المجموع : 6
أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ
أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ / ضِياؤك وَعدٌ للمحبين جامعُ
أطالعَةٌ بين الغيومِ كأنها / مُخَدَّرةٌ تنجابُ عنها البراقع
أرى ليلتي في الروضِ مثلي حزينةً / تنوحُ وتبكي والعيونُ هواجع
إليّ انظري إني إليكِ لناظرٌ / فيا حبذا منك السنى والمَرابع
ففي القبَّةِ الزرقاءِ نورُكِ مُشرِقٌ / ونوري على وَجهِ البَسيطَة لامع
إليكِ يحنُّ القلب في ظلمة الأسى / وتشتاقُ مرآكِ الجفونُ الدوامع
فكم آنسَ العشاقَ في سمراتهم / ضياءٌ على كلّ البريّةِ ساطِعُ
أطلّي على أطلالهم وقبورِهم / وولّي عليها كي تصانَ الودائع
فيا ليت نفسي في سناك مقيمة / فقد راعَها لونٌ من الأرضِ سافِع
وما هي إلا ذاتُ نورٍ تدَهورت / إلى ظلمةٍ فاستعبدتها المطامِع
ولكنها عند التَّذكُّرِ تنتمي / إلى الملإ الأعلى فتقوى المنازِع
ليالي النّوى حتّامَ ترخينَ برقعا
ليالي النّوى حتّامَ ترخينَ برقعا / لينتابني ذكرُ الأحبَّةِ أفجعا
فتنظمنَ من دمعي عقوداً ثمينةً / يُعَدُّ لها شِعري من الخلدِ مَوضِعا
أنارت دجاكنَّ المدامعُ فاهتَدى / إِلى الصبرِ قلبٌ لن يملَّ ويجزعا
ولما رأيتُ اليأسَ يحملُ خنجراً / حكمتُ عليهِ أن يظلَّ مدرَّعا
فما الكوكبُ السيّارُ إن ذرَّ مُشرقاً / بأجملِ منهُ في دُجَى الخَطبِ مطلعا
خمائلكنَّ الزافراتُ سمعنَني / أنوحُ وأهوى إن يَنُحنَ وأسمعا
وموجاتكنَّ الهادراتُ رأينني / أُشير إلى النّجمِ البعيدِ مودّعا
وأنفاسكن العاطراتُ حملنَ لي / زفيراً وشعراً من شذا المسكِ أضوعا
ذكرتُ الليالي السالفاتِ فلُحنَ لي / يُزَحزحنَ عن وجهِ السّعادةِ برقعا
ومثَّلنَ لي طيفَ الفتوَّةِ باسماً / يمدُّ لضمّاتِ المعاطفِ أذرعا
نعم كنتُ فتاناً لكلِّ خريدةٍ / وكانَ فؤادي للمحاسنِ مَرتعا
تولّينَ بيضاً باسماتٍ لبهجتي / وجئتنَّ سوداً لا تنوِّلنَ مطمعا
فيا حبّذا تِلكَ الليالي وطيبُها / وهيهاتِ أن تصغي إليّ وترجعا
أُحاولُ فيكنَّ التناسي لأنني / رأيتُ التناسي للمحبّينَ أنفعا
ولكنَّ تذكاراً مذيباً لِمهجتي / يمرُّ فأبقى منه ولهانَ مولعا
أيا ليلةً بينَ الليالي عَشِقتُها / أسرِّي إِلى قلبي كلاماً مشجِّعا
تمرّينَ بيضاءَ الوشاحِ خفيفةً / تجعِّدُ منكِ الريحُ بُرداً ومقنعا
وتزفرُ للأطيابِ نفّاثةً كما / سَمعتِ لأنفاسِ المشوقِ تقطعا
إذا زرتِ هاتيكَ الربوعَ وأهلها / تهزّينَ من بيضِ الأمانيّ مَضجعا
هنالكَ أمٌّ تذرفُ الدّمعَ فاعبري / برفقٍ لتَسلوني قليلاً وتهجعا
وأوصي كذا من جانبِ الشّرقِ نجمةً / تقولُ لها لا بدَّ أن نتَجَمَّعا
وإني لاستَحلي جبينَك شاحباً / وشَعرك مُرخىً بالنجومِ مرصّعا
وأصبو إِلى حفّاتِ أذيالكِ التي / عَليها جَرى دَمعي ودمعُ النّدى معا
وفي ذلك الروضِ الكثيفِ بحيرةٌ / نثرتُ عَليها عقدَكِ المتقطّعا
كحباتِه ضاءت عيونُ أحبتي / بقَلبي فكانت منه أغلى وأسطعا
بدمعِ النّدى هَل تذكرينَ مواقفي / هنالك أرعى بَدرَكِ المتطلعا
يلوحُ ويخفى كالسعادةِ هازلاً / خجولاً بشفَّافِ الغمامِ مُلفَّعا
أرى بسماتِ الصبحِ تبدو على الرُّبى / فهل حانَ أن أحني جبيني مودّعا
حنانيكِ مهلاً لا تمّري سريعةً / فإنّ مِنَ الإسراعِ للصبِّ مَصرعا
خُذي لكِ شيئاً من زَفيري ومَدمعي / وأبقيه ذكراً بينَ نهدَيكِ مُودَعا
وهاتي لقلبي من خمارِك نفسةً / لعلَّ له منها شفاءً ومقنعا
قِفي نتَشاكى بينَ ماءٍ وخضرةٍ / فلا يتباكى من بكى متوجِّعا
فنذكر منسيّاً وننضرُ ذابلاً / وننشرُ مطويّاً ونمطرُ مربعا
سنونَ ثلاثٌ من شبابي تصرّمت / وما تَشتهيه النفسُ يهربُ مُسرعا
عريتُ كما يعرى من الرّيشِ طائرٌ / فأصبحَ شِعري للنواحِ مُرَجِّعا
بما جدتِ لي من بهجةٍ وسكينةٍ / تذيبانِ قلبي لذةً وتخشُّعا
لئن جاءَ بعدي عاشقٌ يذكرُ الهوى / ويشكو نوىً فيها الشبيبة ضَيّعا
ويُلقي جبيناً في ذراعَيكِ مُثقَلاً / فقولي له ذيّاكَ لم يُبقِ مَنزعا
كثيرون ناحوا مثلهُ وتألّموا / فلم أرَ صبّاً منهُ أصبَى وأوجعا
سأجعل نجمي ساطعاً فوقَ رَمسِهِ / فقد كان ذا نفسٍ من النَّجمِ أرفعا
قَضى الدهرُ أن أهواكَ غير مُمتَّعِ
قَضى الدهرُ أن أهواكَ غير مُمتَّعِ / فلم نجتمع يوماً ولم نتودَّعِ
إذا لم يكن لي في السّلام تعلَّةٌ / رضيتُ وداعاً منهُ علّةَ مُوجَع
ولكنَّ من يَهوى كثيراً منالُهُ / قليلٌ فما أشقى الفَتى بالتولُّع
وهذا نصيبُ الطِّيبينَ فطالما / شكوتُ الذي أشكوهُ غيرَ مشفَّع
فأنتَ نَسيبي والقرابةُ بيننا / شعورٌ وفهمٌ فاسترح وترفَّع
عهدتُك طَلقَ الوجهِ والكفِّ للألى / رَجوكَ فلم تَمنَع ولم تتمنَّع
وكنتَ كريماً عسرُهُ مثلُ يُسرهِ / أبى عزَّةً أو عفةً ذلَّ مَطمَع
فما ضاع دمعُ الأهلِ والصحبِ في الأسى / وقد كنتَ للأحبابِ غيرَ مضيّع
نُعيتَ فكان الحزنُ للناسِ شاملاً / ونَعيُكَ للأحبابِ غيرَ مضيّع
فلا كان يومٌ قيلَ في صُبحهِ قَضى / عميدٌ فأنسُ الدّارِ وحشةُ بَلقَع
لقد شهدت أطوادُ لبنانَ هولَهُ / فكادت تهي من هيبةٍ وتخشّع
تمثّلَ يومُ الحشرِ فيهِ ونورُهُ / ظلامٌ كأنَّ الجوَّ وجهُ مقنَّع
فلم أرَ فرقاً بينَ عرسٍ ومأتم / لما كانَ في ذاكَ الحفالِ المجمَّع
فُجِعنا بمن إحسانُه مثلُ حسنهِ / وأيُّ محبٍّ عاشَ غيرَ مروّع
وجدنا على روقِ الشّبابِ بدَمعِنا / فكان كغيثٍ فوقَ ريانَ مُمرع
وأصعبُ شيءٍ فرقةٌ بعد إلفةٍ / فكم مهجةٍ منها تسيلُ بمدمع
فما أوجد الإخوانُ والأخواتُ في / مماتِ الذي قد كان بهجةَ أربُع
مَضى وقلوبُ الصَّحبِ حوليه جمةٌ / وأدمعُهم ماءٌ على نارِ أضلع
ومن ذا يردُّ الموتَ عنهُ وقد سطا / على كلِّ ذي عرشٍ وجيشٍ مدرَّع
فلو أنه يفدَى ببعض حياتنا / لجدنا له من كل عمر بأربع
ولم نكُ يوماً آسفينَ لأنّنا / نُقاسمهُ ما هانَ عند التفجُّع
ويا حبّذا ما كان منه وذِكرُهُ / لهُ نفحاتُ الفاغمِ المتضوّع
فأنّى لنا ذيّالِكَ الظرفُ والنَّدى / وتِلكَ السَّجايا بعد أهولِ مَصرَع
ولطفُ ابتِسامٍ في عذوبةِ مَنطقٍ / وحسنُ كلامٍ في حديثٍ منوَّع
فكيفَ أُعزّي أهلهُ وأنا الذي / يُشارِكُهم في حزنِهم غيرَ مدّع
ألا يا أخا الفتيانِ كيفَ تركتَنا / فأوحَشتَ منا كلَّ قلبٍ ومَوضع
عزيزٌ علينا أن تواريكَ تربةٌ / فتفقدُ منكَ الدارُ أجملَ مطلع
ولو فزتُ قبلَ الموتِ منكَ بنظرةٍ / لكانت عزاءً لي على غيرِ مقنع
ولكنَّ نفسي لاعها الموتُ في النَّوى / وليست على مرأى حبيبٍ ومسمع
ترنَّحتَ غصناً مزهراً في خَميلةٍ / غدا بعد طلِّ الصبحِ يُسقى بأدمع
تناثرَ مِنكَ الزَّهرُ وارتحلَ الشّذا / فبعدَكَ لا أرجو ربيعاً لمربع
وكنتَ حبيبَ الكلِّ في علو مجلسٍ / فبتَّ فقيدَ الكلَّ في عمقِ مضجع
عزاءً ذوي القُربى فما المرءُ خالدٌ / ولو حازَ دَهراً ملكَ كِسرى وتُبّع
تأسّوا بإخوانٍ أُصيبوا بإخوةٍ / فما الأرضُ إِلا مرقدٌ بعد مرتع
لقد ذهبت تلكَ الأماني الخوادعُ
لقد ذهبت تلكَ الأماني الخوادعُ / وما هي يوماً للضَّعيفِ خواضعُ
فكانت سراباً لاحَ ماءً لِظامئٍ / ومَن لي بها فالوهمُ في الهمِّ نافع
ففي الدّمنَة الخضراءِ تعليلُ رائدٍ / بهِ في زمانِ الجدبِ تَنبُو المرابع
إليكِ فؤادي قد صَبا أيها الصَّبا / ولو كانتِ الآمالُ فيكَ تُخادِع
أعِدها وعُد فالقلبُ ليسَ بمُشتفٍ / ولا مُكتفٍ والطَّرفُ سَهرانُ دامِع
مَرَرتَ ومرَّت كالخيالاتِ في الكرى / وما أقصرَ اللذَّاتِ والمرءُ هاجع
قرأتُ رواياتٍ وعند انتِهائها / قبَضتُ على ريحٍ وزالت مطامع
وقد أورَثتني ضعفَ قلبِ وهمّةٍ / بدائعُ فيها للنفوسِ خدائع
وطالعتُ أشعاراً وأنشَدتُ بعَضَها / وأبياتُها مثلَ البروقِ لوامع
فذقتُ الهوى العذريَّ في كأسِ شاعرٍ / وقد مُزجَت بالسمِّ والسمُّ ناقع
فما صدَقت بالخبرِ أخبارُ كاذبٍ / وذلكَ طيفٌ زَخرَفتهُ المضاجع
فيا خَيبةَ المسعى ويا ضَيعةَ الهوى / لدى صنمٍ عنهُ تُزاحُ البراقع
لعلَّ وليتَ الآنَ لا يَنفَعانني / وما في الترجِّي والتمنّي منافع
على صغَري في السنّ أَكبرتُ بلوتي / وقد أُغلقَت مني الحشى والمسامع
وفي القلب لا صوتٌ يرنُّ ولا صدى / وكيفَ ومن حولي الديارُ بلاقِع
قبَضتُ على جمر ليخمدَ في يَدي / فعدتُ وقد ذابت عليه الأصابع
وما المرءُ بينَ الناسِ إلا كطائرٍ / يُعالجُ أشراكاً وخصمٌ يصارع
فيا حبّذا ركبُ السفينِ وحبَّذا / محيطٌ خِضمٌّ فوقهُ النَّجمُ ساطع
لعلّ مِنَ الأسفارِ تنفيس كربتي / فمن كان مثلي عرَّفتهُ الوقائع
فأُصبح ذا مالٍ ومجدٍ ورفعةٍ / وصيتي كذا في الشَّرقِ والغرب ذائع
رَغبتُ عَنِ العلمِ الذي هو شقوتي / وماذا يُفيدُ العلمُ والعلمُ ضائع
فما لابسٌ صوفاً خشيناً لفقرهِ / كلابسِ خَزٍّ عندَهُ المالُ شافع
توالت ليالي الحبّ وهي سراعُ
توالت ليالي الحبّ وهي سراعُ / وما الوَصلُ إلا رؤيةٌ وسماعُ
وكنتُ أُمنِّي النفسَ حتى إذا انقَضَت / تَبيَّنَ لي أنَّ الرجاءَ خِداع
أليفَةَ هذي الرُّوحِ قد كان حبُّنا / سلاماً وأَمَّا اليومَ فهو وداع
فما أَلمي إِلا بما فيهِ لذَّتي / وإنَّ عذابَ المطلِ منك نِزاع
قضى الدَّهرُ أن أحيا شقيّاً مروَّعاً / ففي القربِ نفسي والبعادِ تُراع
قِفي زَوِّديني من جمالِكِ ساعةً / ففي القلبِ والعينَينِ منهُ شُعاع
وإن تذكُري بعدي مواقف حبِّنا / تأكَّدتُ أن العهدَ ليس يُضاع
كما شئتِ كوني إنني لكِ عاشقٌ / ولي فيكِ أوطارٌ ومنكِ دِفاع
سأرجِعُ يوماً والهوى في مكانهِ / فحبُّكِ حبٌّ ليسَ فيهِ صِراع
ودَمعُكِ في خدَّيَّ منه بلالةٌ / وطيبُكِ في كفيَّ منه رداع
لكَ الويلُ يا قلبي فذُب أو تصَدَّعِ
لكَ الويلُ يا قلبي فذُب أو تصَدَّعِ / كفاكَ عذاباً بينَ حبٍّ ومَطمَعِ
سَئمتُ من الأيامِ وهيَ قصيرةٌ / فكيفَ إذا طالت وطالَ توجُّعي
وأعرَضتُ عن دُنيا نفضتُ غُبارَها / وباتَ عزائي من قنوطِ المودِّع
وقلتُ لسلمى لن ترُوحي وتغتَدي / بقلبٍ رفيعٍ في النُّهى مترفِّع
نصَبتِ لنا في المُقلتَينِ حبالةً / وخلَّفِتنا صَرعى بأهولِ مَصرَع
لحاظُكِ أسيافٌ تجَرَّدُ للرَّدَى / ولفظُكِ سمٌّ في فؤادٍ ومَسمَع
فسمُّكِ لا يُؤذي طبيباً مجرَّباً / وسيفُكِ يَنبو عن شجاعٍ مدرَّع
سأخلصُ من أسرِ الغرامِ وقَيدِهِ / وألعنُ منهُ ما فقَدتُ وما معي
فسيري جزاكِ اللهُ خيراً لأنني / خلعتُكِ من أُذني وعَيني وأضلعي