِضالاً دونَها وقِراعا
وأعددْتُه للطارئاتِ ذَخيرةً / يُزيحُ عن الشرِّ الكمينِ قناعا
وألفيتُني في كلِّ خطبٍ يَنُوبُه / أُدافعُ عنه ما استطعتُ دِفاعا
وما في يدي إلاّ فؤادي أنَرْته / لِيُلْقي على سُودِ الخطوبِ شُعاعا
وكلّفْتُ نفسي أنْ تُحَقِقَ سُؤلْها / سِراعاً أو الموتَ الزؤامَ سراعا
وما ذاك إلاّ كالمؤدّي رسالةً / رأى كَتْمَها حَيْفاً بها فأذاعا
أهبتُ بشبانِ العراقِ وإنَّما / أردتُ بشعري أن أهيجَ سباعا
أنفْتُ لهذا النشءِ بينا نُريده / طويلاً على صدّ الكوارثِ باعا
يَدِبُّ الى البلوَى هزيلا كأنه / ربيبُ خُمولٍ نَشْأةً ورَضاعا
فما استَنْهضتْ منه الرزايا عزائماً / ولا أحْكَمَ التجريبُ منهُ طباعا
فلا هو بالجَلْدِ المُطيقِ احتمالها / ولا بالشُّجاعِ المستميتِ صراعا
فكم زعزعٍ ما حرّكَتْ منه ساكناً / وكم فُرَصٍ عنّت له فأضاعا
لقد طبقّ الجهلُ البلادَ وأطْبَقَت / على الصّمتِ شبانُ البلادِ جَماعا
وإنَّك لا تَدري أنشءاً مهذباً / تَسوقُ الرزايا أم تسوقُ رعاعا
بمصرَ ومصرٌ ما تزال طريدةً / شرى الظلمُ منها ما أراد وباعا
دويُّ شبابٍ أرْجَفَ الجورُ وقعَه / وزعزعَ من بُنيانِهِ فتداعى
لنا كلُّ هيئاتِ الشبابِ تَصَنُّعاً / وأزيائهم تمويهةً وخِداعا
وليس لنا إلاّ التطاحنُ بيننا / عِراكاً على موهومةٍ ونزاعا
هَلُمّوا الى النشء المثقّفِ واكشِفوا / حجاباً يُغَطّي سَوءةً وقناعا
تروا كلَّ مفتولِ الذراعين ناهداً / قصيراً إذا جدَّ النّضالُ ذِراعا
وكلَّ أنيقِ الثوبِ شُدَّ رباطُه / إلى عُنُقٍ يُعشي العيونَ لمَاعا
يموعُ إذا مسّ الهجيرُ رداءه / كما انحلَّ شَمْعٌ بالصِلاء فماعا
تراه خليَّ البالِ أن راح داهناً / وأن قد ذكا منه الأريجُ فضاعا
وليس عليه ما تكاملَ زيُّه / إذا عَرِىَ الخَلْقُ الكثيرُ وجاعا
وأن راحَ سوطُ الذُّلِ يُلهب أمةً / كراهِيَةً يستاقُها وطَواعا
ولم تُشجِهِ رؤياً وسمعاً قوارعٌ / يسوء عياناً وقعُها وسَماعا
وربَّ رءوسٍ بَرْزَةٍ عشّشت بها / خُرافاتُ جهلٍ فاشتكَيْنَ صُداعا
وساوسُ لو حققّتَها لوجدتَها / من المهدِ كانت أذؤباً وضباعا
بها نوّمَتَنْا الأمهاتُ تخوّفاً / وما أيقظتنا الحادثاتُ تِباعا
ومُرّوا بأنحاءِ العراقِ مُضاعةً / وزوروا قرىً موبوءةً وبقاعا
تروا من عِراقٍ ضاع ناساً تسوءكم / عراةٌ حفاةٌ صاغرين جياعا
وإنَّ شباباً يرقَبُ الموتَ جائعاً / متى اسطاعَ عن حوْضِ البلاد دفاعا
وإنَّ شباباً في التبذل غاطساً / متى كان درعاً للبلاد مَناعا
غَزَتْ أمم الغربِ الحياةَ تُريدُها / وما زوُدَّت غيرَ الشبابِ متاعا
رأى شعبه مُلكاً مُشاعاً لخيره / فأصبح مُلكاً للبلاد مشاعا
إذا أصحرتْ للخطب كان شبابُها / حصوناً منيعاتٍ لها وقلاعا
فقرَّبتِ الأبعادَ عزماً وِهمّةً / وأبدلَتِ الدهرَ المطاولَ ساعا
ونحن ادّخَرْنا عُدّةً من شبابِنا / هزيلاً ومنخوبَ الفؤاد يراعا
إذا ما ألّمت نكبةٌ ببلاده / مضى ناجياً منها وحلّ يفاعا
زوى الشعبُ عنه خيرَه ورفاهَه / فلو سِيمَ فَلْساً بالبلاد لباعا
يرى في الصناعاتِ احتقاراً ويزدهي / إذا طَمْأنَ التوظيفُ منه طماعا
وها نحن في عصرٍ يَفيضُ صناعةً / نرى كلَّ من حاك الحصيرَ صناعا
نقاوِمُ بالعود البوارِجَ تلتظي / ونعتاضُ عن حدّ البخارِ شِراعا
كَرُبْتُ على حالٍ كهذي زريَّةٍ / أقول لأحلامٍ حلمتُ وَداعا
على أنّني آسٍ لعقلٍ مهذَّبٍ / وقلبٍ شُجاعٍ أن يَروحَ ضياعا
وَجَدْتُ جباناً من وَجدْتُ مُهذَّباً / وَجَدْتُ جهولاً من وَجَدتُ شُجاعا!
وليل به نم السنا عن سدوفه
وليل به نم السنا عن سدوفه / فنمت بما تطوى عليه الأضالع
تلامع في عرض الأثير نجومه / كأن الدجى صدر وهن مطامع
رعيت به الآمال والنسر طائر / إلى أن تبدى الفجر والنسر واقع
خليلان مذهولان من هيبة الدجى / تطالعني من أفقها وأطالع
سجية مطوي الضلوع على الأسى / متى يرم السلوى تعقه المدامع
صريع أمان لم يقر به جاذب / لما يرتجي الا وأقصاه دافع
عمى لعيون الهاجعين وأسلموا / لحر الأسى جنباً قلته المضاجع
أفي العدل صدر لم تضق عنه أضلع / تضيق به الست الجهات الشواسع
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا / كفَى السَّجع فخراً محضُ إسمك إذ تدعى
أُحَيّيكَ فَذّاً في دِمشقَ وقبلَها / ببغدادَ قد حيَّيتُ أفذاذَكم جَمْعا
شكرناكَ : أنَّا في ضيافة نابغٍ / نُمتّعُ منه العينَ والقلبَ والسمعا
ذرفتُ – على أنْ لا يرانا بطرفه / وإنْ حسَّنا بالقلب – من أسفٍ دمعا
وكنَّا على آدابك الغُرِّ قبلَها / ضُيوفاً فما أبقيتَ في كرمٍ وُسْعا
نهضتَ بنا جيلاً وأبقيتَ بعدَنا / لأبنائنا ما يَحمدَون به المسعى
أبا الفكرِ تستوحي من العقل فذّه / وذا الأدبِ الغضِّ استثيرتَ به الطَّبعا
ويا سِحرَ موسى – إنَّ في كلّ بقعةٍ / لما تجتلي من آيةٍ حيَّةً تسعى
لكَ اللهُ محمولاً على كلّ خاطرٍ / ومِن كلّ قلبٍ رُحْتَ تحتلُّهُ ترعى
أُنَبّيكَ أنَّ " الرافدينِ " تطلَّعتْ / ضِفافُهما واستَنْهضَ الشَّجرُ الزرعا
نمى خبرٌ أنْ سوف تسَعى إليهما / فكادَ إليك النخلُ من طربٍ يسعى
وقد نذَرَ الصَّفصافُ وارفَ ظلَّه / عليك وأوصى – أنْ يساقيَكَ – النبعا
هلمَّ لشُطئانِ الفراتينِ واستمِع / أهازيجهَا تستطرفِ المعجِزَ البَدعا
وطارِحْ به سجعَ الحَمام فانَّه / لُهاثٌ على الجْرحى نُواحٌ على الصَّرعْى
ووأسِ عليه الرازحينَ من الهوى / وطّببْ هناكَ النازعاتِ بهِ نزعا
هناك تلمَّسْ " ضائعَ الحبّ " وافتقِد / ضحاياه وارأبْ للقُلوب به صَدعا
وجدِّدْ لنا عهدَ المْعريِّ : إنَّه / قضى وهوى بغدادَ يلذعُه لذعا
وكَّنا إذا ضاقتْ بلادٌ برائدٍ / أتانا فلا المُرتادَ ذمَّ ولا المراعى
إلى الآنَ في بغدادَ نستافُ مِسكةً / لناقتهِ مما أثارت بها نقعا
ونمزجُ من ماء الفراتينِ جَرعة / بذكراهُ مما عبَّ من صفوه جرْعا
ونهوى السفينَ الحائراتِ كأنْها / سفينتُه إذ تشتكي الأينَ والضَّلْعا
أجلْ قد خطفناها مخافةَ فُرقةٍ / وخشيةَ إزماعٍ نضيقُ به ذرعا
هلمَّ به ذرعاً إلى بغدادَ لا تخشَ خاطفاً / فانَّا نسجنا من " فريدٍ " لك الدرعا
سنحجزهُ نرتادُ ذكراك عنده / وينفَخنا من طيب أنفاسك الردعا
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني / على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ
له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه / لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع
وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه / وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي
ولا هو بالشئ المشرِّفِ أهلَه / إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع
ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى / تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع
مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ / وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع
يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جرئٍ غايةٍ / ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جرئٍ طبيعةً / على نكبات الدهر لا بالتطبّع
فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً / وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع
أحبَّتنا لو أُنزل الشوقُ والهوى
أحبَّتنا لو أُنزل الشوقُ والهوى / على قلب صخرٍ جامدٍ لتصدَّعا
خليليَّ ما أدنى الممات إلى الفتى / وأقربَ حبلَ العمرِ أنْ يتقطَّعا
ولمْ تطلُعِ الأقمارُ إلاَّ لتختفي / ولا عقربُ الساعات إلا لنُلسعا
فانْ لم يكن إلاَّ نهارٌ وليلةٌ / فما أجدرَ الإنسان أنْ يتمتَّعا
ولمَّا أبتْ أيَّمُنا غيرَ فُرقةٍ / ولم تُبْقِ في قوس التصبرُّ منزعِا
وكنَّا وفي كأس الرزايا صُبابةٌ / فما برِحتْ حتى شربناه أجمعا
نوينا فأزمعنا رحيلاً وما التوت / بنا نُوبُ الأيَّام إلاَّ لنُزمعا
نزلنا ففرَّقنا هموماً تجمَّعتْ / أبى صفو " شمرانات " أن تتجمَّعا
أحتىَّ لدى الجنَّاتِ أهفو إليكمُ / ويسمعني داعي الصبابة أنْ دعا
رعى الله أُم الحُسن " دَرْبندَ " إنَّنا / وجدنا بها روضاً من الصفو مُمرِعا
لقد سرَّنا منها صفاها وطيبَها / ولكن بكيناه جمالاً مضيَّعا
مَريعاً من الحُسن الطبيعيِّ لو سَعتْ / بنوه إلى إنعاشه كان أمرعا
قُرىٍ نظِّمتْ نظمَ الجُمانِ قلائداً / أو الدُّرِّ مُزداناً أو الماسِ رُصِّعا
صفوفٌ من الأشجار قابلْنَ مثلَها / كما مَصرعٌ في الشعر قابل مصرعا
نَظَمنا فأهدَينا القوافي بديعةً / وكانَ جمالُ اللهِ فيهنَّ أبدَعا
وقفتُ على النهر الذي من خريرِه / فرْعتُ من الشعر الالهيِّ مطلعا
لقد وقَّعتْ كفُّ الطبيعةِ لحنه / وشابهه في الشعر طبعي فوَّقعا