المجموع : 4
عهدتُ بذاتِ البانِ فالجزع أربُعا
عهدتُ بذاتِ البانِ فالجزع أربُعا / كساهنَّ وشيُ الروضِ بُرداً مولّعا
وجاد عليها كلُّ محتفل الحيا / فأبقى عميمَ النبتِ فيها وودَّعا
تعاقب ربعيًّا عليها وصائفاً / فكان مصيفاً للخليط ومربعا
إذا انحلَّ في حافاته خيطُ برقه / تناثرَ دُرّ القطر من حيث جُمّعا
إذا ما النسيم الغضُّ حيَّا عِراصَها / نشقتُ عبيراً عطَّر الجوَّ أجمعا
وما هي في غضّ النسيم تضوَّعت / ولكن بريَّاها النسيمُ تضوَّعا
برغمي ربوعُ الحيِّ أصبحنَ بلقعاً / عشيَّةَ زالَ الحيّ عنها وأزمعا
وقفتُ بها مستسقياً فسقيتها / إلى أن شربتُ الماءَ فيهن أدمعا
رعيتُ بها ريحانةَ اللهو غضَّة / أروح وأغدو بالدُّمى البيضِ مُولعا
وفيها صحبتُ الدهرَ والعيش ناعمٌ / ليالي فيها شمل أُنسي تجمَّعا
كأَنَّ الدجى ملك من الزنج لابسٌ / من الأُفق تاجاً بالكوكبِ رُصّعا
من الزهرةِ الغرَّاء قد بات يجتلي / عروساً جلاها الحسن أن تتبرقعا
أجل لم يكن في ساحةِ الأرضِ فاعلمن
أجل لم يكن في ساحةِ الأرضِ فاعلمن / لسارٍ حمًى إلاَّ بيتينِ في الزمن
ببيتٍ بناهُ اللهُ أَمناً مِن المِحن / وبيتٍ على ظهرِ الفلاةِ بناهُ مَن
له همَّةٌ مِن ساحةِ الكونِ أوسَعُ /
أَلا ربَّ قفرٍ قد قطعنا فضاءهُ / بيومٍ وصَلنا في الصباحِ مساءهُ
ولمَّا علينا الليلُ مدَّ رِداءهُ / نزلنا به والغيثُ يُسكِبُ ماءهُ
كأَن قطرهُ من سيبِ كفَّيه يهمَعُ /
كأَنَّ النُعامى حين وافت بقطرِه / لنا حَملت من خُلقِه طيب نَشرِه
فما قطرُه إلاَّ تتابعَ وفره / وما برقُه إلاَّ تبسّم ثغرِه
لوفَّادِه من جانبِ الكرخِ يلمعُ /
فبُورِكَ بيتاً فيهِ كانَ احتجابُنا / عن السوءِ مذ أمسى إليه انقلابُنا
به أَمِنت حصبَ الرياحِ رِكابُنا / ومنه وقتنا إن تُبلَّ ثيابُنا
مقاصرُ من شأوِ الكواكب أرفعُ /
مقاصرُ بتنا مِن حماها بجُنَّةٍ / وقينا الأذى من حفظِها بمجَنَّةٍ
غدت مجمعَ السارينَ إنسٍ وجنّةٍ / ولم يُر في الدنيا مقاصرُ جنّةٍ
لشملِ بني الدنيا سواهنَّ تجمَعُ /
فوحشتُنا زالت بأنسِ رحابها / عشيَّةً بتنا في نعيمِ جنابها
إلى أن نَسينا السيرَ تحتَ قُبابها / كأنَّا حلولٌ في منازلنا بها
ولم تتضمنَّا مهامِهُ بلقعُ /
بنا أدلجت تطوي المهامهَ عيسُنا / إلى أن بأيدي السيرِ دارت كؤوسنا
فمالت نشاوَى نحوَهنَّ رؤوسنا / وبتنا بها حتَّى تمنَّت نفوسنا
نُقيمُ بها ما دامتِ الشمسُ تطلَعُ /
ومُذ كانَ فيها بالسرورِ مبيتُنا / بحيثُ ثمارُ البشرِ وأُنس قُوتُنا
رأينا الهنا في ظلِّها لا يفوتنا / وعنها وإن عزَّت علينا بيوتُنا
وددنا إلى أكنافِها ليسَ نرجِعُ /
فلا عجبٌ إن تغدُ صُبحاً وعُتمةً / بها الوفدُ من كلِّ الجهاتِ مُلمّةً
وتُمسي لهم بالخوفِ أمناً وعِصمةً / ففيها أَبو المهديِّ أسبغَ نعمةً
على الناسِ فيها طُوِّقَ الناسُ أجمعُ /
أعزُّ الورى أضحى لديها أذلّها / وأفضلُهم ما زالَ يَشكرُ فَضلَها
وكيفَ يُباري العالَمون أقلَّها / وأغناهُمُ قد كانَ مفتقراً لها
كمن مسَّه فقرٌ مِن الدهرِ مُدقِعُ /
بها عمَّ أهل الأرضِ دانٍ وشاسِعا / وفيها لكلِّ الخيرِ أصبحَ جامعا
وليسَ لهذي وحدَها كانَ صانِعا / لهُ اللهُ كم أسدى سواها صنايعا
بأمثالها سمعُ الورى ليسَ يُقرَعُ /
فللخلقِ أبوابُ السماحةِ فُتِّحت / بها وسيولُ الأرضِ منها تبطَّحت
ومنها أزاهيرُ الرياضِ تَفتَّحت / وقد عَجزت عنها الملوكُ فأصبحت
لعزَّته بين الخلائقِ تخضَعُ /
لقد غمرَ الدنيا معاً بسخائِه / فكانت لِساناً ناطقاً بثنائِه
وأدَّبَ صَرفَ الدهرِ بعد اعتدائِه / فلا برِحت في الكونِ شمسُ عَلائِه
بأُفقِ سَماءِ المجدِ تَسطَعُ /
ألفتُ قراع الخطب مذ أنا يافعُ
ألفتُ قراع الخطب مذ أنا يافعُ / فكيف تروع اليوم قلبي الروائعُ
لقد عركت منِّي الليالي ابن حرَّةٍ / على العرك منه لا تلينُ الأخادعُ
وسيَّان عندي سلمُ دهري وحربُه / وما هو مُعطٍ لي وما هو مانعُ
لعمري ليصنع أيما شاء إنَّه / حقيرٌ بعيني كل ما هو صانعُ
سأنشد لا عجزاً ولكن تحمساً / ليَ الله أيّ الحادثات أصانع
وأيّ الأعادي أتَّقي وهمُ الحصى / عديداً وكلٌّ مجهرٌ ومصانع
فحيث طرحتُ اللحظ أبصرت منهمُ / أخا حنقٍ شخصي لأحشاه صادع
إذا ما رآني ازوررَّ عنيَ طرفهُ / كأنِّيَ رمحٌ بين جنبيه شارع
وإنِّي ولا فجرٌ كفاني تغرُّدي / تحاشدهم أنَّى حوتنا المجامع
أريهم بأنِّي عن دهاهم مغفلٌ / وعندي لهم خبٌّ من العزم رادع
كذئب الفضا تلقاه رخواً إذا مشى / ويشتدُّ إن واثبتَه وهو قاطع
ينامُ بإحدى مقلتيه ويتَّقي / بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع
درى لا درى دهرٌ ذممنا طباعَه
درى لا درى دهرٌ ذممنا طباعَه / لأيِّ حمًى يا راعه اللهُ راعَه
وأيّ عليٍّ ساقَ للنزع نفسَه / لقد كابدت نفسُ المعاني نزاعه
وأُدرجت التقوى بأثناء بردِه / وأزمعَ خيرُ الأرض عنها زماعه
مضت ليلةُ الاثنين عنه بواحدٍ / له في النهى مرأًى يفوق سماعه
تفرق شملُ الصبر ساعة بينه / وأقبلَ شملُ الهمِّ يبدي اجتماعه
طوى يومهُ بشرَ الزمان بهاءه / بشاشته إبهاجه والتماعه
وغادره ما عاشَ ينشرُ رزءه / جديداً فيبكي ثكله وانتجاعه
أصاح بماذا يملك الجلدُ جفنه / على الدمع أو ينهي الحليمُ التياعه
ويطرد في أيِّ الرقى ماردَ الجوى / ويحوي لديغ الهمِّ فيها شجاعه
وكيف وأنِّي والتماسَك والذي / به يشتكي كلٌّ أجدّ وداعه
سل الحلة الفيحاء عن عقد نحرها / أتعلم منها الدهرُ أين أضاعه
نعم سامه فابتاعه الموتُ بالجوى / ويا ربحها لو تستطيعُ ارتجاعه
مغمّضه مهلاً أتحفظ للتقى / بكفّيك جفناً ما أعفَّ ارتفاعه
وغاسله رفقاً فمن جسد العُلى / تقلبُ جسماً ما أشقَّ انتزاعه
ورادعَه طيباً ألست بناشقٍ / على جسمه طيبَ التقى ورداعه
وحامله في النعشِ دونك فاحتمل / به النسكَ إنَّ النسكَ كانَ متاعه
ومضجعَه في لحده أضجع التقى / به فهو يهوى مع أخيه اضطجاعه
وباكيَه لا تبكي بالدمع وحده / بلى بدم الأحشاء مدّ اندفاعه
وراثيَه إنَّ الكلام لضائقٌ / بعظم الجوى بل لا يضيق استماعه
نعم إن غدت منه خلاءً فهذه / بقيته في المجدِ تعلو يفاعه
بهمَّته تسمو إلى شرف العُلى / وتبسط في كسب المعالي ذراعه
مضى وهو البدرُ المنيرُ وأنجموا / بأبراجه شهباً كساها شعاعه
أطايبُ قد حلُّوا من العزِّ ربعه / فعطَّر طيبُ الفخر منهم بقاعه
فصبراً بني التقوى وإن كانَ رزؤكم / عرى الدهرُ منه ما أراعَ ذراعه
لنا ولكم حسنُ العزا عن أبيكم / بخيرِ أبٍ سرَّ الندى قد أذاعه
هو الحلف المهديُّ من في جبينه / بدا للهدى نوراً يزين التماعه
ولم يتبعْ الإقتداء به الهُدى / بلى أوجب اللهُ العظيم اتِّباعه
أبو سادةٍ لو حلَّق النسرُ طائراً / لنيلِ ذرى عليائهم ما استطاعه
فجعفرُ فضلٌ صالحٌ ومحمدٌ / حسينٌ حبا المهديَّ كلٌّ طباعه
فروعُ فخارٍ رشحتها أصولها / لمجدٍ تمنَّى المجدُ منه ارتفاعه
لهم حسبٌ لو كايلوه بنو العُلى / بأحسابهم فخراً لما كِلنَ صاعه
أبا صالحٍ كم مبهماتٍ جلوتها / وملتبسٍ منها كشفتَ قناعه
سنا البدر قد أطفا سناك شعاعه / ونوركَ ذا فيه رأينا انطباعه
هل المجدُ إلاَّ ما رفعتَ عماده / أو الجودُ إلاَّ ما تجيد اصطناعه
وأعجبُ شيءٍ أن يطاول فاضلٌ / علاكَ ومنكَ الفترُ يفضلُ باعه
وكيف الفضا في عظم فخرك لم يطقْ / أفخرُك قد أعطى الفضاءَ اتَّساعه
تُراجعُ أعطاء الكثير ولا كمن / إذا هو أعطى النزرَ ودَّ ارتجاعه
سلمتَ لدين الله ترأبُ صدعه / وتحفظ ما منه سواكَ أضاعه
ولا زلتَ غيث اللطف يمنح ضرعُه / ضريح عليٍّ درَّه ورضاعه