أرى الحسن في لبنان أينع غرسه
أرى الحسن في لبنان أينع غرسه / وقارب حتى أمكن الكفّ لمسه
إذا ما رأته عين ذي اللبّ مشرقاً / تنزّت به في مدرح الحبّ نفسه
زكا مغرساً فالذام ليس يؤمّه / وطاب جنىً فالسوء ليس يمسّه
قسا صخره لكن تفجّر ماؤه / فلان بكفّ العيش منه مجسّه
لقد لبس الجوّ اللطيف فزانه / بما فيه من غرّ المحاسن لبسه
ففي الليل لم يزعجك برد نسيه / وفي الظهر لم تلفحك بالحرّ شمسه
وقد عبّدت للسالكين طريقه / وحرّر أهلوه وبورك أنسه
فمن كان في طرق التواصل عثرةً / فقد جاز في شرع المحبّة دعسه
تضيء نجوم السعد واليمن فوقه / فينجاب شؤم الدهر عنه ونحسه
ويهمس في أذن الطبيعة جوّه / فيضحكها فوق الربا الخضر همسه
كأن النسيم الطلق بين جنانه / غناء حبيب يطرب النفس جرسه
كأن جبال المَتن حدبة عابد / هوى ساجداً شكراً وبيروت رأسه
يقال عن الأضواء في جوف ليله / ببيروت إذ يغشى من الليل دمسه
تزوّج صنّين الفتى بنت جاره / فأضواء بيروت الوسيطة عرسه
ونبع الصفا والقاع فيه كلاهما / من الحسن ملأى بالبدائع كأسه
جرى الماء في واديهما متدفقاً / بانشودة الأطراب تنطق خرسه
أن تَزُرِ الشاغور يوماً تجد به / من الحسن ما قد خصّ بالفضل جنسه
جرى ماؤه العذب الزلال محاكياً / به الماس صفواً أو هو الماس نفسه
ترى طبع واديه رءوفاً بأهله / شديداً على ما يزعج النفس بأسه
فمن زاره مستوحشاً فهو انسه / ومن جاءه مستنزهاً فهو قدسه
فيا لائمي في حب لبنان انني / أحسّ لعمري منه ما لا تحسّه
إذا كان لبنان كليَلى محاسناً / فلا تعجبوا من أنيي اليوم قيسه
وأن تحمدوا منهُ الأيادي فإنني / أنا اليوم من بعد الأيادي قسَه
عجبت لمدفون به بعد موته / ولم ينتفض حيّاً وينشقّ رمسه
فمن لم يزُره وهو ربّ استطاعة / تحتّم في سجن الحماقة حبسه
ومن زاره مستشفياً زاره الشفا / وإن كان قبلاً يائساً منه نطسه
ولو جاءه من فَيه مسّ وجنّة / لما حلّه إلاّ وقد زال مسّه
وما حلّه مستوحش النفس واجم / من الناس إلاّ تمّ بالضحك انسه
محلّ اصطياف الأغنياء من الورى / يعيش عزيزاً فيه من ذلّ فلسه
فمن يبذلِ الدينار فيما يريده / فمأواه محمود وإِلاّ فعكسه
كمثل الذي لا تصرف الفلس كفُّه / ولو كان دون الفلس يقلع ضِرسه
كتبت كتاب المدح في وصف حسنه / فضاق ولم يستوعب الوصف طرسه
فما كل ما قالت به شعراؤه / سوى ثلث ما يحويه بل هو خمسه
ألا أن في لبنان جوّاً مروّقاً / إذا ما شفى المسلول لم يخش نكسه