المجموع : 3
بَلابِلَ وادي النيلِ بِالمَشرِقِ اِسجَعي
بَلابِلَ وادي النيلِ بِالمَشرِقِ اِسجَعي / بِشِعرِ أَميرِ الدَولَتَينِ وَرَجِّعي
أَعيدي عَلى الأَسماعِ ما غَرَّدَت بِهِ / يَراعَةُ شَوقي في اِبتِداءٍ وَمَقطَعِ
بَراها لَهُ الباري فَلَم يَنبُ سِنُّها / إِذا ما نَبا العَسّالُ في كَفِّ أَروَعِ
مَواقِعُها في الشَرقِ وَالشَرقُ مُجدِبٌ / مَواقِعُ صَيبِ الغَيثِ في كُلِّ بَلقَعِ
لَدَيها وُفودُ اللَفظِ تَنساقُ خَلفَها / وُفودُ المَعاني خُشَّعاً عِندَ خُشَّعِ
إِذا رَضِيَت جاءَت بِأَنفاسِ رَوضَةٍ / وَإِن غَضِبَت جاءَت بِنَكباءَ زَعزَعِ
أَحَنُّ عَلى المَكدودِ مِن ظِلِّ دَوحَةٍ / وَأَحنى عَلى المَولودِ مِن ثَديِ مُرضِعِ
عَلى سِنِّها رِفقٌ يَسيلُ وَرَحمَةٌ / وَرَوحٌ لِمَن يَأسى وَذِكرى لِمَن يَعي
تَسابَقُ فَوقَ الطِرسِ أَفكارُ رَبِّها / سِباقَ جِيادٍ في مَجالٍ مُرَبَّعِ
تَطيرُ بُروقُ الفِكرِ خَلفَ بُروقِها / تُناشِدُها بِاللَهِ لا تَتَسَرَّعي
تُحاوِلُ فَوتَ الفِكرِ لَو لَم تَكُفَّها / أَنامِلُهُ كَفَّ الجَموحِ المُرَوَّعِ
أَلَم تَعلَموا أَنّا بُذُخرَي نَباغَةٍ / نُفاخِرُ أَهلَ الشَرقِ في أَيِّ مَجمَعِ
نُفاخِرُ مِن شَوقِيِّنا بِيَراعَةٍ / وَنَزدادُ فَخراً مِن عَلِيٍّ بِمِبضَعِ
فَذاكَ شِفاءُ الجِسمِ تَدمى جِراحُهُ / وَتِلكَ شِفاءُ الوالِهِ المُتَوَجِّعِ
نَمَتكَ ظِلالٌ وارِفاتٌ وَأَنعُمٌ / وَلَيِّنُ عَيشٍ في مَصيفٍ وَمَربَعِ
وَمَن كانَ في بَيتِ المُلوكِ ثَواؤُهُ / يُنَشَّأُ عَلى النُعمى وَيَمرَح وَيَرتَعِ
لَئِن عَجِبوا أَن شابَ شَوقي وَلَم يَزَل / فَتِيَّ الهَوى وَالقَلبِ جَمَّ التَمَتُّعِ
لَقَد شابَ مِن هَولِ القَوافي وَوَقعِها / وَإِتيانِهِ بِالمُعجِزِ المُتَمَنِّعِ
كَما شَيَّبَت هودٌ ذُؤابَةَ أَحمَدٍ / وَشَيَّبَتِ الهَيجاءُ رَأسَ المُدَرَّعِ
يَعيبونَ شَوقي أَن يُرى غَيرَ مُنشِدٍ / وَما ذاكَ عَن عِيٍّ بِهِ أَو تَرَفُّعِ
وَما كانَ عاباً أَن يَجيءَ بِمُنشِدٍ / لِآياتِهِ أَو أَن يَجيءَ بِمُسمِعِ
فَهَذا كَليمُ اللَهِ قَد جاءَ قَبلَهُ / بِهارونَ ما يَأمُرهُ بِالوَحيِ يَصدَعِ
بَلَغتَ بِوَصفِ النيلِ مِن وَصفِكَ المَدى / وَأَيّامَ فِرعَونٍ وَمَعبودِهِ رَعِ
وَما سُقتَ مِن عادِ البِلادِ وَأَهلِها / وَما قُلتَ في أَهرامِ خوفو وَخَفرَعِ
فَأَطلَعتَها شَوقِيَّةً لَو تَنَسَّقَت / مَعَ النَيِّراتِ الزُهرِ خُصَّت بِمَطلَعِ
أَمِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى قَد تَفَجَّرَت / يَنابيعُ هَذا الفِكرِ أَم أُختُ يوشَعِ
وَفي توتَ ما أَعيا اِبتِكارَ مُوَفَّقٍ / وَفي ناشِئٌ في الوَردِ إِلهامُ مُبدِعِ
أَسالَت سَلا قَلبي شُؤوني تَذَكُّرا / كَما نَثَرَت ريمٌ عَلى القاعِ أَدمُعي
وَسَل يَلدِزاً إِنّي رَأَيتُ جَمالَها / عَلى الدَهرِ قَد أَنسى جَمالَ المُقَنَّعِ
أَطَلَّت عَلَينا أُختُ أَندَلُسٍ بِما / أَطَلَّت فَكانَت لِلنُهى خَيرَ مَشرَعِ
وَفي نَسجِ صَدّاحٍ أَتَيتَ بِآيَةٍ / مِنَ السَهلِ لا تَنقادُ لِاِبنِ المُقَفَّعِ
وَرائِع وَصفٍ في أَبي الهَولِ سُقتَهُ / كَبُستانِ نورٍ قَبلَ رَعيِكَ ما رُعي
خَرَجتَ بِهِ عَن طَوقِ كُلِّ مُصَوِّرٍ / يُجيدُ دَقيقَ الفَنِّ في جَوفِ مَصنَعِ
وَفي اُنظُر إِلى الأَقمارِ زَفرَةُ واجِدٍ / وَأَنَّةُ مَقروحِ الفُؤادِ مُوَزَّعِ
بَكَيتَ عَلى سِرِّ السَماءِ وَطُهرِها / وَما اِبتَذَلوا مِن خِدرِها المُتَرَفِّعِ
شَياطينُ إِنسٍ تَسرِقُ السَمعَ خِلسَةً / وَلا تَحذَرَ المَخبوءَ لِلمُتَسَمِّعِ
وَسينِيَّةٍ لِلبُحتُرِيِّ نَسَختَها / بِسينِيَّةٍ قَد أَخرَسَت كُلَّ مُدَّعي
أَتى لَكَ فيها طائِعاً كُلُّ ما عَصى / عَلى كُلِّ جَبّارِ القَريحَةِ المَعي
شَجا البُحتُري إيوانُ كِسرى وَهاجَهُ / وَهاجَت بِكَ الحَمراءُ أَشجانَ موجَعِ
وَقَفتَ بِها تَبكي الرُبوعَ كَما بَكى / فَيا لَكُما مِن واقِفَينِ بِأَربُعِ
فَنَسجُكَ كَالديباجِ حَلّاهُ وَشيُهُ / وَفي النَسجِ ما يَأتي بِثَوبٍ مُرَقَّعِ
وَشِعرُكَ ماءُ النَهرِ يَجري مُجَدَّداً / وَشِعرُ سَوادِ الناسِ ماءٌ بِمَنقَعِ
أَأَفضى إِلى خَتمِ الزَمانِ فَفَضَّهُ / مِنَ الوَحيِ وَالإِلهامِ أَم قَولُ لَوذَعي
وَقَلبي اِدَّكَرتَ اليَومَ غَيرَ مُوَفَّقٍ / رُقى السِحرِ أَم أَنّاتُ أَسوانَ مولَعِ
تَمَلَّكتَ مِن مُلكِ القَريضِ فَسيحَهُ / فَلَم تُبقِ يا شَوقي لَنا قَيدَ إِصبَعِ
فَبِاللَهِ دَع لِلناثِرينَ وَسيلَةً / تُفيءُ عَلَيهِم وَاِتَّقِ اللَهَ وَاِقنَعِ
عَمِلتَ عَلى نَيلِ الخُلودِ فَنِلتَهُ / فَقُل في مَقامِ الشُكرِ يا رَبِّ أَوزِعِ
جَلا شِعرُهُ لِلناسِ مِرآةَ عَصرِهِ / وَمِرآةَ عَهدِ الشِعرِ مِن عَهدِ تُبَّعِ
يَجيءُ لَنا آناً بِأَحمَدَ ماثِلاً / وَآوِنَةً بِالبُحتُرِيِّ المُرَصَّعِ
وَيَشأو رُقى هوجو وَيَأتي نَسيبُهُ / لَنا مِن لَيالي أَلفَريدَ بِأَربَعِ
وَإِن خَطَرَت ذِكرى الفُحولِ بِفارِسٍ / وَما خَلَّفوا في القَولِ مِن كُلِّ مُشبِعِ
أَتانا بِرَوضٍ مُزهِرٍ مِن رِياضِهِم / وَحافِظُهُم فيهِ يُغَنّي وَيَرتَعي
فَقُل لِلَّذي يَبغي مَداهُ مُنافِساً / طَمِعتَ لَعَمرُ اللَهِ في غَيرِ مَطمَعِ
فَذَلِكَ سَيفٌ سَلَّهُ اللَهُ قاطِعٌ / فَأَيّانَ يَضرِب يَفرِ دِرعاً وَيَقطَعِ
وَهَل تَدفَعُ الدِرعُ المَنيعَةُ صارِماً / بِهِ يَضرِبُ المِقدارُ في كَفِّ سَلفَعِ
نُفيتَ فَلَم تَجزَع وَلَم تَكُ ضارِعاً / وَمَن تَرمِهِ الأَيّامُ يَجزَع وَيَضرَعِ
وَأَخصَبتَ في المَنفى وَما كُنتَ مُجدِباً / وَفي النَفيِّ خِصبُ العَبقَرِيِّ السَمَيذَعِ
لَقَد زادَ هوجو فيهِ خِصبَ قَريحَةٍ / وَآبَ إِلى أَوطانِهِ جِدَّ مُمرِعِ
وَأَدرَكَ سامي بِالجَزيرَةِ غايَةً / إِلَيها مُلوكُ القَولِ لَم تَتَطَلَّعِ
تَذَكَّرتَ عَذبَ النيلِ وَالنَفسُ صَبَّةٌ / إِلى نَهلَةٍ مِن كوبِ ماءٍ مُشَعشَعِ
وَأَرسَلتَ تَستَسقي بَني مِصرَ شَربَةً / فَقَطَّعتَ أَحشائي وَأَضرَمتَ أَضلُعي
أَنَروى وَلا تَروى وَأَنتَ أَحَقُّنا / بِرِيٍّ فَيا قَلبَ النُبوغِ تَقَطَّعِ
وَإِن شِئتِ عَنّا يا سَماءُ فَأَقلِعي / وَيا ماءَها فَاِكفُف وَيا أَرضُ فَاِبلَعي
حَرامٌ عَلَينا أَن نَلَذَّ بِنَهلَةٍ / وَأَنتَ تُنادينا وَنَحنُ بِمَسمَعِ
أَبى اللَهُ إِلّا أَن يَرُدَّكَ سالِماً / وَمَن يَرعَهُ يَسلَم وَيَغنَم وَيَرجِعِ
وَعُدتَ فَقَرَّت عَينُ مِصرٍ وَأَصبَحَت / رِياضُ القَوافي في رَبيعٍ مُوَشَّعِ
وَأَدرَكتَ ما تَبغي وَشَيَّدتَ آيَةً / عَلى الشاطِئِ الغَربِيِّ في خَيرِ مَوقِعِ
يَحُفُّ بِها رَوضٌ يُحَيّي بُدورَها / بُكوراً بِرَيّا عَرفِهِ المُتَضَوِّعِ
حِمىً يَتَهادى النيلُ تَحتَ ظِلالِهِ / تَهادِيَ خَودٍ في رِداءٍ مُجَزَّعِ
لَقَد كُنتَ تَرجو مِنهُ بِالأَمسِ قَطرَةً / فَدونَكَهُ فَاِبرُد غَليلَكَ وَاِنقَعِ
أَميرَ القَوافي قَد أَتَيتُ مُبايِعاً / وَهَذي وُفودُ الشَرقِ قَد بايَعَت مَعي
فَغَنِّ رُبوعَ النيلِ وَاِعطِف بِنَظرَةٍ / عَلى ساكِني النَهرَينِ وَاِصدَح وَأَبدِعِ
وَلا تَنسَ نَجداً إِنَّها مَنبِتُ الهَوى / وَمَرعى المَها مِن سارِحاتٍ وَرُتَّعِ
وَحَيِّ ذُرا لُبنانَ وَاِجعَل لِتونُسٍ / نَصيباً مِنَ السَلوى وَقَسِّم وَوَزِّعِ
فَفي الشِعرِ حَثُّ الطامِحينَ إِلى العُلا / وَفي الشِعرِ زُهدُ الناسِكِ المُتَوَرِّعِ
وَفي الشِعرِ ما يُغني عَنِ السَيفِ وَقعُهُ / كَما رَوَّعَ الأَعداءَ بَيتٌ لِأَشجَعِ
وَفي الشِعرِ إِحياءُ النُفوسِ وَرِيُّها / وَأَنتَ لِرِيِّ النَفسِ أَعذَبُ مَنبَعِ
فَنَبِّه عُقولاً طالَ عَهدُ رُقادِها / وَأَفئِدَةً شُدَّت إِلَيها بِأَنسُعِ
فَقَد غَمَرَتها مِحنَةٌ فَوقَ مِحنَةٍ / وَأَنتَ لَها يا شاعِرَ الشَرقِ فَاِدفَعِ
وَأَنتَ بِحَمدِ اللَهِ ما زِلتَ قادِراً / عَلى النَفعِ فَاِستَنهِض بَيانَكَ وَاِنقَعِ
وَخُذ بِزِمامِ القَومِ وَاِنزِع بِأَهلِهِ / إِلى المَجدِ وَالعَلياءِ أَكرَمَ مَنزِعِ
وَقِفنا عَلى النَهجِ القَويمِ فَإِنَّنا / سَلَكنا طَريقاً لِلهُدى غَيرَ مَهيَعِ
مَلَأنا طِباقَ الأَرضِ وَجداً وَلَوعَةً / بِهِندٍ وَدَعدٍ وَالرَبابِ وَبَوزَعِ
وَمَلَّت بَناتُ الشِعرِ مِنّا مَواقِفاً / بِسِقطِ اللِوى وَالرَقمَتَينِ وَلَعلَعِ
وَأَقوامُنا في الشَرقِ قَد طالَ نَومُهُم / وَما كانَ نَومُ الشِعرِ بِالمُتَوَقَّعِ
تَغَيَّرَتِ الدُنيا وَقَد كانَ أَهلُها / يَرَونَ مُتونَ العيسِ أَليَنَ مَضجَعِ
وَكانَ بَريدُ العِلمِ عيراً وَأَينُقاً / مَتى يُعيِها الإيجافُ في البيدِ تَظلَعِ
فَأَصبَحَ لا يَرضى البُخارَ مَطِيَّةً / وَلا السِلكَ في تَيّارِهِ المُتَدَفِّعِ
وَقَد كانَ كُلَّ الأَمرِ تَصويبُ نَبلَةٍ / فَأَصبَحَ بَعضُ الأَمرِ تَصويبُ مِدفَعِ
وَنَحنُ كَما غَنّى الأَوائِلُ لَم نَزَل / نُغَنّي بِأَرماحٍ وَبيضٍ وَأَدرُعِ
عَرَفنا مَدى الشَيءِ القَديمِ فَهَل مَدىً / لِشَيءٍ جَديدٍ حاضِرِ النَفعِ مُمتِعِ
لَدى كُلِّ شَعبٍ في الحَوادِثِ عُدَّةٌ / وَعُدَّتُنا نَدبُ التُراثِ المُضَيَّعِ
فَيا ضَيعَةَ الأَقلامِ إِن لَم نَقُم بِها / دِعامَةَ رُكنِ المَشرِقِ المُتَزَعزِعِ
أَتَمشي بِهِ شُمَّ الأُنوفِ عُداتُهُ / وَرَبُّ الحِمى يَمشي بِأَنفٍ مُجَدَّعِ
عَزيزٌ عَلَيهِ يا بَني الشَرقِ أَن تُرى / كَواكِبُهُ في أُفقِهِ غَيرَ طُلَّعِ
وَأَعلامُهُ مِن فَوقِهِ غَيرَ خُفَّقٍ / وَأَقلامُهُ مِن تَحتِها غَيرَ شُرَّعِ
وَكَيفَ يُوَقّى الشَرَّ أَو يَبلُغُ المُنى / عَلى ما نَرى مِن شَملِهِ المُتَصَدِّعِ
فَإِن كُنتَ قَوّالاً كَريماً مَقالُهُ / فَقُل في سَبيلِ النيلِ وَالشَرقِ أَو دَعِ
هُنا يَستَغيثُ الطِرسُ وَالنِقسُ وَالَّذي
هُنا يَستَغيثُ الطِرسُ وَالنِقسُ وَالَّذي / يَخُطُّ وَمَن يَتلو وَمَن يَتَسَمَّعُ
مَخازٍ وَما أَدري إِذا ما ذَكَرتُها / إِلى الحَمدِ أُدعى أَو إِلى اللَومِ أُدفَعُ
رِياضُ أَفِق مِن غَمرَةِ المَوتِ وَاِستَمِع
رِياضُ أَفِق مِن غَمرَةِ المَوتِ وَاِستَمِع / حَديثَ الوَرى عَن طيبِ ما كُنتَ تَصنَعُ
أَفِق وَاِستَمِع مِنّي رِثاءً جَمَعتُهُ / تُشارِكُني فيهِ البَرِيَّةُ أَجمَعُ
لِتَعلَمَ ما تَطوي الصُدورُ مِنَ الأَسى / وَتَنظُرَ مَقروحَ الحَشا كَيفَ يَجزَعُ
لَئِن تَكُ قَد عُمِّرتَ دَهراً لَقَد بَكى / عَلَيكَ مَعَ الباكي خَلائِقُ أَربَعُ
مَضاءٌ وَإِقدامٌ وَحَزمٌ وَعَزمَةٌ / مِنَ الصارِمِ المَصقولِ أَمضى وَأَقطَعُ
رُحِمتَ فَما جاهٌ يُنَوِّهُ في العُلا / بِصاحِبِهِ إِلّا وَجاهُكَ أَوسَعُ
وَلا قامَ في أَيّامِكَ البيضِ ماجِدٌ / يُنازِعُكَ البابَ الَّذي كُنتَ تَقرَعُ
إِذا قيلَ مَن لِلرَأيِ في الشَرقِ أَومَأَت / إِلى رَأيِكَ الأَعلى مِنَ الغَربِ إِصبَعُ
وَإِن طَلَعَت في مِصرَ شَمسُ نَباهَةٍ / فَمِن بَيتِكَ المَعمورِ تَبدو وَتَطلُعُ
حَكَمتَ فَما حَكَّمتَ في قَصدِكَ الهَوى / طَريقُكَ في الإِنصافِ وَالعَدلِ مَهيَعُ
وَقَد كُنتَ ذا بَطشٍ وَلَكِنَّ تَحتَهُ / نَزاهَةَ نَفسٍ في سَبيلِكَ تَشفَعُ
وَقَفتَ لِإِسماعيلَ وَالأَمرُ أَمرُهُ / وَفي كَفِّهِ سَيفٌ مِنَ البَطشِ يَلمَعُ
إِذا صاحَ لَبّاهُ القَضاءُ وَأَسرَعَت / إِلى بابِهِ الأَيّامُ وَالناسُ خُشَّعُ
يُذِلُّ إِذا شاءَ العَزيزَ وَتَرتَئي / إِرادَتُهُ رَفعَ الذَليلِ فَيُرفَعُ
فَفي كَرَّةٍ مِن لَحظِهِ وَهوَ عابِسٌ / تُدَكُّ جِبالٌ لَم تَكُن تَتَزَعزَعُ
وَفي كَرَّةٍ مِن لَحظِهِ وَهوَ باسِمٌ / تَسيلُ بِحارٌ بِالعَطاءِ فَتُمرِعُ
فَما أَغلَبٌ شاكي العَزيمَةِ أَروَعٌ / يُصارِعُهُ في الغابِ أَغلَبُ أَروَعُ
بِأَجرَأَ مِن ذاكَ الوَزيرِ مُصادِماً / إِرادَةَ إِسماعيلَ وَالمَوتُ يَسمَعُ
وَفي الثَورَةِ الكُبرى وَقَد أَحدَقَت بِنا / صُروفُ اللَيالي وَالمَنِيَّةُ مَشرَعُ
نَظَرتَ إِلى مِصرٍ فَساءَكَ أَن تَرى / حُلاها بِأَيدي المُستَطيلينَ تُنزَعُ
وَلَم تَستَطِع صَبراً عَلى هَتكِ خِدرِها / فَفارَقتَها أَسوانَ وَالقَلبُ موجَعُ
وَعُدتَ إِلَيها حينَ ناداكَ نيلُها / أَقِل عَثرَتي فَالقَومُ في الظُلمِ أَبدَعوا
فَكُنتَ أَبا مَحمودَ غَوثاً وَعِصمَةً / إِلَيكَ دُعاةُ الحَقِّ تَأوي وَتَفزَعُ
وَكَم نابِغٍ في أَرضِ مِصرَ حَمَيتَهُ / وَمِثلُكَ مَن يَحمي الكَريمَ وَيَمنَعُ
رَعَيتَ جَمالَ الدينِ ثُمَّ اِصطَفَيتَهُ / فَأَصبَحَ في أَفياءِ جاهِكَ يَرتَعُ
وَقَد كانَ في دارِ الخِلافَةِ ثاوِياً / وَفي صَدرِهِ كَنزٌ مِنَ العِلمِ مودَعُ
فَجِئتَ بِهِ وَالناسُ قَد طالَ شَوقُهُمُ / إِلى أَلمَعِيٍّ بِالبَراهينِ يَصدَعُ
فَحَرَّكَ مِن أَفهامِهِم وَعُقولِهِم / وَعاوَدَهُم ذاكَ الذَكاءُ المُضَيَّعُ
وَوَلَّيتَ تَحريرَ الوَقائِعِ عَبدَهُ / فَجاءَ بِما يَشفي الغَليلَ وَيَنقَعُ
وَكانَت لِرَبِّ الناسِ فيهِ مَشيئَةٌ / فَأَمسَت إِلَيهِ الناسُ في الحَقِّ تَرجِعُ
وَجاؤوا بِإِبراهيمَ في القَيدِ راسِفاً / عَلَيهِ مِنَ الإِملاقِ ثَوبٌ مُرَقَّعُ
فَأَلفَيتَ مِلءَ الثَوبِ نَفساً طَموحَةً / إِلى المَجدِ مِن أَطمارِها تَتَطَلَّعُ
فَأَطلَقتَهُ مِن قَيدِهِ وَأَقَلتَهُ / وَما كانَ في تِلكَ السَعادَةِ يَطمَعُ
وَكَم لَكَ في مِصرٍ وَفي الشَأمِ مِن يَدٍ / لَها أَينَ حَلَّت نَفحَةٌ تَتَضَوَّعُ
رَفَعتَ عَنِ الفَلّاحِ عِبءَ ضَريبَةٍ / يَنوءُ بِها أَيّامَ لا غَوثَ يَنفَعُ
وَأَرهَبتَ حُكّامَ الأَقاليمِ فَاِرعَوَوا / وَكانوا أُناساً في الجَهالَةِ أَوضَعوا
فَخافوكَ حَتّى لَو تَناجَوا بِنَجوَةٍ / لَخالوا رِياضاً فَوقَهُم يَتَسَمَّعُ
أَقَمتَ عَلَيهِم زاجِراً مِن نُفوسِهِم / إِذا سَوَّلَت أَمراً لَهُم قامَ يَردَعُ
سَلِ الناسَ أَيّامَ الرُشا مُستَفيضَةٌ / وَأَيّامَ لا تَجني الَّذي أَنتَ تَزرَعُ
أَكانَ رِياضٌ عَنهُمُ غَيرَ غافِلٍ / يَرُدُّ الأَذى عَن أَهلِ مِصرَ وَيَدفَعُ
أَمُؤتَمَرَ الإِصلاحِ وَالعُرفِ قَد مَضى / رِياضٌ وَأَودى الوازِعُ المُتَوَرِّعُ
وَكانَ عَلى كُرسِيِّهِ خَيرَ جالِسٍ / لِهَيبَتِهِ تَعنو الوُجوهُ وَتَخشَعُ
فَيا وَيلَنا إِن لَم تَسُدّوا مَكانَهُ / بِذي مِرَّةٍ في الخَطبِ لا يَتَضَعضَعُ
بَعيدِ مَرامِ الفِكرِ أَمّا جَنانُهُ / فَرَحبٌ وَأَمّا عِزُّهُ فَمُمَنَّعُ
فَيا ناصِرَ المُستَضعَفينَ إِذا عَدا / عَلَيهِم زَمانٌ بِالعَداوَةِ مولَعُ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما قامَ بَينَنا / وَزيرٌ عَلى دَستِ العُلا يَتَرَبَّعُ