المجموع : 15
أَرِقْتُ فرَّقَتْ لي البُدورُ الطَوالعُ
أَرِقْتُ فرَّقَتْ لي البُدورُ الطَوالعُ / وَنَحت فَناحَت لي الطُيور السَواجعُ
وَأَسكرني مَسرى الصَبا عَن أَحبَتي / فَملت فَمالَت بي الغُصون اليَوانع
فَبت وَلَيلي لَيل يَأس وَوحدة / وَقَد شغلت عَني العُيون الهَواجع
أُردّدُ لِلأَعقاب رَأياً وَفكرةً / لَها بَين غارات الأَماني مَصارع
أُناجي ضَميري ذكر خل وَصاحب / وَقَد ذَهبت تَتَرى العُيون الهَوامع
فَشُكراً لِأَفكار الكِرام وَوَحدتي / لَقَد وَاصلاني وَالأَحبا قَواطع
فَللهمِّ عِندي أَيُّ أَيدٍ كَريمةٍ / أَقلّ وَفاها أنَّها لا توادع
وَيَعجب قَوم أنَّني لا أَذمها / وَتِلكَ الَّتي عَني الفَراغ تُمانع
نعم إِنَّها وَفّت وَقَد خانَ غَيرُها / فَأَمسَت لَها دُون السُرور الصَنائع
وَحَمداً لِدَمعٍ ردّ نارَ حشاشتي / وَإِن فَضحت أَهلَ الهُموم المَدامع
أَلا مَرحباً بِالهمِّ وَالوَقتُ وَقتُه / وَأَهلاً بِهِ قَد زارَ وَالغَير خاشع
وَبئساً لِأَوقات المَسرات إِنَّها / سَحابة صَيفٍ أَو بُروقٌ لَوامع
تُسيء إِذا وَلت بِتذكار أُنسها / وَإِن أَقبلت كانَت غُروراً تخادع
يَقولون لي إِن الشَدائد محنةٌ / فَقُلت وَلَكن الرَخاء مَصانع
بَلى إِنَّها تَهدي التَجارب لِلفَتى / فَتُعرَفُ أَخلاقٌ وَتصفو طَبائع
وَإِني أُوفّيها الصَحابةَ حَقَّها / وَآمل في الأَعقاب ما اللَه صانع
وَحَسبيَ ركناً في المَصاعب أَنَّني / لِأَعتاب سُلطان النبوّة راجع
فَهَل أَتّقي الدُنيا وَمَولاي قادرٌ / وَخَير البَرايا سَيد الخَلق شافع
ليقدم صَرفُ الدَهر ما شاء وَلْيُرِعْ / فَلي منهما رُكن شَديد مَدافع
أَثمت إِذاً إن لَم أُجابِهْ خَطوبَه / بِعَزمٍ يَردّ البَأس وَالبَأس خاضع
فَذاكَ حمى اللاجي العَزيز جواره / وَمَن يَرتجي مَغناه عاصٍ وَطائع
فَكَيفَ يَروع الخَطبُ مَن في أَمانِه / وَهَل تَخفض الدُنيا مِن اللَه رافع
أَما وَجلال اللَه لَيسَت تَروعني / خُطوب اللَيالي وَالصُروف الفَواجع
يَثبّتني أنَّ المهيمن مالك / وَأن الَّذي قَد شاءَ لا رَيب واقع
وَيقنعني أَني رَجَوت محمداً / نَبيَّ الهُدى وَالجار لا شَكَ مانع
أَنخت بِمَغناه رحالَ مَقاصدي / فَوطنت نَفسي وَاطمأنت مَضاجع
وَوَجهت آمالي لِمَولى يُنيلها / وَإِني بِما تَرضاه عَلياه قانع
فَلا يا رَسول اللَه إِنيَ مُقبلٌ / عَلَيكَ وَمستجدٍ نداك وَضارع
مَددتُ إِلى عَلياك كَفاً وَطالما / مَنحتَ الَّذي يَرجوك ما هوَ طامع
وَلَست أَراني آيباً أَوبَ خَيبةٍ / وَجاهك مَرجوّ وَفضلك واسع
عَلَيكَ صَلاة اللَه ما قُلت مُنشداً / أَرِقْتُ فَرَقَّتْ لي البُدورُ الطَوالع
رويد الليالي كَم تَجور وَتمنعُ
رويد الليالي كَم تَجور وَتمنعُ / وَكَم ذا تَردّى بِالأَماني وَتردعُ
وَحسب زَماني في الأُمور مذمَّةً / تَفرُّقُ شملٍ أَو محبٌّ يروّعُ
فَلو ذاقَ مرّاً قَد سَقاه لَما سَقى / وَلا سرّ مغرور بما لَيسَ يَدفع
وَلو أَن لي بِالغَيب في الدَهر قُدرةً / كشفت قناع الستر عما يُطمِّع
فَباعدت بَين الفرقدين وَلم أَدع / سُهيلاً تنائيه الثريّا فيجزع
وَخالفت قانون الزَمان بحكمة / تَرى كُلَّ نَفس تجتليها فتقنع
وَباينت ما بين الدَواعي بهمة / تُفرِّقُ ضداً أَو أليفاً تُجمِّع
فَلم تَبك عَينٌ قَد جفت أنسَ نومِها / وَلم يَشكٌ مِن صبٍّ زَفيرٌ وَأَدمع
وَلم يَنفصل وَصلٌ وَلم تبق فرقةٌ / وَلم يَهو دريّ وَلم يَخو مطلع
وَلكنّ آمالي ابن آدم عادة / يحوّلها ربٌّ يضر وَيَنفع
فَيا صاحبي دَعني أَعلّل مهجتي / بكذبِ مُنىً علَّ الليالي ستشفع
فتصدق آمالي وَتُزجَى رَكائبي / إِلى مَعهد أَقوى فَيدنو مودّع
وَيبزغ في أُفق المُنى كَوكَبُ الهَنا / وَيَروي الصَفا كَأسَ الوَفا فَيشعشع
وَأَبصر طودَ المَجد يَزهى ركانةً / وَفي أَوجهٍ شمسٌ من البِشر تطلع
فَيا واحداً في العصر وَالمصر مجده / وَمَن شأوُهُ السامي على النجم يرفع
وَيا من إِلى سُحبانَ يُنسَبُ نطقُه / وَيا من له أَهلُ البلاغة خُشَّع
وَيا من يكون الدرّ من بعض نثره / وَيا من له في النظم سحرٌ منوّع
لعل شموس القرب يشرق نورُها / وَإِن فاتنا مما رَجوناه يوشع
عَليك سَلام اللَه ما قلت مُنشئاً / رويد الليالي كم تجور وَتمنع
أَشمس تبدّت في سعود المطالعِ
أَشمس تبدّت في سعود المطالعِ / وَإِلا وجوهٌ أَسفرت في بَراقعِ
وَفي الرَوضة الغَناء صاحَت بَلابلٌ / فَغنّت فهِمنا بَين شادٍ وَساجع
تَميل غُصون البان وَالنَهر قَد صَفا / فَتحسب صبّاً غارقاً في مَدامع
وَللورد وَجناتٌ وَللطلّ أَدمعٌ / يَكفكفها مَنثورها بِالأَصابع
وَريح الصَّبا وَافت فَأَسكرني الشَذا / فَيا طيب بردٍ فَوق حرّ الأَضالع
وَلليل أستار من الندّ مَدَّها / عَلينا رواقاً فَوقَ أَطناب يانع
فَقُم هاتها الصَهباء حَمراء تَلتَظي / عَلَيها حَباب كَالدُموع الهَوامع
فَقد راقَ لي دَهري وَوافت مسرّتي / وَصافى الَّذي أَهوى وَأَزهَر طالعي
فَلا زَمَنٌ إِلا بِصَفو قضيته / أَتَتك اللَيالي فيهِ وَفق المَطامع
وَلا مدحة إِلا لخضرم ماجدٍ / مَجيدٍ لِأَعلام الفَصاحة رافع
هوَ المصطَفى العلويُّ من ساد دَهره / بفضل سَما أَوج المَكارم شائع
همام تَرى الأَحرار دونَ مَنالها / لِمَن رامَها كَدحٌ جَليل المصارع
سلالة أَمجاد كِرام أَماثل / وَأَنكى مضرٍّ بل وَأَعظَم نافع
لَهُ الطَول وَالحول الشَديد ظَهيرُه / ظَهير بَني العليا طهور المَراضع
أَخا المَجد عُذري في مَديحك ظاهرٌ / وَلكن سَجاياك الكَريمة شافعي
أَرقت عَلى ذكر الحَبيب المودّعِ
أَرقت عَلى ذكر الحَبيب المودّعِ / بجفنٍ شكا دَمعاً وَقلبٍ مروَّعِ
وَأَطربَني مَسرى النَسيمِ كَأَنَّما / سُقيتُ من الزرجون من كفِّ مُترَع
وَماذا عَلى صبٍّ إِذا ما بَكى الحِمى / وَعَهداً أَبَى رجعاً لمغنىً وَمَربَع
وَما كانَ ممن قد يذلّ عَزيزُه / وَلكنَّ من يَهوى مع الحُبِّ يُخدَعِ
يَقول عذولي وَهوَ أَدرى بلوعتي / أَما لك سَلوى عن حَبيبٍ مُمنَّع
عَلى أَنَّني ما زلتُ أَلعب بِالهَوى / إِلى أَن غَدا بي لاعباً في تورُّعي
وَكُنتُ أَرى مِنهُ العصابَ ذَليلةً / وَأَحسبُ أَن القَلب إِن رمتُهُ معي
وَلَكن أَبي سلطانُ حبي سِوى الَّذي / أَذلّ بِهِ أَو لا فَيقضي بمصرعي
أَتُنكرُ وَجدي وَانتحابي وَأَدمعي
أَتُنكرُ وَجدي وَانتحابي وَأَدمعي / وَقَد عاينت عَيناكَ في الحُبِّ مصرعي
أَما يبعث الأَحزان مَرأى معاهدٍ / مِن الأنس قَد أَمسَت كَبيداء بلقع
رَعى اللَه من راعوا فؤادي وَأَجمعوا / عَلى طُول هجري وَاِرتضوا لي تفجُّعي
أَقاموا غرامي وَاستجادوا تهتُّكي / وَلذَّ لهم ذلّي وَعافوا تولُّعي
وَما ساءَني إِلا عُهودٌ تقدّمت / أَضاعوا وَما لي في الهَوى لَم أُضيِّع
فَيا رُبَّ يَومٍ لي وَيا رُبَ لَيلةٍ / قضيتُ بهم زاه اللقا وَالتجمُّع
أَروح بهم لاهٍ وَأَغدو مُهَلِّلاً / بما نال طَرفي أَو بما سَرّ مسمعي
فَلا غَدوةٌ إِلا إِليهم غدوتُها / وَلا روحةٌ إِلا أَروحُ وَهم معي
تعشّقتُ ظبياً بين رَبربهم طَلاً / فطبَّعتُه حتى نأى عن تطبُّعي
أَلا لا يَلوم اللائمون صبابَتي / وَإِلا فَإِن لاموا فها أَنا لا أَعي
أَلا لا يسرّ الشامتون فربما / يَعودُ التَداني بَعد هَذا التمنّع
يَقولون لا تجزع وَمَن يَحمل النَوى / فَيا قَلب ذُب وَجداً وَيا عَينُ فاهمعي
فَقلت أَخا النصح اتّئد في نصيحتي / أَتُنكرُ وَجدي وَانتحابي وَأَدمعي
وَداعاً وَداعاً وَدِّعي مصر وَدّعي
وَداعاً وَداعاً وَدِّعي مصر وَدّعي / سَقتكِ الغَوادي من مَغانٍ وَأَربُعِ
ديارٌ بِها وَلّى غُرورُ الهَوى وَقَد / أُروَّعُ عَنها اليَومَ من بَعد أَربع
سُرورٌ وإخوانٌ وَخلٌّ وَصاحبٌ / وَكُلٌّ عَلى ما شئتَه وَفق مطمعي
وَأَمسيتُ بي من حيرةٍ أَيُّ لَوعةٍ / عَلى أَسفٍ يُجري العُيونَ بِأَدمُع
إِذا ذكرت نَفسي حَبيباً أَلفتُه / بَكيتُ عَلى التَفريق بَعد التجمُّع
وَهمتُ وَلا أَشكو لغيرِ تَأمّلي / وَلَيسَ سِواه بعدَهم يا أَخي معي
وَلم أَدرِ ما أَبكي أَعهداً وَقَد مَضى / وَمَغنىً وَقَد أَمسى كَبيداءِ بلقع
وَكَأسَ مدامٍ أَو ندامى عَلى صَفا / وَرَوضاً أَريضاً من أَمانٍ وَمَطمع
أَسيرُ وَأَثني الطَرفَ نَظرةَ باهتٍ / فَلا أَملٌ يُغري وَلا البَأس مقنعي
وَيا رُبَّ يَومٍ لي بمصرَ وَلَيلةٍ / نَهبتُ الصفا بالبابليِّ المُشعشَع
مدامٌ تريك الدَهرَ عَبداً إِذا سعَت / إِلَيك بها ذاتُ البَها وَالتمنُّع
يُذيبُ لكَ الياقوتَ في الكأسِ خدُّها / وَتُنشدُكَ الأَزمانُ خُذ وَتَمتِّع
وَإِن بَدرَت وَالبَدرُ في ليلِ تَمِّهِ / تحيّرتَ وَجداً بينَ أُفقٍ وَبُرقُع
فَيا نَفسُ صَبراً وَاحتساباً لفرقةٍ / يَطولُ مداها بعد طُولِ التجمُّع
وَيا صاحبي رَدّد ليَ الدَمع قائِلاً / وداعاً وداعاً وَدّعي مصرُ وَدّعي
أَراقبُ بدراً بين هذي المطالعِ
أَراقبُ بدراً بين هذي المطالعِ / وَيؤنسي تضلالُ تيك المطامعِ
وَآمُلُ في الدُنيا لقاهم وَقربَهم / وَبيني وبين القَوم جوبُ الشَواسع
أَأَحبابَنا إن يَبعُدِ الدَهرُ بيننا / وَتُمسي النَوادي بعدَنا كَالبلاقع
فما زالَ بي وَجدٌ وَعندي تجلدٌ / أَصادم ريبَ الدَهر وهوَ منازعي
وَما غَيَّر التَفريق مني سجيةً / وَما كان عندي ما حفظتم بضائع
ولي كلما مرّت بفكري صبابةٌ / شُجونٌ أُواريها بسترِ المدامع
فَيا لَيتَ شعري هَل لهذا النَوى انقضا / وَهل من تدانٍ بعدَ ذاكَ التَقاطع
وَيبسمُ لي ثغرٌ من الدَهر أَو أَرى / لَدى مالكي منهُ الحزامة شافعي
خليليَّ لَو يَدري النَوى كَيفَ حالَتي / لأجدى لديهِ ما يَرى من صنائعي
وَلا بت ذا قَلبٍ حزينٍ مُروّعٍ / وَجفنٍ حليفِ السهد شتى المدامع
ولكنما الأَيام فيها عجائبٌ / وَأَبناؤها مِن هَولها في مصارع
تُروّعُ محبوباً وَتُردي أَعزةً / وَتدهى خليّ البال منها بفاجع
وَما دام جمعٌ بين خلٍّ وَصاحبٍ / وَلا اعتزَّ ذو بطش بجار ومانع
فما أَذكر اللقيا التباعد للنهى / وَما أَدنى تفريق لتذكار جامع
عَلى أَنني منهُ بِأَيسر ما يَرى / قَنوعٌ وَقيل العَيشُ يَصفو لقانع
فَهل من كَفيل لي بحسن الَّذي بقي / فَأَسلو الَّذي وَلَّى وَلَيسَ براجع
فَلا بت يا نُور العُيون مفكراً / جفاك وَعَهدي فيك حفظُ الوَدائع
وَردّ شُموسَ القُرب يوشعُ حظِّنا / فَما زالَت الآمالُ تَزهو لطامع
سَلام عَلى أَرض الأَحبة كلَّما
سَلام عَلى أَرض الأَحبة كلَّما / ذكرتُ التَلاقي فاستهلتْ مدامعي
سَلام عَلى بدر مع اللَيل زاهر / وَوَجد عَلى غُصن مع التيه يانع
وَشوق إِلى تلك الدِيار وَأَهلها / جِنان وَحور من ظبى في مراتع
وَحُزن لِمَن وَدّعتُها وَدموعها / تَجود وَقَد باتَت بمهجة جازع
تَقول وَقد حَقّ النَوى وَاِنقَضى اللقا / وَلم تَبقَ إِلا وَقفةٌ للتوادع
فَديتُك يا مَن أَعجل البعدَ صابراً / ستوصلنا الأَيام بَعدَ التَقاطع
وَمثلي مَن لا يَقتضي الحُبُّ صَبره / عَلى ذلةٍ يَمشي بمشية خاضع
دَعيني فإمّا آيبٌ تَتّقي العِدا / وَإِلا فميْتٌ غَير راجٍ وَخاشع
وَإِني وَإِن شطت بِنا غربةُ النَوى / لَفي الواهب الدَيان تَزهو مَطامعي
فَيا لَيتَ شعري هَل تزجّ رَواحلي / إِلى مَوطن الأَحباب وَالدَهر شافعي
وَهَل تذكر الأَيام عهداً تَفي بِهِ / وَأَبصر للعادين يَومَ مصارع
وَيقبل دَهر أَدبرت بي صروفه / فَأَسعى عَلى رَغم العِدا وَالعلا معي
وَإِلا فَإني رزق دوّ وفدفد / أَدافع حتى يسبق الدَهر مانعي
وَلما نَأى بَيني وَبينك مَنزلٌ
وَلما نَأى بَيني وَبينك مَنزلٌ / وَأَقفر مغناه وَبادت جُموعُهُ
وَقالوا لقاءٌ لا يَنالُ وَمَعهدٌ / تَجافاه أَصحاب وَأَقوت ربوعُهُ
وَعز مسير المرسلين وَلم ترد / رواة الهَوى عَما يرجَّى صَريعه
رَوى القَلب عن نار الغَضا ما أَكنّه / وَجفني رَوَت عَهد العَقيق دُموعه
فَديتُ اللَيالي ما سيَأتي وَما مَضى
فَديتُ اللَيالي ما سيَأتي وَما مَضى / تَرجّي وَتَخشى لَيسَ تَبقى وَترجعُ
وَكُل عَواديها تَروعُ وَتَنقضي / وَكُل صفاها يَنتهي أَو تودّعُ
فَلا ما ترجّي دائم تَزدهي بِهِ / وَلا ما الَّذي تَخشاه باقٍ فتفزع
وَلا الجدّ في الدُنيا بمجد سِوى القَضا / وَلا الكَف عِندَما قَضى اللَه يَمنع
وَلا شَيء إِلا اللَه فيما رَأيتُه / يرَجَّى وَيُخشَى أَو يضرّ وَيَنفع
تصبّرتَ أَم جَفَّت شؤونُ المدامعِ
تصبّرتَ أَم جَفَّت شؤونُ المدامعِ / وَما كُنتَ تَدري يا فَتى غَير جازعِ
وَطالَ مَقامٌ فاتخذت أَحبة / وَإلا على عهدِ الحبيب الموادع
وَطالَ اغترابٌ عن خليلٍ وَصاحبٍ / وإلا لأَمر ما جَرى بالتقاطع
ألا إن دَهري حال بي عن لقاكمُ / فبيني وَبين الحي جوبُ الشَواسع
وَحَوّل أَحوالي وَغَيّر عهدَكم / بحزمي وَصَبري واستردّ ودائعي
فَطائعُ حَزمي أَصبح اليَوم عاصياً / عَليَّ وَعاصي الدَمع قَد باتَ طائعي
وَكُنتُ عَلى ما قيل في الناس شاعراً / وَقَد كانَ نَظمي مؤنسي بل وَرافعي
وَها غالني فيهِ الردى ما أَضره / وَأعلمه بالفاتكات الفَواجع
أَقول رثاه أَو أَعزّي أَحبةً / وَأَشكو زماناً أَم أَرى رَأيَ خاشع
أَأَحمدُ إن لاقيتَ جيشاً عرمرماً / فبعدَك لاقينا جيوشَ الفجائع
أَأَحمدُ إن ساءتك منهم مكائدٌ / فكم لك فيهم من فعالٍ رَوائع
يحدِّثُ عنها شيخُهم وَوَليدُهم / وَيَذكُرُ عنها سامعٌ لابن سامع
وَما ميِّتٌ من كان في المجد مَوتُهُ / وَلا حيَّ من يحيى بذلّةِ خاضع
فَمَوتُ الفَتى بين الصَوارم والقَنا / وَمَوتُ جَبان الحيِّ بَينَ المَصانع
وَشتان ما بين امرئٍ عاش لا يَرى / يَموتُ وَيَحيى لَيس يَبكي وَلا يَعي
وَبين فتى للسيف وَالرمح صدرُه / فإِن ماتَ أَبكى عارفاً بالصنائع
لبستَ ثياباً من دم نعمَ ملبسٌ / كذاك لباسُ الفخرِ يَومَ التدافع
وَخضتَ خضمَّ الجيش وَالجَيشُ مقبلٌ / يموجُ فلم تخشَ انكدارَ المعامع
عرجتَ سماء النقع وَالجَوُّ حالكٌ / بعزمٍ مضيءٍ في الكَريهة لامع
سلامٌ عَلى جسمٍ وَروحٍ تفارقا / وَقالا بأن اللَه أفضل جامع
أتُضحي وحيداً وَالمحبون معشر / وَتردى قتيلاً بعد تلك البدائع
وَتمسي فَريداً بعد ما كُنت مفرداً / عَزيزٌ عَلينا يا جَميلَ الصَنائع
تَليق لك الجَناتُ يا غُصنُ فازدهر / وَدُم في أَمان من مهيمن واسع
فإِني أَرى رضوان يشدو مؤرخاً / لأحمد دم هذا البقا بالصفا معي
تُرى أَين حلّوا أَو إِلى أَين أَزمعوا
تُرى أَين حلّوا أَو إِلى أَين أَزمعوا / وَلم يعلموا من ودّعوه فروّعوا
تَنأَّت بهم عنّا ونافت تنائفٌ / وَعزّ انفصالٌ حيثما عزَّ مرجع
فشُلّت يدٌ مُدَّت لتوديع راحلٍ / عَلى إثره يَشقى الفؤادُ المفجّع
وَذُمَّ زَمانٌ ما وفي بدوامه / وَلا ذُمَّ عيشٌ مرَّ إذ نحن جُمَّع
فيا راحلاً بالرغم عني رحيلُه / بودي تَرى بعد النَوى كَيفَ تصنع
لقد شُفيَ الحسّادُ وارتاح من وشى / وَنال الَّذي يَرجو العذول وَمن سعوا
وَأَعقبتَ قلبي زفرةً بعد زفرةٍ / عَلى حسرةٍ من حرِّها يتصدّع
وَعوّضتَ عيني بعد طلعتك البُكا / فلا أَدمعٌ تجدي وَلا أَنا أَقنع
عَلى طلل أَبكي وَقَد كانَ آهلاً / وَأَصبح هذا اليَوم والدارُ بلقع
وَما زالَت الدُنيا يذلُّ عزيزُها / وَتصريفُها فينا يضرُّ وَينفع
هنيئاً لجفن لَيسَ تعرف ما البُكا / وَطوبى لقلبٍ ليس يبلى فيجزع
خليلي إني بالتأسي لقانعٌ / وَلكن بنوحي بعد ما صار مولع
أَتجمَع حَتّى تفرح النفس وَالَّذي / تغرُّ به نردى وَهيهات ندفع
نؤلَّفُ حَتّى نطمئن إِلى البقا / وَمِن حَيثُ أَعطَت في الحَقيقة تَمنع
وَحسبُك في الأَيام تحدو بركبنا / إِلى منزل نهوى سِواه فنفزع
بصائرنا تدري وَتجهل ما درت / وَأَبصارنا مما رَأَيناه تخشع
وَما الناس إلا جاهدٌ بعد فاقدٍ / وَباكٍ عَلى باكٍ وَكُلٌّ مودع
وَما المَرء إِلا كالذُكاء حياتُه / وَيَدري غُروب الشمس من حين تطلع
وَما العَيش إِلا مَنزِلٌ قَد تداوَلَت / تَعاوُرَهُ عادٌ وَخَلَّفَ تُبَّعُ
كَأني أَراهم أَمةً بعد أَمةٍ / تدافع بعضٌ بعضَهم إذ تدفعوا
كأَني أَراهم هالكاً بعد هالكٍ / أَو اِنِّي أَراهم تابعاً ثم يتبع
غصوناً متى تنمو وَيضفرْ طليلُها / تهشَّمْ وهين ثم ينمو وَيَينَع
وَما فنيت أَرضٌ ولا زال جوُّها / وَلا اختل منها مستصافٌ وَمربع
وَكُل سحابٍ قَلا تلاشته صرصرٌ / تداولها عنا السوافي فتقشع
وَإني أَرى فيها الحَياة وَأختها / تبادلنا أَرواحنا حين تنزع
فسيان فيها فرقةٌ وَتجمّعٌ / وَخسران منها كدُّ نفسٍ وَمطمع
وَسيان فيها أَرضُها وَسماؤها / وَقَد خُطَّ للأقمار في الترب مطلع
أَما هذه بنت الخليل أَخت أَحمد / شَقيقة من للعلم وَالفَضل منبع
دَعاها وَريعان الشَباب يصده / وَوُرْقُ الصِّبا في جنة العُمر يسجع
عفا اللَه عن دُنيا أَضاعَت جَمالَها / وَفازَت بهِ الأُخرى وَإِن هيَ تفجع
أَما كان حق للشبية واجبٌ / فيُرعَى لدى داعي الفَنا أَو يُشفَّع
ليبك العفافُ المحضُ وَالزهدُ وَالتُقى / وَحسن السَجايا وَالحجاب الممنع
لتبكي البواكي أَو تشق جيوبها / وَأَكبادها قد غالَ ما تتوقع
وَما مصرع أَودى بحسن صفاتها / وَلكنه للستر وَالخدر مصرع
منزهة عما يشين حقيقة / بحسن الثَنا وَالخُلقِ وَالخَلقُ أَبدع
سمت بأبيها وازدهت بشقيقها / وَعزت فمرأىً كم بكاها وَمسمع
لتبك عليها الحاسرات وجوهها / وَيندبها من كان بالحق يصدع
فلا زالت الدُنيا تردد ذكرها / وَلا زالت الأُخرى بها تترفع
وَلازالَ هذا الدَهر يتلو مؤرخاً / لزينب ما بين الجنان تمتع
ترقرق دَمعُ العين والقَلبُ جازعُ
ترقرق دَمعُ العين والقَلبُ جازعُ / وهاجت بي الأفكارُ وهيَ تمانعُ
فلم أَدر من هاج الهَوى بعد ما سعوا / أَبرقٌ بدا من جانب الغورِ لامعُ
أم ارتفعت عن وَجهِ سلمى البراقعُ /
وما لفؤادي بعد ما مل وارتضى / بذلِّ التسلّي هام وجداً لما مضى
فماذا الَّذي أَغراه بالشوق واقتضى / أَنار الغضا ضاءت وسلمى بذي الغضى
أَم ابتسمت عما حكته المدامعُ /
وفيم أَرى الأحبابَ ما بين حائرِ / وما بين شاكٍ من هواه وشاكرِ
وفيم سكارى من تذكر هاجرِ / أَنشرُ خزامى فاحَ أَم عَرفُ حاجرِ
بأم القرى أَم عطرُ عزةَ ضائعُ /
أَخلايَ عزَّ القربُ وهوَ غنيمةٌ / فهل من تلاق والأماني عقيمةٌ
وما لزمان الوصل بالعمر قيمةٌ / فيا ليت شعري هل سليمى مقيمةٌ
على عهديَ المعهود أو هو ضائعُ /
وإلا فحلّت أَربعاً بعد أَربعِ / كبدر تَنقَّلْ مطلعاً بعد مطلعِ
وهل رَوضُ ذاكَ العَهد يُسقى بأدمعِ / وهل لعلع الرعد الهتون بلعلعِ
وهل جادها صوبٌ من المُزن هامعُ /
وهل منزه الأحباب بين أَزاهرِ / وندمان صدق كالنجوم الزَواهرِ
وهل يشتفي قلبي ويهنأ ناظري / وهل أَرِدَنْ ماءَ العُذَيبِ وحاجرِ
جهاراً وسر الليل بالصبح شائعُ /
وهل تُرجِع الأيام صفواً وملعبا / لتلك الأماني بعد ما عزّ مطلبا
وهل لم تزل تلك القباب على قِبا / وهل قاعة الوعساء مخضرّة الرُبى
وهل ما مضى فيها من العيش راجعُ /
وهل يصفو من تلك المناهلِ موردُ / وهل سر من بعدي مقامٌ وَمقعدُ
وهَل عهد من أَهوى كما كنت أَعهدُ / وهل برُبى نجدٍ فتُوضِحَ مسندُ
أُهيلَ الفضا عما تجنُّ الأضالعُ /
وهَل من خليصٍ بالخليصاءِ ينتمي / لحفظ الوفا يَرعى به حقَّ مغرمِ
وهل ذاكرٌ لي شرب صحبي بزمزم / وهل بلوى سلعٍ يُسَل عن متيَّمِ
بكاظمة ماذا به الشوق صانعُ /
وهل ظبيات الخيف قد حال طَورُها / فآنسها ود وبُدَّل جَورُها
وهل كاس أَزهارها الربى طاب دَورُها / وَهل عَذبات الرند يقطف نَورُها
وهل سلماتٌ بالحجاز يوانعُ /
وهل ضحك الوردُ الجني بما حجلْ / وهل ربع نرجسها فغيّره الوجلْ
وهل مال قدُّ البان بالتيه واعتدلْ / وهل أَثلاتُ الجزع مثمرةٌ وهلْ
عيونُ عوادي الدَهر عنها هواجعُ /
وهل للبدور الزهر حسنُ تبالجِ / لها تهتدي الأبصار من كل دالجِ
وهل لحَريضٍ دونها من معالجِ / وهل قاصرات الطرف عينٌ بعالجِ
على عهديَ المعهود أم هوَ ضائعُ /
وهل بطريق القَوم صبٌّ تفنّنا / فأضحى كما أَمسى له النوحُ ديدنا
وهل مغرمٌ بعدي لأعتابهم دنا / وهل ظبيات الرقمتين يعيدنا
أَقمن بها أَم دون ذلك مانعُ /
فيا صاحبي جدد هواهم وغنّني / وإن لم يُرَجَّ القرب منهم فَمَنّني
فهل ثم من خلّ بودّيَ يعتني / وهل فتياتٌ بالغوير يرينني
مرابعَ نُعمٍ نِعمَ تلك المرابعُ /
أَطِل ذكرَهم عندي لِتُبردَ مارجي / وتُهدِئ رَوعي أَو تُسكِّنَ لاعجي
فهل ذلك المغنى مقيمٌ بعالج / وهل ظلُّ ذاكَ الضال شرقيَّ ضارج
ظليلٌ فقد روَّته مني المدامعُ /
وَما حالُ أَحبابي وَودّ معاشري / وخلّي وخلاني الكرام العشائرِ
فهل منهم يوماً على اليأس ذاكري / وهل عامر من بعدنا شِعبُ عامرِ
وهل هوَ يوماً للمحبين جامعُ /
فديت الهَوى فيما أَضل مسالكي / ومذهبه ديني وما زالَ مالكي
فهل من مجير شافع في وصالكِ / وهل أَمَّ بيت اللَه يا أُمَّ مالك
عريبٌ لهم عندي جميعاً صنائعُ /
فهل هجروا مغنى وجابوا صفاصفا / وأَجدت بهم مسعى بمروة فالصفا
وهل وردوا عَذباً وأَمّوا بما صفا / وهل نزل الركب العراقي معرفا
وهل شُرِعت نحو الخيام شرائعُ /
وهل من مِنى نالوا المُنى أَم تخاصصوا / سرورَ التهاني والليالي فرائصُ
وهل طربت للبين هيفٌ رواقصُ / وهل رقصت بالمأزمين قلائصُ
وهل للقباب البيض فيها تدافعُ /
خليليَ بَيني والحمى جوبُ فدفدِ / وطولُ اغترابٍ عزَّ عنه تجلّدي
فهل منجدي بالقرب دهرٌ مُبَعِّدي / وهل لي بجمع الشمل في جمعِ مسعد
وهل لليالي الخيف بالعمرِ بائعُ /
أبيتُ بقلبٍ في هواهم مجذَّذِ / أَرى عوَّدي تبكي وتيأسُ عُوَّذي
فهل نعمت نعمٌ على حالة كذي / وهل سلَّمت سلمى على الحجر الَّذي
به العهدُ والتفّت عليه الأصابعُ /
وهل سكَّنَت من ضمها الركنَ لوعةً / وهل غَيَّضَت من رؤية الجَمع دمعةً
وهل أمَّلت لي بعد بُعدي رجعةً / وهل رضعت من ثدي زمزمَ رضعةً
فلا حرمت يوماً عليها المراضعُ /
ولا غالها صرفُ الزَمان المبدِّدُ / ولا راعها جَمعٌ كما سن تبعدُ
ولا زالَت الدُنيا إليهم تودّدُ / لعل أصيحابي بمكةَ يُبردوا
بذكر سليمى ما تجن الأضالعُ /
وإني لأبكي وصلةً قد تقدمت / وأزمان بين في فؤادي تحكّمت
لعلي أَرى الأيام تبذل ما حمت / وعل اللويلات التي قد تصرّمت
تعود لنا يوماً فيظفرَ طامعُ /
فينسى الشقا لما يحق التنعمُ / وتصفو الليالي والأحبة تَغنمُ
فيضحك باك والمروّعُ يبسمُ / ويفرح محزونٌ ويحيى متيَّمُ
ويأنسُ مشتاقٌ ويلتذُّ سامعُ /
فَواللَه ما أَدرى أَأَحلامُ نائمٍ
فَواللَه ما أَدرى أَأَحلامُ نائمٍ / وإلا خيالاً كان ذاكَ التَجَمُّعُ
وليلى وقد نادى منادي رحيلِنا / تجلّت لنا أَم كانَ في الرَكب يُوشعُ
ولا بدّ من شَكوى إِلى ذي مروءة
ولا بدّ من شَكوى إِلى ذي مروءة / يصونُك أن ترجو سِواه ويمنعُ
ترى الكَفَّ منهُ واللسان وقلبه / يواسيك أَو يسليك أَو يتوجّعُ