المجموع : 8
سَأُعرِضُ عَمَّن راحَ عَنِّيَّ مُعرِضاً
سَأُعرِضُ عَمَّن راحَ عَنِّيَّ مُعرِضاً / وَأُعلِنُ سُلواني لَهُ وَأَشيعُهُ
وَأَحجُزُ طَرفي عَنهُ وَهوَ رَسولُهُ / وَأَحجُبُ قَلبي عَنهُ وَهوَ شَفيعُهُ
وَكَيفَ تَرى عَيني لِمَن لا يَرى لَها / وَيَحفَظُ قَلبي في الهَوى مَن يُضيعُهُ
وَأَقسَمتُ لا تَجري دُموعي عَلى اِمرِئٍ / إِذا كانَ لا تَجري عَلَيَّ دُموعُهُ
فَلَو خانَ طَرفي ما حَوَتهُ جُفونُهُ / وَلَو خانَ قَلبي ما حَوَتهُ ضُلوعُهُ
تَكَلَّفتُ فيهِ شيمَةً غَيرَ شيمَتي / فَساءَ صَنيعي حينَ ساءَ صَنيعُهُ
وَأَصبَحتُ لا صَبّاً كَثيراً وُلوعُهُ / وَأَمسَيتُ لا مُضنىً قَليلاً هُجوعُهُ
بِمَن يَثِقُ الإِنسانُ فيما يَنوبُهُ / لَعَمرُكَ مَطلوبٌ يَعِزُّ وُقوعُهُ
أَأَعظَمُ مِن قَلبي عَلَيَّ مَعَزَّةً / وَإِنِّيَ في هَذا الهَوى لَصَريعُهُ
وَأَكرَمُ مِن عَيني عَلَيَّ وَإِنَّها / لَتُظهِرُ سِرّي لِلعِدى وَتُذيعُهُ
تُكَلِّمُني بِالأَرمَنِيَّةِ جارَتي
تُكَلِّمُني بِالأَرمَنِيَّةِ جارَتي / أَيا جارَتي ما الأَرمَنِيَّةُ مِن طَبعي
وَيا جارَتي لَم آتِ بَيتِكِ رَغبَةً / وَلا أَنتَ مَن يُرجى لِضَرٍّ وَلا نَفعِ
دَعاني إِلَيكِ اللَيلُ وَالأَينُ وَالسُرى / فَصادَفتُ أَمراً ضاقَ عَن بَعضِهِ وُسعي
كَلامُكِ وَالدولابُ وَالطَبلُ وَالرَحى / فَلَم أَدرِ ما أَشكوهُ مِن ذَلِكَ الجَمعِ
كَلامُكِ فيهِ وَحدَهُ لي كِفايَةٌ / كَأَنَّ صُخوراً مِنهُ تُقذَفُ في سَمعي
لَكِ اللَهُ ما لاقَيتِ ياعَرَبِيَّتي / وَماذا الَّذي عُوِّضتِ بِالبانِ وَالجِزعِ
سَأَدعو عَلى الجُردِ الجِيادِ لِأَنَّها / سَرَت فَأَتَت بي وادِياً غَيرَ ذي زَرعِ
رُوَيدَكَ قَد أَفنَيتَ يا بَينُ أَدمُعي
رُوَيدَكَ قَد أَفنَيتَ يا بَينُ أَدمُعي / وَحَسبُكَ قَد أَضنَيتَ يا شَوقُ أَضلُعي
إِلى كَم أُقاسي فُرقَةً بَعدَ فُرقَةٍ / وَحَتّى مَتى يا بَينُ أَنتَ مَعي مَعي
لَقَد ظَلَمَتني وَاِستَطالَت يَدُ النَوى / وَقَد طَمِعَت في جانِبي كُلَّ مَطمَعِ
فَلا كانَ مَن قَد عَرَّفَ البَينَ مَوضِعي / لَقَد كُنتُ مِنهُ في جَنابٍ مُمَنَّعِ
فَيا راحِلاً لَم أَدرِ كَيفَ رَحيلُهُ / لِما راعَني مِن خَطبِهِ المُتَسَرِّعِ
يُلاطِفُني بِالقَولِ عِندَ وَداعِهِ / لِيُذهِبَ عَنّي لَوعَتي وَتَفَجُّعي
وَلَمّا قَضى التَوديعُ فينا قَضاءَهُ / رَجَعتُ وَلَكِن لا تَسَل كَيفَ مَرجِعي
فَيا عَينِيَ العَبرى عَلَيَّ فَأَسكِبي / وَيا كَبِدي الحَرّى عَليهِم تَقَطَّعي
جَزى اللَهُ ذاكَ الوَجهَ خَيرَ جَزائِهِ / وَحَيَّتهُ عَنّي الشَمسُ في كُلِّ مَطلَعِ
وَيارَبَّ جَدِّد كُلَّما هَبَّتِ الصَبا / سَلامي عَلى ذاكَ الحَبيبِ المُوَدَّعِ
قِفوا بَعدَنا تَلقَوا مَكانَ حَديثِنا / لَهُ أَرَجٌ كَالعَنبَرِ المُتَضَوِّعِ
فَيَعلَقَ في أَثوابِكُم مِن تُرابِهِ / شَذا المِسكِ مَهما يُغسَلِ الثَوبُ يَسطَعِ
أَأَحبابَنا لَم أَنسَكُم وَحَياتِكُم / وَما كانَ عِندي وُدُّكُم بِمُضَيَّعِ
عَتَبتُم فَلا وَاللَهِ ما خُنتُ عَهدَكُم / وَما كُنتُ في ذاكَ الوَدادِ بُمِدَّعي
وَقُلتُم عَلِمنا ما جَرى مِنكَ كُلَّهُ / فَلا تَظلِموني ما جَرى غَيرَ أَدمُعي
كَما قُلتُمُ يَهنيكَ نَومُكَ بَعدَنا / وَمِن أَينَ نَومٌ لِلكَئيبِ المُرَوَّعِ
إِذا كُنتُ يَقظاناً أَراكُم وَأَنتُمُ / مُقيمونَ في قَلبي وَطَرفي وَمِسمَعي
فَما لِيَ حَتّى أَطلُبَ النَومَ في الهَوى / أَقولُ لَعَلَّ الطَيفَ يَطرُقُ مَضجَعي
مَلَأتُم فُؤادي في الهَوى فَهوَ مُترَعٌ / وَلا كانَ قَلبٌ في الهَوى غَيرَ مُترَعِ
وَلَم يَبقَ فيهِ مَوضِعٌ لِسِواكُمُ / وَمَن ذا الَّذي يَأوي إِلى غَيرِ مَوضِعِ
لَحى اللَهُ قَلبي هَكَذا هُوَ لَم يَزَل / يَحِنُّ وَيَصبو لا يَفيقُ وَلا يَعي
فَلا عاذِلي يَنفَكُّ عَنِّيَ إِصبَعاً / وَقَد وَقَعَت في رَزَّةِ الحِبِّ إِصبَعي
لَئِن كانَ لِلعُشّاقِ قَلبٌ مُصَرَّعٌ / فَما كانَ فيهِم مَصرَعٌ مِثلُ مَصرَعي
وَقائِلَةٍ لَمّا أَرَدتُ وَداعَها
وَقائِلَةٍ لَمّا أَرَدتُ وَداعَها / حَبيبي أَحَقّاً أَنتَ بِالبَينِ فاجِعي
فَيا رَبَّ لا يَصدُق حَديثٌ سَمِعتُهُ / لَقَد راعَ قَلبي ماجَرى في مَسامِعي
وَقامَت وَراءَ السَترِ تَبكي حَزينَةً / وَقَد نَقَبَتهُ بَينَنا بِالأَصابِعِ
بَكَت فَأَرَتني لُؤلُؤاً مُتَناثِراً / هَوى فَالتَقَتهُ في فُضولِ المَقانِعِ
فَلَمّا رَأَت أَنّ الفِراقَ حَقيقَةٌ / وَأَنّي عَلَيهِ مُكرَهٌ غَيرُ طائِعِ
تَبَدَّت فَلا وَاللَهِ ما الشَمسُ مِثلَها / إِذا أَشرَقَت أَنوارُها في المَطالِعِ
تُسَلِّمُ بِاليُمنى عَلَيَّ إِشارَةً / وَتَمسَحُ بِاليُسرى مَجاري المَدامِعِ
وَما بَرِحَت تَبكي وَأَبكي صَبابَةً / إِلى أَن تَرَكنا الأَرضَ ذاتَ نَقائِعِ
سَتُصبِحُ تِلكَ الأَرضُ مِن عَبَراتِنا / كَثيرَةَ خِصبٍ رائِقِ النَبتِ رائِعِ
أَأَحبابَنا بِالرَغمِ مِنّي فِراقُكُم
أَأَحبابَنا بِالرَغمِ مِنّي فِراقُكُم / وَيا طولَ شَوقي نَحوَكُم وَوَلوعي
أَطَعتُ الهَوى بِالكُرهِ مِنِّيَ لا الرِضا / وَلو خَيَّروني كُنتُ غَيرَ مُطيعِ
حَفِظتُ لَكُم ماتَعهَدونَ مِنَ الهَوى / وَلَستُ لِسِرٍّ بَينَنا بُمُضيعِ
فَإِن كُنتُمُ بَعدي سَلَوتُم فَإِنَّني / سَلَوتُ وَلَكِن راحَتي وَهُجوعي
سَلوا النَجمَ يُخبِركُم بِحالِيَ في الدُجى / وَلا تَسأَلوا عَمّا تَجِنُّ ضُلوعي
قِفوا تَسمَعوا مِن جانِبِ الغَورِ أَنَّني / فَقَد أَسمَعَت مَن كانَ غَيرَ سَميعِ
وَإِن لاحَ بَرقٌ فَهوَ نارُ صَبابَتي / وَإِن راحَ سَيلٌ فَهوَ ماءُ دُموعي
وَذا العامَ قالوا أَمرَعَ الغَورُ كُلُّهُ / وَما كانَ لَولا دَمعَتي بِمَريعِ
فَيا قَمَري مُذ غِبتَ أَوحَشتَ ناظِري / لَعَلَّكَ لَيلاً مُؤنِسي بِطُلوعِ
وَما أَنا في العُشّاقِ أَوَّلَ هالِكٍ / وَأَوَّلَ صَبٍّ بِالفِراقِ صَريعِ
وَإِن كَتَبَ اللَهُ السَلامَةَ أَنَّني / إِلَيكُم وَإِن طالَ الزَمانُ رُجوعي
حَبيبي عَلى الدُنيا إِذا غِبتَ وَحشَةٌ
حَبيبي عَلى الدُنيا إِذا غِبتَ وَحشَةٌ / فَيا قَمَراً قُل لي مَتى أَنتَ طالِعُ
لَقَد فَنِيَت روحي عَلَيكَ صَبابَةً / فَما أَنتَ يا روحي العَزيزَةَ صانِعُ
سُرورِيَ أَن تَبقى بِخَيرٍ وَنِعمَةٍ / وَإِنّي مِنَ الدُنيا بِذَلِكَ قانِعُ
فَما الحُبُّ إِن ضاعَفتُهُ لَكَ باطِلٌ / وَلا الدَمعُ إِن أَفنَيتُهُ فيكَ ضائِعُ
وَغَيرُكَ إِن وافى فَما أَنا ناظِرٌ / إِلَيهِ وَإِن نادى فَما أَنَ سامِعُ
كَأَنِّيَ موسى حينَ أَلقَتهُ أُمُّهُ / وَقَد حَرِمَت قِدماً عَلَيهِ المَراضِعُ
أَظُنُّ حَبيبي حالَ عَمّا عَهِدتُهُ / وَإِلّا فَما عُذرٌ عَنِ الوَصلِ مانِعُ
فَقَد راحَ غَضباناً وَلي ما رَأَيتُهُ / ثَلاثَةُ أَيّامٍ وَذا اليَومُ رابِعُ
أَرى قَصدَهُ أَن يَقطَعَ الوَصلَ بَينَنا / وَقَد سَلَّ سَيفَ اللَحظِ وَالسَيفُ قاطِعُ
وَإِنّي عَلى هَذا الجَفاءِ لَصابِرٌ / لَعَلَّ حَبيبي بِالرِضى لِيَ راجِعُ
فَإِن تَتَفَضَّل يا رَسولي فَقُل لَهُ / مُحِبُّكَ في ضيقٍ وَعَفوُكَ واسِعُ
فَوَاللَهِ ما اِبتَلَّت لِقَلبِيَ غُلَّةٌ / وَلا نَشِفَت مِنّي عَليهِ المَدامِعُ
تَذَلَّلتُ حَتّى رَقَّ لي قَلبُ حاسِدي / وَعادَ عَذولي في الهَوى وَهوَ شافِعُ
فَلا تُنكِروا مِنّي خُضوعاً عَهِدتُمُ / فَما أَنا في شَيءٍ سِوى الحُبِّ خاضِعُ
وَأَسوَدَ عارٍ أَنحَلَ البَردُ جِسمَهُ
وَأَسوَدَ عارٍ أَنحَلَ البَردُ جِسمَهُ / وَما زالَ مِن أَوصافِهِ الحِرصُ وَالمَنعُ
وَأَعجَبُ شَيءٍ أَنَّهُ الدَهرَ حارِسٌ / وَليسَ لَهُ عَينٌ وَليسَ لَهُ سَمعُ
أَما آنَ لِلبَدرِ المُنيرِ طُلوعُ
أَما آنَ لِلبَدرِ المُنيرِ طُلوعُ / فَتُشرِقَ أَوطانٌ لَهُ وَرُبوعُ
فَيا غائِباً ما غابَ إِلّا بِوَجهِهِ / وَلي أَبَداً شَوقٌ لَهُ وَوَلوعُ
سَأَشكُرُ حُبّاً زانَ فيكَ عِبادَتي / وَإِن كانَ فيهِ ذِلَّةٌ وَخُضوعُ
أُصَلّي وَعِندي لِلصَبابَةِ رِقَّةٌ / فَكُلُّ صَلاتي في هَواكَ خُشوعُ
أَأَحبابَنا هَل ذَلِكَ العَيشُ عائِدٌ / كَما كانَ إِذ أَنتُم وَنَحنُ جَميعُ
وَقُلتُم رَبيعٌ مَوعِدُ الوَصلِ بَينَنا / فَهَذا رَبيعٌ قَد مَضى وَرَبيعُ
لَقَد فَنِيَت ياهاجِرونَ رَسائِلي / وَمَلَّ رَسولٌ بَينَنا وَشَفيعُ
فَلا تَقرَعوا بِالعَتبِ قَلبي فَإِنَّهُ / وَحَقِّكُمُ مِثلُ الزُجاجِ صَديعُ
سَأَبكي وَإِن تَنزِف دُموعي عَلَيكُم / بَكَيتُ بِشِعرٍ رَقَّ فَهوَ دُموعُ
وَما ضاعَ شِعري فيكُمُ حينَ قُلتُهُ / بَلى وَأَبيكُم ضاعَ فَهوَ يَضوعُ
أُحِبُّ البَديعَ الحُسنِ مَعنىً وَصورَةً / وَشِعرِيَ في ذاكَ البَديعِ بَديعُ